كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الرابع:
الفصل الثامن
عن عواطف الجودة المفعم بها قلب العذراء مريم نحونا
العبد
إن مجرد عرضنا عليك احتياجاتنا وتعاستنا يحملك أيتها البتول القديسة أم المراحم على أن تتشفعي بنا لدى يسوع ابنك لترفهي عنا. وهل في وسعك أن تتذكرين بأن ابن الله لم يتخذ في أحشائك جسداً كجسدنا إلا حباً بنا؟ وهل في وسعك يا أم يسوع أن تنسي أخوة يسوع وأعضائه الوارثين معه؟ مهما عظمت تعاستنا وتفاقمت فأنت لنا خير ملاذ لأن جودك الوالدي يشمل الجميع. إن تاريخ الكنيسة طافح بالأمثلة التي تشهد عن قدرتك العظيمة وحنانك الساهر. يامدينة إلهنا: الجميع يتحدثون عنك بالمفاخر، إنك لشهيرة بما تجلبينه علينا من نعم. آهاً! كم من آلام شديدة الوطأة كابدناها في حياتنا، ولكن هل فكرنا يوماً بأنه لولا تضرعك الذي أوقف عدالة الله عن أن تصعقنا لأصابنا ماهو أتعس من ذلك؟ وهل من المستبعد أن يكون عدم تفكيرنا بالتماس عونك وشفاعتك لدى الله سبباً في تفاقم تعاستنا؟ إننا قلما فكرنا بهذا، مع أن الكنيسة المقدسة لازالت تعلمنا منذ حداثتنا أن ندعوك مسلية الحزانى ومعونة النصارى لأنك أنت حقاً هكذا. ومن هو ترى ذلك الإنسان العديم المعروف الذي يجسر مدعياً بأنه دعاك ولم تستجيبه؟ وإذا لأسباب ليس لنا أن نفتش عنها لا ننال دائماً ما نطلبه من الله بشفاعتك فلا بد وأن ننال عوضاً عما نطلبه نعمة الصبر والخضوع والتسليم لإرادة الله. إنه تعالى بإبداعه إياك أقامك محامية لنا وملجأ ومعزية وأماً، لذا فقد غرس فيك ميلاً وانجذاباً نحو الرحمة في أقصى درجاتها. وإذا قد بقي يسوع في أحشائك كل تلك المدة الطويلة فلأنه أراد أن يشرك قلبك بمزايا قلبه. إنك تحاولين دائماً فعل الخير، متشبهة بمثال الحلاوة والجودة الإلهي الذي كان ماثلاً أمام عينيك مدة ثلاث وثلاثين سنة. ومن أعلى عرش المجد الذي رفعك إليه الكائن الأسمى في السماء نراك كذلك تتشبهين بشفقته، هوالذي يفيض سيل نعمه أكثر من سيل ضرباته على البشر، وعلى أكثرهم نكراناً بالجميل. آهاً أيتها البتول القديسة: يكفي أن أمعن النظر في قلبي وفي عواطفه التي طبعتها فيك أفضالك المتواصلة لفهم جودة قلبك وحنوه الوالدي. إن في قلوب المؤمنين عن جودك من البراهين ما يمكننا الاستغناء معه عن كل البراهين الأخرى.
No Result
View All Result
Discussion about this post