كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل الثامن
عن العواطف التي يجب أن تتملكنا لدى رؤيتنا أهلنا وأصدقائنا يتألمون
ان الله يحزننا احياناً بواسطة اقاربنا واصدقائنا. وتعلقنا الشديد بهم يجعلنا نتألم لألمهم. اي حزن لأم ترى أبنها مضجعاً فوق فراش النزاع، ولصديق يعاين ما يكابد صديقه من الآم مبرحة، وهما لا يقدران أن يمدا يد المساعدة! أن هذا الحزن لا شيئ فيه يستحق اللوم طالما يكون خاضعاً لإرادة الله. إنه ينقلب باللائمة على صاحبه عندما لا يخضع لهذه الإرادة المقدسة وينفجر عن تذمرات ضد العناية الإلهية. من حزن أكثر مما حزنت الأم القديسة حين عاينت آلام ابنها الذي منه اقتبلت أخص دلائل الحب العظيمة؟ كم مرة قالت له بلسان حالها: يابني: ليتني تألمت ومت عوضك. وإذا بنات أورشليم ذرفن الدموع لدى رؤيتهن يسوع حاملا ً آلة عذابه ففي أي بحر من المرائر قد غطس قلب مريم حين رأته مضطجعاً فوق هذا المذبح حيث أسلم آخر أنفاسه؟! آهاً! لو أمكنها أقله أن تقدم له بعض التخفيفات لآلامه هذه! أن تسند راسه المنحني تحت ثقل الأوجاع، وأن تروي عطشه الذي تشكى منه! ولكن كلا! إنها لم تؤمل أن يلين قلب أحد الحاضرين عليها فيمنحها واسطة للتخفيف عنه! إنها حيثما جالت ببصرها لم تعاين إلا أفواه مفتوحة للسب والشتم ضد قدرة يسوع ولاهوته! قد يتسلى الإنسان حين يتألم عوضاً عن محبوبه، ولكن كم هوصعب أن نرى من نحبه يتألم ولايكون في وسعنا التخفيف عنه! وماذا فعلت مريم في هذا الوقت المؤثر؟ هل إحتملت حتى النهاية قساوة المنظر، أم أبتعدت حتى لا ترى حبيبها ينازع ويموت في وسط الأوجاع؟ آهاً! إنها لم تتشبه بأم أسماعيل التي فضلت ترك ولدها على أن تراه يموت أمام عينيها، بل بقيت تحت أقدام الصليب مستسلمة بصبر وسلام لأوامر الرب الأزلي، ومقدمة له الآم ابنها لأجل خلاص البشرية! إنها بقيت هناك لأن الله أرادها هناك! أنها تبقى حتى تكتمل الذبيحة! إيمانها وخضوعها ومحبتها لله وسائر فضائلها السامية جعلت منها ضحية ثانية مقبولة أمام السماء التي اقتبلتها بالاتحاد مع الذبيحة المقربة لها في شخص مخلص البشر. تعلم ياهذا! أباً كنت حنوناً أو صديقاً وفياً، ابناً أوعروساً، تعلم أنت الذي على وشك أن تفقد تسليتك على هذه الأرض كيف تتغلب على الألم.
تذكر بأنك إ تخشى بذل الكثير لأجل الأرضيات تعد ذاتك لأكتساب الكثير للسماء. الديانة لا تشجب دموعك أوحساسيتك، لا بل إذا أصغيت لتعاليمها فستتعلم منها كيف تقلل من هذه الدموع وتقدسها. إن الديانة تصدك عن الاستسلام للحزن الفتاك الذي يرفض كل تسلية، وتوضح لك بأن تكميل إرادة الله هي الدافع الذي يجب أن يفيض عليك السلوان والعزاء. سل إذاً قلبك بالبكاء والتنهدات دون أن تكف عن الالتفات نحوه تعالى والسجود لتدابيره والخضوع لها بكل تواضع. حاول، نعم، حاول التخفيف عن آلام من تحزن عليه ولأجله، إنه تعالى يسمح لك بهذا ويجيز لك أن تطلب شفاءه، إلا أن كل هذا يجب أن يتم بخضوع يسلم كل شيئ بين يديه عز اسمه. قل له: يارب أنت عارف بما أطلبه من جودك وأنت الشاهد على دموعي. إن قلبي أضحى هدفاً لاضطراب عظيم. أيها الرب إلهي إياك رجوت وفيك وضعت كل ثقتي، ولي الأمل الوطيد بأنك ستستجيب دعائي الذي أرفعه إليك لأجل شفاء هذا الشخص الذي ألتمسك من أجله. غير أنني مستعد لكل ما تطلبه مني، لأعمل مشيئتك يا الله.
No Result
View All Result
Discussion about this post