كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الرابع:
الفصل الخامس
عن المحبة الواجبة علينا لمريم
إن قاعدتنا في تقدير الأشياء حق تقديرها يجب أن يكون اعتباره تعالى للأشياء ذاتها، فما يحبه هو يجب أن تكون قاعدة غير متبدلة لما يجب أن نحبه نحن. فحتى تتكون لنا أفكار صحيحة عن مريم وحتى ندرك درجة المحبة التي تستحقها، علينا أن نفكر قليلاً بحكمته تعالى عنها وبدلائل المحبة التي أبداها نحوها. إن عرائس الروح القدس لا يحصيهن عدد، إلا أن الكاملة بينهن وحيدة. فهذه العروس العزيزة عليه تعالى بنوع خاص يجب أن تملك على قلبنا بعده تعالى وتختص لذاتها كل عواطفه. ان حبها لعريسها منحها كل ما من شأنه أن يميزها عن الجميع، فمحبتنا لها يجب أن تميزها كذلك عن كل ما يستحق محبتنا من بعده عز أسمه. إنه تعالى بدافع محبته لها قد خصها بالمرتبة الأولى من بعده في السماء أوعلى الأرض، لذلك فلا شيئ في السماء أوعلى الأرض من بعد الله له الحق مثلها على إكرامنا ومحبتنا، وهذا ما قد حدا بالأبرار جميعاً إلى أن يحتفظوا للعذراء الطاهرة بالمرتبة الأولى في قلبهم من بعد يسوع. ويؤكد لنا الآباء القديسون بأننا ننخدع حين نحاول أن نحب الابن دون أن نحب الأم. إن هاتين المحبتين لاتنفصلان. فيجب إذاً أن نعتبر محبتنا لمريم كأعظم دليل يمكن الحصول عليه عن انتخابه إيانا تعالى للسعادة، وكأثمن نعمة منه عز وجل. ثم أليس إن محبتها لنا تحدثنا بلا انقطاع عن محبتنا الواجبة لها؟ إنها تنظر بعين العطف في كل احتياجاتنا وتحزن لأحزاننا وتتحمل نقائصنا وتنسى نكران جميلنا، فكم يجب اذاً أن تزداد مبادلتنا محبتها بمحبة خالصة؟ لنستفد من كل فرصة لأرضاء هذه المباركة، نستصغر أي شيئ له علاقة بخدمتها، إذ أن كل شيئ له صلة بخدمة أم الله وسلطانة العالم هوعظيم حقاً. لنعر ذاتنا لكل ما يعود إلى عبادتها ويساعد في تكريمها ومحبتها. لنقدم لها يومياً ثمار شفاهنا وإكرام قلوبنا ولنفخر بكوننا من عداد عبيدها الأمناء. لنرفع بتواتر فكرنا وقلبنا نحوعرشها سواء للتأمل بعظامها وكمالاتها وسواء لطلب معونتها. لنمارس الصدقة وأعمال الرحمة والصيامات وأعمال الإماتة بنية إكرامها بواسطة الإقتداء بفضائلها.
لنقترب من الأسرار الإلهية في أعيادها حتى يكون احتفالنا بها أكثر قداسة، ولنسع ما استطعنا في إقامة الذبيحة الالهية شكراً لله على النعم التي أغناها بها. لنزر غالباً المعابد التي أقيمت لله اكراماً لها. لنكرم صورها والأشخاص والأماكن المكرسة لها. لنحضر على الدوام وبقدر المستطاع في الممارسات التقوية العامة التي تقام لأكرامها، وكذلك في المواعظ التي تلقى عن فضائلها وميزاتها وعبادتها التي يجب أن تملأ قلب كل مسيحي. بهذا يتمكن ابن مريم أن يظهر محبته لها وأن يكسب يومياً محبتها له. يامريم، يامحامية البشر القوية وأمهم الحنونة، لابد وأنك تقرأين الآن في قلبي صدق مقصدي في أن أكون أميناً في كل هذه الممارسات التقوية. إنني أشكر الرب على عواطف المحبة التي أفعم قلبي بها نحوك. إنه بإفاضته علي هذه العواطف يمنحني أحسن علامة لمحبته إياي. إنني أعدك بأن أتسابق في إظهار أمانتي لك مع كل عبيدك وأولادك الذين ألاحظ فيهم حرارة فائقة، وهل لي أن أتسابق في هذا مع الملائكة أنفسهم؟ إن هذه السعادة لاتعطى لي إلا في السماء.
No Result
View All Result
Discussion about this post