الإرشادُ الرَّسوليُّ ما بعدَ السّينودُس
الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسط
للبابا بندكتُس السّادس عشر
إلى البطاركةِ والأساقفةِ
والإكليروسِ
والأشخاصِ المكرَّسين
والمؤمنين العَلمانيِّين
حول الكنيسة في الشَّرق الأوسط،
شَرِكة وشَهادة
مقدمة
- الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسط، والَّتي تَحجّ على هذه الأرضِ المباركة منذ فجر الإيمان المسيحيّ، تواصل اليومَ بشجاعةٍ شَهادتَها، ثمرةَ حياةِ شَرِكَةٍ مع الله ومع القريب. شَرِكةٌ وشَهادة! كانت هذه في الواقعِ القناعة الَّتي شَكَلّت محوَرَ الجمعيّة الخاصَّة لسينودسِ الأساقفةِ من أجلِ الشَّرقِ الأوسطِ الَّتي اجتمعت، حولَ خليفة بطرس من 10 وحتّى 24 من تشرين الأوّل/أكتوبر 2010، حولَ موضوع: الكنيسة الكاثوليكيّة في الشَّرق الأوسط، شَرِكة وشَهادة. “وكانَ جَماعةُ المُؤمنينَ قَلبًا واحدًا ورُوحًا واحِدَةً” (أع 4، 32).
- أودُّ في مطلعِ الألفِ الثّالثِ أن أستودعَ هذه القناعة، الَّتي تستمدُّ قوَّتَها من يسوعَ المسيح، إلى العنايةِ الرَّعَويّةِ لكافةِ رعاةِ الكنيسةِ الواحدةِ والمُقَدَّسةِ والجامعةِ والرَّسوليّة، وبنوعٍ خاصٍّ إلى الأخوةِ البطاركةِ ورؤساءِ الأساقفةِ والأساقفةِ الموقّرين الَّذين يسهرون مَعَاً، باتّحادٍ مع أسقفِ روما، على الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ في الشَّرقِ الأوسط. يَعيشُ في هذه المنطقةِ مؤمنون، من أبناءِ البلاد، ينتمون إلى الكنائسِ الشَّرقيّةِ الكاثوليكيّةِ ذات الحَقّ الخاصّ: كنيسة الإسكندريّة البطريركيّة للأقباط؛ كنائس أنطاكيا البطريركيّة الثّلاث: الرّوم الملكيِّين، السّريان والموارنة؛ كنيسة بابل البطريركيّة للكَلدان وكنيسة قيليقيا للأرمن. كما يعيش في المنطقة أساقفةٌ وكهنةٌ ومؤمنون ينتمون إلى الكنيسة اللاتينيّة. وهناك أيضاً كهنةٌ ومؤمنون قَدِموا من الهندِ، من الأبرشيَّتِين الكبريِّين: إيرناكولام أنغامالي للسّريان المالابار وتريفاندروم للسّريان المالانكار، ومن كنائسَ شرقيّةٍ ولاتينيّةٍ أُخرى في آسيا وأوروبا الشَّرقيّة، بالإضافة إلى مؤمنين كثيرين جاؤوا من أثيوبيا وإرتريا. يشهد هؤلاء مَعَاً لوحدة الإيمان ضمن تَنْوّع تقاليدهم. أريد أن أستودعَ هذه القناعةَ أيضاً إلى جميع الكهنةِ والرّهبانِ والرّاهباتِ والمؤمنين العَلمانيِّين الشَّرق أوسطيِّين، واثقاً بأنّها ستكون دافعاً لخدمةِ ولرسالةِ كلّ شخص داخلَ كنيسته، ووفقاً للمواهب الَّتي منحه إياها الرّوح، من أجل استنارة الجميع.
- إنَّ الشَّرِكة، من منظار الإيمان المسيحيّ، هي “حياةُ الله نفسُها الَّذي يُعطيها لنا بالرّوح القدس بواسطة يسوع المسيح”[1]. إنَّها هبةٌ مِن عندِ الله الَّذي يَختبر حُرِّيَّتَنا وينتظر منَّا جواباً. إنَّ الشَّرِكةَ هي بطبيعتِها جامعة، لكونِ أصولِها إلهيّة. وإذا كانتْ ملزِمةً بالنّسبة للمسيحيِّين، بدافع إيمانِهم الرّسوليّ المشترك، فهي أيضاً منفتحةٌ على أشقَّائِنا اليهودِ والمسلمين وعلى جميع الأشخاص الَّذين ينتمون هم أيضاً، وبطرقٍ مختلفة، إلى شعبِّ الله. الكنيسة الكاثوليكيّة في الشَّرق الأوسط تعلم أنَّها لن تَتَمكّنَ من أن تُعبّر تعبيراً كاملاً عن هذه الشَّرِكة، على الصّعيدِ المسكونيِّ وفي مجالِ الحوارِ بين الأديان، إن لم تعملْ أوّلاً على تجديدِ هذه الشَّرِكةِ في داخلها، وعلى مستوى كلّ كنائِسها، ثمَّ لدى جميعِ أعضائِها: من بطاركةٍ وأساقفةٍ وكهنةٍ ورهبانٍ ومُكَرَّسين وعَلمانيِّين. إنَّ التّعمّق في حياةِ الإيمانِ الفرديِّةِ والتّجدّدِ الرّوحيّ داخلَ الكنيسةِ الكاثوليكيِّةِ سيسمحانِ ببلوغِ ملءِ حياةِ النِّعمةِ والثّيوسيس (التَّألُّه)[2]. هكذا تَكْتَسِّبُ الشَّهادة مصداقيّة.
- يمكنُ أن يُشكِّلَ مثالُ الجماعةِ الأولى في أورشليمَ نموذجاً لتجديدِ الجماعةِ المسيحيِّةِ الحاليِّةِ كي تتحوَّلَ إلى مكانٍ للشَّرِكةِ من أجلِ الشَّهادة. يُقدِّم كتابُ أعمالِ الرُّسلِ، في الواقع، وَصْفَاً أوَّليّاً بسيطاً وجديراً بالاهتمامٍ لهَذه الجماعةِ الَّتي أبْصَرَتِ النورَ يومَ العنصرة: “وكانَ جَماعةُ المُؤمنينَ قَلبًا واحدًا ورُوحًا واحِدَةً” (راجع أع 4، 32). يُوجدُ منذُ البدءِ رباطٌ أساسيٌّ بينَ الإيمانِ بيسوعَ والشَّرِكةِ الكنسيِّةِ، تشير إليه العبارتانِ المنسجمتان: “قلب واحد ونفس واحدة”. فليست الشَّرِكة من صنعِ البشرِ على الإطلاق. هي قبلَ كلِّ شيء وليدةُ الرّوحِ القدس الَّذي يَخلقُ فينا الإيمانَ العامِلَ بواسطةِ المحبّة (راجع غل 5، 6).
- ظهرت وحدةُ المؤمنين، بحسبِ كتابِ أعمالِ الرُّسلِ، بفعلِ أنَّهم “كانوا يُداوِمونَ على الاستِماعِ إلى تَعليمِ الرُّسُلِ وعلى الحياةِ المُشتَركَةِ وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلاةِ” (أع 2، 42). ومن ثمَّ فوحدة المؤمنين تتغذَّى إذاً من تعاليمِ الرُّسل (إعلان كلمة الله) الَّتي كانوا يتجاوبون معها بإيمانٍ مشترك، ومن الشَّرِكةِ الأخويّةِ (خدمة المحبّة)، ومن كَسْرِ الخبز (الإفخارستيَّا وجميع الأسّرَّار)، ومن الصَّلاةِ الفرديّةِ والجماعيّة. على هذه الأعمدةِ الأربعةِ ارتكزت الشَّرِكةُ والشَّهادة وسطَ جماعةِ المؤمنين الأولى. فلتتمكنِ الكنيسةُ، في الشَّرق الأوسط، بدون انقطاع منذ زمن الرّسل وحتّى يومنا هذا، من أن تجد في مثالِ هذه الجماعةِ القوتَ اللازم، لتَستمرّ حيّةً لديها ذكرى الأسلاف وديناميكيِّتهم الرّسوليّة!
- اختبر المشاركون، في جمعيّةِ السّينودس، الوحدةَ داخلَ الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ ضمنَ التّنوعِ الكبيرِ للسياقاتِ الجغرافيّةِ والدّينيّةِ والثّقافيّةِ والاجتماعيّة-السّياسيّة. يُعاشُ الإيمانُ المشتركُ ويُنشَر بشكلٍ رائعٍ ضمنَ تنوّعِ تعابيرهِ اللاهوتيّةِ والرّوحيّة واللّيتورجيّة والقانونيّة. وكما فعل أسلافي على كرسيّ بطرس، فإنِّي أجدّد هنا رغبتي في “أنّ طقوسَ الكنائسِ الشَّرقيِّةِ يجبُ حفظُها ودعمُها بورعٍ، لكونها تراثَ كنيسةِ المسيح بأسرها، يشعُّ فيه التّقليدُ المنحدرُ من الرُّسلِ عن طريق الآباء، ويؤكّدُ بتنوّعه وحدةُ الإيمانِ الكاثوليكيّ الإلهيّة”[3]. وأعرب لأخوتي اللاتين عن محبِّتي المتنبهةِ لاحتياجاتهم وضَرُوَراتِهم، تماشيا مع وصيّةِ المحبِّة، الَّتي تفوق كلّ الأشياء، ووفقا للقواعدِ القانونيّة.
الفصل الأوّل
“نَشكُرُ اللهَ دائِمًا في أَمْرِكمِ جَميعًا ونَذكُرُكم في صَلَواتِنا”(1 تس 1، 2)
- بكلماتِ القدِّيسِ بولسَ نفسِّها، أودُّ أن أحيِّي المسيحيِّين المقيمين في الشَّرقِ الأَوسطِ مؤكِّدا لهم صلواتي الحارَّة والمتواصلة. الكنيسةُ الكاثوليكيِّةُ، ومعها الجماعةُ المسيحيِّةُ كلُّها، لا تَنسَاهم وتَعترفُ بامتنانٍ بإسهامهم النَّبيلِ والعريقِ في تشيّيدِ جسَدِ المسيح. وتَشكُرُهم على أمانتِهم وتُؤكد محبَّتَها لهم.
السّياق
- أَتَذكَّرُ بتأثِّرٍ زياراتي إلى الشَّرق الأوسط. الأرض الَّتي اختارها الله، بطريقةٍ فريدة، وسار عليها البطاركةُ والأنبياء. كانت المكانَ الَّذي تَجَسَّدَ فيه المسيحُ ورأت ارتفاعَ صليب المُخَلِّصِ، وكانت شاهدةً على قيامتِه من الموتِ وعلى حلولِ الرّوحِ القدّس. مرَّ عليها الرّسلُ والقديسون وآباء الكنيسة العديدُون فصارت بوتقةً للصياغاتِ العقائديّةِ الأولى. على الرّغم من ذلك، فإنَّ هذه الأرضَ المباركةَ والشَّعوبَ الَّتي تسكنها تَختبرُ الاضطراباتِ البشريّةَ بشكلٍ مأسويٍّ. عددٌ كبيرٌ من القتلى، ومن الأرواح الَّتي دمَّرها العمى البشريّ، ناهيك عن الخوف والمذلّة! يبدو أنَّ لا شيء يكبحُ جماحَ جُرمَ قايين (راجع تك 4، 6-10 و1 يو 3، 8-15) بين أبناء آدم وحوَّاء، المخلوقين على صورةِ الله (راجع تك 1، 27). فخطيئةُ آدمَ الَّتي عزَّزتها خطيئةُ قايين ما تزال تُوَلِّد شوكاً وحسكاً (راجع تك 3، 18) حتّى يومِّنا هذا. إنَّه لَمِن المحزنِ رؤيّةُ هذه الأرض المباركة تَتَألَّم بأبنائِها الَّذين يتقاتلون فيما بينهم بلا هوادة، ويموتون! يعرف المسيحيُّون أنَّ يسوعَ وحدَّه، الَّذي اختبرَ المحنَ والموتَ ليقوم من بين الأموات، قادرٌ على حملِ الخلاص والسَّلام إلى جميع سكان تلك المنطقة من العالم (راجع أع 2، 23-24، 32-33). إنَّه وحده، المسيح، ابن الله، الَّذي نعترف به! دعونا نرجع إذا ونتوب “فتُوبوا واَرجِعوا تُغفَرْ خَطاياكُم. فتَجيءُ أيّامُ الفرَجِ مِنْ عِندِ الرَّبِّ” (أع 3، 19-20أ).
- إنَّ مفهومَ السَّلام، وفقاً للكتاب المُقَدَّس، ليس مجرَّدَ اتّفاقٍ أو معاهدةٍ تسمح بعيش حياةٍ هادئةٍ مطمئنةٍ، ولا يمكن أن يقتصر تحديدُه على غيابِ الحربِ وحسب. السَّلام يعني، وفقاً لأصل الكلمةِ العبريِّ: أن نكون كاملين، محميِّين من الأذى، يعني تحقيق شيء ما لبلوغ الطُّمأنينة التّامَّة. السَّلام هو حالة الإنسان الَّذي يعيش بتناغم مع الله، ومع ذاته، ومع قريبه ومع الطَّبيعة. السَّلام باطنيِّ قبل أن يكون ظاهريَّاً. إنَّه نِعْمَة. إنَّه تَوقٌ إلى واقع ما. السَّلام أمر منشود كثيرا لدرجة أنَّه تَحَوَّل، في الشَّرق الأوسط، إلى تحيِّة (راجع يو 20، 19؛ 1 بط 5، 14). السَّلام هو عدالة (راجع أش 32، 17) ويضيف القدِّيس يعقوب في رسالته: “والبِرُّ هوَ ثَمَرَةُ ما يَزرَعُهُ في سَلامِ صانِعو السَّلامِ” (يع3، 18؛ راجع أش 23، 17). لَقَد كان الكفاحُ النَّبويُّ والتّفكيرُ الحكيمُ نضالا وضرورةً من أجل البحثِ عن السَّلام الإسكاتولوجيّ. المسيحُ يقودنا باتِّجاه هذا السَّلام الأصيل مع الله. إنَّه بابه الوحيد (يو10، 9). والمسيحيُّون يتطلَّعون إلى عبور من خلال هذا الباب الأوحد.
- من خلالِ بَدءِ التَّوبة إلى الله، وعيش الغفران في محيطه القريب والجماعيّ، يصبحُ الإنسانُ الصَّالحُ قادراً على الاستجابةِ لدعوةِ المسيحِ ليصير “ابنا لله” (راجع مت 5، 9). المتواضع وحده يَتَلذَّذ في كثرةِ السَّلام (راجع مز37 [36]، 11، أم 3، 2). بعدَ أن فتحَ لنا طريقَ الشَّرِكةِ مع الله، خلق يسوعُ الأخوَّةَ الحقيقيِّة، لا تلك المُشَوَّهةَ بفعل الخطيئة[4]. “فالمَسيحُ هوَ سَلامُنا، جعَلَ اليَهودَ وغَيرَ اليَهودِ شَعبًا واحدًا وهدَمَ الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهُما، أيِ العَداوَةَ” (أف 2، 14-15أ). المسيحيُّ يَعلمُ أنَّ سياسةَ السَّلامِ الأرضيِّةَ لن تكونَ ممكنةً إن لم ترتكزْ إلى العدالةِ في الله والعدالةِ بين البشر، وإن لم تقفْ هذه العدالةُ في وجهِ الخطيئة أساسِ الانقسام. لهذا السّبب، ترغبُ الكنيسةُ في تَخطِّي كلّ تمييز على أساسِ العرقِ والجنسِ والطّبقةِ الاجتماعيِّةِ (راجع غل 3، 28 وقول 3، 11)، مدركةً أن الكلَّ باتوا واحداً في المسيحِ الَّذي هو الكلّ في الكلّ. لذا تَدعم الكنيسةُ وتُشجّع كلَّ جهدٍ يبحثُ عن السَّلامِ في العالم، وفي الشَّرق الأوسطِ على وجه التّحديد. وهي لا تَدّخِر جَهداً- بشتَّى الوسائل- من أجلِ مساعدةِ البشرِ على العيشِ بسَلامِ وتؤيّد أيضاً مجموعةَ الآلياتِ القانونيّة الدّوليّة الَّتي تعزّز السَّلام. إنَّ مواقفَ الكرسيّ الرّسوليّ تجاهَ مختلفِ الصّراعاتِ الَّتي تدمي المنطقةَ، وتجاه وضعِ أورشليم والأماكنِ المُقَدَّسةِ معروفةٌ تماماً[5]. مع ذلك لا تنسى الكنيسةُ أنَّ السَّلام هو قبلَ كلّ شيء ثمرةُ الرّوح (راجع غل 5، 22) ينبغي طلبه من الله على الدّوام (راجع مت 7، 7-8).
الحياة المسيحيّة والمسكونيّة
- في هذا السّياق المُقَيِّد، غيرِ المستقرّ، والَّذي يميل حاليّاً إلىَ العُنفِ، سمح اللهُ لكنيستِه بأن تزدهر. وتعيشَ في بيئاتٍ متعدِّدة الأشكال. فإلى جانب الكنيسة الكاثوليكيّةِ، توجد في الشَّرق الأوسط من الكنائسِ العديدةِ المُوَقَّرة، أُضيفت إليها جماعات كنسيِّة أبصرت النُّور في فترات حَديثة. هذه الفسيفساءُ تتطلَّب جَهدَاً هامَّاً ومُتواصلاً من أجل تعزيز الوحدة، في إطارِ احترامِ غنى كلّ جماعة، بغيِّة توطيدِ مصداقيِّةِ إعلانِ الإنجيل والشَّهادة المسيحيّة[6]. الوحدة هِبةٌ من الله تُولَد من الرّوح وينبغي تنميتها بصبر دؤوب (راجع 1 بط 3، 8-9). نعلم أنَّها تجربة، تجربة الالتجاء فقط إلى المعايير البشَّرِيّة عندما تعترض الانقساماتُ طريقَنا، متناسين نصائح القدّيس بولس الحكيمة (راجع 1 كو 6، 7-8)، الَّذي يُناشد قائلا: “واَجتَهِدوا في المُحافَظَةِ على وَحدَةِ الرُّوحِ بِرِباطِ السَّلامِ” (أفfont-size:18.0pt;font-family: 4، 3). الإيمان هو قلبُ وثمرةُ العمل المسكونيّ الأصيل[7]. وينبغي أن نبدأ بالتّعمُّق فيه. تنبع الوحدة من الصَّلاة المثابرة، ومن التّوبة الَّتي تجعل كلّ شخص يعيش وفقا للحقيقة وفي المحبّة (راجع أف 4، 15-16). شجَّع المجمعُ المسكونيُّ الثّاني هذه “المسكونيِّةَ الرّوحيِّة” الَّتي هي روحُ المسكونيّة الحقيقيّة[8]. يشكِّل الوضعُ في الشَّرقِ الأوسطِ بحدِّ ذاته دعوةً مُلحَّةً لقداسة الحياة. إنَّ مجموعة سِير الشَّهداء تُثبت أنَّ قدِّيسين وشهداء، من جميع الانتماءاتِ الكنسية، كانوا – ولا يزال بعضهم حتَّى يومنا هذا – شهودا أحياء للوحدة في المسيح المجيد، تلك الوحدة الَّتي تُشكِّل استباقا لتذوّق طعم وحدتنا الأخيرة كشعب تصالح به[9]. ولهذا السّبب داخل الكنيسة الكاثوليكيّة لا بدّ من إرساء أُسس الشَّرِكة، الَّتي تقدّم شهادة لمحبِّة المسيح.
- استنادا إلى توجيهات الدّليل المسكوني[10]، يُمكن للمؤمنين الكاثوليك تنميةُ المسكونيِّة الرُّوحيِّة في الرّعايا والأديرة، وفي المعاهد المدرسيّة والجامعيّة وفي الإكليريكيَّات. فليهتمَّ الرُّعاةُ بتربية المؤمنين على أن يكونوا شهودا للشَّرِكة في جميع مجالات حياتهم. هذه الشَّرِكة ليست بالطّبع درباً من الفوضى. فالشَّهادة الأصيلةُ تَتَطلَّب الاعترافَ بالآخر واحترامه والانفتاح على الحوار في الحقيقة، والصَّبر كوجه من أوجه المحبّة، والبساطة والتّواضع لِمنْ يُقرَّ بأنَّه خاطئ أمام الله والقريب، والقدرة على المغفرة والمصالحة وتطهير الذّاكرة، على الصّعيدين الشَّخصيّ والجَمَاعيّ.
- إنِّني أشجِّع عمل اللاهوتيِّين الَّذين يسعون بلا كلل لبلوغ الوحدة، كما أحيِّي نشاطَ اللِّجانِ المسكونيِّة المحليِّة المتواجدة على كافة الأصعدة وجميعَ أنشطةِ الجماعاتِ المختلفة، والَّتي تصلِّي وتعمل من أجل الوحدة المنشودة من خلال تعزيز الصَّداقة والأخوِّة. إنّه لمِن المهمّ أيضاً، في إطارِ الأمانةِ لأصول الكنيسة وتقاليدِها الحيِّة، أن نتكلَّمَ بصوتٍ واحدٍ بشأن القضايا الأخلاقيّة الكبيرة المتعلّقة بالحقيقة الإنسانية، والعائلة والجنس والأخلاقيِّات البيولوجيِّة، والحرية والعدالة والسَّلام.
- فضلا عن ذلك هناك أيضاً “مسكونيّةُ الخدمة” في المجال الخيريّ والتّربويّ بين مختلف مسيحيي الكنائس وأولئك المنتمين إلى الجماعات الكنسيِّة. ويشكل مجلس كنائس الشرق الأوسط، الَّذي يضم الكنائس ذات التّقاليد المسيحيّة المختلفة المتواجدة في المنطقة، فرصةً سانحةً لحوار يتمّ في إطار المحبّة والاحترام المتبادل.
- يُوضِّحُ المجمعُ المسكونيُّ الثّاني أنَّ المسيرةَ المسكونيِّة، لكي تكونَ فَاعِلة، يجبُ أن تتمَّ “بالصَّلاة في بادئ الأمر ثمَّ بسيرةِ الحياة، وبأمانة تقويّة للتقاليد الشَّرقيّة القديمة، وبتعارف متبادل أعمق، وبالتّعاون والتّقدير الأخوي للأشياء والبشر”[11]. ينبغي، قبل كلّ شيء، أن يعودَ الجميعُ بشكل أقوى إلى المسيح نفسِّه. ويسوع يوحّد المؤمنين به والَّذين يحبّونه من خلال منحهم روحَ أبيه وأيضاً مريم، أمّه (راجع يو 14، 26؛ 16، 7 و19، 27). هذه العطيّة المزدوجة، على مختلف المستويات، تشكِّل مصدرَ دعمٍ قوي وتستحق اهتماماً أكبر من جانب الجميع.
- تدفع المحبّة المشتركة للمسيح “الَّذي ما اَرتكَبَ خَطيئَةً ولا عَرَفَ فَمُهُ المَكرَ” (1 بط 2، 22) وكذلك “الرّوابطُ الوثِيقة”[12] بين الكنائس الشَّرقيِّة غيرِ المتحدةِ كُلِّيِّاً مع الكنيسة الكاثوليكيّة، نحو الحوار والوحدة. يرتبط الكاثوليك، في حالات عديدة، بكنائسَ شرقيّةٍ ليست في شَرِكة تامَّة، نتيجةَ أصول دينيِّة مشتركة. ولبلوغ رَعَويّة مسكونيّة متجدّدة، لتقديم شهادة مشتركة، من المُهمّ فَهم أعمق للانفتاحِ المجمعيِّ على “الاشتراك في القدسيِّات” لأسرار التّوبة والإفخارستيِّا ومسحة المرضى[13]، الَّذي هو ليس ممكنا فقط وإنَّما يُمكن التّوصية به في بعض الظَّروف المؤاتية، بحسب قواعد محدّدة وبعد موافقة السّلطات الكنسيِّة[14]. فحالات الزّواج بين مؤمنين كاثوليك وأرثوذكس عديدة وتتطلَّب اهتماماً مسكونيَّاً خاصَّاً[15]. أشجّع الأساقفةَ والمطارنةَ على تطبيق الاتّفاقات الرَّعَويّة، ضمن حدود الممكن، وحيث توجد هذه الاتّفاقات، بغية تعزيز رَعَويّة مسكونيّة مشتركة بشكلٍ تدريجيّ.
- إن الوحدة المسكونيّة لا تعني التّطابقَ بين التّقاليد والاحتفالات. إنِّي لواثقٌ، بعونِ الله، أنَّه، كخطوة أولى، يمكننا التّوصُّل إلى اتِّفاقاتٍ حول ترجمة مشتركة للصلاة الرَّبانيّة، الأبانا، باللُّغات الدَّارجة في المنطقة، حيث تقتضي الضَّرورة ذلك[16]. فمن خلال الصَّلاة مَعَاً، بالكلماتِ نفسِّها، سيعترف المسيحيُّون بتأصِّلهم المشترك في الإيمان الرَّسوليِّ الواحد الَّذي يرتكز إليه البحث عن الوحدة الكاملة. فضلا عن ذلك، فإن التّعمّق المشترك في دراسة الآباء الشَّرقيِّين واللاتين وكذلك التّقاليد الرُّوحيِّة الخاصَّة بكلِّ طرف، سيساعد على التّطبيق الصَّحيح للقواعد القانونيّة الخاصَّة بهذه المادّة.
- أدعو كاثوليكَ الشَّرقِ الأوسطِ إلى تدعيمِ عَلاقاتِهم مع مؤمني مختلف الجماعات الكنسيِّة الحاضرة في المنطقة. يمكن إطلاقُ مبادراتٍ مشتركة مختلفة. فالقراءة الجماعيِّة للكتاب المُقَدَّس ونشره، على سبيل المثال، قادران على فتح الطّريق في هذا الاتجاه. وإلى ذلك، إمكانيةُ تطوير أو تعميق مبادرات تعاون خصبة على صعيد النَّشاطات الخيريِّة، وتعزيز قيم الحياة البشريِّة والعدالة والسَّلام. هذه الأمورُ كلُّها ستساهم في بلوغَ معرفة متبادلة أكبر، وخلقِ مناخ من التّقدير، وهما شرطان أساسيَّان لتَنمية الأخوّة.
الحوار بين الأديان
- إنَّ طبيعةَ الكنيسة ودعوتَها الكونيِّة تتطلَّبان منها إقامة حوار مع أعضاء باقي الدّيانات الأخرى. يرتكز هذا الحوار في الشَّرق الأوسط إلى عَلاقاتٍ روحيِّةٍ وتاريخيِّةٍ تجمع المسيحيِّين مع اليهود والمسلمين. هذا الحوار، الَّذي لا تفرضه بالأساس اعتبارات براغماتيِّا ذات طابع سياسيّ أو اجتماعيّ، بل يستند، قبل كلّ شيء، إلى أُسسٍ لاهوتيِّة مرتبطة بالإيمان. تلك الأسسُ الَّتي تجد مصدرَها في الكتاب المُقَدَّس، ويحدّدها بوضوح دستورُ الكنيسة العقائديّ نور الأمم والإعلان بشأن عَلاقات الكنيسة مع الدّيانات غير المسيحية، في عصرنا[17]. اليهود والمسيحيون والمسلمون يؤمنون بإله واحد، خالق جميع البشر. فليُعِدِ اليهود والمسيحيون والمسلمون اكتشاف إحدى الرّغبات الإلهيّة، أي الرّغبة في وحدة وتناغم العائلة البشريِّة. وليَكتشفِ اليهودُ والمسيحيّون والمسلمون في المؤمن الآخر أخا يُحترم ويُحَبّ كي يقدّموا، كلٌّ على أرضيّته أولاً، شهادةً جميلةً للصفاء والمودّة بين أبناء إبراهيم. فلتكن معرفة إله واحد بالنِّسبة للمؤمن الحقيقي– إذا تمَّ عَيشُها بقلب طاهر- دافعاً قوياً للسَّلام بالمنطقة وللتعايش المشترك، القائم على الاحترام بين أبنائها، وليس أداةً تُستغلّ في إشعال الصّراعات المُتَكَرّرة، وغير المبرَّرة.
- العَلاقات بين المسيحيِّين واليهود مُتَشعّبة وعميقة. إنَّها ترتكز إلى الإرث الرُّوحيّ المشترك والثّمين. هناك بالطّبع الإيمان بإله واحد، الخالق، الَّذي كشف عن ذاته وارتبط مع الإنسان إلى الأبد، والَّذي بدافع محبّته يريد له الفداء. وهناك أيضاً الكتاب المُقَدَّس، وجزء كبير منه مشترك بين اليهود والمسيحيِّين. إنَّه كلمةُ الله بالنِّسبة للطرفين. إنَّ الرُّجوع المشترك إلى الكتاب المُقَدَّس يُقرّبُنا من بعضنا بعضاً. فضلا عن ذلك فإنَّ يسوع، ابنَ الشَّعب المختار، ولد وعاش ومات يهوديَّا (راجع روم 9، 4-5). والدته مريمُ تدعونا هي أيضاً إلى إعادة اكتشاف الجذور اليهوديّة للمسيحيّة. هذه الرّوابط الوثيقةُ تُشَكِّل إرثاً واحداً يعتزّ به جميع المسيحيِّين وهم مدينون به للشعب المختار. وإذ سمحت يهوديّة “النَّاصريّ” للمسيحيِّين بأن يتذوَّقوا بغبطةٍ عالمَ العهد وأدخلتهم بحزم في إيمان الشَّعب المختار، من خلال اتِّحادهم معه، فإنَّ شخص يسوع نفسه وهُويَّته العميقة، هما أيضاً سبب انفصالهما، لأنَّ المسيحيِّين عَرِفوا فيه المُخَلِّص (المسيِّا)، ابن الله.
- مِنَ الأهمّيِّة بمكان أن يعيَ المسيحيِّون، بصورة أفضل، عمقَ سرّ التّجسّد ليحبّوا الله من كلِّ قلبِهم، ومن كلِّ نفسهم وكلِّ قوَّتِهم (راجع تث 6، 5). إنَّ المسيح، ابن الله، تَجَسَّد وسط شعب، وسط تقليد إيمانيّ، وسط ثقافة لا يمكن لمعرفتها إلا إثراء فهم الإيمان المسيحيّ. المسيحيّون أغنوا هذه المعرفةَ من خلال ما فعَله المسيحُ نفسُّه بواسطةِ موته وقيامته من بين الأموات (راجع لو 24، 26). ولكن عليهم أن يبقوا على الدّوام مُتيقِّظين لجذورهم وثابتين فيها، لأنَّ الفرع يقوم على الشَّجرة القديمة (راجع روم 11، 17-18) ويحتاج إلى العُصارة الآتية من الجذور.
- تَأثَّرت العَلاقات بين الجماعتين المؤمنتين عبر التّاريخ بالانفعالات البشريِّة. فكانت حالات سوء التّفاهم وانعدام الثّقة عديدة ومتكرِّرة. إنَّ اضطهادات الماضي المشينة والعنيفة، لا يمكن تبريرُها وتَستحق أشد الإدانة! مع ذلك، وعلى الرّغم من هذه الأوضاع الحزينة، فإنَّ الطّرفين قد قَاما، على مرِّ العصور، بخطواتٍ مثمرةٍ أدّتْ إلى ولادة وتَفتّح براعم حضارة وثقافة، تُسمَّى عامَّة، “يهوديّة-مسيحيّة”. وكأنَّ هَذين العالمين، اللّذين كانا مُختَلِفين عن بعضهما ومتضاربين لأسباب عديدة، قد قرَّرا أن يتَّحدا ليقدّما للبشريِّة “سبيكة” نبيلة. هذا الرَّباط الَّذي يوحّد بين اليهود والمسيحيِّين، ويفصلهما معا، ينبغي أن يفتح آفاقَهما على مسؤوليّة جديدة، مسؤوليّة كلّ جانب تجاه الطَّرف الآخر ومع الطَّرف الآخر[18]. لأنَّ الشَّعبين نالا البركة نفسَها والوعودَ بالحياة الأبديِّة الَّتي تسمح بالتّقدم بثقة صوب الأُخوّة.
- بأمانة لتعاليم المجمع الفاتيكاني الثّاني تنظر الكنيسة الكاثوليكيّة، إلى المسلمين بأعين التّقدير، أولئك الَّذين يعبدون الله خصوصا بواسطة الصَّلاة والزّكاة والصّيام، يكرِّمُون يسوع كنبيٍّ، دون الإقرار بألوهيِّته، ويُكرِّمون مريمَ، أمَّه العذراء. نعلم أن اللّقاء بين الإسلام والمسيحيّة اتَّخذ غالباً شكل الجدل العقائديِّ. وقد شَكَلَّت هذه الاختلافاتُ العقائديّة وللأسف ذريعةً لدى هذا الطَّرف أو ذاك ليُبَّرِرَ، باسم الدّين، ممارساتِ التّعصب والتّمييز والتّهميش وحتَّى الاضطهاد[19].
- على الرّغم من ذلك، يتقاسم المسيحيُّون مع المسلمين الحياةَ اليوميِّةَ نفسَها في الشَّرق الأوسط، حيث وجودهم ليس عرضيَّاً أو حديثاً إنما تاريخيّ. فالمسيحيون، لكونهم جزءاً لا يتجزأ من الشَّرق الأوسط، أقاموا على مرِّ العصور نوعاً من العَلاقة مع محيطِهم يُشكِّل مثالاً يُحتذى به. وتفاعلوا مع تَديّن المسلمين وواصلوا عيشَ حياتهم وتعزيز قيم الإنجيل في ثقافة بيئتهم، حسب إمكاناتهم وضمن حدود الممكن. ونتجت عن ذلك حياة تكافليِّة مُتَميِّزة. ولهذا السّبب، من المنصف أن نُقرَّ بإسهام اليهود والمسيحيِّين والمسلمين في نشأة ثقافة غنيّة في الشَّرق الأوسط[20].
- من واجب وحَقِّ الكاثوليك في الشَّرق الأوسط، ومعظمهم من سكَّان البلاد الأصليِّين، المشاركةُ التَّامّة في حياة الوطن من خلال العمل على بناء أوطانهم. ينبغي أن يتمتَّعوا بمواطنة كاملة، لا أن يُعاملوا كمواطنين أو مؤمنين من درجة ثانية. وكما كانت الحال في الماضي، إذ كانوا من رُوَّادِ النَّهضة العربيِّة، وكانوا جزءاً لا يَتَجزَّأ من الحياةِ الثَّقافيِّة والاقتصاديِّة والعلميِّة لمختلف حضارات المنطقة، ها هم يرغبون، اليومَ وعلى الدّوام، في مقاسمة خبراتهم مع المسلمين مقدِّمين إسهاماتهم الخاصَّة. إنَّ المسيحيِّين، بفضل يسوع، هم حسَّاسون تجاه كرامة الشَّخص البشريّ والحُرِّيّة الدِّينيِّة النَّاجمة عنها. فقد قام المسيحيُّون- بدافع حبّهم لله والبشريّة، وممجّدين هكذا طَبيعةَ المسيح المزدوجة، وراغبين في الحياة الأبديّة- ببناء المدارس والمستشفيات وشتى أنواع المعاهد، حيث يُستقبل الجميع بدون أيّ تمييز (راجع مت 25، 31+). لهذه الأسباب بالذّات، يولي المسيحيون حقوقَ الشخص البشري الأساسيَّةَ اهتماماً خاصاً. إنَّ التّأكيد على أن هذه الحقوق ليست إلا حقوقا مسيحيّة للإنسان، هو تأكيد غير صحيح. إنَّها ببساطة حقوق تقتضيها كرامة كلّ كائن بشريِّ وكلّ مواطن مهما كان أصله أو قناعاته الدّينيّة أو خياراته السّياسيّة.
- الحُرِّيّة الدِّينيِّة هي تاج كلّ الحُرِّيَّات. إنَّها حَقٌّ مُقَدَّسٌ وغير قابل للتفاوض. إنَّها تَشمل في الوقت ذاته، الصّعيدين الفرديّ والجماعيّ، حُرِّيّة اتباع الضَّمير في المسائل الدِّينيِّة، وكذلك حُرِّيّة العبادة. وتشمل حريّة اختيار الدّيانة الَّتي يرتئي الشَّخص أنَّها صحيحة والتّعبير علانية عن هذا المعتقد[21]. يجب أن يُسمح للإنسان بممارسة ديانته والتّعبير عن رموزه بحريّة، دون أن يعرض حياته وحريته الشَّخصيّة للخطر. تَستَمدُّ الحُرِّيّة الدِّينيّة جُذورَها من كرامةِ الشَّخص؛ إنَّها تضمن الحُرِّيّة الأخلاقيِّة وتنمّي الاحترام المتبادل. إنَّ اليهود الَّذين تعرضوا طويلا لأعمال عدائيّة، غالبا ما كانت قاتلة، لا يسعهم أن ينسوا فوائد الحُرِّيّة الدّينيّة. أما المسلمون فيتقاسمون من جانبِهم مع المسيحيِّين القناعة بأنَّ الإكراه فيما يتعلَّق بالدّين غير مقبول، خصوصاً إذا تَمَّ بواسطةِ العنف. إنَّ هذا الإكراه، الَّذي قد يتخذ أشكالا مُتَعدِّدة وخطيرة على الأصعدة الشَّخصيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والإداريّة والسّياسيّة، يتناقض مع مشيئةِ الله. وهو يُستخدم أداةً لتحقيق مآربَ سياسيّة-دينيّة، أداةً للتمييز والعنف الَّذي قد يؤدِّي للموت. إنَّ اللهَ يريد الحياةَ لا الموت. إنَّه يُحَرِّم حتَّى قتل القاتل (راجع تك 4، 15-16؛ 9، 5-6؛ خر 20، 13).
- التّسامح الدّيني موجود في العديد من الدّول، لكنَّه لا يؤدِّي إلى نتيجة ملموسة لأنَّه يبقى محدوداً في نطاق تطبيقه. من الأَهَميِّة بمكان الانتقالُ من التّسامح الدِّينيِّ إلى الحُرِّيِّة الدِّينيِّة. هذا الانتقال لن يَتَسَبَّب في النِّسْبَويَّة، كما يؤكِّد بعضُّهم. فهذه الخطوة الواجبة ليست تصدَّعاً في المعتقد، لكنها إعادةُ نظرٍ في العَلاقة الأنتروبولوجيَّة مع الدّين والله. ليست تعدِّياً على “الحقائق المؤسِّسة” للمُعتقد، لأنَّه، على الرّغم من الاختلافات البشريّة والدّينيّة، ثمَّة بَصِيصٌ مِنَ الحقيقةِ يُنير جميع البشر[22]. نعلم جيِّداً أنَّ الحقيقةَ خارجَ الله غيرُ موجودةٍ “بحدِّ ذاتها” لأنَّها تصبح صَنَماً. فالحقيقة لا يمكن لها أن تنمو إلا في العَلَاقةِ مع الآخر، الَّذي يقودنا إلى الآخر (الله). والَّذي بدوره أن يُعَرِّفَنا على غنى غَيِّرِيَّتِيه من خلال أخوتي البشر وفيهم. لذا ليس جائزاً التَّأكيدُ بشيء قطعي: “أنا أملك الحقيقة”. ليست الحقيقة ملكاً لأحد، إنَّها دائماً عطيّة تدعونا لمسيرةِ محاكاةٍ للحقيقة بشكل أعمق دائماً. يمكن معرفةُ الحقيقة وعيشُها فقط في الحرية، لهذا لا يمكن الإجبار على الحقيقة، إنَّما في لقاء المحبِّة فقط يُمكن سبر أغوارِها.
- أنظار العالمِ كلّه موجَّهة صوب الشَّرق الأوسط الَّذي يبحث عن طريقه. فلتُظهر هذه المنطقة أن العيش مَعَاً ليس أمراً مثاليَّاً، وأنَّ انعدام الثّقة والأحكام المسبقة ليست أمراً حتميِّاً. فباستطاعة الأديان أن تلتقي مَعَاً لخدمة الخير العام وللمساهمة في تنمية كلّ شخص وفي بناء المجتمع. يعيشُ المسيحيون الشَّرق أوسطيون منذ قرون الحوار الإسلاميِّ–المسيحيِّ، إنه بالنِّسبة لهم حوار عبر الحياة اليوميِّة ومن خلالها. ويدركون غنى الحوار وحدوده. يعيشون أيضاً الحوار اليهوديِّ-المسيحيِّ الأكثر حداثة. ويوجد منذ زمن بعيد حوار ثنائيّ أو ثلاثيّ الأطراف بين “مُثَقّفين أو لاهوتيِّين” يهود ومسيحيِّين ومسلمين. إنَّه مُختبر القاءات والبحوث المختلفة، لا بُدَّ من تعزيزه. تساهم في هذا المجال جميع المعاهد أو المراكز الكاثوليكيّة المختلفة- المعنيّة بالفلسفة واللاهوت وغيرهما – والَّتي أبصرت النُّور في الشَّرق الأوسط منذ زمن بعيد وتعمل أحيانا في ظروف صعبة. أوجِّه لهم تحيِّةً وديّة وأشجّعهم على مواصلة عمل السَّلام هذا، مدركين ضرورة دعم كلّ ما من شأنه التِّصدِّي للجهل وتَنمية المعرفة. الاتِّحاد المفرح بين حوار الحياة اليوميّة وحوار “المُثَقّفين أو اللاهوتيِّين” سيساهم حتما، بشكلٍ تدريجيٍّ وبمعونة الله، في تحسين التّعايش اليهوديّ-المسيحيّ، واليهوديّ-الإسلاميّ، والإسلاميّ-المسيحيّ. هذه هي أمينتي والنِّيّة الَّتي أصلّي من أجلها.
واقعان جديدان
- يختبر الشَّرق الأوسط، كباقي أنحاء العالم، واقعين متضاربين: العَلمانيّة، بأشكالها الَّتي تصل أحيانا للتطرّف، والأصوليّة العنيفة، الَّتي تَدّعي قيامها على أصول دينيّة. وبكثير من الارتياب، ينظر بعضُ المسؤولين السّياسيِّين والدّينيِّين في الشَّرق الأوسط، من كافة الجماعات، إلى العَلمانيّة باعتبار أنَّها تعني الإلحاد أو اللأخلاقيِّة. وصحيح أنَّ العَلمانيِّة قد تصل أحيانا، وبطريقة مختزلة، إلى تأكيد أن الدّينَ ينحصر فقط في النُّطاق الفرديّ، وكأنه ليس إلا عبادة فرديِّة وبيتيِّة بعيدة عن الحياة وعن الأخلاق وعن العَلاقات مع الآخرين. وهذا الشَّكل المتطرّف والإيدولوجيّ، يحوّل العَلمانيِّة، إلى تَعلمُن يمنع المواطن من التّعبير العام عن دينه، مدِّعيّاً أن الدّولة وحدَها هي الَّتي تستطيعُ تشريع شكلها العام. هذه النَّظريات قديمة العهد، ولم تعد فقط غربيّة ولا يمكن الخلط بينها وبين المسيحيِّة. العَلمانيِّة الإيجابيِّة، عكس ذلك، تعني تَحرير المعتقد من ثِقَلَ السّياسة، وإغناء السّياسة بإسهامات المعتقد، بحفظ المسافة اللازمة، والتّمييز الواضح، والتّعاون الَّذي لا غنى عنه، لكليهما. لا يمكن لأيّ مجتمع أن يطوّر نفسه بطريقةٍ صحّيِّةٍ بدون تأكيد الاحترام المتبادل بين السّياسة والدّين ورفض السّقوط في التّجربة المستمرّة للخلط أو للتحارب. العلاقة المُثلى تُبني، قبل كلّ شيء، على طبيعة الإنسان– أي على أنتروبولوجيا صحيحة– وعلى الاحترام المُطلق لحقوقه الثّابتة. إنَّ إدراك هذه العَلاقة المُثلى يَسمح بفهم وجود نوع من الوحدة والتّمايز، الَّذي يجب أن يُحدّد ملامح العَلاقة بين ما هو روحيّ (الدّين)، وما هو زمنيّ (السّياسة)، لأنَّ كُلا منهما مدعوٌ، حتّى داخل التّميِّيز الواجب، إلى التّعاون بانسجام للخير العام. إنَّ العَلمانيِّة الإيجابيِّة هكذا تُؤمِّن للسياسة العمل بدون استغلال الدّين، وللدين أن يحيا حُرّاً من إثقال نفسه بالسّياسة، الَّتي تُمليها الفائدة، والَّتي أحيانا لا تتّفق، بل وقد تتعارض، مع المعتقد الدّيني. ولهذا فإنَّ العَلمانيِّة الإيجابيِّة (وحدة وتمايز) وضروريِّة، بل ولا غنى عنها، لكليهما. إنَّ التّحدّي القائم في العلاقة بين السّياسة والدّين يُمكن مواجهته بالصَّبر والشَّجاعة، وعن طريق تربية إنسانيّة ودينيّة مناسبة. يجب التّذكِيرُ دائماً بمكانةِ الله في الحياةِ الشَّخصيةِ والعائليِّةِ والاجتماعيِّةِ، وأيضاً بالمكانِ المناسبِ للإنسانِ في تصميمِ الله. وللوصول لهذه الغاية يجب الصَّلاةُ أكثر.
- إنَّ الغموضَ الَّذي يكتنفُ الأوضاعَ الاقتصاديِّةَ والسّياسيِّةَ، ومهارةَ التّأثيرِ لدى بعضهم والفهم النَّاقص للدين، هي من بين العوامل الَّتي تشكل تُربة خصبة للتطرّف الدّينيّ. هذا التّطرّف يُصيب كلّ الجماعات الدّينيِّة ويرفض التّعايش المدنيّ معاً. وغالبا ما يسعى للسلطة، بواسطة العنف أحيانا، على ضَمير كلّ فرد وعلى الدّين من أجل دوافع سياسيّة. أُطلق نداءً ملحّاً لجميع المسؤولين الدّينيِّين اليهود والمسيحيِّين والمسلمين في المنطقة كيما يسعوا، من خلال مثالِهم وتعاليمِهم، إلى فعل كلّ ما هو ممكن، بهدف استئصال هذا التّهديد الَّذي يستهدف، بلا تمييز وبشكل قاتل، مؤمني جميع الدّيانات. إنَّ “استخدام كلمات الوحي، الكتابات المُقَدَّسة أو اسم الله لتبرير مصالحنا أو سياساتنا، الَّتي يمكن مراعاتُها بسهولة، أو لتبرير لجوئنا إلى العنف هو جريمة في غاية الخطورة”[23].
المهاجرون
- إنَّ الواقع الشَّرق أوسطيّ غنيّ بتنوّعه، لكنَّه، في كثير من الأحيان، تقييدي وحتّى عنيف. وهو يمسّ جميع سكَّان المنطقة ويشمل كلّ أوجه حياتهم. يشعر المسيحيون بنوع خاصّ، ولكونهم يجدون أنفسهم غالبا في موقف دقيق، بشيء من الإحباط وفقدان بعض الأمل، بسبب النَّتائج السّلبيّة لتلك الصّراعات ولحالات الغموض. ويشعرون غالبا بالمهانة. ويعلمون، بفعل خبرتهم، أنّهم ضحايا محتملة لأيّ اضطرابات قد تقع. فبعد أن شاركوا بطريقة فاعلة، وعلى مرِّ العصور، في بناء أوطانهم وساهموا في نشأة هُويّتهم وفي ازدهارهم، يجد مسيحيّون كثيرون أنفسَّهم أمام ضرورة اختيار آفاق مؤاتيةً، واحات سَلام، حيث يمكنهم العيش مع أسرهم بكرامة وأمن، وفضاءات من الحُرِّيّة ليعبّروا فيها عن إيمانهم بعيدا عن القيود المختلفة[24]. إنَّه الخيار المأسويّ لما يحمله من نتائجَ خطيرةً على الأفراد والعائلات والكنائس. ويقلّص عدد السّكّان، ويساهم في تنامي الفقر البشريّ والثّقافيّ والدّينيّ في الشَّرق الأوسط. فالشَّرق الأوسط بدون- أو حتّى بعدد ضئيل من المسيحيِّين- ليس الشَّرق الأوسط، لأنَّ المسيحيِّين يشاركون مع باقي المؤمنين في صُنع الهُويّة الخاصَّة للمنطقة. فالجميع مسؤولون عن بعضهم بعضاً أمام الله. من الأهمّيِّة إذا أن يَفهم القادة السّياسيّون والمسؤولون الدّينيّون هذه الحقيقة، ويعملوا على تفادي السّياسات والاستراتيجيّات السّاعية إلى تفضيل جماعة بعينها، لقيام شرق أوسط أُحاديّ اللّون، لا يعكس بأيِّ شيء واقعه الإنسانيّ والتّاريخيّ الغنيّ.
- ينظر رعاةُ الكنائس الشَّرقيّة الكاثوليكيّة ذات الحَقّ الخاصّ بقلق وألم إلى تقلّص أعدادُ مؤمنيهم في الأراضي البطريركيّة، بحسب التّقليد، ويجدون أنفسهم مجبرين، منذ فترة ليست ببعيدة، على تنمية رَعَويّة المهجر[25]. إنِّي لواثقٌ بأنَّهم يبذلون ما في وسعهم لحثِّ مؤمنيهم على الرّجاء، وعلى البقاء في وطنهم، وعلى عدم بيع أملاكهم[26]. أشجّعهم على أن يحتضنوا بعطف كهنتهم ومؤمنيهم في بلاد المهجر، داعين إيَّاهم لإبقاء الاتّصال الوثيق والدّائم مع عائلاتهم وكنائسهم، والحفاظ، قبل كلّ شيء، بأمانة على إيمانهم بالله، بفضل هُويّتهم الدّينيِّة المبنيّة على التّقاليد الرّوحيّة العريقة[27]. فمن خلال حفاظهم على انتمائهم لله ولكنائسهم، وعلى عيش المحبِّة العميقة مع إخوانهم وأخواتهم اللاتين، هم بذلك سيحملون ثراءً كبيراً للكنيسة الكاثوليكيّة الجامعة. إضافة إلى هذا، أُحثُّ رعاةَ المقاطعات الكنسيّة الَّتي تستقبل الكاثوليك الشَّرقيِّين، على احتضانهم بمحبّة وتقدير كأخوة، وعلى تعزيز روابط الشَّرِكة بين المهاجرين وكنائسِهم الأصليّة، وعلى إتاحة الفرصة لهم ليقيموا الاحتفالات حسب تقاليدهم الخاصَّة، وأن يمارسوا الأنشطةِ الكنسيِّة والرَّعَويّة حيث تسمح الظُّروف بذلك[28].
- إنَّ الكنيسةَ اللاتينيّة الحاضرة في الشَّرق الأوسط، وبرغم معاناتها من هجرة مؤمنيها العديدين، تختبر وضعا آخر وتجد نفسها في مواجهة مع تحدّيِّات رَعَويِّة عديدة وجديدة. على رعاتها، لا سيَّما في الدّول ذات الاقتصادات القويّة في المنطقة، إدارة التّدفق الجماعي للعمال القادمين من أفريقيا، والشَّرق الأقصى وشبه القارة الهندية. يأتون رجالا ونساء بمفردهم أو عائلات بأكملها ويعانون حالة مزدوجة من انعدام الاستقرار. من حيث إنَّهم غرباء في الدّول الَّتي يعملون فيها، كما يواجهون غالبا أوضاعا من التّفرقة والظُّلم. إنَّ الغريب هو محطّ اهتمام الله ويستحقّ بالتّالي الاحترام، واستضافته ستؤخذ في الحسبان يوم الحساب الأخير (راجع مت 25، 35 و43)[29].
- إنَّ هؤلاءِ الأشخاصَ معرّضون للاستغلال، بدون حَقّ الدّفاع عن أنفسِهم، وبعقود عمل نوعا ما مؤقّته أو قانونيّة، وهم أحيانا ضحايا خرق قوانين محلّيّة واتّفاقات دوليّة. زِد إلى ذلك، أنَّهم يعانون ضغوطاً قويّة وتقييداً خطيراً للحُرِّيّة الدّينيّة. إنَّ مهمَّة رعاتهم ضروريّة ودقيقة. أشجّع كلّ المؤمنين الكاثوليك وجميع الكهنة، لأيّ كنيسة انتموا، على الشَّرِكة الصَّادقة والتّعاون الرَّعَويّ مع الأسقف المحلّي، وبدوره على تفهّم أبويّ إزاء المؤمنين الشَّرقيِّين. فمن خلال التّعاون سوية، ولا سيَّما التّكلُّم بصوت واحد، والَّذي، وفي هذا الوضع الخاصّ، سيمكن الجميع من أن يعيشوا ويحتفلوا بإيمانهم، مغتنين بتنوّع التّقاليد الرُّوحيّة، من خلال البقاء على اتّصال مع الجماعات المسيحيّة في المنشأ. وأدعو أيضاً حكامَ البلدان الَّتي تستقبلُ هذه الشَّعوبَ الجديدة لاحترام حقوقها والدّفاع عنها، وتمكينها من التّعبير الحُرِّ عن إيمانها من خلال تعزيز الحُرِّيّة الدّينيّة وبناء أماكن العبادة. فالحُرِّيّة الدّينيّة “يمكن أن تصبح موضوع حوار بين المسيحيِّين والمسلمين، وهو حوار أكّد آباء السّينودس على ضرورته الملحّة وفائدته”[30].
- وبينما يُقرّر كاثوليك من أبناء الشَّرق الأوسط، إمَّا بسبب الحاجة والتّعب أو اليأس، اتّخاذ الخيار المأسَويّ بترك أرض أجدادهم وعائلتهم وجماعتهم المؤمنة، فإنَّ آخرين، وبالعكس، ممتلئين بالرّجاء، يتمسّكون بالبقاء في بلدهم وفي جماعتهم. إنّي أشجّعهم على ترسيخ هذه الأمانة الجميلة والبقاء ثابتين في الإيمان. هناك كاثوليك آخرون- من خلال الخيار المؤلم نفسه لمسيحيي الشَّرق الأوسط الَّذين يهاجرون- هربا من غياب الاستقرار والأمل في بناء مستقبل أفضل، يختارون بلدان المنطقة ليعملوا فيها ويعيشوا.
- وبصفتي راعي الكنيسة الجامعة، أتوجّه إلى جميع المؤمنين الكاثوليك في المنطقة، لأبنائها وللقادمين إليها- وقد تقاربت نسبتهم العددية في السّنوات الأخيرة- لأن هناك شعبا واحدا لله، وإيمانا واحدا للمؤمنين! اسعَوا للعيش في اتّحاد وشَرِكة أخويّة مع بعضكم بعضاً في المحبّة والاحترام المتبادلين للشهادة، بطريقة قابلة للتصديق، لإيمانكم بموت المسيح وقيامته! سيسمع الله صلاتكم وسيبارك سيرتكم وسيهبكم روحه لمواجهة التّعب اليوميّ. لأنَّه، “حَيثُ يكونُ رُوحُ الرَّبِّ، تكونُ الحُرِّيَّةُ” (2 كو3، 17). وأتَوجّه إليكم، وبطيبة خاطر، بالكلمات ذاتها الَّتي كتبها القدِّيسُ بطرس لمؤمنين اختبروا أوضاعا مماثلة “فمَنْ يُسيءُ إلَيكُم إذا كُنتُم حَريصينَ على الخَيرِ؟ (…) لا تَخافوا مِنْ أحدٍ ولا تَضطَرِبوا، بَل قَدِّسوا المَسيحَ في قُلوبِكُم وكَرِّموهُ رَبُّاً، وكونوا في كُلِّ حينٍ مُستَعِدِّينَ لِلرَّدِّ على كُلِّ مَنْ يَطلُبُ مِنكُم دَليلاً على الرَّجاءِ الَّذي فيكُم”. (1 بط3، 13 – 15).
الفصل الثّاني
“وكانَ جَماعةُ المُؤمنينَ قَلبًا واحدًا ورُوحًا واحِدَةً” (أع 4، 32)
- ظهرت حياةُ الجماعةِ المسيحيِّةِ النَّاشئةِ وتأكَّدت عبرِ صفات غير مَادِّيِّة، تَتَجلَّى في الشَّرِكة الكنسيّة: قلب واحد وروح واحدة، مترجمةً هكذا معنى الشهادة العميق. إنَّها انعكاس لحياةٍ داخليِّةٍ شخصيِّةٍ وجماعيِّة. فلتستطِع كلُّ كنِسةٍ خاصَّة، من خلال الانصهارِ الدَّاخليِّ، وبفعلِ النّعمةِ الإلهيِّة، أن تكتشفَ مجدَّداً غنى جماعةِ المؤمنين الأولى، المجبولة بإيمان تنعشه المحبِّة، إنَّ هذا ما يميّز تلاميذ المسيح في أعين البشر (راجع يو 13، 35). تعطي الشَّرِكةُ الشهادةَ قوةً وتناغماً وتتطلَّب توبةً دائمة. في هذا تكمل الشَّرِكة والَّتي بدورها توطِّد الشَّهادة. “فلا تُوجد شهادة بدون شَرِكة: إنَّ الشَّهادةَ الوحيدةَ والحقيقيِّةَ هي حياةُ الشَّرِكة[31]. الشَّرِكةُ عطيِّةٌ على الجميع أن يتقبَّلوها تقبلاً كاملاً، إنَّها واقعٌ ينبغي بناؤه بلا انقطاع. وبهذا المعنى، أدعو جميعَ أعضاءِ الكنائسِ الموجودة في الشَّرق الأوسط، كلَّ واحدٍ حسب دعوتِه الخاصَّة، لإنعاش الشَّرِكة، بتواضعٍ وفي الصَّلاة، كي تَتَحقَّق الوحدةُ الَّتي صَلَّى يسوعُ من أجلِها (راجع يو17، 21).
- إنَّ مفهوم الكنيسةِ الـ”كاثوليكيّة” يتأمَّل الشَّرِكةَ بين العّام والخاصّ. لأنه توجد عَلاقةٌ “داخليّة متبادلة” بين الكنيسةِ الجامعة والكنائسِ الخاصَّة، عَلاقةٌ تُحّدِّد وتُحقِّق جامعيِّة الكنيسة. إنَّ وجودَ “الكلّ في الجزء” يضع الجزء في انجذاب نحو العالميِّة، انجذابٍ يَظهر، من جهة أولى، في النَّفحة التّبشيريِّة لكلٍّ من الكنائس، ومن جهة أخرى، في التّقدير الصَّادقِ لصلاح “باقي الأجزاء”، والَّذي يتضمَّن العمل بتناغم وتعاون معها. إنَّ الكنيسة الجامعة هي واقع سابق للكنائس الخاصَّة الَّتي تولد في الكنيسة الجامعة ومنها[32]. هذه الحقيقة تعكس بأمانة العقيدة الكاثوليكيّة لا سيَّما عقيدة المجمع الفاتيكانيّ الثّاني[33]. وتقود إلى فهم البعد “الهيراركي” للشَّرِكة الكنسيّة، وتتيح للتنوّع الغنيّ والمشروع للكنائس الخاصَّة أن يجد التّرابط دوما في الوحدة، حيث المكان الَّذي تصبح فيه العطايا الخاصَّة مصدرَ ثراءٍ حقيقياً لجامعيِّة الكنيسة. فليكن إذا الوعي المتجدد والمعاش لهذه النِّقاط الجوهريّة للإكليزيولوجيَّا دافعا لإعادة اكتشاف خاصّيِّة وغنى الهُويّة “الكاثوليكيِّة” في أرض الشَّرق.
البطاركة
- “آباءُ ورؤساء” الكنائس ذات الحَقّ الخاصّ، البطاركة هم العلاماتُ المنظورةُ المرجعيّة وحُرَّاس الشَّرِكة اليقظون. ومن خلال هُويتهم ورسالتهم الخاصَّتين، إنَّهم رجال شَرِكة وساهرون على القطيع بحسب الله (راجع 1 بط5، 1-4)، وخدَّام الوحدة الكنسيِّة. إنَّهم يمارسون خدمة، تعمل بواسطة المحبّة المعاشة حَقّاً، على كلّ الأصعدة: بين البطاركةِ أنفسهم، وبين كلِّ بطريركٍ والأساقفة والكهنةِ والأشخاصِ المكرَّسين والمؤمنين العَلمانيِّين الَّذين تحت سلطته.
- يجعل البطاركةُ- الَّذين تَتَأصَّل شَرِكتهم التَّامّة مع أسقف روما في الشَّرِكة الكنسيِّة الَّتي التَّمسوها من الحبر الأعظم ونالوها، بَعد انتخابهم القانونيّ- جامعيّةَ الكنيسة ووحدتَها ملموستين عبر هذا الرّباط الخاصّ[34]. فليشمل اهتمامهم كلّ تلميذ ليسوع المسيح يعيش في الأراضي البطريركيّة. ولكونهم علامة شَرِكة للشهادة، عليهم أن يعزّزوا الوحدة والتّضامن داخل مجلس بطاركة الشَّرق الكاثوليك ومختلف السّينودسات البطريركيّة، من خلال تفضيلهم الدّائم للتشاور حول المسائل ذات الأهميّة الكبرى للكنيسة، من أجل عمل جماعيّ ومُتّحد. ليسع البطريرك، من أجل مصداقيّة شهادته، إلى العدالةِ والتّقوى والإيمانِ والمحبّةِ والصَّبر والوداعة (راجع 1 تيم6، 11)، من خلالِ حياةٍ متواضعةٍ، على مثال المسيح الَّذي افتقر لنغتنيَّ بفقره (راجع 2 كو8، 9) وليسهرْ أيضاً على تعزيزِ تضامنٍ حقيقيٍّ بين المقاطعات الكنسيَّة، من خلال إدارة رشيدة للعاملين وللخيرات الكَنسيِّة. وهذا من ضمن واجبه[35]. واقتداءً بالمسيح، الَّذي سار في جميع المدن والقرى لإتمام رسالته (راجع مت 9، 35)، ليَقُمِ البطريركُ بغَيرةٍ بالزّيارة الرَّعَويّة لمقاطعاته الكنسيِّة[36] وليفعل ذلك، لا فقط لممارسة حَقّه وواجبه في السّهر، إنَّما ليَشهد أيضاً عمليَّاً على محبّتهِ الأخويِّة والأبويِّة للأساقفة والكهنة والمؤمنين العَلمانيِّين، لا سيَّما الأشخاص الفقراء والمرضى والمهمَّشين والَّذين يتألَّمون روحياً.
الأساقفة
- بفضل سيامته، يُقام الأسقفُ في الوقت ذاته عضواً في المجمعِ الأسقفيِّ، ورَاعيِّاً لجماعة محليِّةٍ، من خلال خدمة التّعليم والتّقديس والتّدبير. إنَّ الأساقفة، مع البطاركة، هم العلاماتُ المنظورةُ للوحدة في تنوّع الكنيسة كجسد، رأسه المسيح (راجع أف 4، 12 – 15). إنَّهم الأوائلُ الَّذين تمَّ اختيارُهم مجَّاناً وإرسالُهم إلى الأمم كي يتلمذوهم، ويعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصاهم به القائم من بين الأموات (راجع مت 28، 19 – 20)[37]. إنَّه لحيويّ إذا أن يصغوا لكلمة الله، ويحفظوها في قلبهم. يجبُ عليهم إعلانُها بشجاعة، والدّفاعُ بحزمٍ عن كمال الإيمان ووحدته، في الأوضاع الصَّعبة، الَّتي وللأسف لا تغيب عن الشَّرق الأوسط.
- ولتعزيز حياة الشَّرِكة والخدمة، من الأهميّة بمكانٍ أن يعملَ الأساقفةُ دوما من أجل التَّجدّد الشَّخصيِّ لأنفسِهم. إن يقظة القلب هذه تتحقّق “أَوَّلاً عبرَ حياةٍ قوامُها الصَّلاةُ والتّجرُّدُ والبذلُ والإصغاء؛ ومن ثمَّ بصفتهم رسلاً ورعاةً، في البساطة والفقر والتّواضع، وأخيرا بحرصهم المتواصل على الدفاع عن الحقيقة والعدل والأخلاق وقضايا الضُّعفاء”[38]. إلى ذلك فإنَّ التَّجدّد، الَّذي تشتاق إليه الجماعات كثيرا، يَمرّ من خلال العنايّة الأبويّة بجميع المعمدين، لا سيَّما الكهنة، معاونيهم المباشرين[39].
- إنَّ الشَّرِكة داخلَ كلِّ كنيسة محليّة هي الأساسُ الأوَّل للشَّرِكة بين الكنائس والَّتي تتغذَّى دائماً من كلمة الله، والأسرار، وكذلك من أشكال الصَّلوات الأخرى. أدعو الأساقفةَ إذا لإظهار اهتمامهم بجميع المؤمنين المسيحيِّين الَّذين تحت سلطتهم أيَّاً كان وضعهم، وجنسيتهم أو انتماؤهم الكنسيّ. ليرعوا قطيع الله الموكول إليهم من خلال السّهر عليه، “ولا تَتسَلَّطوا على الَّذينَ هُم في عِنايَتِكُم، بَل كونوا قُدوَةً لِلرَعِيَّةِ” (1 بط 5، 3). وليعطوا اهتماماً خاصَّاً بالَّذين لا يواظبون على الممارسات الدّينيّة أو الَّذين أهملوها لأسباب متعدّدة[40]. وليهتمُّوا أيضاً بأن يكونوا الحضورَ المُحبَّ للمسيح تجاه الأشخاص الَّذين لا يعلنون الإيمان المسيحيّ. وليتمكنوا هكذا من تعزيز الوحدة بين المسيحيِّين أنفسِهم والتّضامن بين جميع البشر المخلوقين على صورة الله (راجع تك 1، 27)، لأنَّ من الآب كلَّ شيءٍ وإليه نحن راجعون (راجع 1 كو8، 6).
- يعود للأساقفة تأمينُ إدارة رشيدة ونزيهة وشفافة للخيرات الزّمنيّة للكنيسة، وفقا لمجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيّة أو مجموعة الحَقّ القانونيّ للكنيسة اللاتينيِّة. وقد اعتبر آباء السّينودس أنَّه من الضَّروريّ اعتمادُ التّدقيق في الشَّؤون الماليّة والخيرات، بهدف تحاشي الالتباس بين الأملاك الشَّخصيّة وما هو ملك للكنيسة[41]. يقول بولس الرَّسول إنَّ خادم الله هو وكيل أسرار الله. “وكُلُّ ما يُطلَبُ مِنَ الوُكلاءِ أنْ يكونَ كُلُّ واحدٍ مِنهُم أمينًا” (1 كو4، 2). إنَّ الوكيل يدير خيرات ليست ملكا له، والَّتي، بحسب بولس الرَّسول، مُوجَّهة لاستعمال أسمى، أسرار الله (راجع مت19، 28 – 30؛ 1بط 4، 10). وهذه الإدارة الأمينة والمتجرّدة الَّتي أرادها الرُّهبان المؤسّسون- الأعمدة الحقيقيّة للعديد من الكنائس الشَّرقيّة- ينبغي أن تخدم أوَّلاً البشارة والمحبّة. ليسهر الأساقفة كي يضمنوا للكهنة، معاونيهم الأوائل، معيشةً كريمة، لئلا يضيعوا في البحث عن الزّمنيّ، ويتمكَّنوا من تكريس ذاتَهم لله ورسالتهم الرَّعَويّة. أَضف إلى ذلك أنَّ من يساعد فقيراً، يَربَح السّماء! يشدد القديس يعقوب على الاحترام الواجب للفقير، وعلى عظمة مكانه الحقيقيّ في الجماعة (راجع 1، 9 – 11؛ 2، 1 ـ9). ولهذا فمن الضَّروريّ أن تصبح إدارة الخيرات مكانا لإعلان فاعل لرسالة يسوع المحرِّرة: “رُوحُ الرَّبِّ علَيَّ لأنَّهُ مَسحني لأُبَشِّرَ المساكينَ، أرسَلَني لأُناديَ لِلأسرى بالحُريَّةِ، وللعُميانِ بِعَودَةِ البصَرِ إليهِم، لأُحَرِّرَ المَظلومينَ وأُعلِنَ الوَقتَ الَّذي فيهِ يَقبَلُ الرَّبُّ شعبَهُ” (لو 4، 18 – 19). إنَّ الوكيلَ الأمينَ هو الَّذي فَهِم أنَّ الرَّبَّ وحدَه هو اللّؤلؤةُ الثّمينةُ (راجع مت 13، 45 – 46)، وهو وحده الكنزُ الحقيقيُّ (راجع مت 6، 19 – 21؛ 13، 44). فليتمكَّنِ الأساقفةُ من إظهارِ ذلك بطريقةٍ مثاليِّةٍ للكهنةِ وللإكليريكيِّين وللمؤمنين! إلى ذلك ينبغي التَّصرّف بخيراتِ الكنيسةِ بطريقةٍ يجبُ أن تتوافقَ مع القوانين الكنسيّة والتّرتيبات الحبريّة السّارية المفعول.
الكهنة والشَّمامسة والإكليريكيّون
- إنَّ السّيامةَ الكَهنوتيِّةَ تجعلُ الكاهنَ شبيهاً بالمسيح ومعاوناً قريباً للبطريركِ والأسقفِ ومشاركاً في الوظائف الثّلاث[42]. إنَّه بذلك خادمُ الشَّرِكة؛ وإتمامُ هذه المُهمّة يَتَطلَّب عَلاقتَه الدَّائمةَ مع المسيح، وغَيرتَه في المحبِّة، وأعمالَ الرَّحمة تجاه الجميع. فيتمكَّن هكذا من أن يشعّ القداسةَ المدعوَ إليّها جميعُ المعمَّدين. وليُعَلِّمَ شعبَ الله بناءَ حضارة المحبّة الإنجيليِّة والوحدة. وبهذا فليجدّد ويقوِّ حياةَ المؤمنين، من خلال النَّقل الحكيم لكلمة الله وللتقليد ولعقيدة الكنيسة والأسرار[43]. كان للتقاليد الشَّرقيِّة حدسُ التّوجيه الرُّوحيّ. فليتمكن الكهنةُ والمكرسون من أن يمارسوا هذا الحدسَ بأنفسِهم ويفتحوا، من خلاله، للمؤمنين دروب الأبديِّة.
- إلى ذلك، فإنَّ شهادة الشَّرِكة تستلزم تنشئةَ لاهوتيّةً وروحانيِّةً متينةً تقتضيانِ تجدّدا فكرياً وروحياً دائماً. وينبغي على الأساقفة توفيرُ الوسائل الضَّروريّة للكهنة من أجل تعميق حياتهم الإيمانيّة لخير المؤمنين، فيتمكَّنوا من إعطائهم “طعامهم في أوانه” (مز 145 [144]، 15). ومن ناحية أخرى، ينتظر المؤمنون منهم مثال سيرة بلا لوم (راجع فل 2، 14 – 16).
- أدعوكم أعزّائي الكهنة لتكتشفوا يوميِّاً المعنى الأنتولوجيّ (الوجوديّ) لسرِّ الدَّرجة الَّذي يسمح بعيش الكهنوت كينبوع تقديس للمعمّدين، ولرقيّ كلّ إنسان. “أنْ يَرعَوا رَعِيَّةَ الله الَّتي في عِنايَتِهِم (…) لا رَغبَةً في مَكسَبٍ خَسيسٍ، بَل بِحَماسَةٍ” (1 بط 5، 2). شجِّعوا أيضاً الحياة في فريق- حيث هي ممكنة- على الرُّغم من الصّعوبات المرتبطة بها (راجع 1بط 4، 8 – 10)، لأنَّها تساعدُكم أيضاً على فهمٍ وعيشٍ أفضل للشَّرِكة الكهنوتيّة والرَّعَويّة على الصّعيدين المحلِّيِّ والشَّامل. أعزَّائي الشَّمامسة، باتِّحاد مع أسقفكم ومع الكهنة، اخدموا شعب الله بحسب درجتكم الخاصَّة في المهام المحدَّدة الَّتي ستُعهد إليكم.
- إنَّ التَّبتُّل الكهنوتيِّ عطيِّةٌ من الله لكنيسته، لا تُقدّر بثمن، ينبغي قبولُها بامتنانٍ في الشَّرق والغرب، لأنَّها تمثل علامةً نبويِّةً آنيّة على الدّوام. ونذكر أيضاً خدمة الكهنة المتزوجين الَّذين هم مكوّن قديم في التّقاليد الشَّرقية. أودُّ أن أشجِّع أيضاً هؤلاءِ الكهنةَ الَّذين، ومع عائلاتِهم، هم مدعوون إلى القداسة في عيش خدمتهم بأمانة في أوضاعِهم الحياتيِّة الصّعبة، في بعض الأحيان. أقولُ لكم جميعا إنَّ جمالَ حياتِكم الكهنوتيِّة سيحرّك بلا شكّ دعواتٍ جديدةً، يقع على عاتقكم تنميتُه [44].
- إنَّ دعوةَ صموئيل الشَّابّ (راجع 1صم 3، 1 – 19) تعلّم أنَّ البشرّ يحتاجون لمرشدين يقظين، لمساعدتِهم في تمييزِ مشيئة الرَّبِّ والإجابة بسخاء على دعوته. وبهذا المعنى، فإنَّ نموّ الدّعواتِ ينبغي أن تُعَزّزه رَعَويّةٌ خاصَّة. يُؤازَرُ من خلالِ الصَّلاة في العائلة، والرَّعيّة، وداخل الحركات الكنسيّة، والبُنى التّربويّة. ويحتاج الأشخاص الَّذين يجيبون على دعوة الرَّبِّ للنموِّ في أماكن تنشئة خاصَّة، ولمرافقتهم من قبل مربيِّين صالحين مثاليِّين. ليعلِّموا هؤلاء الصَّلاةَ والشَّرِكةَ والشَّهادةَ والوعيَ الرَّسوليّ. ولتعالجْ برامجُ ملائمةٌ أوجهَ الحياةِ الإنسانيّة والرُّوحيّة والفكريّة والرَّعَويّة، وتَدِر بحكمة تنوّعَ الأماكن، والأصول، والانتماءات الثّقافيِّة والكنسيِّة[45].
- أعزَّائي الإكليريكيِّين، كما أنَّ الحَلْفَاء لا تَنبتْ حيث لا مياه (راجع أي 8، 11)، هكذا أنتم أيضاً لن تكونوا صُنَّاع الشَّرِكة الحقيقيِّين أو شهود الإيمان الحقيقيِّين بدون تَأصُّل عميق في يسوع المسيح، وبدون توبة مستمرَّة نحو كلمته، وبدون حبّ لكنيستِه، ومحبّة متجردة للقريب. إنكم اليوم مدعوون لعيش الشَّرِكة وتعزيزها من أجل شهادة شجاعة بلا عيب. إنَّ تثبيت إيمان شعب الله يعتمد كذلك على نوعيّة شهادتكم. أدعوكم للانفتاح أكثر فأكثر على التّنوّع الثَّقافيِّ لكنائسِكم، من خلال تعلُّم لغات وثقافات أخرى، على سبيل المثال، من أجل رسالتكم المستقبليّة. وكونوا منفتحين أيضاً على التَّنوّع الكنسيِّ والمسكونيِّ، والحوار بين الأديان. إنَّ دراسةً متعمقةً لرسالتي المُوجَّهة للإكليريكيِّين، سيعود عليكم بالنَّفع الكبير[46].
الحياة المكرسة
- إنَّ الحياة الرُّهبانيّة، بأشكالِها المتنوّعة، ولدت في الشَّرق الأوسط وهي في أصلِ بعض الكنائس الموجودة فيه[47]. فليكنِ الرُّهبانُ والرّاهباتُ، الَّذين يكرِّسون حياتَهم للصلاةِ وتقديسِ ساعات النَّهار واللّيل، حاملين في صلواتِهم همومَ وحاجاتِ الكنيسةِ والبشريّة، مُذكِّرين الجميعَ دائماً بأهمّيِّة الصَّلاةِ في حياة الكنيسة وحياة كلّ مؤمن. ولتكنِ الأديرة أيضاً أماكنَ يتمكَّن فيها المؤمنون من الاهتداء في تعلّم الصَّلاة!
- الحياةُ المكرَّسة، التّأمليّةُ والرَّسوليِّةُ، هي تعمّق في التَّكريس، الَّذي مُنح في المعموديّة. ليجتهدِ الرُّهبان والرّاهبات يسعون بالفعل في اِتباع المسيح بطريقة جذريّة أعمق، من خلال اعتناق المشورات الإنجيليّة: الطَّاعة والعفة والفقر[48]. فعطيّة ذاتهم بلا تَحفّظ للربِّ ومحبّتهم المتجرِّدة لكلِّ إنسان تشهدانِ لله، وهما علامتان حقيقيّتان لمحبِّته للعالم. تشكّل الحياةُ المكرّسة، من خلال عيشِها كعطيِّةٍ ثمينة من الرّوح القدس، عضداً لا بديلَ عنه لحياةِ الكنيسة ولعملها الرَّعَويِّ[49]. وبهذا المعنى، ستكون الجماعات الرُّهبانيِّة علاماتٍ نبويّةً للشَّرِكة في كنائسها وللعالم أجمع، إذا ارتكزت حَقّاً على كلمة الله والشَّرِكةِ والأخويّة وشهادة الخدمة (راجع أع 2، 42). تصبح الجماعة أو الدّير، في الحياة الرُّهبانيّة، المكانَ المميِّزَ لعيش الاتِّحاد مع الله والوحدةِ مع القريب. إنّه المكانُ حيث يتعلّم الشَّخصُ المكرّس الانطلاقَ دائماً من المسيح[50]، ليكونَ أميناً لرسالتِه في الصَّلاةِ والتَّأمُّل، وليكون علامةً للحياةِ الأبديّة الَّتي بدأت على الأرض لجميع المؤمنين (راجع 1بط 4، 7).
- أناشدكم أنتم يا جميع المدعوين لاتِّباع المسيح في الحياة الرُّهبانيّة في الشَّرق الأوسط إلى أن تجذبكم دوما كلمةُ الله، على غرار إرميا النَّبيّ، وأن تحافظوا عليها في قلبكم كنار محرقة (راجع إر20، 7 ـ9). إنَّها علّة الوجود، والأساس والمرجع الأخير وهدف تكريسكم. إنَّ كلمةَ الله حَقٌّ. ومن خلال الطَّاعة لها، تقدّسون نفوسكم، لتحبّوا بعضكم بعضا بصدق كأخوة وأخوات (راجع 1بط1، 22). ومهما كان الوضع القانونيّ لمؤسستِكم الرُّهبانيِّة، أظهروا استعدادكم للتعاون، بروح الشَّرِكة، مع الأسقف في العمل الرَّعَويّ والرَّسوليّ. إنَّ حياة التّكريس هي انتماء شخصيّ للمسيح، رأس الجسد (راجع قول1، 18؛ أف 4، 15)، وتعكس الرّباطَ غيرَ القابل للانحلال بين المسيح وكنيسته. وبهذا المعنى، ساعدوا العائلاتِ في دعوتها المسيحيّة وشجِّعوا الرَّعايا على الانفتاح على مختلف الدّعوات الكهنوتيّة والرُّهبانيّة. فإنَّ ذلك يساهم في ترسيخ حياة الشَّرِكة من أجل الشَّهادة داخل الكنيسة المحلّيّة[51]. لا تملّوا أبدا من الإجابة على نداءات رجال ونساء عصرنا، مرشدين إيَّاهم إلى الطَّريق والمعنى العميق للوجود البشري.
- أودُّ أن أضيفَ اعتبارا آخر، غيرَ محصورٍ بالمكرَّسين فقط، إنَّما موجّهٌ لكلِّ أعضاءِ الكنائس الكاثوليكيّة الشَّرقيّة. إنَّه يتعلقُ بالمشورات الإنجيليّة، الَّتي تميّز بنوع خاصّ الحياةَ النُّسكيّة، علما بأن هذه الحياة الرُّهبانيِّة نفسَها كانت حاسمة في نشأة كنائس عديدة ذات الحَقّ الخاصّ، ولا تزال حاضرة هكذا في حياتها المعاصرة. ويبدو لي أنَّه من المستحسن التَّعمّقُ مليِّاً وبعنايةٍ في المشوراتِ الإنجيليِّةِ: الطَّاعة والعفة والفقر، لإعادة اكتشاف جمالها اليوم، وقوَّة شهادتها وبعدها الرَّعَويِّ. لا يمكن بلوغُ تجدِّد داخليّ للمؤمن وللجماعة المؤمنة، وللكنيسة بأسرها إلا من خلال توبة حاسمة ونهائية، كل حسب دعوته، للبحث عن الله، هذا البحث الَّذي يساعد على التَّعرّف والعيش في الحقيقة، للعلاقة مع الله والقريب ومع ذاتنا. إنَّ هذا يتعلق بالطبع بالكنائس ذات الحَقّ الخاصّ وبالكنيسة اللاتينيّة أيضاً.
العَلمانيِّون
- إنِّ المؤمنين العَلمانيِّين هم بالعمودية أعضاء بالكامل في جسد المسيح، ومشاركون في رسالة الكنيسة الجامعة[52]. إنَّ مشاركتهم في حياةِ الكنيسةِ ونشاطِها الدّاخليِّ هي الينبوع الرُّوحي الدّائم الَّذي يتيح لهم الذّهاب أبعد من حدود البنى الكنسيِّة. إنَّهم وكرسل في العالم، يترجمون بأعمالٍ ملموسة الإنجيلَ والعقيدةَ وتعليمَ الكنيسة الاجتماعيِّ[53]. بالفعل، “يستطيع المسيحيِّون، لكونهم مواطنين كاملي الحقوق، لا بل يتعيَّن عليهم، أن يقدَّموا، بروح التّطويبات، إسهامهم فيصبحوا بذلك بناةَ سَلام ورسلَ مصالحةٍ لخيرِ المجتمع بأسره”[54].
- وبما أنَّ الاهتمام بالأمور الزّمنيّة هو مجالُ عملكم الخاصّ[55]، أشجّعكم، أعزائي المؤمنين العَلمانيِّين، على تعزيز عَلاقات أخوِّة وتعاون مع الأشخاص ذوي الإرادة الطَّيِّبة، للبحث عن الخير العام، والإدارة الرّشيدة للخيرات العامّة، والحُرِّيِّة الدّينيّة، واحترام كرامة كلّ شخص. وحتّى عندما أصبحت رسالة الكنيسة صعبة في الأماكن حيث الإعلان الواضح للإنجيل يلاقي عراقيل أو غيرَ ممكن، “لتكُنْ سيرَتُكُم بَينَ الأُمَمِ سِيرَةً حسَنَةً (…) لينَظروا إلى أعمالِكُمُ الصَّالِحَةِ فمَجَّدوا الله يومَ يتفقَّدُهُم” (1بط 2، 12). وكونوا مستعدين لتقديم دليل ما أنتم عليه من الإيمان (راجع 1بط 3، 15) من خلال تناغم حياتكم وعملكم اليوميّ[56]. وكي تحمل شهادتكم بالحقيقة ثمارا (راجع مت 7،16. 20)، أحثّكم على تخطِّي الانقسامات وكلّ تفسير ذاتي للحياة المسيحيّة. واسهروا على عدم فصل هذه الحياة المسيحيّة – مع قِيَمِها ومتطلّباتها – عن الحياة في العائلة أو في المجتمع، وفي العمل والسّياسة والثّقافة، لأنَّ كلَّ المجالات المتعددة لحياة العَلمانيِّ تدخل في تدبير الله[57]. أدعوكم للتحلِّي بالشَّجاعة من أجل المسيح، واثقين بأنَّ لا شدّة ولا ضيق ولا اضطهاد يفصلنا عنه (راجع روم8، 35).
- إنَّ العَلمانيِّين معتادون في الشَّرق الأوسط على عيش عَلاقات أخويِّة ومتواصلة مع المؤمنين الكاثوليك من مختلف الكنائس البطريركيّة أو اللاتين، والتّردّد على أماكن عبادتهم خصوصاً في حال عدم وجود أيّة إمكانيّة أخرى. يضاف إلى هذا الواقع الرّائع، الَّذي يُظهر شَرِكة معاشة بالحقيقة، أنَّ مختلف المقاطعات الكنسيِّة متداخلةٌ بطريقة مثمرة على الرّقعة نفسها. ومن هذه النَّاحية بالذّات، فإنَّ كنيسةَ الشَّرق الأوسط قدوةٌ لباقي الكنائس المحلّيِّة في العالم. الشَّرق الأوسط هو هكذا، إن صحَّ القول، مختبرٌ يُحَقّق مستقبلَ الوضع الكنسيّ. إنَّ هذه المثاليّة، الَّتي تتطلّب الكمالَ والتّنقية المتواصلة، تتعلّق أيضاً بالخبرة المكتسبة محلِّيِّاً في المجال المسكونيّ.
العائلة
- مُؤَسَّسةٌ إلهيِّة مبنيّة على الزّواج كما أراده الخالق نفسُه (راجع تك2، 18-24؛ مت 19، 5)، فإنَّ العائلةَ معرضةٌ اليوم لمخاطر عديدة. والعائلةُ المسيحيِّةُ على وجه الخصوص تواجه، أكثر من أيّ وقت مضى، مسألةَ هُويّتها العميقة. وبالفعل فإنَّ الخاصَّيِّتين الأساسيِّتين للزواج المُقَدَّس- الوحدة وعدم الانحلال (الدّيمومة) (راجع مت19، 6)- والنَّموذج المسيحيّ للعائلة والحياة الجنسيّة والحبّ، هي في يومنا الحاضر موضعُ جدل أو عدمُ فهم من قبل بعض المؤمنين. هناك محاولة لتَبنّي نماذج متعارضة مع الإنجيل، تقودها ثقافةٌ معاصرةٌ منتشرة في مختلف أنحاء العالم. إنَّ الحبَّ الزّوجيّ يدخل في العهد النّهائيّ بين الله وشعبه، المختوم كاملاً بذبيحة الصَّليب. طابعه في عطاء الذّات المتبادل للآخر حتّى الاستشهاد، كما يظهر في بعض كنائس الشَّرق، حيث يقبل كلُّ واحد من الخطيبين الآخرَ “كإكليل” خلال رتبة الزّواج المسماة أيضاً “رتبة الإكليل”. ليس الحبُّ الزّوجيّ عمل لحظة وقتيِّة بل المشروع الصَّبور لحياة بأكملها. إنَّ العائلة المسيحيّة، من خلال دعوتها لعيش الحبّ في المسيح يوميّاً، فهي أداة مفضّلة لحضور الكنيسة ورسالتها في العالم. وبهذا المعنى، فهي تحتاج إلى المرافقة الرَّعَويّة[58]، والمساندة في مشاكلها وصعوباتها، لا سيَّما حيثما تميل المعايير الاجتماعيّة والعائليّة والدّينيّة إلى الضَّعف أو الضَّياع[59].
- أدعوك أيتها العائلات المسيحيّة في الشَّرق الأوسط لتتجدّدي دوما بقوِّةِ كلمة الله والأسرار، لتكوني أكثرَ فأكثر الكنيسةَ البيتيّة، الَّتي تُربِّي على الإيمان والصَّلاة، ومشتلَ الدّعوات، والمدرسةَ الطَّبيعيِّةَ للفضائلِ والقيم الأخلاقيّة، والخليِّةَ الحيِّةَ والأولى للمجتمع. تأمّلي على الدّوام عائلة النَّاصرة[60] الَّتي كان لها فرح استقبال الحياة والتّعبير عن تقواها من خلال حفظ الشَّريعة والعبادات الدّينيّة في وقتها (راجع لو2، 22 – 24. 41). انظري إلى هذه العائلة الَّتي عاشت أيضاً محنة ضياع يسوع- الطّفل، وألم الاضطهاد، والهجرة وقسوة التّعب اليوميّ (راجع مت2، 13+؛ لو2، 41+). ساعدي أبناءَك على النُّمو في الحكمة والقامة والنِّعمة تحت نظر الله والبشر (راجع لو2، 52)؛ علّميهم الثّقةَ في الآب والاقتداءَ بالمسيح والاستسلامَ لإرشاد الرّوح القدس.
- وبعد هذه التّأمُّلاتِ المختصرة حولَ الكرامةِ والدَّعوةِ المشتركتين للرجل والمرأة في الزّواج، يتّجه تفكيري باهتمام خاصّ نحو نساء الشَّرق الأوسط. إنَّ قصَّة الخلق الأولى تُظهر المساواة الأنتولوجيِّا بين الرجل والمرأة (راجع تك1، 27 – 29). هي مساواة مجروحة بتبعات الخطيئة (راجع تك 3، 16؛ مت19، 4). إنَّ تخطِّي هذا الإرث، ثمرة الخطيئة، واجبٌ يقع على كلّ كائن بشريّ، رجل أو امرأة[61]. أريد أن أؤكّد لكلّ النِّساء بأنَّ الكنيسة الكاثوليكيّة، وفي أمانتِها للتدبير الإلهيّ، تعمل على تعزيز الكرامة الشَّخصيّة للمرأة ومساواتها بالرجل، في مواجهة أشكال متعدّدة من التّمييز الَّتي تخضع له، لمجَّرد كونها امرأة[62]. ممارسات مماثلة تجرح حياة الشَّرِكة والشَّهادة، وهي لا تهين بقوّة المرأةَ فقط إنَّما أيضاً الله، الخالق. ومن خلال تقدير إحساسهنّ الفطريّ في محبّة الحياة البشريّة وحمايتها، وتقديرهنّ على إسهامهنّ الخاصّ في التّربيّة والصّحّة والعمل الإنسانيّ والحياة الرّسوليّة، أعتقد أنّه على النِّساء الالتزام والمشاركة أكثر فأكثر في الحياة العامّة والكنسيِّة[63]، وليقدّمنَ هكذا إسهامهنّ الخاصّ في بناء مجتمع أكثر أخوَّة، وكنيسة، تجعلها الشَّرِكة الحقيقيّة بين المعمَّدين، أكثرَ جمالاً.
- يضاف إلى ذلك أنَّه من خلال التّباينات القانونيّة الَّتي، وللأسف، قد تضع الرجل والمرأة في مواجهة، لا سيَّما في المسائل المرتبطة بالزّواج، ينبغي الإصغاءُ لصوت المرأة وتقديُره باحترام على قدم المساواة بصوت الرجل، بهدف وضع حدّ لبعض المظالم. وبهذا المعنى، لا بدّ من تشجيع تطبيق أكثر صحّةً وعدلاً لقانون الكنيسة. ينبغي أن تكون عدالةُ الكنيسة مثاليّة، على جميع الأصعدة، وفي كلّ المجالات الَّتي تخصّها. ولا بدَّ حتماً من السّهر لئلا تقودَ التّباينات القانونيّة المرتبطة بالقضايا الزّوجيّة إلى جحد الإيمان. إلى ذلك، ينبغي أن يتمكَّن مسيحيّو بلدان المنطقة من تطبيق قوانينهم الخاصّة في مجال الزّواج وباقي المجالات وبدون تقييد.
الشَّباب والأطفال
- أحيِّي بعطف أبويِّ جميع أطفال وشباب الكنيسة في الشَّرق الأوسط. أفكِّر، بشكل خاصّ، بالشَّباب الباحثين عن معنَى إنسانيّ ومسيحيّ دائم لحياتِهم، بدون نسيان أولئك الَّذين تقترن عندهم المرحلة الشَّبابيِّة بالابتعاد التّدريجيّ عن الكنيسة، وتترجَم بالتَّخلّي عن الممارسة الدّينيّة.
- أدعوكم أعزَّائي الشَّباب لتنمّوا على الدّوام صداقة حقيقيِّة مع يسوع (راجع يو15، 13 – 15) بقوَّة الصَّلاة. تلك الصَّداقة الَّتي كُلَّما كانت متينة، ساعدتكم كمنارة وحمتكم من ضلال المرحلة الشَّبابيِّة (راجع مز25 [24]، 7). إن الصَّلاة الشَّخصيّة تصبح أكثر قوُّة في المواظبة الدّائمة على الأسرار الَّتي تتيح لقاءً حقيقيِّاً مع الله ومع الأخوة في الكنيسة. لا تخافوا أو تخجلوا من أن تشهدوا للصداقة مع يسوع في البيئة العائليّة والعامّة. افعلوا ذلك مع احترام باقي المؤمنين، اليهود والمسلمين، الَّذين تقاسمونهم الاعتقاد بالله، خالق السّماء والأرض، وكذلك المُثل الإنسانيِّة والرّوحيّة الكبيرة. لا تخافوا أو تخجلوا من أن تكونوا مسيحيِّين. إنَّ العَلاقة مع يسوع ستجعلكم مستعدّين للتعاون، بلا تحفّظ، مع مواطنيكم، مهما كان انتماؤهم الدّينيِّ، من أجل بناء مستقبل بلادكم على الكرامة البشريّة، ينبوعِ وأساسِ الحُرِّيّة، والمساواةِ والسَّلامِ في العدالة. فمن خلال محبّة المسيح وكنيسته، تستطيعون أن تميّزوا بحكمة في الحداثة بين القيم المفيدة لتحقيق ذاتكم بالكامل، وبين الشُّرور الَّتي تسمّم ببطء حياتكم. اسعوا لئلا تستعبدَكم المادّيِّةُ وبعضُ الشَّبكات الاجتماعيِّة، الَّذي قد يشوّه استخدامُها العشوائيِّ الطَّبيعةَ الحقيقيِّة للعَلاقات الإنسانيّة. إنَّ الكنيسةَ في الشَّرقِ الأوسط تعتمد كثيرا على صلاتكم، وعلى فرحِكم، وعلى إبداعِكم، ومهارتِكم والتّزامِكم الكامل بخدمة المسيح والكنيسة والمجتمع، ولا سيَّما باقي الشَّباب أقرانكم[64]. لا تتردّدوا في الانضمام إلى كلّ مبادرة ستساعدكم في تقوية إيمانكم، والإجابة بسخاء على الدّعوة الخاصَّة الَّتي يوجهها الرّبّ لكم. ولا تتردّدوا أيضاً في اتِّباع نداء المسيح من خلال اختيار الحياة الكهنوتيّة والرّهبانيّة أو التّبشيريّة.
- هل أحتاج أن أذكّركم، أعزَّائي الأطفال، الَّذين أتوجَّه إليهم الآن، بأنَّه، ومن خلال مسيرتكم مع الرّبِّ، ينبغي تقديمُ إكرام خاصّ لوالديكم (راجع خر20، 12؛ تث5، 16)؟ فهم مربّوكم على الإيمان. عهدكم اللهُ إليهم عطيّةً رائعة للعالم ليعتنوا بصحّتكم، وبتربيتكم الإنسانيّة والمسيحيّة وبتنشئتكم الفكريّة. ومن واجب الأهل والمربّين والمنشّئين، والمؤسَّسات العامّة احترامُ حَقّ الأطفال منذ لحظة الحبل بهم[65]. أمّا بالنِّسبة لكم أعزّائي الأطفال، فتعلَّموا منذ الآن طاعةَ الله من خلال طاعة أهلكم، مثل الطّفل يسوع (راجع لو2، 51). تعلّموا أن تعيشوا بطريقة مسيحيِّة في العائلة والمدرسة وفي أيّ مكان. فالرّبّ لن ينساكم أبداً (راجع أش 49، 15). إنَّه يسير دوما إلى جانبكم ويرغب بأن تسيروا معه، برصانة وشجاعة ولطف (راجع طو6، 2). باركوا الرّبَّ في كلّ حين، واسألوه أن يقود حياتكم ويمنحَكم التّوفيق في طرقكم وفي مقاصدكم، واذكروا دائماً وصاياه ولا تدعوها تغيب عن قلبكم (راجع طو4، 19).
- أرغب بأن أشدّد مجدّداً على تنشئة الأطفال والشَّباب لما تكتسبه من أهمّيَّةٍ خاصَّة. فالعائلة المسيحيّة هي المكان الطَّبيعيّ لنمو إيمان الأطفال والشَّباب، ومدرستهم الأولى للتعليم المسيحيّ. إنَّ تربية طفل أو شابّ، في هذه الأوقات العصيبة، مسألة صعبة. وقد أمست هذه المهمّة، الَّتي لا يمكن استبدالُها، أكثرَ تعقيداً أيضاً بسبب الظُّروف الجيوسياسيِّة والدّينيّة الَّتي تَعيشها هذه المنطقة خاصَّة. ولذا أودُّ أن أؤكّد للأهل دعمي وصلاتي. فمن الأهمِّيَّة بمكان أن يكبر الطّفل في عائلة متَّحدة، تعيش إيمانَها بتواضع واقتناع. ومن المهمّ أيضاً أن يرى الطّفل أو الشَّاب والديه يصليان. ومن الهام أن يرافقهما إلى الكنيسة ويرى ويفهم أن والديه يحبّانِ الله ويرغبان التّعمُّق بمعرفته. ومن الأهمّيِّةِ بمكان أن يرى الطّفل والشَّاب محبّة والديه إزاء مَنْ هو مُحتاج حَقّاً. فيفهم هكذا كم هو جميل أن نحبّ الله، وسيحبّ هكذا أن يكون في الكنيسة وسيصبح فخورا بذلك، لكونه فهم واختبر من هو الصَّخر الحقيقيّ الَّذي سيبني عليه حياته (راجع مت 7، 24 – 27؛ لو 6، 48). وللأطفال والشَّباب الَّذين ليس لديهم هذه الفرصة، أتمنَّى أن يجدوا في طريقهم شهودا حقيقيِّين فيساعدوهم في لقاء المسيح واكتشاف فرح اتبَّاعه.
الفصل الثّالث
“فنَحنُ نُنادي بِالمسيحِ مَصلُوبًا… قُدرَةُ الله وحِكمَةُ الله ” (1 كو 1، 23-24)
- الشَّهادة المسيحيّة، أُولى أشكال الرّسالة، هي جزء من دعوة الكنيسة الأصليّة، والَّتي تتحقّق في الأمانة للتفويض الَّذي منحنا إيَّاه الرّبُّ يسوعُ: “تكونونَ لي شُهودًا في أُورُشليمَ واليَهودِيَّةِ كُلِّها والسّامِرَةِ، حتّى أقاصي الأرضِ” (أع 1، 8). تصبح الكنيسة، عندما تنادي بالمسيح المصلوب والقائم من الموت (راجع أع 2، 23- 24)، مطابقةً أكثر فأكثر لطبيعتها ودعوتها: سرّ شَرِكة ومصالحة مع الله وبين البشر[66]. إذا تُشكِّل الشَّرِكة والشَّهادة للمسيح وجهين لواقع واحد، لأنَّهما ترتويان من النّبع نفسه، الثّالوث الأقدس، وترتكزان إلى الأسس ذاتها: كلمة الله والأسرار.
- تُغَذَّي الشَّرِكة والشَّهادة للمسيح وتثبتان أصالة الأعمال الأخرى للعبادة الإلهيّة وممارسات التّقوى في التّديّن الشَّعبي. الرّسوخ في الحياة الرّوحيّة ينمِّى المحبّة ويدفع باتّجاه الشَّهادة. المسيحي قبلَ كلّ شيء شاهد. والشَّهادة لا تتطلّب فقط تنشئة مسيحيّة ملائمة لفهم حقائق الإيمان، بل تنشد أيضاً حياة متوافقة مع هذا الإيمان نفسه للردّ على متطلّبات أناس زمننا.
كلمة الله، روح ومصدر الشَّرِكة والشَّهادة
- “وكانوا يُداوِمونَ على الاستِماعِ إلى تَعليمِ الرُّسُلِ” (أع 2، 42). من خلال هذا التّأكيد، جعل القديس لوقا من الجماعة الأولى نموذجا للكنيسة الرّسوليّة، أي أنّها ترتكز على الرّسل الَّذين اختارهم المسيح وعلى تعاليمهم. رسالة الكنيسة الأساسيّة، الَّتي نالتها من المسيح نفسِه، تكمن في الحفاظ على وديعة الإيمان الرّسوليّ (راجع 1 تي 6، 20)، ركيزة وحدتها، معلنةً هذا الإيمان إلى العالم بأسره. لَقد أَظهرت تعاليمُ الرّسل بوضوح علاقةَ الكنيسة مع الكتاب المُقَدَّس للعهد الأوَّل، الَّتي تجد اكتمالها في شخص يسوع المسيح (راجع لو 24، 44-53).
- التّأمُّل في سرِّ الكنيسة كشَرِكة وشَهادة، في ضوء الكتاب المُقَدَّس، “كتاب العهد” العظيم بين الله وشعبه (راجع خر24، 7)، يقود باتّجاه معرفة الله، “نور السّبيل” (مز119 [118]، 105) الَّذي “لا يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلّ” (مز121 [120]، 3)[67]. فليتمكنِ المؤمنون، ورثةُ هذا العهد، من البحث الدّائم عن الحقيقة في كلّ الكِتاب المُقَدَّس الموحى به من الله (راجع 2 تي 3، 16-17). إنه ليس موضوعَ فضول تاريخيّ، بل هو “عمل الرّوح القدس، الَّذي به نستطيع أن نسمع صوت الرّب بالذّات ونعرف حضوره في التّاريخ”[68]، في تاريخنا البشَّريّ.
- لقد ساهمت مدارسُ النَّقد التّفسيريّةُ في الإسكندريّة وأنطاكيا والرّها أو في نصيبين بقوِّة في نموّ الفهم والصّياغة العقائديّة للسرّ المسيحيّ في القرنين الرّابع والخامس[69]. وتقرُّ الكنيسةُ بأكملِها بهذا الفضل. إنَّ أنصار مختلف تيَّارات تفسير النُّصوص يتَّفقون على مبادئ تقليديّة في مجال التّأويل تقرّ بها كنائس الشَّرق والغرب. من أبرزها الإيمان بأنّ يسوعَ المسيح يجسّد الوحدة الجوهريّة للعهدين، وبالتّالي يجسّد وحدة مخطّط الله الخلاصيّ في التّاريخ (راجع مت 5، 17). لم يبدأ التّلاميذُ في فهم هذه الوحدة إلا انطلاقا من القيامة، عندما تمجّد يسوع (راجع يوحنا 12، 16). تلا ذلك الأمانةُ للقراءة التّصنيفيّة للكتاب المُقَدَّس، الَّتي تبيّن أن بعض أحداث العهد القديم هي تصوير مسبق (نوعاً وشكلاً) لوقائع العهد الجديد في يسوع المسيح، المفتاح لقراءة الكتاب المُقَدَّس كلّه (راجع 1 كو15، 22. 45-47؛ عب 8، 6-7). تشهد النُّصوص الكنيسيِّة، اللّيتورجيّة والرّوحيّة، على ديمومة مبدأَي التّفسير هذين اللّذين يحدّدان هيكليِّة الاحتفال الكنسيّ بكلمة الله ويشكلان مصدرَ وحي للشهادة المسيحيّة. ذكر المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني بهذا الخصوص أنّه من الضَّروريّ، توضيح معنى النصوص المُقَدَّسة الصّحيح، يُنظرَ بالاهتمام نفسِه إلى مضمون الأسفار الكتابيّة كلَّها ووحدتها، مع مراعاة التّقليد الحيّ للكنيسة جمعاء، ومراعاة المقايسة في الإيمان[70]. وبهدف خلق تآلُف كنسيّ مع الكتاب المُقَدَّس، فإنَّ القراءة الفرديّة والجماعيّة للإرشاد الرّسوليّ “ما بعد السّينودس كلمة الله“، ستساهم إسهاما كبيرا في هذا المجال.
- إنَّ الحضور المسيحيّ في البلدان “الكتابيّة” الشَّرق أوسطيّة يتخطّى كثيراً الانتماء السوسيولوجيّ أو لمجرّد الانجازات الاقتصاديّة والثّقافيّة. فمن خلال إعادة اكتشاف حيويِّة الأصول، وبعدَ التّلاميذ الأوائل الَّذين اختارهم يسوع ليكونوا رفاقاً له وليُرسلهم ليبشروا (راجع مر3، 14)، عرف الحضور المسيحيّ انطلاقة جديدة. كي تُصبحَ كلمةُ الله روحَ وركيزةَ الحياة المسيحيّة، يحبِّذ العمل على نشَّرِ الكتاب المُقَدَّس وسط العائلات لأنَّ ذلك سيشجّع على القراءة والتّأمُّل يوميّاً في كلمة الله. لا بدّ من تطبيق رَعَويّة كتابيّة حقيقية بالطُّرق الملائمة.
- لتكن وسائل الاتّصالات الحديثة قادرةً على أن تكون أداةً ملائمةً لإعلان الكلمة، وتسهيل قراءتها والتأمّل فيها. من خلال تفسير الكتاب المُقَدَّس بطريقة مبسطة وسهلة الاستيعاب تساهم في تبديد الأحكام المسبقة والأفكار الخاطئة حول الكتاب المُقَدَّس، والَّتي تؤدي إلى خلافات مخزية وعديمة الفائدة[71]. في هذا السّياق، من الحكمة أن يتضمّن هذا التّفسيرُ الفصلَ اللازم بين الإلهام والوحي لأن الالتباس بين هذين المفهومين، لدى الكثيرين، يضرّ بفهم النُّصوص المُقَدَّسة، مع ما يترتَّب على هذا الأمر من تبعات على مستقبل الحوار بين الأديان. هذه الوسائل قادرة أيضاً على الإسهام في نشَّرِ تعاليم الكنيسة.
- بغية تحقيق هذه الأهداف، من المناسب أن ندعم وسائل الاتِّصال الموجودة حاليِّاً أو نؤيِّد نمو أنظمة جديدة ملائمة. إن تنشئة موظفين متخصصين في هذا القطاع الحيوي، لا من وجهة النَّظر التّقنيّة وحسب إنما من النَّاحيتين العقائديّة والخلقيّة أيضاً، لا تزال ضرورة ملحّة لا سيَّما في ضوء الكرازة بالإنجيل.
- لكن بغضّ النَّظر عن المكانة الهامّة الَّتي تحتلها وسائل التّواصل الاجتماعيّة، فهي لا يسعها أن تحلّ مكان التّأمّل في كلمة الله، واستيعابها وتطبيقها بغية الإجابة عن تساؤلات المؤمنين. بهذا الشَّكل يولد لديهم تألُف مع الكتاب المُقَدَّس وبحث وتعمق في الرّوحانيات والتّزام في الرّسالة[72]. وفقا للظروف الرَّعَويّة الخاصَّة بكلِّ بلد في المنطقة، يمكن الإعلانُ عن سنةٍ كتابيّةٍ، على أن يتبعها، إذا اقتضتِ الضَّرورة ذلك، أسبوعٌ سنويٌ للكتاب المُقَدَّس[73].
اللّيتورجيِّا وحياة الأسرار
- كانتِ اللّيتورجيِّا، على مرِّ التّاريخ، بالنّسبة لمؤمني الشَّرق الأوسط، عنصراً أساسيِّاً للوحدة الرُّوحيّة والشَّرِكة. في الواقع، تشهد اللّيتورجيِّاً وبطريقة مميِّزة، على تقليد الرّسل المستمرّ والمتنامي في التّقاليد الخاصَّة بكنائس الشَّرق والغرب. إن تجديد النُّصوص والاحتفالات اللّيتورجيّة، حيث تقتضي الضَّرورة ذلك، قد يسمح للمؤمنين بأن يفهموا تماما التّقليد، بالإضافة إلى الغنى الكتابيّ والآبائيّ واللاهوتيّ والرّوحيّ لليتورجيِّا، ضمن خبرة السّرِّ الَّذي تقود إليه[74]. ينبغي أن ينفذ هذا المشروع، ضمن حدود الممكن، بالتّعاون مع الكنائس الَّتي ليست في شَرِكة تامة، لكنَّها مؤتمنة هي أيضاً على التّقاليد اللّيتورجيّا نفسها. يجب أن يرتكز التَّجدّد اللّيتورجيّ المرجوّ على كلمة الله، على التّقليد الخاصّ بكل كنيسة، وعلى المعطيات اللاهوتيّة والأنتروبولوجيِّا المسيحيِّة الجديدة. وسيحمل ثماره إذا اكتسب المسيحيُّون القناعة بأنَّ حياة الأسرار تُدخلهم بعمق داخل الحياة الجديدة في المسيح (راجع روم 6، 1-6؛ 2 كو5، 17)، نبع الشَّرِكة والشَّهادة.
- ثمَّة رابطٌ حيويّ بين اللّيتورجيّا- مصدر حياة الكنيسة وذروتها، والمؤسِّسة لوحدة الأسقفيّة والكنيسة الجامعة- وخدمة بطرس الَّذي يحافظ على هذه الوحدة. تعبِّر اللّيتورجيَّا عن هذا الواقع، خصوصا خلال الاحتفال الإفخارستيّ الَّذي يتم باتحاد، لا مع الأسقف وحسب، بل، وقبل كلّ شيء، مع البابا ومع كلّ هيئة الأساقفة وكلّ الإكليروس والشَّعب بأسره.
- من خلال سرّ المعموديّة، الَّذي يُمنح باسم الثّالوث الأقدس، ندخل في شَرِكة مع الآب والابن والرّوح القدس، ونصبح مشابهين للمسيح، لنعيش حياة جديدة (راجع روم 6، 11-14؛ كو 2، 12)، حياة إيمان وتوبة (راجع مر16، 15-16؛ أع 2، 38). المعموديّة تجعلنا عضوّاً في جسد المسيح، الكنيسة، باكورة وتطلّع البشريّة المتصالحة مع المسيح (راجع 2 كو 5، 19). فالمعمدون، ولكونهم دخلوا في شَرِكة مع الله، هم مدعوون لأن يعيشوا هنا والآن بشَرِكة أخويَّة بين بعضهم بعضا، مع تنمية تضامن حقيقيّ مع باقي أعضاء العائلة البشريّة، بدون أيّ تمييز يقوم على العرق أو الدّين، على سبيل المثال. في هذا السّياق، ينبغي السّهرُ على إعداد الشّبُان والبالغين لنيل الأسرار بشكل معمّق وعلى مدى ليس بقصير.
- تعتبر الكنيسة الكاثوليكيّة أنَّ المعموديّة، الَّتي مُنحت وفق الأصول، هي “رباط الوحدة السّري القائم بين الَّذين تجدّدوا به”[75]. فليبصرِ النُّورَ، بدون تأخير، اتّفاق مسكونيّ حول الاعتراف المتبادل بالمعموديّة بين الكنيسة الكاثوليكيّة والكنائس الَّتي تقيم معها حوارا مسكونيّاً بهدف التّوصّل لاحقا إلى الوحدة التّامّة في الإيمان الرّسوليّ! إنَّ مصداقيّة الرّسالة والشَّهادة المسيحيّتين في الشَّرق الأوسط تعتمد جزئيّاً على هذا الأمر.
- تؤسِّس الإفخارستيِّا، الَّتي تحتفل فيها الكنيسة بسرِّ موت وقيامة يسوع المسيح العظيم من أجل خلاص الكثيرين، الشَّرِكة الكنسيّة وتقودها نحو تمامها. وقد جعل منها القديس بولس مبدأ إكليزيولوجيّاً من خلال هذه العبارات: “فنَحنُ على كَثرَتِنا جَسَدٌ واحِدٌ لأنَّ هناكَ خُبزًا واحدًا، ونَحنُ كُلُّنا نَشتَرِكُ في هذا الخُبزِ الواحدِ” (1 كو 10، 17). تلك الكنيسة الَّتي تتألمّ في رسالتها جرَّاء الانقسامات والانشقاق، ولا ترغب في أن يؤول اجتماعُ أعضائها إلى الشَّرِ (راجع 1 كو 11، 17-34)، كنيسةُ المسيح ترجو بشغف اقتراب اليوم الَّذي يتناول فيه جميعُ المسيحيِّين الخبز نفسَه في اتّحاد الجسد الواحد.
- بواسطة الاحتفال بالإفخارستيّا، تعيش الكنيسة الخبرة اليوميّة لشَّرِكة أعضائها من أجل الشَّهادة اليوميّة داخل المجتمع، الَّذي هو بُعد أساسيّ للرجاء المسيحيّ. بهذا تدركُ الكنيسةُ الوحدةَ الجوهريّةَ للرجاء الإسكاتولوجيّ وللالتزام في العالم، عندما تحيي ذكرى تدبير الخلاص: من التّجسّد إلى المجيء الثّاني للمسيح. يمكن التّعمّقُ بشكل أفضلَ في هذا المفهوم في زمنٍ ضَعُفَ فيه البعدُ الإسكاتولوجيّ للإيمان، وحيث المعنى المسيحيّ للتاريخ، كمسيرة تجد كمالها في الله، يتلاشى على حساب مشاريع تنحصر بالآفاق البشريّة وحسب. على خطى عدد لا يحصى من النُّساك والرّهبان، باحثين عن المطلق، سيعرف المسيحيّون المقيمون في الشَّرق الأوسط، كحجّاج سائرين نحو الله، كيف يجدون في الإفخارستيا القوّة والنُّور اللازمين للشهادة للإنجيل، سائرين غالباً عكس التّيار وعلى الرّغم من القيود الجمّة. سيرتكزون إلى شفاعة الأبرار والقديسين والشَّهداء والمعرّفين وجميع الأشخاص الَّذين أرضوا الله، كما ترنم ليتورجيّاتنا الشَّرقيّة والغربيّة.
- يشكل سرّ التّوبة والمصالحة – الَّذي أتمنى مع جميع آباء السّينودُس أن يتجدّد بالفهم والممارسة وسط المؤمنين- دعوة لتوبة القلب[76]. في الواقع يقول المسيح بوضوح: “وإذا كُنتَ تُقَدَّمُ قُربانَكَ إلى المَذبَحِ … اَذهَبْ أوَّلاً وصالِـحْ أخاكَ” (مت 5، 23-24). إنَّ سرّ التّوبة هو هبة ينبغي أن يتمَّ تقبّلُها وتطبيقُها بأفضل ما يُمكن. فسرّ التّوبة والمصالحة يمحو بالطّبع الخطايا لكنه يشفي أيضاً. إن ممارسته المتكرّرة لا يسعها إلا أن تعزّز تنشئةَ الضَّمير والمصالحة، وتساعدَ على تخطّي المخاوف المتعددة والتّصدي للعنف. لأنَّ الله وحده يهب السَّلامَ الحقيقيّ (راجع يو14، 27). في هذا السّياق أحثُّ الرّعاةَ والمؤمنين، الَّذين في عهدتِهم، إلى تنقية الذّاكرة الفرديّة والجماعيّة باستمرار عن طريق نبذ الأحكام المسبقة والقبول المتبادل والتّعاون مع الأشخاص ذوي الإرادة الصَّالحة. أحثّهم أيضاً على تعزيز كلّ مبادرة من أجل السَّلام والمصالحة، حتّى وسط الاضطهادات، ليصيروا تلاميذاً حقيقيِّين للمسيح، وفقا لروح التّطويبات (راجع مت 5، 3-12). من الملائم أن تصبح “السّيرة الصَّالحة” للمسيحيِّين (راجع 1 بط 3، 16) بمثاليّتها، خميرة العجينة البشريّة (راجع لو 13، 20-21) لأنّها ترتكز إلى المسيح الَّذي يدعو إلى الكمال (راجع مت 5، 48؛ يع 1، 4؛ 1 بط 1، 16).
الصَّلاة والحج
- أكَّدتِ الجمعيِّةُ الخاصَّة لسينودس الأساقفة من أجل الشَّرق الأوسط بشدة على ضرورة الصَّلاة في حياة الكنيسة، كي تترك هذه الأخيرةُ ربَّها يبدّلها، ويدعَ كلُّ مؤمن المسيحَ يعيش في داخله (راجع غل 2، 20). إنَّ فعاليّة رسالة الكرازة بالإنجيل والشَّهادة تجد في الصَّلاة مصدرها، كما أظهر يسوعُ نفسُه عندما اختلى بذاته للصلاة خلال الأوقات المصيريّة من حياته. فبواسطة الانفتاح على عمل روح الله، ومن خلال الصَّلاة الشَّخصيّة والجماعيّة، يُدخِل المؤمنُ إلى العالم غنَى المحبّةِ ونورَ الرّجاء اللّذين بداخله (راجع روم 5، 5). فلتنمُّ الرّغبةُ في الصَّلاة لدى رعاة شعب الله ولدى المؤمنين، كي يبقى تأمُلهم بوجه المسيح مصدرَ وحي على الدّوام لشهادتهم وأعمالهم! أوصى المسيح تلاميذه بالمثابرة على الصَّلاة من غير ملل (راجع لو18، 1). إنَّ الأوضاع البشَّرِيّة المؤلمة- النَّاجمة عن الأنانيّة والقلق والرّغبة الجامحة في السّلطة- قد تُلد الإحباط وفقدان العزيمة. مع ذلك يوصي المسيح بالمداومة على الصَّلاة. إنَّها “خيمة الاجتماع” الحقيقيّة (راجع خر40، 34)، المكان المميّز للشَّرِكة مع الله ومع البشَّرِ. دعونا لا ننسى معنى اسم الطّفل الَّذي أعلن إشعيا عن ولادته والَّذي يحمل لنا الخلاص: عمانوئيل، “الله معنا” (راجع أش7، 14 ؛ مت 1، 23). يسوع هو عمانوئيلنا، “الله الحقيقيّ معنا”. فلنتوسل إليه بحرارة!.
- أصبح الشَّرق الأوسط، أرضَ الوحي الكتابيّ، منذ القدم غاية مفضّلة للحجّ بالنّسبة للمسيحيِّين العديدين الَّذين يأتون من مختلف أنحاء العالم، ليقووا إيمانهم ويعيشوا خبرة روحية عميقة. حيث عَبّر هذا الحج عن مسيرة توبة، تعكس عطشاً حقيقيّاً إلى الله. لا بّد أن يعود الحجّ الكتابيّ الحاليّ إلى هذا الحدس الأوّلي. إنّ الحجّ صوب الأماكن المُقَدَّسة والرّسوليّة – وإذا ما اندرج في إطار التّوبة من أجل الارتداد والبحث عن الله من خلال السّير على الخطى الزّمنيّة للمسيح والرّسل – قادر على أن يتحوّل بالحقيقة إلى اتّباعٍ للمسيح، إذ تمَّ عيشه بإيمان وعمق. يتيح هذا الحجّ للمؤمنين، في مرحلة لاحقة، الغوص أكثر فأكثر في الغنى المرئيّ للتاريخ الكتابيّ، الَّذي يرسم أمامهم أهم مراحل تدبير الخلاص. من المناسب أيضاً أن يرافق الحجَّ الكتابيّ حجٌّ إلى مزارات الشَّهداء والقدِّيسين، الَّذين من خلالهم تَعبد الكنيسةُ المسيحَ، مصدر استشهادهم وقداستهم.
- بالطّبع، فإنَّ الكنيسة تعيش في الانتظار اليقظ والواثق للمجيء النّهائيّ للعريس (راجع مت 25، 1 – 13). وتتَذكّر، اتِّباعاً لمعلمِها، أنَّ العبادةَ الحقيقيِّةَ هي بالرّوحِ والحَقِّ، ولا تنحصر بمكان مُقَدّس، مهما كانت أهمّيّته الرّمزيّة أو الدّينيّة في وعي المؤمنين (راجع يو4، 21. 23). إنَّ الكنيسةَ، وفيها كلُّ معمّد، تشعر بالحاجة المشروعة للرجوع إلى الينابيع. في الأماكن الَّتي شهدت أحداث الخلاص، ليتمكن كلّ حاجٍّ من الالتزام بمسيرة توبة لربّه، وإيجاد دفعة جديدة. أتَمنَّى أن يتمكَّنَ مؤمنو الشَّرق الأوسط أن يصبحوا ه_ftnref69م أنفسهم حجاجا في هذه الأماكن الَّتي قدَّسها الرّبُّ نفسّه، ويستطيعوا الوصول بحُرِّيّة وبدون تقيِّيد إلى الأماكن المُقَدَّسة. إلى ذلك، فلتساعد زيارات الحجِّ في هذه الأماكن المسيحيِّين غير الشَّرقيِّين على اكتشاف غنى الكنائس الشَّرقيّة، اللّيتورجيّ والرّوحيّ. ولتساعد أيضاً في مؤازرة وتشجيع الجماعات المسيحيّة على البقاء بأمانة وإقدام في هذه الأراضي المباركة.
البشارة والمحبّة: رسالة الكنيسة
- إنَّ نقل الإيمان المسيحيّ هو رسالة جوهريّة للكنيسة. لَقد دعوتُ كلَّ مؤمني الكنيسة لتجديد البشارة، للإجابة بشكل أفضل على تحدّيّات عالم اليوم. وكي تعطي ثمارها، ينبغي أن تبقى في الأمانة للإيمان بيسوع المسيح. “الوَيلُ لي إنْ كُنتُ لا أُبشِّرُ!” (راجع 1كو 9، 16)، هكذا هتفَ القدّيسُ بولس. ترغب هذه البشارة المتجدّدة، لا سيَّما في هذه الأوضاع المتغيِّرة، بتوعية المؤمن بأنَّ شهادةَ حياتِه تُعطي كلمتَه قوةً[77]، عندما يَجرؤ على الكلام عن الله علانية وبشجاعة، مُعلناً بشرى الخلاص السَّارّة. كما أن الكنيسةَ الكاثوليكيِّةَ جمعاء في الشَّرق الأوسط مدعوَّة، مع الكنيسة الجامعة، للالتزام بالبشارة ذاتها، مع الأخذ في الاعتبار بتمييز الوضع الثّقافيّ والاجتماعيّ الحاليّ، مدركة تطلّعات هذا الوضع ومحدوديّتها. إنَّها قبل كلّ شيء دعوةٌ لتبشير نفسِها مجدّدا من خلال اللّقاء مع المسيح، دعوةٌ موجَّهة لكلِّ جماعة كنسيّة، ولكلِّ فردٍ من أعضائِها. هكذا ذكّر البابا بولس السّادس: “إنَّ مَنْ تلقَّى البشارةَ عليه أن يُبشِّر. هذا هو برهانُ الحقيقةِ وحجرُ زاوية البشارة: فلا يعقل أنَّ إنساناً قد قبل الكلمة وأعطى نفسه للملكوت بدون أن يُصبحَ شخصاً بدوره يشهد ويبشّر”[78].
- إنَّ التّعمّق بالمعنى اللاهوتيِّ والرّعَويِّ لهذه البشارة عمل هامّ “لمقاسمة العطيِّة الَّتي لا تُوصف، والَّتي أرادها الله لنا، مانحاً إيَّانَا أن نشاركه حياتَه نفسَها”[79]. إنَّ تأملاً كهذا ينبغي أن يكون منفتحا على البعدين، المسكوني وبين الأديان، والمرتبطين بالدّعوة والرّسالة الخاصّتين بالكنيسة الكاثوليكيّة في الشَّرق الأوسط.
- منذ سنين عديدة تتواجد الحركاتُ الكنسيّةُ والجماعاتُ الجديدة في الشَّرق الأوسط. إنَّها عطيّةٌ من الرّوح لعصرنا. ولكي لا ينطفئ الرّوحُ (راجع 1 تي5، 19)، ينبغي على كلِّ واحد وكلِّ جماعة، وضعُ موهبتة الخاصَّة في خدمة الخير العام (راجع 1 كو12، 7). إنَّ الكنيسةَ الكاثوليكيِّةَ في الشَّرقِ الأوسط تُسرُ بشهادة الإيمان والشَّرِكة الأخويّة لهذه الجماعات، حيث يجتمع مسيحيّون من كنائسَ عديدةٍ، بانسجامٍ وبدونِ السّعي لضمّ الآخرين. أشجِّعُ أعضاءَ هذه الحركات والجماعات على أن يكونوا صنَّاع شَرِكة وشهودَ السَّلام الآتي من الله، باتّحاد مع الأسقف المحلّيّ وبحسب توجيهاته الرّعَويّة، مع الأخذ في الاعتبار تاريخ وليتورجيّا وروحانيّة وثقافة الكنيسة المحلّيّة[80]. وليظهروا هكذا تعلَّقهم السّخيّ، ورغبتَهم في خدمة الكنيسة المحلّيّة والكنيسة الجامعة. وأخيرا ليعبّر انسجامهم الصَّحيح عن الشَّرِكة في التّنوّع وليساعد في البشارة المتجدّدة.
- إنَّ كلا من الكنائس الكاثوليكيّة في الشَّرق الأوسط هي وريثة الانطلاق الرّسوليّ، الَّذي حمل البشرى السّارّة لأراضٍ بعيدة، وهي مدعوّةٌ أيضاً لتجديد روحها التّبشيريّة، من خلال تنشئة وإرسال رجال ونساء فخورين بإيمانهم بالمسيح المائت والقائم من الموت، وقادرين على إعلان الإنجيل بشجاعة، سواء في المنطقة أو في أراضي المهجر، أو حتّى في بلدان أخرى من العالم[81]. إنَّ سنة الإيمان الَّتي تدخل في إطار البشارة المتجددة، ستكون حال عيشها بيقين عميق، حافزا رائعا لتعزيز بشارة داخليّة لكنائس المنطقة، ولترسيخ الشَّهادة المسيحيّة. أن نُعلن ابن الله المائت والقائم من الموت، المخلّص الواحد والأوحد للجميع، لهو واجبٌ جوهريٌّ للكنيسة ومسؤوليّة ملزِمة لكلِّ معمّد. “فإن الله يُريدُ أنْ يَخلُصَ جميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إلى مَعرِفَةِ الحَقِّ” (1 تي 2، 4). تنعم الكنيسة، أمام هذه المهمّة الملحّة والمتطلّبة، وداخل إطار متعدد الثّقافات والأديان، بمعونة الرّوح القدس، عطيّة الرّبّ القائم، الَّذي يواصل مساعدة خاصَّته، وبكنز التّقاليد الرّوحيّة الكبرى الَّتي تساعد في البحث عن الله. أشجِّعُ المقاطعات الكنسيّة والجمعيّات الرّهبانيّة والحركات على تنمية روح البشارة الحقيقيّة، فتكون لهم شهادة تَجَدّد روحيّ. وفي هذه المهمة، تستطيع الكنيسة الكاثوليكيّة في الشَّرق الأوسط الاعتماد على دعم الكنيسة الجامعة.
- منذ زمن بعيد، تعمل الكنيسة الكاثوليكيّة في الشَّرق الأوسط بفضل شبكة مؤسّسات تربويّة واجتماعيّة وخيريّة. إنَّها تعانق دعوة يسوع “كُلَ مَرَّةٍ عَمِلْتُم هذا لواحدٍ من إخوتي هَؤلاءِ الصَّغارِ، فلي عَمِلتُموهُ!” (مت 25، 40). وترافق إعلان الإنجيل بأعمال المحبّة، وفقا لطبيعة المحبّة المسيحيّة نفسِها، وتلبية للحاجات المباشرة للجميع، أيَّاً كانت ديانتهم، وبمعزل عن الأحزاب والإيديولوجيِّات، وذلك فقط بهدف أن تحيا على الأرض محبّة الله للبشَّرِ[82]. تقدِّم الكنيسةُ، من خلال شهادة المحبّة، إسهامها لحياة المجتمع، معبّرةً عن رغبته في بناء السَّلام الَّذي تحتاجه المنطقة.
- إنَّ يسوع المسيح جعل نفسه قريبا من الأشد ضعفا. وباتّباع مثله، تعمل الكنيسة في خدمة استقبال الأطفال في دور الحضانة والأيتام، وفي خدمة الفقراء والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصَّة، والمرضى وكلَّ شخصٍ محتاجٍ، كي تكون على الدّوام أكثر تفاعلاً في المجتمع الإنساني. تؤمن الكنيسة بالكرامة، غيرِ القابلة للجدل، لكلِّ شخصٍ بشري وتعبد الله، الخالق والآب، من خلال خدمة خليقته المحتاجة عبر مساعدتها مادّيِّاً وروحيِّاً. ومن أجل يسوع، الإله الحَقّ والإنسان الحَقّ، تقوم الكنيسة بخدمتها في تقديم التّعزيّة، والَّتي لا تسعى إلاّ للتعبير عن محبّة الله للبشَّرِيّة. أودُّ هنا أن أعبّر عن إعجابي وتقديري لكلِّ الأشخاص الَّذين يكرِّسون حياتَهم لهذا الهدف النَّبيل، أمنحهم بركة الله.
- كثيرة هي مراكز التّربيّة والمدارس والمعاهد العليا والجامعات الكاثوليكيّة في الشَّرق الأوسط. ويقوم الرّهبان والرّاهبات والعَلمانيّون العاملون فيها بعمل رائع أحيِّيه وأشجّعه. إنِّ هذه المؤسَّسات التّربويِّةَ الكاثوليكيِّةَ تستقبل تلاميذاً أو طلاباً من كنائسَ أخرى وديانات أخرى، وهي بعيدة كلَّ البعد عن الرّغبة في ضمّ الآخرين[83]. ولكونها أدواتِ ثقافةٍ لا تقدر بثمن لتنشئة الشَّباب على المعرفة، فإنَّها تُظهر بطريقةٍ جليَّةٍ الإمكانيّة القائمة في الشَّرق الأوسط للعيش مَعَاً في الاحترام والتّعاون، من خلال التّربيّة على التّسامح والبحث المتواصل عن المزايا الإنسانية. إنَّها متنبّهة أيضاً للثقافاتِ المحلّيِّةِ الَّتي ترغَبُ في تعزيزها من خلال تقوية العناصر الإيجابيّة فيها. إنَّ تضامناً كبيراً بين الأهل والطّلاب والجامعات والأبرشيات، مؤيَّداً بصناديق المساعدة، سيسمح بتوفير إمكانيِّة التّعليم للجميع، لا سيَّما أولئك المحرومين من الموارد الضَّروريّة. وتطلب الكنيسة أيضاً من مختلف المسؤولين السّياسيِّين دعم هذه المؤسَّسات الَّتي، ومن خلال نشاطها، تتعاون حَقّا وبفعاليّة من أجل الخير العام، وبناء مستقبل مختلف للأمم[84].
التّعليم المسيحيّ والتّنشئة المسيحيّة
- يذكّر القدِّيسُ بطرس في رسالته الأولى “وكونوا في كُلِّ حينٍ مُستَعِدِّينَ لِلرَّدِّ على كُلِّ مَنْ يَطلُبُ مِنكُم دَليلاً على الرَّجاءِ الَّذي فيكُم. وليكُنْ ذلِكَ بِوَداعَةٍ واَحترامِ” (3، 15 – 16أ). لقد نال المعمدون عطية الإيمان، وهي تُلهِم حياتَهم كلَّها وتقودهم للتعبير عنها بلطف واحترام للأشخاص، إنَّما أيضاً بصراحة ورباطة جأش (راجع أع4، 29+). وعليهم أن يتعلَّموا بطريقة ملائمة الاحتفال بالأسرار المُقَدَّسة، والدّخول في معرفة العقيدة الموحاة، وتناغم الحياة والعمل اليوميِّ. إنَّ تنشئةَ المؤمنين هكذا، هي متوفّرة، قبل كلّ شيء، في التّعليم المسيحيّ، وقدر المستطاع، في التّعاون الأخويّ بين مختلف الكنائس.
- إن اللّيتورجيِّا، وبالدّرجة الأولى الاحتفال بالافخارستيّا، مدرسة إيمان تقود إلى الشَّهادة. فكلمة الله المعلنة بطريقة ملائمة ينبغي أن تقود المؤمنين لإعادة اكتشاف حضورها وفعاليتها في حياتهم وحياة أناس اليوم. إنَّ التّعليمَ المسيحيَّ للكنيسة الكاثوليكيّة ركيزة أساسيّة، وكما أشرت سابقا، لا بدَّ مِن تشجيع قراءته وتعليمه، وكذلك التّعليم الملموس للعقيدة الاجتماعيّة للكنيسة، المشروح خصوصاً في ملخص العقيدة الاجتماعيّة للكنيسة، وفي وثائق التعليم البابوي الكبرى[85]. وليساعد واقعُ الحياة الكنسية الشَّرق الأوسطيّة، والتّعاون في خدمة المحبّة، في إعطاء هذه التّنشئة بُعداً مسكونيّاً، بحسب خصوصيّة كلّ مكان وباتّفاق مع السّلطات الكنسيّة المختصّة.
- إلى ذلك، سيتقوّى التّزام المسيحيِّين داخل الكنيسة والمؤسّسات المدينة بتنشئة روحيّة متينة. ويبدو ضروريَّاً تسهيلُ وصول المؤمنين- لا سيَّما الَّذين يعيشون في التّقاليد الشَّرقيِّة ونظرا لتاريخ كنائسهم- إلى كنوز آباء الكنيسة والمعلِّمين الرّوحيِّين. أدعو السّينودُسات وباقي الهيئات الأسقفيّة للتفكير جديّا في تحقيق هذه الأمنيّة بشكل تدريجيّ، والتّفعيل اللازم لدراسة علم الآباء الَّذي سيُكمّل التّنشئة الكتابيِّة. ويعني ذلك، قبل كلّ شيء، أن يَغرف الكهنة والمكرّسون والإكليريكيّون أو المبتدئون، من هذه الكنوز، لتعميق حياتهم الإيمانيّة، كي يتمكَّنوا لاحقا من مقاسمتها بثقة. إنَّ تعاليم المعلِّمين الرّوحيِّين للشَّرق والغرب، وتعاليم القدِّيسين والقدِّيسات، ستساعد كلَّ مَن يبحث حَقّاً عن الله.
الخاتمة
- “لا تَخَفْ أَيُّها القَطيعُ الصَّغير” (لو 12، 32)، بكلمات المسيح هذه أرغبُ في تشجيعِ كلّ الرّعاة والمؤمنين المسيحيِّين في الشَّرق الأوسط على إبقاء شعلة الحبّ الإلهيّ، وبشجاعة، حيّة في الكنيسة وأماكن حياتهم وعملهم. فهكذا، سيحتفظون بحقيقة وبرسالة الكنيسة كاملتين كما أرادهما المسيح. وهكذا أيضاً، ستُغني التّنوعات، المشروعة والتّاريخيّة، الشَّرِكة بين المعمَّدين، ومع الآب وابنه يسوع المسيح الَّذي بدمه يُطهّر من كلّ خطيئة (راجع 1 يو3، 6 – 7). في فجر المسيحيّة، كتب القدِّيسُ بطرس، تلميذُ يسوع المسيح، في رسالته الأولى إلى الجماعات المؤمنة في آسيا الصّغرى والَّتي كانت تعاني المصاعب. ومع مطلع هذه الألفيِّةِ الجديدة، كان من الجيِّدِ أن يجتمع في سينودس، حول خليفة بطرس، رعاةٌ ومؤمنون من الشَّرق الأوسط ومن أماكن أخرى، للصلاة والتّفكير مَعَاً. فالحاجة الرّسوليّة والوضع الحرج يحثّان على الصَّلاة والنَّشاط الرّعَويّ. إن الظُّروفَ الحاليِّةَ الملحّة، وظلم الأوضاع المأسَويّة الكثيرة، يدعوانِ إلى الاتحاد- على ضوء إعادة قراءة الرّسالة الأولى للقديس بطرس- من أجل الشَّهادة مَعَاً للمسيح المائت والقائم من الموت. أن نكون مَعَاً، والشَّرِكة الَّتي أرادها ربُّنا وإلهنا هما الآن ضروريّتان أكثر من أي وقت مضى. لنضع جانبا كلّ ما يبدو سبب عدم رضى– حتّى وإن كان مشروعا- كي نركّز اهتمامنا بقلب واحد على الشَّيء الوحيد الضَّروري: أن نَجمع في الابن الوحيد جميعَ البشرِ والعالم كلّه (راجع رو 8، 29 و أف 1، 5. 10).
- لَقد أوكلَ المسيحُ لبطرس الرّسالةَ الخاصَّة بأن يرعى خرافه (راجع يو 21، 15 – 17)، وعليه بنى كنيستَه (راجع مت 16، 18). ولهذا فإنَّ خليفة بطرس لا ينسى محن وآلام المؤمنين بالمسيح، ولا سيَّما العائشين في الشَّرق الأوسط. إنَّ البابا يتّحدُ معهم روحيّاً. ولهذا، وباسم الله، أدعو القادة السّياسيِّين والدينيِّين للمجتمعات للعمل، لا فقط من أجل تخفيف هذه الآلام، إنَّما لاستئصال أسباب وجودها. أطلب إليهم أن يعملوا كلّ شيء كي يعمّ السَّلام أخيرا.
- أيضاً، لن ينسى البابا أبداً أنَّ الكنيسة- المدينةَ المُقَدَّسةَ وأورشليمَ السّماويّةَ- حيث المسيح هو حجر الزّاوية (راجع 1بط2، 4. 7)، والَّذي نالَ بنفسِه رسالة الاعتناء بها على الأرض، هي مبنيّة على أسس مرصّعة بجواهر من جميع الأنواع، ملوّنة وثمينة (راجع رؤ 21، 14. 19 – 20). تمثِّل الكنائس الشَّرقيّة الموقَّرة والكنيسة اللاتينيّة هذه الجواهر اللامعة الَّتي تتوارى في سجود أمام “نَهرَ الحياةِ الصافِي كَالبلَّورِ يَنبَعُ مِنْ عَرشِ الله والحَمَلِ” (رؤ22، 1).
- وكي يتمكَّن البشرُ مِن مشاهدة وجه الله واسمه المكتوب على جباههم (راجع رؤ22، 4)، أدعو جميع المؤمنين الكاثوليك للاستسلام لإرشاد روح الله، وتوطيد الشَّرِكة أكثر فأكثر فيما بينهم، وعيشها في أخوِّة متواضعة وفرحة. أعرف أن بعض الظُّروف قد تقود أحيانا إلى الميل نحو ملاءمات تهدّد بقطع الشَّرِكة الإنسانيّة والمسيحيّة. إنَّ هذا يحدث وللأسف كثيرا، ولكنَّ هذا الفتور لا يرضي الله (راجع رؤ3، 15 – 19). إنَّ نورَ المسيح (راجع يو 12، 46) يريد أن يبلغ زوايا الأرض والإنسان، حتّى الأكثر ظلاماً (راجع 1بط 2، 9)، فلكي نصبح سراجاً يحمل النُّورَ الوحيد (راجع لو11، 33 – 36)، ولنتمكَّن من الشَّهادة في أيِّ مكانٍ (راجع مر 16، 15 – 18)، من المهمِّ اختيار الطّريق الَّذي يقود إلى الحياة (راجع مت 7، 14)، تاركين وراءنا أعمال الظَّلام العقيمة (راجع أف 5، 9 – 14) ورافضين إيّاها بحزم (راجع رو13، 12+).
- فلتتمكّن أخوّة المسيحيِّين من أن تصبح، بشهادتها، خميرةً في العجين الإنسانيِّ (راجع مت13، 33)! وليتمكَّن مسيحيّو الشَّرق الأوسط، الكاثوليك والآخرون، مِن أن يقدموا في الوحدة وبشجاعة هذه الشَّهادة، غير السّهلة، إنما المعظّمة، من أجل المسيح، لنَيِل إكليل الحياة (راجع رؤ2، 10ب). إنَّ الجماعةَ المسيحيِّةَ بأسرهِا تشجّعَهم وتدعمهم. لتكنِ المحنة الَّتي يعيشها بعض أخوتنا وأخواتنا (راجع مز66 [65] 10؛ أش 48، 10؛ 1بط1، 7)، سبباً في تقوية الأمانة وإيمان الجميع!. ولتحلّ “عليكم وافر النّعمة والسَّلام… السَّلام عليكم جميعا أنتم الَّذين في المسيح” (1بط1، 2 ؛ 5، 14)!
- إنَّ قلبَ مريم، أُمّ الله وأُمّ الكنيسة قد طُعن (راجع لو 2، 34 – 35) بسبب “الخصومات” الَّتي حملها ابنُها الإلهيّ، أي بسبب المعارضة والعدائيّة لرسالة النُّور اللّتين واجههما المسيح، وتواصل الكنيسة، جسدُه السّريّ، عيشهما. فلتساعدنا مريم بأمومتها، هي الَّتي تكرمها الكنيسة كلّها، في الشَّرق والغرب. وستعرف مجدّداً مريم، الكُلِّيِّة القداسة، الَّتي سارت بيننا، كيف تقدم احتياجاتنا لابنها الإلهي. إنها أيضاً تقدم لنا ابنها. فلنصغِ إليها هي الَّتي تُشجّعنا على الرّجاء “مهما قال لكم فافعلوه!” (يو2، 5).
أُعطي في بيروت، لبنان، في الرّابع عشر من أيلول/سبتمبر 2012،
عيد الصَّليب الممجد، في السّنة الثّامنة من حبريتي.
الفهرس
مُقدّمة
الفصل الأوَّل
– السّياق
– الحياة المسيحيّة والمسكونيّة
– الحوار بين الأديان
– واقعان جديدان
– المهاجرون
الفصل الثّاني
– البطاركة
– الأساقفة
– الكهنة والشَّمامسة والإكليريكيُّون
– الحياة المكرَّسة
– العَلمانيُّون
– العائلة
– الشَّباب والأطفال
الفصل الثّالث
– كلمة الله، روح ومصدر الشَّرِكة والشَّهادة
– اللّيتورجيَّا وحياة الأسرار
– الصَّلاة والحجّ
– البشارة والمحبّة: رسالة الكنيسة
– التّعليم المسيحيّ والتّنشئة المسيحيّة
الخاتمة
[1] بندكتُس السّادس عشر، عظة قدّاس افتتاح أعمال الجمعيّة الخاصَّة لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط (11 تشرين الأول/أكتوبر 2010): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 102 (2010)، ص. 805.
[2] راجع المقترح 4.
[3] مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، قانون 39؛ راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار مجمعي في الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، رقم 1؛ يوحنّا بولس الثّاني، الإرشاد الرسوليّ ما بعد السّينودس رجاء جديد للبنان (10 أيار/مايو 1997)، رقم 40: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 89 (1997)، ص. 346-347 الَّذي تناول بالتفصيل موضوع الوحدة بين التقليد الرسوليّ المشترك والتقاليد الكنسيِّة الَّتي ولدت منها في الشرق.
[4] راجع بندكتُس السّادس عشر، عظة قدّاس منتصف الليل (24 كانون الأوّل ديسمبر 2010): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 103 (2011)، ص. 17-21.
[5] راجع المقترح 9.
[6] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار مجمعي في الحركة المسكونيّة، استعادة الوحدة، رقم 1.
[7] راجع بندكتُس السّادس عشر، خطاب إلى المشاركين في الجمعيّة العامّة لمجمع عقيدة الإيمان (27 كانون الثّاني/يناير 2012)، أعمال الكرسيّ الرسوليّ 104 (2012)، ص. 109.
[8] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار مجمعيِّ في الحركة المسكونيّة، استعادة الوحدة، رقم 8.
[9] راجع يوحنَّا بولس الثّاني، الرسالة العامة ليكونوا واحدا (25 أيار/مايو 1995)، رقم 83-84: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 87 (1995)، ص. 971-972.
[10] راجع المجلس البابويّ لتعزيز وحدة المسيحيِّين، دليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونيّة وقواعدها (25 آذار/مارس 1993): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 85 (1993)، ص. 1039-1119.
[11] راجع قرار مجمعيّ في الكنائس الشرقيِّة الكاثوليكيِّة، رقم 24.
[12] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار مجمعيّ في الحركة المسكونيّة، استعادة الوحدة، رقم 15.
[13] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار مجمعيّ في الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، رقم 26-27.
[14] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار مجمعي في الحركة المسكونيّة، استعادة الوحدة، رقم 15؛ المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيِّين، دليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونيّة وقواعدها (25 آذار/مارس 1993)، رقم 122-128: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 85 (1993)، ص. 1086-1088.
[15] راجع المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيِّين، دليل لتطبيقِ مبادئ الحركة المسكونيّة وقواعدها (25 آذار/مارس 1993)، رقم 145: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 85 (1993)، ص. 1092.
16] راجع المقترح 28، حيث بعض المبادرات المقترحة تتعلَّق بالصلاحيّات الرعويِّة المحليِّة ومبادرات أخرى تلتزم بها كلّ الكنيسة الكاثوليكيِّة وتُدرس بالاتّفاق مع كرسيِّ بطرس.
[17] راجع المقترح 40.
[18] راجع بندكتُس السّادس عشر، خطاب في مركز هيشال شلومو، أورشليم (12 أيار/مايو 2009): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 101 (2009)، ص. 522 – 523؛ المقترح 41.
[19] راجع المقترح 5.
[20] راجع المقترح 42.
[21] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، بيان في الحُرِّيّة الدينيِّة كرامة الإنسان، رقم 2-8؛ بندكتُس السّادس عشر الرسالة بمناسبة الاحتفال بيومِ السَّلام العالميِّ 2011: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 103 (2011)، ص. 46-58؛ خطاب لأعضاء السّلك الدبلوماسيِّ المعتمد لدى الكرسي الرسولي (10 كانون الثّاني/يناير 2011): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 103 (2011)، ص. 100-107.
[22] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، بيان في علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحيّة، في عصرنا، رقم 2.
[23] بندكتُس السّادس عشر، خطاب خلال اللقاء مع أعضاء الحكومة، ممثّلين عن مؤسّسات الجمهوريّة، والسّلك الدبلوماسيّ وممثّلين عن الأديان الرئيسيِّة، (كوتونو، 19 تشرين الثّاني/نوفمبر 2011)، أعمال الكرسيّ الرسوليّ 103 (2011)، ص. 820.
[24] راجع بندكتُس السّادس عشر، رسالة لمناسبة اليوم العالميّ للمهاجرين واللاجئين 2006: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 97 (2005)، ص. 981-983؛ كسابقه (2008): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 100 (2008)، ص. 804-808؛ كما ذكر سابقا 2012: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 103 (2011)، ص. 763-766.
[25] راجع المقترح 11.
[26] راجع المقترحين 6 و10.
[27] راجع المقترح 12.
[28] راجع المقترح 15.
[29] راجع المقترح 14.
[30] بندكتُس السّادس عشر، عظة قدَّاس اختتام الجمعيّة الخاصَّة من اجل الشرق الأوسط لسينودُس الأساقفة (24 تشرين الأول/أكتوبر 2010): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 102 (2010)، ص. 815.
[31] راجع بندكتُس السّادس عشر، عظة افتتاح الجمعيّة الخاصَّة من أجل الشرق الأوسط لسينودس الأساقفة (11 تشرين الأول/أكتوبر 2010): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 102 (2010)، ص. 805.
[32] راجع مجمع عقيدة الإيمان، رسالة لأساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة حول بعض أوجه الكنيسة في مفهومها كشركة (28 أيار/مايو 1992)، 9، 1 – 3: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 85 (1993)، ص. 843 – 844: لا سيَّما المقطع الأول: “لا يمكن فهم الكنيسة الجامعة كمجموعة الكنائس الخاصَّة أو كاتحاد للكنائس الخاصَّة. فهي ليست نتيجة شركة بينها، ولكنها، وفي سرّها الجوهري، هي واقع كياني وزمني سابق وفريد لكل كنيسة خاصَّة”.
[33] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، دستور عقائدي في الكنيسة، نور الأمم، فقرة 23.
[34] راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق. 76، بند 1، 2 وق. 92، بند 1، 2.
[35] راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق. 97.
[36] راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق. 83، بند 1.
[37] راجع يوحنا بولس الثّاني، الإرشاد الرسولي ما بعد السّينودس أعطيكم رعاة (16 تشرين الأول/أكتوبر 2003)، فقرة 26: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 96 (2004)، ص 859 – 860.
[38] يوحنا بولس الثّاني، الإرشاد الرسولي ما بعد السّينودس رجاء جديد للبنان (10 أيار/مايو 1997)، فقرة 60: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 89 (1997)، ص 364.
[39] راجع المقترح 22.
[40] مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق 192، بند 1.
[41] راجع المقترح 7.
[42] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار مجمعي في حياة الكهنة وخدمتهم الرَعويّة، فقرة 4-6.
[43] راجع الرسالة الختاميّة للجمعيّة الخاصَّة من أجل الشرق الأوسط لسينودس الأساقفة، (22 تشرين الأول/أكتوبر 2010)، فقرة 3-4: جريدة أوسيرفاتوريه رومانو، النشرة الفرنسيّة، عدد 3.159 (9 تشرين الثّاني/نوفمبر 2010)، ص 23.
[44] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار مجمعي في حياة الكهنة وخدمتهم الرَعويّة، فقرة 11.
[45] راجع مجمع التربيّة الكاثوليكيّة توجيهات أساسيّة للتنشئة الكهنوتيّة (19 آذار/مارس 1985) فقرة 5–10.
[46] راجع بندكتُس السّادس عشر، رسالة للإكليريكيين (18 تشرين الأول/أكتوبر 2010): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 102 (2010)، ص. 793 – 798.
[47] راجع يوحنا بولس الثّاني، الرسالة الرسوليّة نور الشرق (02 أيار/مايو 1995): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 87 (1995)، ص. 745 – 774.
[48] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، دستور عقائديّ في الكنيسة، فقرة 44؛ دستور في تجديد الحياة الرُّهبانيّة، فقرة 5؛ يوحنّا بولس الثّاني، الإرشاد الرسوليّ ما بعد السّينودس الحياة المكرَّسة (25 آذار مارس 1996) فقرة 14، 30: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 88 (1996) ص. 387 – 388 و403 – 404.
[49] راجع المقترح 26.
[50] راجع مجمع مؤسّسات الحياة المكرَّسة وجمعيَّات الحياة الرسوليّة، توجيهات الانطلاق من المسيح. التزام متجدّد للحياة المكرَّسة في الألفيّة الثّالثة (19 أيار/مايو 2002): Ench. Vat. 21، ص. 372 – 510؛ جريدة أوسيرفاتوريه رومانو، النشرة الفرنسيّة، نوته رقم 43، عدد 2.741 (10 أيلول/سبتمبر 2002)، ص 5-14.
[51] راجع مجمع الرُّهبان والمؤسسات العَلمانيّة ومجمع الأساقفة. توجيهات أساسيّة حول العلاقات بين الأساقفة والرُّهبان في الكنيسة (14 أيار/مايو 1978) فقرة 52 – 65: أعمال الكرسي الرسوليّ 70 (1978) ص. 500 – 505. مكان الرُّهبان في الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق 410 – 572.
[52] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، دستور عقائدي في الكنيسة، نور الأمم، فقرة 30 – 38؛ قرار مجمعي في رسالة العَلمانيين؛ يوحنا بولس الثّاني الإرشاد الرسولي ما بعد السّينودس العَلمانيون المؤمنون بالمسيح (30 كانون الأول/ديسمبر 1988): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 81 (1989) ص. 393 -521.
[53] راجع يوحنا بولس الثّاني الإرشاد الرسولي ما بعد السّينودس رجاء جديد للبنان (10 أيار/مايو 1997) فقرة 45 – 103: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 89 (1997) ص. 350 – 352 و 400؛ المقترح 24.
[54] بندكتُس السّادس عشر عظة قدَّاس اختتام الجمعيّة الخاصَّة من أجل الشرق الأوسط لسينودس الأساقفة (24 تشرين الأول/أكتوبر 2010): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 102 (2010)، ص. 814.
[55] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، دستور عقائديّ في الكنيسة، فقرة 31.
[56] راجع المقترح 30.
[57] راجع يوحنا بولس الثّاني الإرشاد الرسولي ما بعد السّينودس العَلمانيِّون المؤمنون بالمسيح (30 كانون الأول/ديسمبر 1988)، فقرة 57 – 63: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 81 (1989)، ص. 506 – 518.
58] راجع يوحنّا بولس الثّاني الإرشاد الرسوليّ في وظائف العائلة المسيحيّة (22 تشرين الثّاني/نوفمبر 1981): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 74 (1982)، ص. 81 – 191؛ الكرسي الرسولي، ورقة حقوق العائلة (22 تشرين الأول/أكتوبر 1983): المطبعة الفاتيكانيّة، حاضرة الفاتيكان 1983؛ يوحنا بولس الثّاني، رسالة للعائلات (02 شباط/فبراير 1994): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 86 (1994)، ص. 868 – 925؛ المجلس البابوي عدالة وسلام، ُملخَّص عقيدة الكنيسة الاجتماعيِّة (02 نيسان/أبريل 2004) فقرة 209 – 254.
[59] راجع المقترح 35.
[60] راجع بندكتُس السّادس عشر، عظة القدّاس الاحتفالي على جبل القفز، الناصرة (14 أيار/مايو 2009): أعمال الكرسيّ الرسوليّ 101 (2009)، ص. 478-482.
[61] راجع يوحنا بولس الثّاني، الرسالة الرسوليّة كرامة المرأة (15 آب/أغسطس 1988) فقرة 10: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 80 (1988) ص. 1676 – 1677.
[62] راجع يوحنا بولس الثّاني الإرشاد الرسولي ما بعد السّينودس العَلمانيون المؤمنون بالمسيح (30 كانون الأول/ديسمبر 1988)، فقرة 49: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 81 (1989)، ص. 487.
[63] راجع يوحنا بولس الثّاني الإرشاد الرسوليّ ما بعد السّينودس رجاء جديد للبنان (10 أيار/مايو 1997)، فقرة 50: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 89 (1997)، ص 355؛ رسالة الجمعيّة الخاصَّة من أجل الشرق الأوسط لسينودس الأساقفة (22 تشرين الأول/أكتوبر 2010)، فقرة 4.4: جريدة أوسيرفاتوريه رومانو، النشرة الفرنسيّة، عدد 3.159 (9 تشرين الثّاني/نوفمبر 2010)، ص. 22؛ المقترح 27.
[64] راجع المقترح 36.
[65] راجع المقترح 27.
[66] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، دستور عقائدي في الكنيسة نور الأمم، رقم 1.
[67] راجع بندكتُس السّادس عشر، الإرشاد الرسوليّ ما بعد السّينودس كلمة الربِّ (30 أيلول/سبتمبر 2010)، رقم 24: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 102 (2010)، ص. 704.
[68] كسابقه، رقم 19: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 102 (2010)، ص. 701.
[69] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار في الحركة المسكونيّة، استعادة الوحدة، رقم 14.
[70] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، دستور عقائديّ في الوحيِّ الإلهيِّ، كلمة الله، رقم 12.
[71] راجع المقترح 2.
[72] راجع المقترح 2.
[73] راجع المقترح 3.
[74] راجع المقترح 39.
[75] راجع المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، قرار في الحركة المسكونيّة، استعادة الوحدة، رقم 22.
[76] راجع المقترح 37.
[77] راجع البابا بندكتُس السّادس عشر، الإرشاد الرسوليّ ما بعد السّينودس، كلمة الله (30 أيلول/سبتمبر 2010)، فقرة 97: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 102 (2010)، ص. 767 – 786.
[78] راجع بولس السّادس، الإرشاد الرسوليّ الخاصّ إعلان الإنجيل (8 كانون الأول/ديسمبر 1975)، فقرة 24: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 68 (1976)، ص. 21.
[79] بندكتُس السّادس عشر، الرسالة الرسوليّة في كلّ مكان ودائماً (21 أيلول/سبتمبر 2010) :أعمال الكرسيّ الرسوليّ 102 (2010)، ص. 791.
[80] راجع المقترح 17.
[81] راجع المقترح 34.
[82] راجع بندكتُس السّادس عشر، الرسالة العامة المحبة في الحقيقة (25 كانون الأول/ديسمبر 2005)، فقرة 31: أعمال الكرسيّ الرسوليّ 98 (2006)، ص. 243 – 245.
[83] راجع مجمع عقيدة الإيمان، مذكّرة عقائديّة حول بعض أوجه البشارة، (3 كانون الأوّل/ديسمبر 2007)، فقرة 12، ملحوظة حول الضَّمّ، أعمال الكرسيّ الرسوليّ 100 (2008)، ص. 502.
[84] راجع المقترح 32.
[85] راجع المقترح 30.
Discussion about this post