كتاب
أمجاد مريم البتول
القسم الأول
للقديس ألفونسُ دي ليكوري
1985
الطبعة الأولى 1827
الطبعة الثانية 1867
الطبعة الثالثة 1985
المؤلف
من الطوباوي السيد ألفونسوس ليكوري
أسقف مدينة القديسة أغاثي ده كوتي.
مؤسس جمعية الفادي الكلي القداسة
وهو جزيل الإفادة للقارئين والواعظين.
محتو على قسمين
ففي القسم الأول: منه يبرهن على النعم الغزيرة السامية التي توزعها والدة الإله على الأنام المتعبدة لها، موضحةً في تفسير كلمات الصلاة المبدوّة: السلام عليكِ أيتها الملكة أم الرحمة.
وفي القسم الثاني: يبرهن عما يختص بأعياد هذه السيدة المتقدمة وعما يلاحظ أحزانها بوجهِ العموم والخصوص، ثم تورد الأشياء المتعلقة بفضائلها السامية، وأنواع العبادات التي يجب أن تكرم بها والأخبار المنتخبة الملاحظة هذا الموضوع* وأخيراً يضاف الى ذلك مختصر سيرة حياة
* الطوباوي المؤلف. مرتبة من المستخرج نفسه*
فقد ترجم هذا الكتاب من اللغة الإيطالية، الى اللغة العربية السيد مكسيموس مظلوم رئيس أساقفة ميرالكيا الرومي الملكي الحلبي الكلي الشرف والاحترام، الذي طبعه بنفقتهِ وتحت مناظرته.
وذلك
في مدينة رومية العظمى. في مطبعة مجمع انتشار الايمان المقدس، بأذن الرؤساء مبتدءاً به في شهر أيار سنة ألف وثمانماية وسبعة وعشرين
للتجسد الإلهي
Principio
تنبيه
* من المستخرج الى القارئ*
أعلم أيها العزيز أنني في استخراجي جميع الشهادات المدونة في هذا الكتاب من مؤلفه الطوباوي، قد ترجمت الأقوال المستشهدة منه عن أصلها بالتمام كما هي في ذاتها، ولكنني بعد أن عينتُ لشهادات الكتاب المقدس فقط أصحاحاتها وأعدادها، قد عدلتُ عن تعيين الكتب والمقالات والفصول والاعداد، التي هو نقل منها شهاداتٍ أخر عن تأليفات كثيرين من الآباء القديسين والعلماء الشهيرين، وأنما أهملت ذلك؛ لأجل أن الكتب المومى إليها لا توجد في لغتنا العربية، وبالتالي لا ثمرة من تسميتها مفصلاً، سوى الزيادة بالاسهاب، وقطع سياق الخطاب. فإذا لا تنسبن نوع هذا الاجتناب، الا لهذه العلة.
بالصواب
بسم الآب والأبن والروح القدس الإله الواحد
† ابتهالٌ من المؤلف نحو مخلصنا يسوع المسيح، ونحو والدته مريم البتول †
يا سيدي: يسوع المسيح مخلصي الكلي الحب، أني اذ كنت عارفاً أنا عبدك الحقير، كم يرضيك ويسرك ذاك الذي يجتهد فيما تتمجد به والدتك الكلية القداسة، المحبوبة منك بهذا المقدار والمرغوب منك أن تشاهدها محبوبةً من الجميع ومكرمةً منهم. فمن ثم قد فكرت بأن أظهر الى الوجود هذا التأليف المدون مني فيما يلاحظ أمجادها. فأنا لا أجد أحداً لأضع هذا الكتاب تحت حمايته أفضل من أن أقدمه لديك، لأنه مختص بمجد هذه الأم الإلهية. فإذاً أنا أكرسه بأسمك وأجعله تحت حمايتك. فأقبل مني هذه التقدمة الجزءية الملاحظة الحب الذي لي نحوك ونحو والدتك الكلية العذوبة. وأنت أمطر على قلوب الذين يقرأونه نعمك المشرقة، وعواطف الحب الملتهب نحو هذه البتول البريئة من الدنس، التي أنت جعلتها ملجأً للمخلصين أجمعين، واضعاً فيها رجاءهم. فأتضرع اليك بان تنعم عليّ مكافأة عن تعبي هذا الدني بأن أفوز بالحب عينه الذي أشتهي أن جميع الذين يتلون هذا الكتاب تضطرم به قلوبهم نحو والدتك*
ثم أنني أتجه إليك بعد يا سيدتي الكلية الحلاوة مريم أمي. فأنتِ تعلمين جيداً كيف أنني وضعت عليك بعد يسوع رجاء خلاصي الأبدي، لأن خيري جميعه، ورجوعي إلى الرب، ودعوتي لأن أترك العالم، ثم سائر النعم الأخرى التي حزتها من الله، فهذه كلها اعترف بأني نلتها منه تعالى بواسطتكِ. فأمرٌ واضحٌ لديك هو أنه لكي أراكِ محبوبةً من الجميع كما تستحقين ولكي أعطيكِ علامةً ما تدل على معرفتي الجميل وأقراري بكل الخيرات التي صنعتها معي، فقد اعتنيتُ على الدوام في مديحكِ سراً وجهراً في كل حين. باهتمامي في أن الجميع يتمسكون بعبادتك العذبة الخلاصية، وأنا أترجي أن أستمر سالكاً بهذا الاجتهاد الى آخر نفس من حياتي. ولكنني أشاهد ذاتي لأجل تقدمي في السن، وانتحال جسمي بالأمراض. قد صرت قريباً من نهاية غربتي عن هذا العالم، ودخولي في أبواب الأبدية، ولهذا قد فكرت بأن أترك في العالم قبل موتي الكتاب الحاضر. الذي به أداوم على مديحكِ، واشجع الآخرين على اذاعة مجدكِ وعظمة مراحمكِ واشفاقكِ المستعملة منك نحو المتعبدين لك. فاؤمل منك يا سلطانتي الكلية عزتها أن تكون هديتي هذه الفقرية، البعيدة بعداً شاسعاً عن أن تليق باستحقاقكِ، مقبولةً لدى قلبكِ الفائض النعم، اذ أنها هديةٌ موعبةٌ من الحب. فامددي اذاً ذراعك المملؤ من العذوبة الذي به قد انتشلتيني من العالم ومن الجحيم واقتبلي بيدكِ هذا الكتاب، وحامي عنه كشيءٍ مختص بكِ. الا أنه يجب أن تكون معلوماً لديكِ. أنني عوضاً عن هذه العبادة الجزءية أريد منكِ مكافأةً ما وهي أن تمنحيني هذا الشيء، وهو أنني منذ الآن فصاعداً أحبكِ أشدَّ جباً من ذي قبلٍ، وأن كل واحدٍ من أولئك الذين يحصل كتابي هذا في أيديهم يعود ملتهب القلب بنار حبه اياكِ. بنوع أنه حالاً يزداد فيهم التعطش والشوق الى حبكِ، والى أن يشاهدوكِ محبوبةً من الآخرين أيضاً. وهكذا يهتمون بنشاطٍ وبكل انعطافٍ وعنايةٍ في أن يذيعوا بمقدار استطاعتهم تسابيحكِ وعظائمكِ وحسن الرجاء الوطيد بمفاعيل شفاعاتكِ الكلية الاقتدار، فهكذا أرجو وكذلك فليكن آمين.
* ايضاح حقيقة ارادة المؤلف *
أنني طاعةً لمراسيم البابا اوربانوس الثامن ذي الذكر المقدس أعلن ارادتي موضحاً بأني لا أخصص لجميع العجائب والجليانات والنعم والحوادث المندرجة في هذا الكتاب. وكذلك تسمية قديسٍ أم طوباويّ للبعض من عبيد الله الأبرار الذين لم تكن بعد تدونت اسماؤهم قانونياً في مدرج القديسين. الا اعتقاداً انسانياً محضاً. ما عدا تلك الاشياء فقط المثبتة من الكنيسة الرومانية الجامعة المقدسة. ومن السدّة البطرسية الرسولية التي أعلن ذاتي ابناً لها حسن الطاعة. ولذلك فاني أخضع ذاتي وكل ما حررته في تأليفي هذا لحكمها*
* تنبيه *
* من المؤلف للقارئ*
أنني لكي أُبعد عن هذا الكتاب المؤلف مني الثلب الذي ربما يلتحق ببعض أقواله، من اولئك المنتقدين المحاورين جداً، فقد رأيت ملائماً ان أضع لدى الأعين بأيضاحٍ ذي أشراقٍ أفضل، بعض قضايا يمكن للمشار اليهم أن يحدوها فيه وتظهر لديهم كأنها خارجةً عن الحدود أو مظلمةً، فهنا اشير عن هذه القضايا. وأما غيرها فان وجدت منك: أيها القارئ المحب المشفق: فأتوسل اليك بأن تحكم بها على نيتي بأنها بالحقيقة لم تورد مني ولم أرد أن أفهم معناها الا بحسب تفسيرها الصادق المطابق علم اللاهوت النقي الوطيد بموجب تعليم الكنيسة الرومانية الجامعة المقدسة، التي أعلن ذاتي ابناً كليَّ الطاعة لها. فأنا قد قلت في مقدمة هذا الكتاب مشيراً عما أوردته في الفصل السادس منه * الله أراد أن جميع النعم تتصل الينا بواسطة مريم البتول والدة الإله*. فهذه انما هي حقيقةٌ ذات تعزيةٍ عظيمةٍ للأنفس المنعطفة بالحب نحو مريم الكلية القداسة، وللخطأة المساكين الذين يرغبون الرجوع الى الله بالتوبة. فلا يجب أن تظهر لدى البعض هذه القضية أنها غريبة عن التعليم اللاهوتي المعافى. لأن الأب الكلي التعمق في علم اللاهوت القديس أوغوسطينوس يقول في الرأس السادس من كتابه عن البتولية المقدسة بحكمٍ عام، أن مريم والدة الإله قد ساعدت مشتركةً بالعمل بواسطة فضيلة حبها على الميلاد الروحي لجميع أعضاء الكنيسة. وكذلك أحد العلماء الأفاضل غير المتهم بالمبالغة أو بالعبادة الرعنة الحارة افكاً ( وهو السيد نيكوله في الفصل الثاني من ارشاده الخامس) يضيف الى ذلك بقوله. أنه كما أن يسوع المسيح قد أسس بالخصوص كنيسته. وثبتها عند جبل الجلجلة فأمرٌ واضحٌ هو أن والدته البتول القديسه قد ساعدت مشتركةً معه بالعمل بنوعٍ جليلٍ يمكن أن يقال أنه ولئن كانت هذه القديسة ولدت يسوع المسيح رأس الكنيسة من دون مخاضٍ وأوجاعٍ، الا أنها ليس من دون آلامٍ وأوجاعٍ قد ولدت فيما بعد الجسم الذي المسيح هو رأسه فلهذا قد أبتدأت هي عند جبل الجلجلة أن تصير بنوع خصوصي أماً للكنيسة كلها. فإذاً لكي نوضح ذلك جميعه باختصار نقول: أن الله الآب الكلي القداسة لكي يمجد والدة المخلص، قد شاء ورسم أن الحب العظيم المتصفة هي به يجتدبها الى أن تتضرع من أجل جميع الذين أوفى عنهم وخلصهم ابنها الإلهي، بأهراقه من أجلهم دمه الكريم الفائق الثمن والكلي الاستحقاقات الغير متناهية. الدم الذي به وحده هو خلاصنا وحياتنا وقيامتنا. فسنداً على هذا التعليم وتبعاً لما يوافقه قصدت ايراد ما كتبته في بعض أمكنةٍ من القسم الأول من هذا الكتاب، حيث أن كثرةً من القديسين أنفسهم في مدائحهم مريم البتول. وفي ابتهالاتهم نحوها. وفي ميامرهم المختصة بتقريظها. لم يجدوا صعوبةً أو مانعاً في أن يقولوا عنها ما قلته أنا. فمن ثم أحد الآباء القدماء المورد من الرجل الشهير فينجانسوس كونتاصون (ف. ميمر4 كتاب، مجلد3 من تأليفه الملقب بلاهوت العقل والقلب) قد كتب قائلاً: أن ملوء النعم قد وجد في المسيح كفى الهامة الجارية منها هذه النعم، وأما في مريم فوجد ملوء النعم كفى العنق الذي بواسطته تجري النعم من الرأس الى الجسم: وهذا الأمر قد علّم بموجبه واضحاً القديس توما اللاهوتي (في تفسيره السلام الملائكي) قائلاً: أن الطوباوية مريم البتول هي ممتلئة نعمةً على ثلاثة أنواعٍ فالثالث منها هو فيضان النعم لجميع البشر. لأن أمراً عظيماً هو أن يكون البعض من القديسين حاصلاً على نعمةٍ كافية لخلاص كثيرين، ولكن أمرٌ أعظم من ذلك بما لا يجد هو أن أحداً منهم يكون حاصلاً على النعمة في أن يخلص جميع البشر الذين هم في العالم بأسره. فهذا الأمر يوجد في يسوع المسيح، وفي سيدتنا مريم العذراء لأنه في أي خطر من الأخطار العظيمة يكون حاصلاً الانسان فيمكنه أن يستمد الخلاص بواسطة هذه السيدة المجيدة. ولذلك قيل عنها في العدد 4 من الاصحاح 4 من سفر النشيد: عنقكِ كبرج داود المبنى بالمحاصن المعلق عليه ألف ترس (أي الدافعة الأخطار كلها) فمن ثم في كل عملٍ من أفعال الفضائل يمكن استمداد معونتها. ولذلك تقول هي في العدد 25 من الاصحاح 24 من سفر حكمة ابن سيراخ هكذا: فيًّ أنا كل حياةٍ وفضيلة*.
†
المقدمة
* خطاب من المؤلف للقارئ *
أيها القارئ العزيز أخي بالبنوة لمريم البتول، أنه من حيث أن العبادة التي حركتني لأن أكتب أنا هذا المؤلف، ولأن تقرأه أنت الآن من شأنها أن تجعلني وأياك ابنين سعيدين لهذه الأم الصالحة. فإذا أتفق لكَ أن تسمع شخصاً ما قائلاً عني، أنه لقد كان يمكنني أن أوفر عن ذاتي هذا التعب، بعد أن وجد قبلي كثيرون الذين ألفوا كتباً جليلةً وعديدةً في هذا الموضوع. فأتوسل اليكَ بأن تجيب وتقول له كلمات الانبا فرنكونه التي تركها مدونةً في مكتبة الآباء. وهي أن مدائح والدة الإله هي ينبوعٌ متدفقٌ بهدا المقدار، حتى أنه بقدر ما يتسع حوضه فيمتلئ طافحاً. وبقدر ما يمتلئ ويطفح فيمتد متسعاً، يعني بذلك أن هذه البتول الطوباوية هي هكذا عظيمةٌ جليلةٌ ساميةٌ. حتى أنه مهما أطنب في مديحها. وتفاضلت تقريظات صفاتها فلا يكون التمجيد استوفى بها موضوعه. بل ما تزال هي مستحقةً مديحاً أعظم. وفي هذا الشأن يقول القديس أوغوسطينوس (فيما كتبه الى ديونيسيوس القرطاجني) أنه ليس فقط السن البشر كلها بل أيضاً إذا استحالت أعضاء البشريين كافةً الى السن ولغات فلا تكفي لأن تصف مدائح هذه السيدة بقدر ما تستحق هي من التقريظات*
فأنا قد وجدت كتباً كثيرةً، كبيرة الحجم وصغيرته، حاويةً تماجيد مريم العذراء وتأملتها جيداً، ولكن اذ لاحظت أن هذه الكتب أما أنها غليظة الجرم، وأما أنها ليست سهلة الاقتناء أو أنها غير مطابقةٍ لمقصودي. فلهذا قد اجتهدت في أني أقتطفت من جميع التأليفات التي راجعتها في شأن ذلك حسبما طالت يديَّ، الأشياء التي أوردتها بأختصارٍ في هذا الكتاب عن الآراء والقضايا المنثحبة بأوفر تدقيقٍ. والحاوية المعاني الروحية الأجزل افادةً مما جاء في مصنفات آباء الكنيسة وعلمائها اللاهوتيين لكي أجعل لأنام العباد واسطةً سهلةً لأن يحصلوا بتعبٍ قليلٍ وبمصروفٍ جزئي، على مؤلفٍ تضرم في قلوبهم قراءته نيران الحب نحو هذه السيدة المجيدة، قاصداً في الوقت عينه أن أضع بازاء أعين الكهنة موضوعاتٍ مختلفةً وكثيرةً يمكنهم بواسطتها أن يحركوا الشعب في وعظاتهم الى النمو في العبادة لهذه الأم الإلهية*
على أنها لعادةٌ مستعملةٌ من المحبين العالميين هي التكلم مراتٍ مترادفةً عن الأشخاص المحبوبين منهم وعما يتاوَّل الى مديحهم، وذلك لكي يشاهدوا موضوع حبهم ممدوحاً من الآخرين أيضاً. فإذاً ينبغي أن يعتبر حباً جزئياً وشحيحاً جداً لمريم البتول حب أولئك الذين يدعون بأنهم من محبينها، مع أنهم يتكلمون عنها في شأن تكريمها قليلاً. ولا يهتمون في أن الآخرين أيضاً ينعطفون منشغفين في حبها فليس هو على هذه الصورة سلوك أولئك المحبين الحقيقيين لهذه السيدة المحبوبة في الغاية، لأن هؤلاء يصبون قلبياً مرتاحين بأشواقٍ لأن يذيعوا مدائحها في كل مكانٍ. ويشتهون أن العالم بأسره يتعلق بحبها، ولهذا يجتهدون دائماً جهراً وعلى انفرادٍ في أن يضرموا في قلوب الجميع شهب الحب الطوباوي المتقدة نارةً في أحشائهم نحو سلطانتهم هذه الحبيبة*
فلكي يقتنع كل أحدٍ بكم هو ملائمٌ ومفيدٌ لخير الشعوب الحقيقي نمو العبادة لوالدة الإله وتوطيدها فيما بينهم، فيليق به أن يتأمل حسناً ما تقوله العلماء الأفاضل في هذا الشأن. فيقول القديس بوناونتورا أن أولئك الذين يجتهدون في أن يذيعوا تمجيدات مريم ومدائحها فالملكوت السماوي هو لهم بتأكيدٍ. ويثبت هذا ريكاردوس الذي من سان لورانسوس (في كتابه الثاني في مديحها) قائلاً: أن تكريم سلطانة الملائكة هذه أنما هو نفس اكتساب الحياة الأبدية: ويضيف الى ذلك مبرهناً بأن من يكرمها في هذا الدهر فهي تكرمه بدلاً من ذلك في الدهر العتيد. فمن تراه لا يعلم الوعد الذي وعدت به مريم عينها أولئك الذين يهتمون بعنايةٍ في أن يجعلوها معروفةً ومحبوبةً في هذا العالم بقولها”( ص24 ع30 من حكمة ابن سيراخ): أن الذين يذيعونني شارحين تحصل لهم الحياة الأبدية: كما تخصص بها الكنيسة هذه الألفاظ في خدمة عيد الحبل بها البريء من الدنس، فمن ثم يهتف القديس بوناونتورا الذي اعتنى بهذا المقدار في انتشار تقريظاتها صارخاً: فلتتهلل نفسي مبتهجةً بها لأن خيراتٍ عظيمةً معدةً للذين يجتهدون في مديحها: ثم يضيف الى ذلك قائلاً: أنه من حيث أن الكتب الإلهية كافةً تتكلم في تمجيدها، فلنهتم إذاً على الدوام في أن نعظم هذه الأم الإلهية بقلوبنا وشفاهنا والسنتنا لكي تقيدنا هي يوماً ما الى ملك الطوباويين:*
ثم أنه في الرأس الرابع عشر من أوحية القديسه بريجيتا توجد مدونة هذه القضية وهي أنه اذ كان من عادة الأسقف الطوباوي ايمينغوس أن يبتدئ أعتيادياً عظاته بمديح والدة الإله. فهذه السيدة قد ظهرت يوماً للقديسة بريجيتا وقالت لها: أخبري الأسقف أيمينغوس الذي أعتاد أعتادج أن يبتدئ مواعظه بألفاظ التكريم في شأني، بأنني أريد أن أكون أماً خصوصية له، وسأجعله أن يفوز بميتةٍ صالحةٍ، وأنا بعيني سأقود نفسه أمام الله: وبالحقيقة أن هذا الطوباوي قد رقد بالرب رقاد القديسين بسلامٍ تامٍ حينما كان يصلي. وهكذا تم الأمر بأحد الواعظين من رهبنة القديس عبد الأحد الذي لأعتياده على أن يختتم مواعظه غالباً بمديح هذه السيدة الجليلة، فحينما دنت ساعة موته قد حضرت بازائه سلطانة السموات وأنقذته من الأبالسة مشجعةً إياه. وعند أنفصال نفسه من جسده أقادتها هي صحبتها الى السعادة. ثم أن توما الكامبيس الحسن التعبد لمريم يشير (في خطابه الثاني) الى أن هذه السيدة تخاطب ابنها الإلهي هكذا قائلةً: ترأف يا ابني مشفقاً على أنفس أوليك الذين يحبونك ويكرموني*
أما نظراً الى الافادة العظيمة التي تجتنيها الشعوب من التعبد لمريم العذراء فيقول القديس أنسلموس (في الرأس 1ً من الجزء 5 من كتابة 3) ” أنه من حيث أن أحشاء والدة الإله وبطنها الطاهر المقدس قد صار الطريق التي بواسطتها تحصل الخطأة على الخلاص الأبدي، فلا يمكن أن الأثمة لا يرجعون الى الرب بالتوبة ويفوزون بالخلاص بواسطة اذاعة مدائح هذه السيدة والانذار بتمجيداتها”. فان كان هذا الرأي هو صادقاً حقيقياً كما أعتبره أنا بأنه خالٍ من الارتياب فبموجبه سأبرهن في الفصل السادس من هذا الكتاب بأن النعم كلها تتوزع بواسطة مريم وحدها. وبأن الذين يفوزون بالخلاص الأبدي جميعاً فيحصلون على ذلك بواسطة هذه الأم الإلهية. وبالتالي يمكن القول ضرورةً أنه باذاعة عبادتها وبانتشار مدائحها وبالأتكال الوطيد على مفعول شفاعاتها يتعلق خلاص الجميع. فبهذا النوع نحن نعرف أن القديس برنودينوس السياني قد أجتذب شعوب ايطاليا الى طريق القداسة. ومثله القديس عبد الأحد بهذه الواسطة قد أكتسب الى التوبة شعوب اقاليم مختلفةٍ. وكذلك القديس لويس بالتراندوس كان في عظاته جميعها يحض الشعب ويحثهم على حسن التعبد لهذه الملكة السموية كما أن كثيرين آخرين سلكوا مسلكاً كذا مفيداً للمؤمنين*
ثم أن الأب بولس السنيري الشاب المرسل الفاضل الذائع الصيت. قد كان كل مرةٍ يمارس خدمة الرسالة في مكانٍ ما، فكان يصنع عظةً خصوصيةً في شأن التعبد لمريم والدة الإله. وكان يسمي هذه العظة “المحبوبة لديه في الغاية”. وهكذا نحن في ممارستنا خدمة الرسالة قد اتبعنا من دون أهمالٍ بتةً الفريضة التي عندنا في أن نصنع في زمن كلٍ من خدمة الرسالات عظةً خصوصيةً في شأن والدة الإله. فنستطيع أن نقدم شهادةً صادقةً جداً. في أنه لم تكن غالباً تصنع في الشعوب أثماراً بهذا المقدار جليلةً. عظةً ما من جميع موتعظنا، نظير ما كانت تثمر تلك العظة المختصة بمراحم العذراء المجيدة، وأنما قلت بمراحم العذراء لأن القديس برنردوس يقول (في عظته الرابعة) أننا ولئن كنا نمدح تواضع هذه السيدة، ونسبح بتوليتها منذهلين من سمو طهارتها، ولكن مع ذلك من حيث أننا خطأة بائسون فنتعزى بأفضل نوعٍ ونبتهج عند سماعنا التكلم عن رحمتها وأشفاقها اذ أننا ننعطف نحو هذه الفضيلة أشد انعطافاً ونتذكرها متواثراً، ومن أجلها نستغيث بهذه الرحومة مراتٍ مترادفةً: فمن ثم أنني قد تركت للعلماء الآخرين التكلم عن صفات والدة الإله الجليلة الآخرى. وأتخذت على ذاتي التكلم في هذا الكتاب بنوعٍ أخص عن رحمتها واشفاقها ورأفتها العظيمة. وعن أقتدار مفعول شفاعاتها. بعد أن اقتطفت بتعبٍ في مدة سنين كثيرة من حياتي بقدر ما أستطعت، كلً ما رأيته في كتب الآباء القديسين والعلماء الشهيرين في شأن رحمة هذه السيدة وأشفاقها ومقدرة شفاعاتها. ومن حيث أنه في الصلاة الجليلة المختصة بها والمثبتة من الكنيسة. التي أمرت الاكليروس العلماني والقانوني بتلاوتها في أكثر أيام السنة، وهي الصلاة المبدوة: السلام عليك أيتها الملكة أم الرحمة. توجد الألفاظ المبرهنة بنوعٍ عجيبٍ سمو مراحم هذه السيدة. وعظم أقتدار تضرعاتها لدى الله، فلهذا قد باشرت بالوجه الأول خطابي في شرح كلماتٍ عديدةٍ من هذه الصلاة ضمن فصولٍ متميزة، وبعد ذلك لاعتباري أن أقدم للمتعبدين لهذه الأم الإلهية شيئاً محبوباً منهم. فقد مارست تحرير ارشاداتٍ أو عظاتٍ تختص بأعيادها المتقدمة وتلاحظ فضائلها، مدوناً في أثناها أنواع العبادات المختلفة المستعملة بالأكثر من عبادها، والمؤيدة من الكنيسة*
فان كان يسرك أيها القارئ الحسن العبادة، تأليفي هذا الحقير كما أؤمل، فأرجوك أن تتوسل من أجلي لدى البتول القديسة والدة الإله لكي تمنحني رجاءً وطيداً في سمو اقتدار حمايتها. فاستمد لي إذاً منها هذه النعمة كما أنني أعدك بأن أسعى من أجلك بالتضرعات. في أنك أنت أيضاً تحصل على هذه الموهبة مهما كنت أنت في ذاتك اذ تريد أن تصنع مع هذه الرحمة. فطوباوي هو بالحقيقة ذاك الذي يتمسك بالحب والرجاء بهاتين المرسيين الخلاصيين: وهما يسوع ومريم، لأنه بتمسكه بهما لا يمكن أن يدركه الهلاك أبداً. فلنقل معاً أنا وأنت أيها القارئ الحبيب ما قاله ألفونسوس رودريكوس هكذا:” يا يسوع ومريم موضوع حبي الكلي الحلاوة فليحق بي التألم لأجلكما، وحباً بكما أموت، وأكون بجملتي لكما ولا يكن لي شيء لذاتي”. فلنحبب يسوع ومريم وبذلك نصير قديسين، الأمر الذي لا توجد سعادةٌ توازيه من كل السعادات التي يمكننا أن نتأملها ونتوقعها بالرجاء. وهوذا أنني أودعك بسلامٍ أيها الأخ القارئ مؤملاً أن أراك يوماً ما في الفردوس السماوي، عند قدمي هذه الأم الكلية الحلاوة وعند قدمي ابنها الكلي الحب نحوها، حيث نمجدهما معاً ونسبحهما ونشكرهما وجهاً بازاء وجهٍ الى أبد الدهور آمين*
† صلاة †
* بها تُطلب من العذراء الطوباوية نعمة الميتة الصالحة*
يا أمي الكلية الحلاوة مريم ملجأ الخطأة الأشقياء العذب، أني أتوسل اليك بحق ذاك التألم الذي تكبدتيه حينما كنت مشاهدةً موت ابنكِ على الصليب. بأن تعينيني برحمتكِ عندما تلتزم نفسي بأن تفارق هذا العالم، فأقصي عني بعيداً الأعداء الجهنميين، وأحضري عندي حينئذٍ لتتسلمي نفسي وتقوديها أمام القاضي الأبدي، ولا تهمليني يا سلطانتي لأنه يلزمكِ أن تكوني سندي العظيم بعد يسوع المسيح في تلك الساعة المخيفة. فتضرعي من أجلي لدى ابنكِ في أن يهبني بخيرية صلاحه أن أموت وقتئذٍ معانقاً قدميكِ. وأن أسلم روحي فيما بين جراحاته تعالى المقدسة قائلاً:
” يا يسوع ويا مريم أنني أهبكما قلبي ونفسي معاً آمين*
† † †
No Result
View All Result
Discussion about this post