كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل التاسع
عن الروح الذي به يجب أن نتقبل خسارتنا للأشخاص الذين نحبهم
لقد مات يسوع! وكم طالت في أعين مريم تلك الفترة التي أنقضت بين موته وقيامته. لقد مات يسوع! وفقدت مريم أبنها المحبوب والمستحق كل محبة! إن حزن داؤد لموت ابيشالوم وتنهدات راحيل التي بكت أبنائها لا يعبر إلا قليلاً عن أحزان مريم عندما لم تعد ترى يسوع وتسمعه يتكلم! إلا أن هذه الأم الأكثر قداسة والأكثر تديناً بين كل الأمهات لم تفقد شيئاً من فضيلتها لفقدها وحيدها، وكان إيمانها بقيامة ابنها المقبلة وخضوعها لكل مادبره تعالى لمجده ولخلاص البشر سندها العظيم وتسليتها في أحزانها! فأنت يامن أحزنك الرب بانتزاعه منك ماكنت تخشى فقده أكثر من أي شيئ آخر، ويا أماً ثكلى فجعت بأبن أحبته بحنو والدي، وياعروسة منتحبة حكم عليها بالترمل المؤسف قبل الآوان، لا تفقدوا من أمام أعينكم نموذج العذراء الماثل أمامكم. إنكم محقون في ذرفكم الدموع، لقد بكى يوسف على قبر أبيه يعقوب، وبكى مار اوغسطينوس على موت أمه القديسة مونيكا. إلا أنه يجب أن تتعلموا من مريم كيف تضحون آلامكم لله وكيف تتحملونها لأجل مجده ومحبته. لقد قضى الموت بنوع لا رجوع عنه على العلاقات الوثقى التي كانت تربطك هنا على الأرض بالشخص الذي تبكيه. ولكن هل زال أي رجاء أو أمل بملاقاتكما مرة أخرى؟ قل لي ياهذا. هل ستدوم أنت بذاتك في العالم؟ الا يعلمك الأيمان بأن المؤمنين الحقيقين سيتمتعون برؤيتهم بعضهم بعضاً. متحدين في أحضان الله بنوع أكمل بما لا يحد من الاتحاد الذي كان يربطهم على هذه الأرض؟ أننا سنقوم يوماً! هذا هو الرجاء الحلو والثمين الذي كان يعرضه الرسول على المسيحيين الأولين كواسطة لمسح دموعهم ولتحمل فقدانهم إخوتهم بهدوء ورجاء.
فلا نستسلم إذاً للحزن واليأس كمن لا رجاء لهم. اذرف الدموع كالمسيحي الممتلئ إيماناً الذي يعود فيسيطر على ذاته بعد أن يكون قد أعطى الحنو الطبيعي حقوقه. إنه من خواص ديانتنا المقدسة والإلهية أن تقدم أسباب تسلية وعزاء هذا عظم قوتها. وهل ياترى أن الشخص الذي كنت تحبه وشاء الموت انتزاعه منك كان يكون كل سعادتك على الأرض؟ هل كنت تحبه أكثر من الله ذاته الذي سمح بهذا الفراق لأسباب ما عليك سوى السجود لها؟ نعم إن هذا الشخص كان عزيزاً عليك، إلا أن إرادة الله كان يجب أن تكون أعز منه لديك. يظهر بأن محبتك لهذا الشخص لم تكن مرتبة جيداً. أنك كنت مفرطاً في تعلقك به. والدليل على ذلك دموعك المرة التي لا تقبل أن تنشف. ومن المحتمل أن هذا الشخص كان مانعاً كبيراً لتقدمك في الكمال وربما ايضاً لخلاصك. فالرب قد أبدى نحوك عطفاً أبوياً بانتزاعه إياه منك.
أستفد من هذا الحزن الذي داهمك حتى لا تتعلق بأي مخلوق آخر. اجعل تعلقك كله بذاك الذي لا تفنى سنوه. وإذا أردت أن تحب أحداً مع الله فلا يكن ذلك إلا من حيث أن الله يسمح لك بمحبته أويفرض عليك هذه المحبة، وبشرط ألا تتأثر بذلك محبتك له تعالى. أعني بكلمة. أحب الله في القريب. ومتى كانت محبتنا من هذا القبيل فسيسهل علينا الأنفصال متى شاء الرب عن موضوع محبتنا هذا الشرعي بالرغم من نفورنا وحساسيتنا الطبيعية. نعم أن القلب يتأوه في وقت التضحية، والعيون تسكب الدموع، إلا أن المتألم المسيحي يحب ما يحبه الله، ومجرد التفكير بهذه الإرادة الإلهية التي تنفذ من شأنه أن ينظم سيل الدموع وتدفق الحسرات.
No Result
View All Result
Discussion about this post