كتاب امجاد مريم البتول
القديس ألفونس دي ليكوري
الممارسات المتنوعة لتكريم مريم البتول
التكريم السابع: في الأشتراك بالأخويات المختصة بعبادة والدة الإله
**
أنه يوجد البعض يذمون الأخويات المشتركة، أو قلما يكون لا يمدحونها، قائلين أنه مراتٍ كثيرةً توجد هي علةً للخصومات والدعاوى، وأن كثيرين يشتركون بها لغاياتٍ بشريةٍ. ولكن كما أنه لا يمكن أن تذم الكنائس والأسرار المقدسة. لأجل أن كثيرين ينافقون بها. فهكذا لا يلزم أن تذم الأخويات لأجل هذه العلة. فالأحبار الرومانيون ليس فقط لم يرذلوا هذه الأخويات بل أيضاً قد أثبتوها ومدحوها وأغنوها بالإنعامات والغفرانات والأختصاصات. والقديس فرنسيس سالس يحرض كثيراً العلمانيين على الدخول في الأخويات المثبتة. والقديس كارلوس بوروماوس قد بذل كل عنايته الرعائية في نمو أخوياتٍ هذه صفتها، واهتم في تأييدها، وكان بنوعٍ خاص يحتم في مجامعه الأقليمية على خوارنة الرعايا بأن يجتهدوا في إقناع تلاميذهم بالاشتراك في الأخويات. وهذا بكل صوابٍ، لأن الأخويات لا سيما المختصة بعبادة والدة الإله. هي نظير سفنٍ نوحية يجد فيها العلمانيون المساكين ملجأً ومهرباً من الغرق العرمرمي. أي من التجارب الشيطانية، ومن الخطايا التي تغرق العالم. فنحن وجمعيتنا قد عرفنا بالعملية، واختبرنا بالتجربة بواسطة الرسالات التي باشرناها في أمكنةٍ مختلفةٍ بكم هو عظيم الإفادة الناتجة للعلمانيين من الاشتراك في الأخويات، لأننا إذا تكلمنا بوجه العموم واعتيادياً، فنقول أنه توجد مآثم في رجلٍ علماني غير مشترك بهذه الأخويات، أكثر من خطايا عشرين رجلاً علمانيين مشتركين بها. ومن ثم يمكن أن يقال عن أخويةٍ مثبتةٍ، ما قيل عن عروسة النشيد: أن عنقكِ كبرج داود المبني بالمحاصن المعلق عليه ألف ترسٍ، وكافة أسلحة المقتدرين: (نشيد ص4ع4) وهذا هو النجاح الروحي العظيم الناتج من الأخويات. لأن المشتركين بها يكتسبون لذواتهم أسلحةً قويةً جداً ضد قوات الجحيم. وفي هذه الأجتماعات المقدسة يتروضون بممارسة الوسائط التي بها يحفظون أنفسهم في حال النعمة الإلهية، الوسائط التي خارجاً عن هذه الأخويات تمارس نادراً وبصعوباتٍ وافرة.*
فأولاً: إن إحدى هذه الوسائط هو التفكر في الموت، كقول الروح القدس: اذكر عواقبك فلن تخطئ أبداً (أبن سيراخ ص7ع40) ولذلك كثيرون يهلكون لعدم تفكرهم بالموت، كقول أرميا النبي: خراباً خربت الأرض لأن ليس من يفتكر في القلب: (ص12ع11) فالذين يترددون إلى الأخويات يتذكرون جيداً هذه الأشياء مراتٍ عديدةً، من قبل الصلوات العقلية التي تمارس منهم هناك، ومن قبل القراءات الروحية والمواعظ. كقوله تعالى: إن خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها وهي تتبعني، وأنا أعطيها حياة الأبد: (يوحنا ص10ع27).*
ثانياً: أنه لنوال الخلاص يلزم التوسل لله والطلب المتصل، كقول مخلصنا: أسألوا فتعطوا ليكون فرحكم كاملاً: (يوحنا ص16ع24) والحال أن المشتركين في الأخويات يمارسون في أجتماعاتهم هذه الطلبات بتكاثرٍ. بل بأتصالٍ! والباري تعالى يستجيب لهم كوعده الصادق بقوله: لأنه أينما اتفق اثنان منكم على الأرض في كل شيء يطلبانه، فيكون لهما من قبل أبي الذي في السموات. لأن حيثما اجتمع أثنان أو ثلاثة بأسمي فأنا أكون هناك في وسطهم: (متى ص18ع19) وفي هذا الشأن قال القديس أمبروسيوس: أن كثيرين من الصغار الضعفاء اذ يجتمعون بروحٍ واحدٍ فيصيرون أقوياء جداً. وكذلك صلوات كثيرين بتضرعاتٍ متواترة لمن المستحيل ألا تقبل:*
ثالثاً: أنه في الأخويات تقتبل الأسرار بأكثر سهولةٍ، وبأوفر مثابرةٍ، نظراً إلى فرائض هذه الجمعيات. ونظراً إلى النموذجات التي تعطى من الواحد للآخر. وبهذه الطريقة تحفظ الأنفس بأكثر سهولةٍ في حال نعمة الله، إذ أن المجمع التريدنتيني المقدس قد أوضح (في القانون 2 من الجلسة 13) أن التناول هو دواءٌ به نشفى من زلاتنا اليومية. ونحفظ من الخطايا المميتة.*
رابعاً: أنه ما عدا المواظبة على تناول الأسرار، تمارس من ذوي الأخويات إماتاتٌ مختلفةٌ للتواضع، وللمحبة نحو الأخوة المرضى، ونحو الفقراء ولقد يكون أمراً جيداً أن تدرح في كلٍ من الأخويات هذه العادة المقدسة، وهي الاعتناء في مساعدة مرضى البلد الفقراء وتكون الأثمار الروحية عظيمةً جداً إذا جرت العادة في هذه الأخويات بأن تصير تكريماً للبتول والدة الإله الجمعيات السرية، المؤلفة من الأخوة الأشد حرارةً في العبادة، والأكثر نشاطاً في الأعمال الروحية. وهوذا أنا بكل اختصار أورد ما هي الرياضات التي تمارس في هذه الجمعيات السرية، وهي:
1- قراءة روحية مقدار نصف ساعة.
2- تتلى صلاة الغروب وصلاة النوم المختصتين بالروح القدس.
3- تقال الطلبة، وحينئذٍ الأخوة المعينون لعمل بعض أماتاتٍ، كحمل الصليب على عاتقهم. وما أشبه ذلك فيمارسونها.
4- تصير صلاةٌ عقلية بالتأمل مدة ربع ساعةٍ في آلام مخلصنا المقدسة.
5- كل واحدٍ من الأخوة يعترف حينئذٍ بالنقائص التي صنعها ضد فرائض الأخوية. ويقبل عنها قانون من الأب المرشد.
6- تقرأ علانيةً من الأخ المعين لذلك أعمال الإماتات التي تكون تمارست مشتهراً من الأخوة في السنة الماضية، وتعلن الأيام التسعاوية التي تبتدئ في السنة المقبلة.
7- وأخيراً تصير رياضة الجلد على تلاوة المزمور الخمسين: والسلام عليكٍ أيتها الملكة أم الرحمة: وهكذا كلٌ من الأخوة يمضي فيقبل قدمي المصلوب المقدس الموضوع على درجة الهيكل.
وأما فرائض هذه الجمعيات السرية، فهي:
1- أن كلاً من الإخوة يمارس يومياً الصلاة العقلية.
2- أن يزور كل يومٍ القربان الأقدس، وإحدى أيقونات والدة الإله.
3- أن يفحص ضميره كل ليلةٍ قبل الرقاد.
4- ألا يهمل يومياً القراءة الروحية.
5- أن يمتنع عن اللعب بالورق وغيره ويهرب من الاجتماعات العالمية.
6- أن يواظب على اقتبال الأسرار المقدسة، وعلى بعض إماتاتٍ ممكنةٍ لديه، كحمل زنار الحديد، أو عمل الجلد وأمثالهما.
7- أن يتوسل لله كل يوم من أجل الأنفس التي في المطهر، ومن أجل أرتداد الخطأة إلى التوبة.
8- إذا كان أحد الأخوة مريضاً فتلتزم الأخوة كلهم بزيارته.
وبهذا كفاية. فلنرجع إلى موضوعنا الأول.*
خامساً: قد قلنا فيما سلف كم هو أمرٌ مفيدٌ للخلاص الأبدي التعبد لمريم العذراء وخدمتها كالواجب. فالإخوة في جمعياتهم ماذا يصنعون إلا واجبات عبادتها وخدمتها، فكم يمدحونها هناك، وكم يتضرعون إليها. إذ أنهم منذ اشتراكهم بهذه الأخويات يكرسون ذواتهم لخدمتها وعبادتها. مختارينها بنوعٍ خاص سيدةً وأماً لهم. وبالتالي كما أنهم عبيدٌ لها وأبناءٌ، أخصاء. فهكذا هي بنوع متميز تعضدهم وتحامي عنهم في مدة حياتهم وفي ساعة موتهم. فإذاً يمكن القول عن كل أحدٍ من المشتركين بأخويات هذه الأم الإلهية أنه مع الأخوية قد اقتبل كل خيرٍ، كقول الحكيم: جاءتني الخيرات كلها معها، والثروة التي لا تحصى في يديها: (سفر الحكمة ص7ع11).*
إلا أن كل واحدٍ من المشتركين بهذه الأخويات يلزمه أن يجتهد في أمرين:
أحدهما: هو الغاية، أي في أن يكون تردده إلى الأخوية لا لغايةٍ أخرى الا لعبادة الله وخدمته، وللتعبد لوالدته المجيدة. ولكي يهتم في خلاص نفسه.
ثانيهما: أن لا يهمل لأجل أعمالٍ عالميةٍ الذهاب الى الأخوية في الأيام المعينة للأجتماع، لأن تردده إلى الأخوية إنما هو لممارسة العمل الأهم والأصر والأخص من جميع أعمال العالم، وهو عمل خلاصه الأبدي. ثم أن يجتهد بقدر مكنته في أن يجتذب الآخرين أيضاً الى هذا الأجتماع، لا سيما في أن يصير أولئك الأخوة الذين تركوا التردد الى الأخوية أن يرجعوا الى حالهم الأولى. لأنه كم وكم عاقب الله بقصاصاتٍ ظاهرةٍ مهيلةٍ، أولئك الذين اذ كانوا مرةً ما مشتركين في إحدى الأخويات المختصة بعبادة مريم العذراء قد أهملوها بعد ذلك بالكلية. ففي مدينة نابولي قد كان أحد الأخوة ترك الأخوية مطلقاً واذ حرضه البعض على الرجوع إليها، قد أجابهم التعيس قائلاً: أني سأرجع إليها حينما تكسر قصبتا رجلي وتقطع هامتي: فقد صار هو نبياً على ذاته بهذا القول، لأنه لم يمضِ على ذلك الا زمنٌ وجيزٌ. واذا بأعداءٍ كانوا لهذا الإنسان قد وثبوا عليه بغتةً، فكسروا ساقيه، وقطعوا رأسه. وبالعكس أن عبيد مريم البتول المثابرين على الأجتماعات بهذه الأخويات فهم مسعفون منها ومنعم عليهم من قلبها بخيراتٍ روحيةٍ وزمنيةٍ أيضاً. وعنهم قيل: أن أهل بيتها جميعهم لابسون ثياباً مضعفةً: (أمثال ص31ع21).*
ففي الرأس4 من المجلد 2من تأليف الأب أورياما توجد مدونةً حوادثٌ كثيرةٌ في أثبات النعم العظيمة الممنوحة من والدة الإله للمشتركين في أخوياتها، ليس في مدة حياتهم فقط، بل في حين موتهم أيضاً. فيخبر الأب كراسات (في القسم 5من المجلد 2) بأنه في سنة 1586 اذ كان أحد الشبان مناهزاً للموت قد نام ثم أستيقظ وأعلم معلم أعترافه قائلاً: أواه يا أبتي أنني قد حصلت في خطرٍ عظيمٍ للهلاك، ولكن أمي الإلهية قد خلصتني، لأن الشياطين قدموا ضدي في ديوان الله جميع خطاياي. وكانوا مستعدين لأن يأخذوني متكردساً الى جهنم. ولكن قد جاءت حينئذٍ السيدة والدة الإله، وقالت لهؤلاء الأبالسة: إلى أين آخذين معكم هذا الشاب، وأي حقٍ يوجد لكم على أحد عبيدي، الذي خدمني زمناً مديداً في الأخوية المختصة بالعبادة لي: فهكذا هربت الشياطين وأنا خلصت من أيديهم:*
ثم أن الأب المذكور عينه يخبر هناك عن حادثٍ آخر، وهو أن رجلاً من المشتركين بأخوية العذراء، قد حصل في ساعة موته على معركةٍ قوية جداً من قوات الجحيم، ولكن اذ أنتصر عليهم أخيراً، قد هتف صارخاً: يا له من خيرٍ عظيمٍ هو خدمة مريم البتول في أخويةٍ مختصةٍ بعبادتها: وهكذا مات ممتلئاً من التعزية السماوية. ويضيف الى ذلك، أنه في مدينة نابولي اذ كان الرجل الشريف “دوكا” بوبولي مدنفاً على الموت قال لأبنه هكذا: أعلم يا ولدي أن الخير الوجيز الذي أنا عملته في حياتي، فأنا أعترف به أنه ناتجٌ عن أشتراكي بأخوية العذراء، فاذاً لا يوجد عندي خيرٌ أعظم أتركه لك بعد موتي من هذه الأخوية، التي أعتبر ذاتي شريفاً بالأشتراك فيها، أكثر من شرفي بأني دوكا بوبولي:*
Discussion about this post