كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل العشرون
عن أن مجد السماء قد وعد لنا بصفة مكافأة
العبد
ها إنك قد فزت أيتها البتول القديسة بالمجد الذي أعده المكافئ الأسمى لفضائلك واستحقاقاتك. آهاً! متى يعطى لي أن أتأمل معجباً بجمال هذا المجد برفقة الملائكة والقديسين؟ متى أتحد بأجواقهم الحلوة لاثني على استحقاقاتك وأقدم لك فروض المديح الواجبة؟ إن المرتبة الحالية التي أرتفعت إليها في السماء ليست فضلاً محضاً أراد أن يمن به يسوع على أمه، بل هو واجب لكل ما فعلته بمجاوبتك على اختيار الرب ومقاصده. فلوبقي لقب الأمومة الإلهية عقيماً فيك ولم تتشبهي بأكمل نوع بفضائل يسوع الابن الإلهي لما نلت هذه المرتبة في السماء. إن قداسة حياتك هي التي نالت لك أخص استحقاق حصلت عليه أمام أعين الرب إله كل قداسة.
مريم
يابني: لا يمكن للإنسان أن يدخل السماء إلا بعد أن يكون قد تقدس على الأرض. إن الله لا يمنح الدخول إلى السعادة الأبدية لا للمرتبة ولا للغنى ولا للمواهب، بل يمنحه لمن استخدم هذه الأمور استخداماً حسناً ولما يكون قد استحقه الإنسان أثناء الحياة. إن الله لا يحابي بل يكافئ كل أحد بحسب أعماله. إن أرفع النفوس في السماء تلك التي كانت الأكثر فضيلة وكمالاً على الأرض. إن أحكام الرب تختلف كثيراً عن أحكام البشر. فهؤلاء يتوقفون غالباً في أحكامهم على الخارج والظواهر، إن الله وحده المقدر العادل للاستحقاق والفضيلة.
فهو قد أعد لك مكافأة عظيمة يريد منك أن تستحقها. صحيح هو أنه بمكافأته إياك يكلل ويجازي مواهبه ونعمه الخاصة، إلا أنه في عين الوقت يكافئ فضائلك وأعمالك الصالحة. إنه يكافئ بأمانة كل ما يفعله لأجله، ولديه مكافأة حتى لقدح الماء البارد المعطى بأسمه. فكم يجب أن يكون مسلياً لك أن تشتغل لسيد هذا عظم صلاحه وسخائه وجوده؟! إن العالم الذي نحرص على إرضائه يكافئ خير خدامه بالشر، وأما أنت فتقدر أن تردد دائماً: إني عالم لمن قد أسلمت ذاتي، ومتأكد من أن كنز استحقاقي لن يتلف لدى السيد الذي أخدمه، لأني واثق بأنه قادر أن يحفظ وديعتي. إنني منتظر إكليلاً أبدياً من رحمته، إكليلاً زاهياً بقدر ما تكون أمانتي في إرضائه كاملة وثابتة. فأفحص ذاتك بذاتك لتتحقق عما تقوم به لجل نوال المكافأة المقدمة لك. أين غلباتك؟ أين أعمالك الصالحة؟ أين الفضائل التي تمارسها؟ ماهي الاستحقاقات التي ستبرزها أمام منبر الله الديان؟
العبد
آهاً! إنني أشعر بشديد خزيي حين أفكر بالقليل الذي فعلته حتى الآن لأستحق مكافأة السماء.
مريم
لا تضعف شجاعتك يابني، إذ في مقدروك بعد أن تنال ما تتمناه. إن النعمة تكلمك وتلح عليك فكن أميناً لصوتها. صل، ابك، اشتغل، تألم، ضح، سر على خطوات القديسين فتبلغ مثلهم إلى منتهى السعادة.
العبد
أيتها العذراء القديسة: إنني أريد الخروج بمساعدتك من هذه حالة التواني التي لازمتني طيلة حياتي العابرة. وسأجتهد بعونك كي أعوض بحرارتي عن السنين العقيمة التي أندبها الآن! برهات معدودة من السعادة التي يتقاسمها القديسون إلى البدء مع ربهم تكفي لأن تعوض لي عما أتحمله من سهر ودموع وذل وأمانة وصبر في المصائب والأحزان. غير أن السيد الذي يجب أن أخدمه يستحق في حد ذاته كل اهتمامي بإرضائه. لذلك فهأنذا أريد أن أخدمه، أريد أن أجهد ذاتي بترضيته لذاته أكثر مما للخيرات غير المتناهية التي يعدها مكافأة لأمانتي.
انتهى الكتاب الثالث
No Result
View All Result
Discussion about this post