كتاب امجاد مريم البتول
القديس ألفونس دي ليكوري
الفصل الأول
تفسير السلام عليك أيتها الملكة أم الرحمة والرأفة
† الجزء الثاني †
في كم ينبغي أن يكون رجاؤنا وطيداً في مريم البتول بنوع أفضل، من حيث أنها هي أمنا
إنه ليس من دون إفادةٍ ولا بطريق العرض تدعى مريم البتول من عبيدها بتسمية أمٍ لهم، ويبان كأنهم لا يعرفون أن يستدعوها بتسميةٍ غير هذه، بل ولا يشبعون من تكرارها في أفواههم، وذلك بكل صوابٍ، لأن هذه القديسة الجليلة هي حقاً أمنا لا الطبيعية بل الروحية، أي هي حقيقةً أمٌ لأنفسنا ولسعادتنا الأبدية. فالخطيئة حينما أعدمت أنفسنا نعمة الله قد أعدمتها في الوقت عينه الحياة الروحية. فمن ثم إذ بقيت أنفسنا على هذه الصورة مائتةً بتعاسةٍ عظيمة قد جاء يسوع مخلصنا، وبرأفةٍ وحبٍ عديم الإدراك قد أسترد لنا الحياة التي كنا فقدناها. مكتسباً لنا إياها بواسطة موته من أجلنا على خشبة الصليب. حسبما قال هو تعالى نفسه: فأما أنا فأتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل: (يوحنا ص10ع10) على أن يسوع المسيح. كما يبرهن اللاهوتيون، قد جلب علينا خيراتٍ أعظم وأفضل بواسطة سرّ الافتداء الذي صنعه، مما قد جلبت علينا خطيئة آدم من الخسران. وهكذا إذ قد صالحنا تعالى مع الله أبيه. فصار أباً لأنفس الذين هم في شريعة النعمة، بالنوع الذي سبق النبي أشعيا وتنبأ عنه مسمياً إياه أبا العالم الآتي، رئيس السلام: (أشعيا ص9ع6) فإن كان يسوع هو أباً لأنفسنا، فمريم هي أمٌّ لها، لأنها إذ أعطتنا يسوع فأعطتنا الحياة الحقيقية. وإذ قدمت فيما بعد على جبل الجلجلة ابنها، ابنها الحبيب من أجل خلاصنا. فقد ولدتنا حينئذٍ لحياة النعمة الإلهية*
ففي زمنين إذاً حسب أقوال الآباء القديسين قد أضحت مريم البتول أماً روحيةً لنا. فالزمن الأول هو حينما استحقت هي أن تحبل في أحشائها البتولية بإبن الله كما يقول الطوباوي ألبرتوس الكبير وبأكثر اتساعٍ يتكلم عن ذلك القديس برنردينوس السياني بقوله (في الخطبة السادسة المختصة بالبتول القديسة): إن هذه العذراء المجيدة عندما بشرها ملاك الرب بالحبل الإلهي، وهي أعطت رضاها المنتظر من الكلمة الأزلي بأن يصير أبناً لها، فمنذ تلك الساعة قد التمست هي من الله خلاصنا بحبٍ فائق الإدراك، وأخذت تجتهد من ذلك الوقت في أمر فدائنا وأستنقاذنا بهذا المقدار، حتى أنها حوتنا في مستودعها نظير أمٍ كلية الانعطاف والحب: ثم أن القديس لوقا الانجيلي يقول في الإصحاح الثاني من بشارته إذ يخبر عن ميلاد مخلصنا، أن مريم قد ولدت ابنها البكر، فهنا يتفلسف حسناً أحد العلماء بقوله، فإذاً أن كان الإنجيلي يعلن لنا أن مريم البتول قد ولدت حينئذٍ ابنها البكر، فيلزم أن يفترض أنها قد ولدت بعد ذلك أولاداً آخرين، وإلا لما كان سُمي يسوع ابنها البكر والحال أنها لقاعدةً من قواعد الإيمان هي أن مريم العذراء لم يكن لها ابن آخر بالجسد سوى يسوع. ولم تلد قط جسدياً أبناً آخر غيره، فإذاً يلزمها أن تكون حصلت على أولادٍ آخرين روحيين. وهؤلاء البنون إنما هم نحن أجمعون، وهذا الأمر نفسه قد أعلنه الرب لعبدته القديسة جالترودة التي إذ كانت يوماً تقرأ النص الإنجيلي المتقدم ذكره قد حصلت مبهوتةً، لأنها لم تكن تعلم أن توفق هذين الشيئين معاً، وهما أن مريم العذراء لم تكن أُماً سوى ليسوع المسيح فقط، فكيف إذاً هذا الابن الوحيد أن يدعى أبنها البكر، فالباري تعالى قد تنازل لأن يفسر لها ذلك بأن يسوع هو ابن هذه البتول البكر بحسب الجسد، والبشر هم أولادها الثانين بحسب الروح*
وبهذا النوع يلزم أن تفهم الألفاظ المدونة في العدد الثاني من الإصحاح السابع من سفر النشيد عن مريم العذراء وهي: جوفكِ عرمة حنطة مسيَّجة بالسوسن: فيشرح ذلك القديس أمبروسيوس (في ارشاده عن البتولية) قائلاً: أنه ولئن لم يكن يوجد في جوف مريم البتول الكلي الطهر، إلا حبةٌ واحدةٌ فقط من الحنطة وهذه الحبة هي يسوع المسيح، فمع ذلك يقال عن جوفها أنه عرمة حنطة، من حيث أنه في تلك الحبة الوحيدة قد كان يوجد المختارون أجمعون، الذين قد كانت مريم مزمعةً أن تصير هي أُمهم: ومن ثم كتب الأنبا غوليالموس (في العدد13 من الرأس4 على سفر النشيد): أن مريم بميلادها يسوع الذي هو مخلصنا وحياتنا قد ولدتنا كلنا للخلاص وللحياة*
وأما الزمن الثاني الذي فيه قد تبننت بنا هذه القديسة وصارت هي فيه أمنا، إذ ولدتنا بالنعمة، فهو حينما قدمت للآب الأزلي عند جبل الجلجلة ابنها الحبيب من أجل خلاصنا بآلامٍ شديدة المراس. ولذلك يبرهن القديس أغوسطينوس (في الرأس6 على البتولية) بأنه إذ كانت هذه الأم الإلهية قد ساعدت حينئذٍ مشتركةً بالعمل بواسطة حبها، لكي يولد المؤمنون لحياة النعمة فقد صارت لأجل ذلك أيضاً أماً روحيةً لنا أجمعين نحن الذين هم أعضاءٌ لرأسنا الذي هو يسوع المسيح، وهذا هو تفسير ما يقال في العدد السادس من الإصحاح الأول من سفر النشيد عن هذه الطوباوية هكذا جعلوني في الكرم حافظةً، وما حفظت كرمي. على أن مريم لأجل خلاص أنفسنا قد ارتضت بأن تقرب حياة إبنها الحبيب ضحيةً بالموت كما يقول عنها غوليالموس: أنها لكي تصنع الخلاص لأنفس كثيرة العدد قد قدمت هي نفسها للموت. فمن تراه كان هو نفس مريم البتول سوى يسوع ابنها الذي كان هو حياتها وموضوع حبها الكلي، ولأجل ذلك قد كان سبق البار سمعان الشيخ وأخبرها بأن سيفاً كان عتيداً أن يجوز في نفسها يوماً ما بأوجاعٍ شديدة (لوقا ص2ع55) كما قد تم بالحقيقة. لا سيما بتلك الحربة التي طعن بها جنب يسوع، الذي هو روح هذه الأم الطوباوية، وحينئذٍ قد ولدتنا للحياة الأبدية بأوجاعها الإلهية، ومن ثم نستطيع كلنا أن ندعى أولاد أوجاع مريم. فأمنا هذه الكلية الحب قد كانت دائماً متحدةً بجملتها مع مشيئة الله. ولذلك يورد القديس بوناونتورا قائلاً: أن هذه القديسة عندما لاحظت محبة الآب الأزلي للبشر، حتى أنه كان يريد أن يموت أبنه لأجل خلاصنا. واعتبرت محبة الابن بإرادته أن يموت عنا. فهي لكي توافق مفاعيل هذا الحب الشديد، المضطرم سعيره في الآب والابن نحو الجنس البشري، فقدمت هي أيضاً بكلية إرادتها المحرقة، مرتضيةً في أن أبنها يموت لكي نخلص نحن*
فأي نعم أن المسيح يسوع في تخليصه الجنس البشري بموته عنهم، أراد أن يكون هو وحده فادياً، كما يقول أشعيا النبي (ص63ع3): أنني دست معصرةً وحدي: غير أنه إذ رأى تعالى أشواق مريم العظيمة، إلى أن تكون هي أيضاً مساعدةً ومهتمةً في خلاص البشر، فرتب أنها بواسطة تقدمتها قرباناً حياة ابنها يسوع نفسه، تصير مساعدةً ومشتركةً في عمل خلاصنا. وهكذا تعود هي أماً لأنفسنا، وهذا قد أوضحه فادينا حينما كان على الصليب قبل أن يموت، لأنه نظر إلى والدته مريم، وإلى تلميذه يوحنا واقفين تحت صليبه. فقال أولاً لمريم: يا امرأة ها أبنكِ: (يوحنا ص19ع26) وكأنه أراد أن يقول لها، ها أنكِ قدمت حياتي لله، ذبيحةً من أجل خلاص ذاك الإنسان الذي قد ولد بالنعمة. ثم بعد ذلك التفت يسوع نحو القديس يوحنا قائلاً: يا تلميذ ها أمك: فيقول القديس برنردينوس السياني (في العظة55من كتابة1): أن مريم البتول بواسطة هذه الكلمات، قد صارت أماً ليس للقديس يوحنا الرسول فقط، بل لكل البشر أيضاً. لأجل شدة الحب الذي أحبتهم به: ولذلك يتفلسف حسناً العلامة سيلفاريا. بأن القديس يوحنا الإنجيلي عينه في تخبيره عن هذا الحادث قد كتب هكذا: ثم قال يسوع للتلميذ ها أُمك. فمن ثم يلزم أن تعتبر جيداً هذه الكلمات وهي أن يسوع المسيح لم يقل ذلك متوخياً شخص يوحنا. بل قال للتلميذ من دون أن يدعوه باسمه يوحنا، ليوضح أنه تعالى قد أقام والدته أماً عامةً مشاعةً، لكل أولئك الذين من حيث أنهم مسيحيون فمطلقةٌ لهم تسمية تلاميذ له تعالى.*
فأنا هي أم الحب الجميل: تقول مريم العذراء (حكمة ابن سيراخ ص24ع24) على أن حبها، كما يقول أحد العلماء الذي يصير أنفسنا جميلةً لدى عيني الله فقد جعل هذه الأم المتقدة بالمحبة تقبلنا أولاداً لها: لأنها هي كلها محبةٌ نحونا نحن المقبولين منها أولاداً لها. ولأجل ذلك يهتف نحوها القديس بوناونتورا قائلاً: ترى أية أمٍ تحب أولادها وتجتهد دائماً في خيرهم، بمقدار ما تحبيننا أنتِ يا ملكتنا الكلية العذوبة وتجتهدين في خيرنا ونمونا*
فطوباويون هو أولئك الذين يعيشون تحت حماية أمٍ هي بهذا المقدار محبةٌ ومقتدرةٌ. فالنبي داود ولئن لم تكن بعد في زمانه ولدت مريم المجيدة، فمع ذلك كان يبتغي من الله الخلاص بحسب كونه أبناً لها بقوله (مزمور86ع16): خلص ابن آمتك: فيقول القديس أوغوسطينوس (في تفسيره المزمور 86): ومن هي آمتك: فإنما هي التي قالت لجبرائيل: ها أنا آمةٌ للرب فليكن لي حسب قولك. ثم يهتف الكردينال بالارمينوس بقوله (في تفسير السبع الكلمات): فمن تراه يستطيع أن يتجاسر على أن يخطف هؤلاء البنين من حضن مريم، بعد أن يكونوا التجأوا إليها هاربين ليخلصوا من أيدي أعدائهم. وأي رجزٍ جهنمي، أو غضب ألميٍ يقدر أن ينتصر عليهم، أن كانوا يضعون رجاءهم تحت حماية هذه الأم العظيمة: فيخبر الطبيعيون عن السمكة البحرية المسماة بالينا، أنها حينما تشاهد أولادها كائنةً في خطرٍ أما من قبل أختباط البحر بالعاصفة، وأما من قبل الصيادين، ففي الحال تفتح فاها وتبتلع أولادها في جوفها، فعلى هذه الصورة يقول نوفاريوس: أن أمنا الحنونة حينما ترانا نحن أولادها في الخطر الأعظم، الذي يحيق بنا من قبل شدة التجارب فماذا تصنع، أنها حينئذٍ تخفينا بجبٍ كأنه داخل أحشائها، وهناك تحامي عنا ولا تهملنا من محافظتها حتى تبلغنا الى مينا الفردوس السماوي الأمين. فلتكوني دائماً مباركةً أيتها الأم الكلية الحب والجزيلة الترأف والإشفاق، وليكن على الدوام مسبحاً الإله الذي أعطانا إياكِ أماً لنا. وملجأً أميناً نهرب إليه من مخاطر هذه الحياة*
ثم إن هذه الأم الرحومة نفسها قد أوحت الى القديسة بريجيتا (رأس38 كتاب4) قائلةً لها هكذا: أنه كما أن إحدى الأمهات إذا شاهدت ابنها كائناً فيما بين سيوف الأعداء، فتبذل كل قوتها وأستطاعتها في استنقاذه منهم. فهكذا أنا أصنع كل وقتٍ مع أولادي ولئن كانوا خطأة. وذلك كل مرةٍ يلتجئون إليَّ لكي أعينهم: فلأجل هذا السبب نحن ننتصر في معركتنا مع القوات الجحيمية، وسنكون على الدوام غالبين ولراية الظفر بتأكيدٍ حاملين، بواسطة التجائنا إلى والدة الإله أمنا قائلين لها: تحت ذيل حمايتك نلتجيء يا والدة الإله القديسة: فكم وكم من هذه الانتصارات العظيمة قد حصلت للمؤمنين ضد القوة الجهنمية بتلاوتهم هذه الصلاة التي أي نعم أنها قائمةٌ من كلماتٍ وجيزةٍ، إلا أنها حاويةٌ قوةً كلية الاقتدار. وفيما بين الآخرين قد انتصرت دائماً على الشياطين بواسطة هذه الصلاة، الأخت ماريا كاترينا كروجيفيسا من رهبنة القديس بناديكتوس*
فافرحوا مبتهجين إذاً يا جميع الذين هم أولاد مريم العذراء واعلموا أن هذه السيدة تقبل بنيناً لها، كل أولئك الذين يريدون أن يحصلوا على هذا التبني، فتهللوا إذاً. لأنه أي خوفٍ يمكنه أن يعتريكم من أن تهلكوا، في الوقت الذي فيه أنتم حاصلون على حماية هذه الأم المقتدرة المناضلة عنكم. ولذلك كان يخاطب نفسه القديس بوناونتورا قائلاً: لماذا تخافين يا نفسي وما الذي يروعكِ، فلا تقلقي لأن قضية خلاصك الأبدي لا يلتحقها الخسران، إذ أن الحكومة العتيدة أن تبرز في شأنها، هي متعلقةٌ بإرادة يسوع الذي هو أخوكِ، وبحماية مريم التي هي أمكِ: فنظير هذا القديس يمكنه أن يشجع ذاته ويخاطب نفسه كل إنسانٍ يحب هذه الأم الصالحة، وتكون له فيها ثقةٌ ورجاءٌ وطيدٌ. وبموجب ذلك عينه كان يهتف القديس أنسلموس فرحاً مشجعاً نفسه وإيانا معاً(في تضرعه نحو البتول) قائلاً: يا له من رجاء مغبوطٍ، ويا له من ملجأ أمينٍ. وهو أن والدة الإله هي والدتي. فأي تأكيدٍ وطمأنيةٍ يلزمنا أن نؤمل أفضل من هذه وهي أن أمر خلاصنا هو متعلقٌ، على إرادة أخينا الصالح وأمنا الشفوقة، ومتوقفٌ على مشيئتهما: فهوذا أمنا تسمعنا صوتها، وتدعونا إليها قائلةً: من كان صغيراً فليأتِ إليَّ سفر الامثال ص9ع4) فمن عادة الأطفال والصغار في السن أن يوجد اسم أمهم متكرراً في أفواههم، ومن ثم في كل خطرٍ يداهمهم، وفي كل خوفٍ يعتريهم، فحالاً تسمع أصواتهم صارخين يا أمي يا أمي. فأواه يا مريم الكلية الحلاوة، آه يا أيتها الأم الشديدة الحب نحو أولادها. إن هذا هو بالحصر الأمر الذي ترغبينه، وهو أننا إذ نحصل صغاراً أطفالاً، فندعوكِ دائماً، لأنك تريدين أن تعينينا وتخلصينا، نظير ما خلصتِ جميع البنين الذين – قصدوكِ والتجأوا إليكِ*
*نموذج*
إنه لمحررٌ في الفصل السابع من الكتاب الخامس من تاريخ تأسيس الرهبنة اليسوعية في مملكة نابولي، ما يأتي ذكره عن شابٍ شريف الحسب والنسب جداً يدعى غوليالموس الفينسطونيوس، أصله من بلاد سكوتسيا، وهو أن هذا الشاب قد كان نسيباً للسلطان يعقوب، وإذ أنه ولد وتربى في الأرتقه، فأستمر عائشاً في ضلالها. ولكن ضياء النعمة الإلهية قد أشرق في قلبه، ومن ثم أخذ يكتشف على فساد معتقده، فسافر إلى بلاد فرنسا، حيث أنه بواسطة إرشادات أحد الآباء اليسوعيين الفضلاء الذي كان هو أيضاً من بلاد سكوتسيا، وبأكثر من ذلك بواسطة شفاعة والدة الإله من أجله، قد عرف أخيراً صدق الإيمان الكاثوليكي وفساد الأرتقه، فرفضها واعتنق الأمانة الأرثوذكسية، ثم حضر بعد ذلك إلى مدينة رومية، وهناك إذ رآه يوماً ما أحد أصدقائه حزيناً باكياً، وسأله عن سبب ذلك، فأجابه الشاب بأنه في تلك الليلة قد ظهرت له أمه في الحلم، وأخبرته بأنها هلكت في جهنم، وقالت له نعماً صنعت يا ابني بتمسكك بالإيمان الكاثوليكي، لأني أنا إنما هلكت لأني مت أراتيكيه. فالشاب بعد هذه الرؤيا قد استحر بأفضل نوعٍ في عبادته لوالدة الإله، مختاراً إياها أماً وحيدةً له. وهي قد ألهمته لأن يتمسك بالدعوة الرهبانية، كما اعتمد هو على ذلك، وصنع به على ذاته نذراً، ولكن من حيث أنه كان وقتئذٍ عليل المزاج، فسافر من روميه إلى مدينة نابولي بحجة تغيير الهواء إلا أن الرب قد أراد أن هذا الشاب يموت في نابولي راهباً، على أنه رأى ذاته هناك مدنفاً على التلف، شرع يتوسل بدموعٍ لرئيس الرهبان، وللجمعية في أن يقبلوه أخاً لهم، فمن ثم قد أبرز النذور الرهبانية أمام القربان الأقدس، الذي تناوله زوادةً أخيرةً. وهكذا أحصي في عدد الرهبان اليسوعيين، وبعد هذا قد حرك الحاضرين أجمعين إلى الخشوع وذرف الدموع، عند مشاهدتهم إياه متهللاً يقدم الشكر بقلبٍ مملوءٍ من الحب لأمه العذراء المجيدة، على ما فاز به من الله من النعم بشفاعاتها، في رفضه الأرتقة وتمسكه بالإيمان المستقيم وحصوله أخيراً فيما بين الرهبان على أن يموت ناذراً في بيت الرب، ولهذا كان يهتف مبتهجاً بقوله، يا لها من سعادةٍ، ويا لها من ميتةٍ مجيدةٍ، أن يسلم الإنسان نفسه بيد الله فيما بين رفقةٍ ملائكية. وإذ قال له البعض محرضاً على أن يفتكر بأن يأخذ قليلاً من الراحة هادياً. فأجابه قائلاً: أنه ليس هو زمن الراحة، لأني الآن قد دنوت من نهاية حياتي: ثم بعد ذلك قبل أن يرقد بالرب قال للحاضرين: يا أخوتي أما تنظرون ههنا هؤلاء الملائكة المحيطين بي ليسوا أعدائي: وعندما سمعه أحد الرهبان يتكلم بصوتٍ منخفضٍ، سأله بماذا كان يتفوه، ومن كان يخاطب، فأجابه الشاب بأن ملاكه الحارس قد أخبره بأن زمن إقامته في المطهر كان وجيزاً، وأنه من دون أبطاءٍ كان مزمعاً أن يفوز بالسعادة الأبدية، قال هذا ورجع مخاطباً والدة الإله مكرراً نحوها الشكر وقائلاً: يا أمي يا أمي: وهكذا أسلم الروح كطفلٍ مبتهجٍ على ذراعي والدته وفي حضنها، وبعد هذا بزمنٍ وجيزٍ قد أوحى إلى أحد الرهبان الأبرار، بأن نفس غوليالموس المذكور قد حصلت على السعادة السماوية*
† صلاة †
Discussion about this post