كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الرابع:
الفصل الثالث
عن مجد مريم في السماء
العبد
ألا أملكي أيتها البتول القديسة، أملكي إلى الأبد في السماوات على الآباء الذين سموت بأمانتك على أمانتهم، وعلى الأنبياء والرسل الذين فقت بغيرتك على غيرتهم، وعلى الشهداء الذين تقدمت بثباتك على ثباتهم، وعلى العذراى اللواتي تفوقت بطهارتك على طهارتهم، وعلى كل الأبرار الذين طغى تواضعك على تواضعهم، وعلى كل الملائكة الذين فاقت طاعتك طاعتهم، وعلى كل السارفيم الذين جاوزت محبتك محبتهم. إنني أنحني أمامك بكل احترام وأنت على هذا العرش الذي تبؤاته وأضحيت فوقه ملجأ للأشرار وسنداً للأبرار ورجاء للحزانى وأملأ للبائسين. مبارك الرب الذي خصك بهذا المجد العظيم السامي والذي أراد أن يشرك به جسدك أيضاً قبل القيامة العامة. إنه كان من الحق أن يحفظ هذا الجسد النقي الذي تجسد به ابن الله ذاته من فساد القبر. ولكن من ترى يدرك مجدك هذا؟ وإذا لم تر عين ولا سمعت به أذن ولاخطر على قلب بشر ما قد أعده الله للذين يحبونه، فهل يمكن للإنسان أن يفهم ما أعده الله لك أنت التي أحببته أكثر من كل القديسين سوية؟ إن المجد الذي تتمتعين به لا يتناسب مع عظمة مرتبتك فحسب بل ومع عظمة استحقاقك، وحتى نحكم عنه حكماً عادلاً علينا أن نفكر بأن هذا المجد قد منحه إله لأمه ذاتها. وحيث أن مجد القديسين يقاس بمقياس استحقاقهم فسمو ارتفاعك يقاس بسمو فضائلك. لك في السماء درجة خاصة بك، وتؤلفين هناك مرتبة منفردة. لاريب أنك دائماً أحط من الله بما لاحد له، إلا أنك بلا شك أسمى بكثير من أي شيئ ليس هو الله. وكان اللائق بالتي منحها يسوع امتياز إصدار الأوامر إليه أن تصدر الأوامر إلى الملائكة والقديسين أيضاً. فهم يتسابقون باهتمام بالغ في أداء الطاعة والإكرام الواجبين لك ويخدمونك بمحبة قلب ترضي الله ذاته مستبشرين بسلطانك عليهم، ويباركون الله دوماً على ما خصك به من امتيازات رفيعة ودرجات مجد سامية. يالعظمة فرحهم وسرورهم بخدمتك، ويالرقة العواطف التي تثور فيهم نحوك. كم يتمنون أن تكوني معروفة جيداً على الأرض مثلما يعرفونك هم لتمتلكي قلوب كل البشر فتكونين مكرمة في كل مكان. ياملكة صهيون السماوية المحبوبة، هل سأفوز بشرف ترنيم مدائحك ومدائح أبنك بالاتحاد مع جميع القديسين؟ هل سأحصل على نصيب في تلك السعادة الفائقة الوصف التي نصيبك في السماء.
مريم
يابني: حتى تتشجع وتصمد في وجه الكفاح الذي تعانيه في سبيل التغلب على ما يعترض سعادتك من موانع، فكر ملياً بتلك الخيرات الأبدية التي أعدها الله مكافأة لشجاعتك وثباتك. فكر غالباً بأن هذه الخيرات ما هي إلا خيرات تعوض بما لا يحد عن كل هوان، وكنز يعوض عن كل فاقة، وراحة تعوض عن كل تعب، وتسلية تعوض عن كل ألم، وحيث أن لا عظيم إلا الله فلا يوجد سواه من يقدر أن يجازي مجازاة عظيمة وحقيقية، فيقاصص بجهنم كإله ويكافئ بالسماء كإله أيضاً. يابني: إذا كان لك الحظ السعيد بأن تتوفق في عمل خلاصك فستعاين الله وتمتلكه وتحبه، ولن تكل من رؤيته وامتلائه ومحبته، فهوعينه دائماً بالنسبة إلى ذاته، إلا أنه في كل لحظة جديد للأنفس الطوباوية. في الوطن السماوي الخلاب كل شيئ فرح بلا حزن، ولذة بلا ألم، وهدوء بلا اضطراب، وسلام بلا خوف، واغتباط بلا ضجر. لا إرادة هناك ولا محبة إلا إرادة الله ومحبته. الله هو كل في الكل ونجد كل شيئ فيه، هناك يضحي الإنسان غنياً ومقتدراً وسعيداً معه تعالى ومثله. فأعمل إذاً لتنال هذه السعادة وأعمل بلا تراخ، لا تقل قط،: هوذا لي مدة طويلة وأنا أكافح، وقد ظفرت مراراً أفلا يكفي؟ إن الذي يصبر إلى المنتهى فذاك يخلص.
العبد
أيتها البتول القديسة: ياحياتي ورجائي بعد يسوع، نالي لي الثبات في خدمة ربي. أريني بعد هذا المنفى ثمرة بطنك المباركة. إذا كانت سمة نعمته طعماً مسبقاً للسماء وتشعر النفس كم أن يسوع محبوب، فما عساها أن تكون رؤيته وإقتناؤه؟!
No Result
View All Result
Discussion about this post