كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل السادس عشر
عن الاستعداد للموت
إن حياة العذراء القديسة بأكملها كانت استعداداً متواصلاً للموت وما أعظم الاستحقاقات التي كدستها مدة تزيد على الستين سنة قضتها بكاملها في ممارسة هذا الحب الإلهي. إن حبها هذا لله نما فيها برهة فبرهة حتى بلغ ساعة موتها من الكمال درجة حعلت أن يكون موتها بالأحرى اندفاعاً حبياً منه أنحلالاً طبيعياً. تشبه بهذه العذراء القديسة بتكريسك لله كل لحظات حياتك. إنه تعالى لم يجد عليك بهذه الحياة لتكون غنياً على الأرض أو لتفوز بالأحترام والتقدير، بل لتخدمه فتنال بذلك أكليل عدم الموت. مالذي سيقى تحت حوزتك ساعة الموت من كل الأموال التي تكون قد كدستها والشعوب التي قد سيطرت عليها؟ أنك سترغم على ترك كل شيئ وسيتركك كل شيئ.
لن يبقى ساعة الموت إلا ما يكون قد فعله الانسان لربه مدة حياته. فكن عاقلاً وأتخذ لك درساً من كل هؤلاء المسيحيين الذين لا يفكرون بالموت إلا في نهاية حياتهم، آسفين على أنهم لم يخصصوا إلا بضعة أيام أو ساعات لعمل خلاصهم، مع أن هذا العمل كان يستحق منهم اهتمام الحياة كلها، يشبه أغلب البشر من لا يستعد للسفر إلا عندما يحين الوقت تماماً، أوالمذنب الذي يحقر حاكمه قبيل إصدار الحكم عليه، أو الذي يقودونه إلى منقع العذاب وهولا يزال يملأ أفكاره بمشاريع الترفه والأنس. فكر بنهاية حياتك فلن يتعلق قلبك بها، فكر بالأبدية التي تتبعها فتمضي حياتك كما يجب على المسيحي. كثير من الناس يتجنبون التفكير بالموت لأنهم يخافونه، إلا أن الطريقة المثلى لبعاد الخوف عنهم هي أن يفكروا به غالباً ويستعدوا له دائماً. إن الحياة تحلي لدينا فكر الموت، وهذا بدوره يقدس حياتنا. احذر من أن يحزنك في ساعة الموت ما يفرحك الآن، واجعل الفضيلة موضوع لذتك في الحياة لتحصل على التسلية في ساعة الموت.
هل أنت مستعد للمثول أمام الديان فيما إذا مت اليوم أوغداً؟ ماهي أعمال التوبة التي قمت بها؟ وماهي استحقاقاتك؟ استفد إذاَ من الأيام المتبقية لديك. ليس في استطاعتك أن تعيد الماضي ولكنك تقدر أن تعوض عنه، والرب الإله لا يطيل حياتك إلا لأجل التعويض عن هذا الماضي! هل ستعيش طويلاً أم تموت خلال أيام معدودة؟ إنك تجهل ذلك. المهم أن تعلم بأنك ستموت في ساعة لاتظنها. وإذ قد يمكن أن تموت في كل ساعة، معتبراً الموت برهة مقررة لكل أبديتك. اطلب من ملكة السماء أن تشكر الله عوضك عن الوقت الذي يعطيك إياه لأعداد ذاتك للموت، وأستمد منها كي تنال لك نعمة حسن التصرف به. وقد تكون قد أحسنت التصرف به أذا عرفت أن تكمل كل عمل كأنه الأخير من حياتك. حتى يموت الإنسان ميتة صالحة عليه أن يموت في وسط أفعال الإيمان والرجاء والمحبة. عود نفسك إذاً على هذه الأفعال مدة حياتك، ولتكن هي لك أفضل استعداد للموت. وتذكر بأنه لا يمكن أن يفهم في ساعة الموت مامعنى ممارسة الفضيلة من لا يكون قد مارسها في حياته.
No Result
View All Result
Discussion about this post