كتاب امجاد مريم البتول
القديس ألفونس دي ليكوري
الممارسات المتنوعة لتكريم مريم البتول
أن سلطانة السماء مريم البتول هي هكذا سخيةٌ ومنعمةٌ وحافظة المعروف، حتى أنها تكافئ بأشياءٍ عظيمةٍ أصغر العبادات وأوجزها المقدمة تكريماً لها من عبيدها… يقول القديس أندراوس الأقريطشي (في خطبته الثانية على نياحها):” إن هذه السيدة الكلية العظمة تجازي أقل الأشياء المقدمة لها مجازاةً عظيمةً”. ولكن مع هذا يلزم الأمر شيئين ضروريين لممارسة عباداتها حسناً.
فأولهما: أننا نكرم هذه الأم الإلهية بتقدمة عباداتنا لها بنفسٍ مطهرةٍ من الخطايا، وإلا فهي تقول نحونا ما قالته مرةً ما لذاك الجندي الرديء السيرة (كما أخبر القديس بطرس سلستينوس) الذي كان يكرم هذه السيدة يومياً ببعض عباداتٍ. فهذا الجندي يوماً ما إذ كان متألماً من شدة جوعه لعدم حصوله على شيءٍ يقتات به، قد ظهرت له والدة الإله عينها وقدمت أمامه بعض مواكيل فاخرة جداً، ولكنها موضوعةٌ ضمن وعاءٍ بهذا المقدار كريه المنظر من شدة أوساخه، حتى أن الجندي مع حال كونه جائعاً جداً لم يمكنه أن يتناول من تلك الأطعمة شيئاً، ثم قالت له: أنا هي مريم والدة الإله أتيت لأسعفك في حال جوعك، فأجابها الجندي قائلاً: لكنني لا أقدر أن آكل من الأطعمة في هذا الإناء الكريه الوسخ. فحينئذٍ قالت له هذه السيدة: فكيف إذاً أنت تريد مني أن أقتبل عبادتك لي المصنوعة منك في حال وجود نفسك ملتطخةً بحماة الرذائل: فالجندي عند سماعه هذه الكلمات رجع إلى الله تائباً وأنفرد في القفر سائحاً مدة ثلاثين سنةً وساعة موته ظهرت له ثانيةً والدة الإله وأقادت نفسه إلى الحياة الأبدية.*
فقد قلنا في الجزء1من الفصل8 من القسم1( وجه247) من هذا الكتاب، أنه لمن المحال أدبياً أن يهلك أحدٌ من المتعبدين لمريم العذراء ولكن هذا يفهم تحت شرطٍ وهو أن المتعبد لها أما أنه يعيش من دون إفتعال الخطايا مطلقاً، وأما أن يكون حاصلاً على استعدادٍ ورغبةٍ قلما يكون في أن يخرج من حال الإثم راجعاً إلى الله بالتوبة، لأن هذه السيدة حينئذٍ تساعده على إصلاح نفسه، وبالعكس إذا وجد أحدٌ مصراً على إفتعال المآثم تحت رجاء أن والدة الإله تهتم في خلاصه، فهذا بذنبه يصير ذاته غير مستحقٍ لحمايتها ولمحاماتها عنه، بل يضحى موضوعاً غير قابلٍ لذلك.*
الشيء الثاني الضروري: المثابرة بثباتٍ على العبادة لهذه السيدة. لأن القديس برنردوس يقول:” أن الثبات على البر وحده هو الذي يستحق الإكليل”. فتوما الكامبيسي حينما كان في سن الشبوبية، قد كان من عادته أن يلتجئ يومياً إلى البتول المجيدة تالياً في عبادتها بعض صلواتٍ، فيوماً ما قد ترك تلاوة تلك الصلوات وبعده أهملها بعض جمع، وأخيراً ما عاد مارسها بالكلية. فليلةً ما شاهد في الحلم والدة الإله كانت تأتي عند وأحدٍ فواحدٍ من رفاقه العباد وتعانقه، ولكن لما دنت منه قالت له: ماذا تنتظر ههنا أنت الذي تركت عباداتك الأولى، فأغرب من هنا لأنك لست مستحقاً أن أعانقك. ففي سماعه هذه الكلمات قد استيقظ من النوم مملؤاً رعدةً وارتجافاً، وحالاً رجع إلى ممارسة عباداته السابقة. ولذلك يقول ريكاردوس: أن من يواظب على عبادة مريم العذراء بثباتٍ، فهذا يكون مغبوطاً في الرجاء لأنه يفوز بكل الأشياء المرغوبة. ولكن من حيث أنه لا يمكن لأحدٍ أن يثق مطمأناً بأنه حقاً هو من الثابتين على عمل البر، فهكذا لا يمكن لأحدٍ مطلقاً أن يتأكد حقيقة أمر خلاصه إلا حين موته. فإذاً لشيءٌ يستحق الذكر والاعتبار العظيم هو ما تركه لإخوته الرهبان اليسوعيين يوحنا باركمانس، الذي حينما سأله هؤلاء الرهبان ساعة موته، أن يترك لهم تذكرةً في شأن العبادة لوالدة الإله بالنوع الأجود مما سواه. لأجل إكتساب حمايتها فأجابهم: أن ذلك هو كل شيءٍ مهما كان جزئياً بحيث أن يكون بثباتٍ. فلأجل هذه الغاية أنا رأيت ملائماً أن أحرر في المقالة الحاضرة بنوعٍ بسيط، ما يلاحظ بعض عباداتٍ مختلفة موضوعاتٍ نقدر أن نمارسها في تكريم أمنا الإلهية، لكي نكتسب رضوانها وإنعامها، وهذه الأشياء أنا أعتبرها الأكثر إفادةً من جميع ما كتبته في هذا المؤلف، ولكنني لا أتضرع للقارئ الحبيب بأن يمارسها كلها. بمقدار ما أتوسل إليه في أنه يمارس نوع العبادة الذي هو يختاره منها برضاه، بمواظبةٍ ثابتةٍ مع خوفٍ من أن يخسر حماية هذه الملكة المقتدرة إذا هو ترك استعماله بعد أن يكون أبتدأ به. فكم وكم من الهالكين الآن في الجحيم لكانوا فازوا بالخلاص الأبدي، لو أنهم يكونون ثابروا مواظبين على العبادة التي مرةً ما كانوا تمسكوا بها في تكريم والدة الإله. وبعد ذلك تركوها مهملين ممارستها.*
Discussion about this post