كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل السابع
عن كيف يجب أن تكون عواطفنا نحو أعدائنا
ما كان يمكن أن يكون لمريم أعداء أعظم من الفريسيين واليهود الذين تآمروا على ابنها فحكموا عليه بالموت.مع ذلك فقد إتحدت بعواطفها مع عواطف يسوع الذي أحب أعداءه حتى أنه بذل حياته في سبيل خلاصهم، فكانت تقول من كل قلبها مثله: يا إلهي أغفر لهم! إنها كانت تعاين هؤلاء أعداء ابنها اللدودين يفاخرون بظفرهم في جرمهم، وكانت تسمع اللعنات التي كانوا يقذفونها بها والتجديفات التي كانوا يوجهونها إليه. أي أم أخرى في محل مريم كانت تطلب من السماء الانتقام الشديد لهؤلاء الأثمة. أما مريم، التي تعلمت في مدرسة إله السلام، فكان ينعشها روح مغاير لهذا روح الانتقام. لم يكن يسوع يسمع السماء من أعلى صليبه سوى صوت الرحمة والغفران لمضطهديه ومسببي موته، وأما مريم فكانت تقدم عنهم وهي تحت الصليب هذا دم الضحية المسجود لها التي كانوا يضحونها بأيديهم! لعمري! لوتمكن اليهود من أن يقرأوا في قلب يسوع ومريم عواطف الرحمة والشفقة التي لهما نحوهم أفهل كانوا يحتاجون إلى أكثر من هذا ليتحولوا عن مقاصدهم الأثيمة والشنيعة؟ فمن هذين القلبين الممتلئين محبة نحوالذين يملأونهما مرارة علينا أن نستقي روح السلام الذي يأمر به الإنجيل نحوالأعداء. لقد جعل يسوع ومريم مجدهما في أن يغفرا للأعداء أهانتهم، افهل قد ضلا في حكمهما عن المجد الحقيقي؟ أوهل من الذل لنا أن نتشبه بالنماذج المجيدة؟! مهما كانت طبيعة الإهانات المقترفة ضدنا، فهي لن تعادل تلك التي أصابت يسوع ومريم. أن مريم كانت بعد يسوع، الموضوع الذي سرت به السماء أكثر مما بأي موضوع آخر، فأهانة يسوع كانت غير متناهية كما أن أهانة مريم كانت اقسى ما يمكن أن يتصوره الإنسان بعد إهانة يسوع.
مع ذلك، فبأي محبة سفك يسوع دمه الكريم وقدم ثمنه لأبيه مستعطفاً إياه عن إثم المذنبين في صلبه؟ وبأي محبة كانت مريم تستحلف الآب السماوي كي يصغي لصوت دم ابنه فيغفر للصالبين؟ ألا يجب على البغضة مهما كانت شديدة أن تخنق أنفاسها عند أقدام الصليب حيث نرى يسوع ومريم يهتمان بنوع كذا مؤثر بخير الذين نصبوا هذا الصليب ذاته بأيديهم الأثيمة؟ أن هذا الصليب، آلة خلاصنا الثمينة سيطلب الحكم علينا بالموت اذا نجسر على الأقتراب منه وعوامل البغضة تملأ افئدتنا. يارب: لايمكن لمحبة القريب أن تكون إلا ثمرة نعمة عظيمة قوية. فها إنني أستمد هذه النعمة منك باستحقاقات يسوع وشفاعة مريم اللذين كان قلبهما وديعاً نحوأعظم ناكري جميلهما ومحباً لمضطهديهما القساة. ياقلب يسوع المسجود له وياقلب مريم المحبوب، يامن كنتما ممتلئين عطفاً نحوكل الذين كانوا سبباً في الآمكما المبرحة أفيضا على قلبي سخاء عواطفكما. آهاً! أنني من الآن فصاعداً سأبادر إلى أن أتحد قلبي بهذين القلبين المقدسين كل مرة شعرت باضطرام عواطف الأنتقام فيه. ولن أمل من أن إبقيه هكذا متحداً بهما حتى ينال سمات هذا الصلاح وهذه المحبة وهذه الوداعة التي تفعمهما.
No Result
View All Result
Discussion about this post