كتاب الإكرام الحقيقي للعذراء مريم
القديس لويس ماري غرينيون دي مونفورت
15- في علامات التكريم الباطل والحقيقي
نقدر أن نميّزَ بين المصلين سبعةَ نماذجَ يقومون بممارساتٍ باطلة، هكذا:
1) المنتقدون
2) الموسوسون
3) المتظاهرون خارجياً
4) المعتدّون بذواتهم
5) المتقلّبون
6) المراءون
7) أصحاب المصالح.
1- الملصون المنتقدون
هم عادةً علماءٌ متكبرون من ذوي النفوس القوية والمعتدية بذاتها، يتلون بعض الصلواتِ للعذراء القديسة، إلّا أنهم ينتقدون تقريباً كلَّ ممارسة لها يقوم بها الشعب المتواضعُ ببساطة وقداسة، لأنها لا تطيبُ لخيالهم.
إنهم يشكّون بكل الأعاجيب والحوادث المذكورة من رواةِ ثقةٍ، أو المستقاة من اخبار الرهبنات التي تتكلم عن مراحم وقدرة العذراء مريم. يرون بمضض الشعبَ البسيط المتواضع راكعاً أمام مذبح أو صورةٍ للعذراء الطوباوية، أحياناً في زاويةِ طريق، متضرّعين إلى الله، متهمين إيّاهم بالوثنية، كأنهم يعبدون الخشبَ أو الحجر، وقائلين إنهم لا يحبون هذه الممارسات الخارجية لأن نفوسَهم ليست ضعيفةً حتى تثقَ بمثل هذه القصصِ المنسوبة إلى أُمنا مريم.
وعندما تذكر لهم المدائحَ العجيبة التي يطرى عليها الآباءُ القديسون، يجيبون بأنهم فاهوا بها كخطباءَ مغالين، أو يعطون لتلك الأقوالِ شرحاً رديئاً. إنَّ هؤلاء المصلين غير الحقيقيين والأناس المتكبرين والعالميين يخيفون كثيراً، ويُسيئون جداً إلى العذراء الطوباوية، ويبعدون عنها الشعوب، بحجةِ أنهم يريدون القضاء على سوء استعمال.
2- المتعبدون الوسواسيون
هم أولئك الذين يخافون إهانة الإبن عند تكريمِهم الأم. وأن يحطّوا من قدر الواحد بتعظيمهم لآخر. لا يتحملون أن تُعطى العذراء مريم المدائحَ التي قدَّمها لها الآباء القديسون. يتبرمون من رؤية الناس راكعين امام مذبحها أكثر ممّا امام القربان الأقدس، كما لو كان الواحدُ مخالفاً للثاني. كأنَّ الذين يصلون امامها، لا يبتهلون بواسطتها إلى ابنها يسوع. إنهم لا يحبون أن يُحكى عنها بتواتر، وأن يلتجئوا إليها غالباً.
هاكُم بعض أقوالِهم المعتادة: لِمَ كل المسابح والأخويات والإكرامات الخارجية لمريم؟ أليس هذا ناجم عن جهل؟ إننا، يواصلون، نجعل بهذا ديانتنا سخرية. كلمونا عن المتعبدين ليسوع المسيح، ولنلتجئ إليه لأنه وسيطُنا الأوحد، لنكرزَ به، فهو الجوهري.
إنَّ ما يقولونه هو الصواب من جهة، ولكن نظراً إلى المقارنة التي يعملونها لمنعِ إكرام مريم، فإنه خطرٌ جداً، شَرَكٌ دقيقٌ نصبَه الخبيث بحجةِ خيرٍ أعظم. بالحقيقة، إننا لا نحترم أبداً يسوع المسيح أكثر، إلّا عندما نحترمُ أكثر أُمّه، لأن احترامنا لها، ما هو إلّا لكي نحترمه هو أزيَد، وذَهابَنا اليها، هو كما الى الطريق الموصل الى هدفنا يسوع.
إنَّ الكنيسةَ المقدسة، بوحي من الروح القدس تُباركُ مريم قبل ابنِها يسوع، فتقول: «مباركة أنت في النساء، ومبارك ثمرة بطنك يسوع»، ليس لأنَّ مريم هي أسمى من يسوع، أو لأنها معادلة له، وقانا الله من هرطقةٍ لا يُمكن تحملها، ولكن لكي نباركَ يسوع بنوع اكمل علينا أن نباركَ أولاً مريم. وهكذا نقول بثقة مع كل المصلين الحقيقيين للعذراء القديسة، دون خوفٍ أو وسواس، مباركة انت في النساء، ومبارك ثمرةُ بطنِك يسوع.
3- المصلون الظاهريون
إنّ المصلين الظاهريين هم الذين يتوقف تكريمُهم للعذراء مريم على ممارساتٍ خارجية لا غير. فلا يتذَّوقون من إكرامهم لها إلّا الظواهرَ، ولا عجب، فالروحُ الباطني بَراءٌ منهم. تراهم يتلون سبحاتٍ كثيرة بسرعة، ويسمعون قداديسَ بلا انتباه، ويذهبون إلى التطواف بدون ورع، وينتمون إلى كل الأخويات، ولكن دون إصلاحِ سيرتهم، أو قَمعِ أهوائهم. وبدون الاقتداء بفضائلِ مريم المباركة، لا يحبون إلّا ما هو شعوري من الإكرام، غيرَ متذوقين الجوهري الأساس، ولا يشعرون بلذةٍ في ممارساتهم، يَخالُ لهم أنهم لا يعملون شيئاً، فيضطربون، ويهملون كل شيء ويمارسون إكرامَهم بلا نظام.
إنَّ العالَم مملوء من مثل هؤلاء المصلين الظاهريين، أمَّا المصلون المواظبون على الأمور الباطنية، فإنهم يفحصونها بدقة، ولهذا يعتبرونها جوهرية، دونَ احتقارِ الاحتشامِ الخارجي المرافق دوماً للإكرام الحقيقي.
4- المصلون المعتدون بذواتهم
هؤلاء هم خطأة يُرخون العنانَ لأهوائهم الفاسدة، ويحبون العالم، يُخفون تحت اسم المسيحي، الجميل، أو المصلي لمريم الطوباوية، كبرياءَهم أو بخلَهم، عهارتَهم أو سكرَهم، غضبَهم أو حلفانَهم، نميمتهم أو ظلمهم، فيلازمون عاداتِهم الذميمة، دون أن يُغصبوا ذاتَهم كثيراً أو يُصلحوها، مُطمئنين أنفسهم بأن الله يغفر لهم فلا يموتون دون اعتراف لأنهم يكرّمون العذراء القديسة، ولا يُهملون سبحتَهم، أو أنهم يصومون يوم السبت، أو لأنهم ينتمون إلى أخوية الوردية، أو لأنهم لابسون ثوبَ الكرمل، ومسجلون بإحدى أخوياتها أو يحملون على ذاتهم، ثوب العذراء، أو السلسلة الصغيرة للعذراء وما شاكل ذلك.
فإذا قيل لهم بأنَّ ممارستَهم هي خدعةٌ شيطانية، وادعاءٌ خطر بوسعه أن يؤديَ بهم إلى الهلاك، لا يصدقون ذلك، قائلين بأنَّ الله صالح رحوم، لم يَخلقنا لكي يهلكَنا، لأنه لا يوجد إنسان لا يُخطئ. فيؤملون الاعتراف قبل مماتهم، أو أنه يكفيهم أن يقولوا في ساعة الموت، «أخطأت»، لا بل يدَّعون أنهم يكرّمون العذراء القديسة، إذ يصلون يومياً بأمانة وتواضع سبعَ مراتٍ أبانا والسلام لك، إكراماً لها، كما يتلون أحياناً سبحتَها وفرضها، ويصومون إكراما لها والخ ويؤيدون قولَهم بسردِ رواياتٍ سمعوها أو قرأوها في كتبٍ حقيقية أو مزوَّرة، لا يهمهم، عن أناسٍ ماتوا في الخطيئة المميتة، وبدون اعتراف، ونظراً إلى بعض الصلوات التي كانوا يصلونها، أو ممارساتٍ تقوية يقومون بها أكراماً لها، قاموا في جسدهم عجائبياً واعترفوا وتابوا في ساعة موتهم، توبةً حقيقية ونالوا مغفرةَ خطاياهم، فخَلصوا. ويأملون هم أيضاً الحصولَ على هذه الامتيازات التي حصلَ عليها أُولئك.
لا شيءَ في المسيحية أتعس من هذا الادعاء الشيطاني، لأنه هل يجوز القول عن أحد حقاً أنه يحبّ مريم ويكرهها، عندما يجرح بخطاياه ويثقب ويصلب ويهين بلا شفقة، إبنَها يسوع المسيح؟ لو كانت مريم تساعد بشفقتها أُناساً كهؤلاء، لكانت تسمحُ بارتكاب الموبقات وتوازر صالبي ومهيني إبنها، فهل يتجاسر أحدٌ على الافتكار بذلك؟
أقول إن من يسيء استعمالَ إكرام مريم بهذا النوع، هذا الاكرام الذي هو أقدسُ وأسمى بعد العبادة لربنا في سر القربان الأقدس، فإنه يرتكبُ نِفاقاً فظيعاً، هو أعظم نفاق بعد تناولِ القربان بدون استحقاق.
أُصرّحُ بأنه لكي يُكرمَ المرءُ الأُمَّ الطوباويةَ، ليس من الضروري مطلقاً بأن يكونَ قديساً حتى أنه يُحيد عن كل خطيئة، ولو أنَّ ذلك مرغوب فيه كثيراً، بيد أنه يجب أن يكون أقلَّه:
1- قاصداً بإخلاص أن يَحيدَ عن كل خطيئة مميتة، تهينُ الأمَّ كما تهين الإبن أيضاً.
2- أن يَغصُبَ ذاته لتجنب الخطيئة.
3- أن ينتمي إلى الأخويات ويتلو السبحة أو الوردية بكاملها، او صلواتٍ أخرى ويصوم على شرفها وما شاكلَ ذلك من الإكرام.
هذه هي نافعة جداً لارتداد الخاطئ ولو كان قاسيَ القلب، فإذا القارئ منزلقٌ في الهاوية فإني انصحه بأن لا يمارسَ بعد هذه الأعمال إلّا مع النية بأن ينالَ من الله بشفاعة الأم القديسة، نعمةَ التوبة ومغفرةَ خطاياه، وأن يغلُبَ عاداتِه الرديئة، وليس ليبقى جامداً بهدوء وسكينة في حالةِ الخطيئة، ضدَّ توبيخِ ضميرهِ متحدياً يسوع والقديسين والمشوراتِ الانجيلية.
5- المصلون المتقلّبون
هم أُولئك الذين يكرمون العذراءَ القديسة حسب الظروف والشعور. فتراهم احياناً حارّين وطورّا فاترين. يُظهرون مرة مستعدين لعمل كلِ شيء لخدمتها، وبعده بقليل، كأنهم ليسوا هم ذاتَهم. يعتنقون أولاً كل الممارسات للعذراء الطوباوية، فينتمون إلى أخوياتها، ثم لا يمارسون أبداً قوانينَها بأمانة، إنهم يتقلّبون كالقمر (يشوع 12:27) فتضعهم مريم تحت قدميها، مع القمر، لأنهم متقلّبون وغيرُ أهلٍ ليُحسَبوا بين خدامها الأمينين الثابتين. إنه لأفضلُ بأن لا يحمل المرءُ نفسَه عبء صلواتٍ وممارساتٍ كثيرة، بل ان يمارسَ القليلَ منها بمحبة وأمانة، رغمَ العالم والشيطان والجسد.
6- المصلون المراءون
هؤلاء هم كذبةُ يخفون خطاياهم وعاداتِهم الذميمة تحت كنفِ العذراء القديسة، ليراهم الناسُ أحسن ممّا هم عليه.
7- المصلون ذوو المصالح
يلتجئ هؤلاء إلى العذراء الطوباوية ليحصلوا مرافعةً في المحاكم، أو يتجنبوا خطراً، أو لنيل شفاءٍ من مرض، أو لحاجةٍ ما. لولا هذه، لكانوا ينسونها، فسواء هؤلاء او الذين سبقوا، يكرمونها كَذِباً، وليسوا أهلاً للوقوف أمام الله أو أُمه المباركة.
إذن لنحترسَ من المصلّين المنتقدين الذين لا يؤمنون بشيء وينتقدون كل شيء، من أصحاب الوسواس، الذين يخافون من المبالغة في إكرامهم لمريم، إحتراماً لابنها، ومن الظاهريين الذين يعتمدون على الممارسات الخارجية فقط، ومن المتكبرين الذين يتذرّعون بإكرامهم لها ليستمروا بخطاياهم، ومن المتقلبين، الذين بسبب خفتهم يغيّرون ممارساتِهم، أو يتركونها تماماً لأصغر تجربةٍ، ومن المرائين الذين ينتمون إلى أخوياتها ويحملون شاراتِها، ليظُنَّ الناسُ أنهم صالحون، وأخيراً من النفعيين الذين يلتجئون إليها للتخلص من الشرور الجسدية أو الحصول على الخيور الزمنية.
No Result
View All Result
Discussion about this post