المرحلة الآولى: قبل الإقامة في كنعان: الآباء
يُقدم لنا سفر التكوين من الفصل 12-50، تاريخ ثلاثة قبائل كبيرة وكل قبيلة مسماة على اسم سلف، وهؤلاء الأسلاف هم الآباء: إبراهيم وإسحق ويعقوب. بالحقيقة إنّ تكوين 12-50 يتكلم عن كل مجموعة من هذه القبائل بقصص تاريخية مختلفة ومميزة، فكل قبيلة لها تاريخها الخاص بها:
قبيلة إبراهيم:
هم رحّل جاؤوا من مدينة أور إلى حرّان (على الفرات) فأرض كنعان في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر قبل الميلاد. يُعتقد بأنهم سكنوا في جنوب فلسطين في بلوطة ممرا وحبرون: تك12/1-5 وَ 13/14-15.
في كل اختيار، هناك انتقال من مكان إلى مكان، ومن حالة إلى حالة، فعملية الإختيار مهمة جداً في كل قرار نأخذه مع الرب، الإنتقال من الماضي إلى مستقبل غير معروف.
عند وصول إبراهيم وعشيرته إلى أرض كنعان، كان الكنعانيون يعبدون آلهة متعددة وكأنّ عندهم ما يُسمى بإله الآلهة وهو الإله إيل، وهذا الإله كان يُعبد في “شجرة بلوطة ممرا” أو في مجرى مياه “بئر سبع” أو على “التلة” مكان تقدمة إبراهيم للذبيحة.
تعرَّف إبراهيم على الله بطريقة تدريجية أي أنه اكتشف الله شيئاً فشيئاً، ولأجل ذلك عندما وصل إبراهيم إلى كنعان وعرف فكرة إله الآلهة تبنى هذه الفكرة.
هذا الإله إيل سيتحول فيما بعد إلى إله الآباء والأجداد، وهذا معناه أنّ المعرفة الإيمانية ستتم بصورة تدريجية، فنحن نطلب المعرفة من الله، لكنّ الله هو الذي يكشف ذاته لنا، فمعرفتنا بالله لن تتم إلا عندما نذوب كلياً في الله ولن نتعرف عليه كلياً إلا عندما نلقاه وجهاً لوجه. فبقدر ما نعطي الرب من ذواتنا يعطينا الرب من ذاته…
الشيء الأكيد من القصص التي تُخبِر عن ابراهيم في الكتاب المقدس إنها إعادة قراءة للأحداث في العهد الملوكي. فنحن لا نعرف كيف عاش إبراهيم تاريخياً ولكن في وقت الملوك، أي في وقت كتابة النصوص كُتبت كل الأخبار عن ابراهيم، أي كُتبت على ضوء ما يحدث في عهد الملوك، أي هي إعادة قراءة في عهد الملوك على قصص إبراهيم.
قبيلة إسحق:
هي قبيلة عاشت في بئر سبع حسب تكوين 26/23-26. وفي هذا المكان، كان الكنعانيون يعبدون الإله إيل، الإله الإله: تك 21/33. وسكنوا في منطقة جرار. ويُخبر الكتاب المقدس أنّ إسحق تزوج من رفقا إبنة عمه ناحور وكان له منها ولدين: عيسو ويعقوب.
قبيلة يعقوب:
لقد سكنت عشيرة يعقوب حسب الكتاب المقدس في عدة مناطق:
– في بيت إيل: تك 35/1-15.
– في شكيم: تك 33/18-20.
– في محنائيم: تك 32/2-3.
– في فنوئيل: تك 32/23-33.
يمكننا أن نعتبر أنّ قصص يعقوب هي الأكثر أهمية والأكثر تعقيداً بين القبائل الثلاثة. بركة إسحق ليعقوب: تك27: هذه القصة هي قصة تفسيرية، أي يجب أن نفهم أنّ هذه القصة ليست بين أخين هما عيسو ويعقوب فقط بل هي بين شعبين. ويريد كاتب القصة أن يُفهمنا التوتر القائم بين بني أدوم (الأدوميون) وجدهم عيسو، وبين بني إسرائيل وجدهم يعقوب. فالقصة بين يعقوب وعيسو كُتبت ليبرر الكاتب سيطرة إسرائيل في أيام داود على الأدوميين، فهذا النص كُتب بهدف تربية إيمانية للشعب.
وأخيراً، يمكننا أن نستخلص أنّ ما هو أكيد أنّ الشعب الإسرائيلي وُجِدَ كجماعات في أرض كنعان حوالي سنة 1220 ق.م، وهذا الأمر المثبَّت تاريخياً عرفناه من مسلّة مرنفتاح، هذه المسلّة التي تعود لملك إسمه مرنفتاح مذكور عليها أنّ مرنفتاح هجم واندثرت إسرائيل أمامه. ومن بعض ما تقوله لنا هذه الكتابة المسمارية أنّ انسحبوا وهم يُعلنون السلام، بين المناطق التسع ولا منطقة نمت بأسرها، ليبيا دُمرت؛ بلاد الحثيين في سلام؛ كنعان أخذوا منها كل شيء؛ أثترون هُجرت؛ نيرام احتُلت؛ إسرائيل إندثرت ولم يبق منها ولا ذرة… وكل البلدان أصبحت بسلام.
السرد القصصي الرابع في الكتاب المقدس هو قصة يوسف، ويمكننا أن نقول أنّ هذا السرد المتعلق بيوسف هو الفن الأدبي القصصي بامتياز أي أنّ هذا النص هو من أجمل ما كُتب بطريقة قصصية.
نحن نعرف أنّ هذه القصة هي مجموعة كبيرة من الأساطير جُمِعَت لتبرهن أنّ وجود إسرائيل في مصر، وفي هذه النصوص (الأساطير) نرى أنّ بعض الكتّاب أبدعوا في إدخال القصص التاريخية بأساطير معينة وهذا الإبداع في إدخال القصص التاريخية على الأساطير هو في الحقيقة:
1- لتأوين الخلاص: إله الآباء يرافق شعبه في كل تطوره وهذا الإله هو الذي سيتجسد فيما بعد.
2- لشرح ما يحدث في الحاضر.
3- ليحذِّر الكاتب مما سيجري في المستقبل.
مثلاً: حلم فرعون والسياسة التي اتبعها لتخزين القمح هي نفس السياسة التي اتبعها سليمان في فترة حكمه. فكأنّ الكاتب يقول إنه هكذا فعل فرعون في الماضي في أيام يوسف وهو يحذِّر حكام المستقبل لما يجب أن يفعلوه. فالكاتب في ذلك يبرر عمل سليمان.
إختصار المرحلة الآولى: “قبل الإقامة في كنعان”
1- هناك قصص عديدة سببية (أي هناك سبب لكتابتها) هي نصوص تفسيرية أي هي نصوص تشرح سبب وجود قصة، تقليد، هي نصوص تفسِّر اسم منطقة معينة أو تفسِّر عادة شعبية أو طقس ديني أو أصل شعب معين.
2- يجب أن نعرف أنّ النصوص التاريخية كُتبت بإخراج معين أي بتجميل النص أي نصنع نصاً جميلاً يُحمَّل عناصر خارجة عن المألوف وذلك بهدف مزدوج: 1- هدف تربوي إيماني أي كرازي. 2- هدف طقسي ليتورجي أي أنّ النص كُتب لنستطيع أن نصليه.
الخلاصة:
إسرائيل وُجدت في كنعان وهذا أمر نحن أكيدون منه لأنّ الكتاب المقدس يقول ذلك، وهناك اكتشافات تُثبت ذلك، والأهم هو أنّ التاريخ لم يُكتب بهدف تاريخي وحسب، بل كُتب بهدف إيماني.
الإقامة في مصر:
خروج 1-18
عدد 10/11-20/13
نلاحظ أنّ موسى هو الشخصية الأساسية في سفر الخروج لا بل في العهد القديم أيضاً.
وجود إسرائيل في مصر أمر مؤكد ومبين تاريخياً، لكنّ السؤال المطروح هو التالي:
“كيف وجدت إسرائيل، ولماذا وجدت إسرائيل في مصر؟”.
الجواب: هناك أسباب عدة نوجز أهمها:
1- الجوع: حسب ما يقول لنا الكتاب المقدس.
2- التهجير في الحرب، الغزو خاصة مه الهكسوس قبل الجيل الثامن عشر ق.م.
3- سجناء حرب إنتصر فيها الفراعنة.
4- عبيد لبناء المدن الخزن (لتخزين الحبوب) كما يخبرنا سفر الخروج.
5- وجدت إسرائيل بحريتها من أجل التجارة.
إذاً، لا نستطيع أن نجزم نهائياً الأسباب التي أدت لوجود إسرائيل في مصر، ولا نسستطيع أن نعرف خاصة في أي زمن وُجِدَ الإسرائيليون في مصر. والإعتقاد السائد هو أنّ هناك عدة دخولات في أزمنة مختلفة وفي أوقات مختلفة.
أما مكان إقامتهم في مصر، فإنّ المصادر غير البيبلية تخبرنا أنّ الإسرائيليين وجدوا في منطقة غوشن على الحدود الشرقية لدلتا النيل خاصة في مدن خزن وفيتوم ورعسيس (خروج 1/18). هذه هي المعلومة الوحيدة من مصادر غير بيبلية وهناك صمت مطلق على باقي التاريخ.
أما عن وضعهم المعيشي، فقد تميَّز هذا الوجود الإسرائيلي بعلاقات متوترة مع المصريين: “لا ننسى أنَّ الإسرائيليين هم شعب رُحَّل، رعاة، أما المصريون فهم شعب متحضِّر، سَكَنَ المدن”(تك 46/34). ومن جرَّاء هذا التوتر القائم والعبودية، كان هناك صراخ دائم للرب.
الخروج:
هو حدث مؤسِس، فقد أسَّس إنطلاقة جديدة لأرض إسرائيل، أسَّس شعب كان عبارة عن خليط من الشعوب، ونحن لا نستطيع أن نفهم شيئاً من حياة شعب الله إن لم نطلِّع على الخروج كحدث مؤسِس لشعب الله.
في الخروج:
1- تأسَس الشعب، الخليط أصبح شعباً.
2- عَرَفَ الشعب المؤسسات والطقوس التي ستنظم حياته.
3- إجتمع الشعب تحت رايةٍ واحدة هي راية موسى.
4- عمل الله أوضع عهداً مع هذا الشعب.
إذاً، فالخروج هو مؤسِس الشعب من الناحية الإجتماعية، من الناحية التنظيمية، من الناحية الدينية على الأخص.
تبقى شخصية موسى بدون شك هي الشخصية الأبرز في حدث الخروج، ولذلك سنتوقف عليها.
موسى:
يُخبِرنا الكتاب المقدس أنَّ موسى هو من أصل يهودي، إنتشلته إبنة فرعون من المياه وأخذته إلى قصرها وتربى عندها.
لإسم موسى معنيان:
معنى عبري: الذي انتُشِلَ من المياه.
معنى مصري: حامل الله، أي أنَّ الله خلق حامل هذا الإسم.
إذاً، موسى هو ثقافتان، ذو شخصيتين ثقافيتين:
الأولى: التربية الوثنية.
الثانية: التربية اليهودية.
تأتي أهمية موسى من أنه استطاع أن يجمع بشخصه ثقافتين مختلفتين.
{يسوع هو موسى الجديد، جمع بشخصه بين الشخصيتين الثقافية المادية والإلهية. ولكن يبقى الفرق بين موسى ويسوع هو : أنَّ موسى أخرج شعبه من العبودية ولكنه لم يستطع أن يُدخِلهم إلى أرض الميعاد. أما يسوع فقد أخرجنا من حال الخطيئة وعبوديتها ودخل أمامنا إلى أرض النعمة}.
هذا السر القصصي عند موسى يلتقي بسرد قصصي آخر، هو أسطورة سرغون: عاش في القرن الثالث قبل الميلاد. تقول الأسطورة:
{أنا سرغون، ملك اكاد القوي، كانت أمي فقيرة، أما أبي فلم أعرفه، أما بلدتي فهي الموجودة على ضفاف نهر الفرات، حَبِلَت بي أمي وولدتني في الخفاء، ووضعتني في سلة من القصب مطلية بالإسفلت ورمتني بالماء، لكنَّ الماء لم تغمرني}.
هذه القصة موجودة بحضارة البابليين أخذها الكاتب من فكرة تاريخية وكتبها حتى يُعطي السبب الأساسي لخروج الشعب الإسرائيلي من مصر، وهو وحي إلهي، فالله هو الذي اعتنى بموسى منذ البداية ولأجل ذلك على الشعب ألا يخاف. وهذه القصة حمَّلها الكاتب أساطير لكي نعتبرها قصة حقيقية.
بكل الأحوال نستطيع القول بأنَّ موسى قد يكون ترّبى في البلاط الفرعوني على أصول الحكمة المصرية، إكتسب ما تعطيه الحضارة والثقافة والحكمة المصرية، ولكن يجب أن نكون حذرين من شخصيته التاريخية التي تعرضها البيبليا لنا. فنحن لا نستطيع أن نعرض قصة موسى من وراء الكتاب المقدس، لأنه بعملية كتابة النصوص السببية صنع الشعب من موسى نبياً، مخلِّصاً، قائداً عسكرياً، حتى إنه صنع منه كاتباً للتوراة. {الوعي البيبلي بدأ عندما بدأ علماء اللاهوت والكتاب المقدس بطرح أنَّ موسى ليس كاتب التوراة، ومنذ ذلك الوقت بدأت تتجه الإكتشافات والأبحاث إلى عالم اليوم. ولولا ذلك لبقينا نعتبر أنَّ موسى هو كاتب التوراة. فليس من المعقول أن يكون هناك شخص واحد يكتب الأخبار وهذه الأخبار تناقض بعضها البعض. فمشكلة موسى بدأت من سنة 1500-1600 وبعد ذلك بدأ الوعي والتطور الفكري}.
إذا اعتبرنا أنَّ إبراهيم هو جدّ السلالة، جدّ العرق اليهودي، فإنَّ موسى هو أبو الأمة. والكتاب المقدس يخبرنا بمرحلة أخرى أنه لأنَّ موسى وقف بجانب شعبه إضطر لأن يهرب. فالمرحلة الثانية من حياة موسى هي الهروب:
هروب موسى يشبه هروب العديد من الشخصيات الموجودة في الديانات الأخرى {كقصة الملك سنيويه: كان هذا الملك قائماً بأعمال الملك المصري، واكتشف العلماء 330 سطراً على أوراق البردى، يخبر فيه قصته، كيف هرب من وجه الأشخاص الذين سيقتلوه ويذهب إلى قبيلة تستقبله ويتزوج من بناتها}.
فبعد هروب موسى، نجد أنه التجأ إلى قبيلة مدين: قبائل رُحَّل عاشت في الشرق والجنوب من فلسطين. (خروج 12/15 ، خروج 2/18 ، خروج 3/1 ، قضاة 1/16).
نرى أنَّ موسى سكن في:
- مدين.
- عموئيل.
- تيرو.
ومع هروب موسى يلتقي بالرب في العليقة المحترقة أو الملتهبة (خروج 3/1-15). ويتسلم منه مهمة تحرير إسرائيل من العبودية، وبالعودة إلى مصر يعطي الرب موسى تسع علامات لفرعون وعندما لا يستجيب فرعون يعطيه الضربة الوحيدة.
الرب لم يعطِ لفرعون عشر ضربات بل أعطى تسع علامات ليقول له أنظر وانتبه. هذه القصص (العلامات – الضربات) تخلق عدة تقاليد أدبية مما يعطي هذه الفصول غنىً كتابياً لعيش الأعياد والطقوس والليتورجيا، خاصة بعد أن تحوّل الشعب من شعب رُحَّل إلى شعب حضاري سكن في المدن وأصبح له هيكل، وأصبح للهيكل مركزية يُستَغنى من خلال هذا الهيكل عن كل الهياكل والمجامع الأخرى.
قضية الأعياد في سفر الخروج:
كان هناك أعياد يعيِّدها الشعب اليهودي وهي في أغلب الأحيان أعياد زراعية، لذلك أراد الكاتب أن يدخل بعض التاريخ في هذه الأعياد حتى تصبح أكثر تجذراً في حياة الشعب.
عيد الفصح: خروج 12/1-14
هو عيد أُعيدت قراءته على ضوء تدّخُل الله في شعبه في ليلة الخروج. وهذا العيد هو من أعياد الرعاة: الأعياد الرعوية. أما قصة الدم الذي كان يُرَّش على الأعتاب فهي عادة قديمة جداً تعني أمراً واحداً هو أنه ومع عيش الإنسان في الصحراء يجب أن يَدهَن الخيام بالدم لكي يُبعد عنها الأرواح الشريرة. فالكاتب حوّل هذا العيد من عيد رعائي إلى لقاء مع الرب. فالله يستفيد من أوقاتنا الزمنية حتى يتدخل ويحوِّل هذا العيد إلى لقاء بينه وبيننا.
عيد الفطير: خروج 12/15-30
هو عيد زراعي يُحتفل به في بداية الحصاد، فقد كان الشعب يأخذون القمح الجديد ويصنعون منه خبزاً جديداً ويقدمونه بدلاً من القديم خوفاً على الجديد من أن يُنزع. أصبح هذا العيد فيما بعد في المجامع وفي الهيكل هو عيد لتذكُر هروب إسرائيل من مصر.
عيد تقديس البكر: خروج 13/1-2
أصبح عيداً يتذكر فيه الشعب كيف أنَّ الله أخرجه ولم يسمح بأن يموت أبكاره بل أبكار المصريين. والجميل بهذا النص هو قول الرب: تذَكر وما عليك سوى أن تذكر أولادك. فالعيد هو تذكُر خلاص الله لشعبه. فرحمة الله كبيرة بتجنب أبناء إبراهيم من الموت.
خلاصة:
شخص موسى يجمع بين عدة تقاليد. فالقاسم المشترك لكل التقاليد الشفهية هو موسى، والقاسم المشترك من الناحية التاريخية ومن الناحية الكتابية هو الهم الليتورجي والطقسي الذي سنعيشه من خلال قراءة النص.
التشرُّد في الصحراء:
من الصعب تحديد الطريق التي سلكها الإسرائيليون عند خروجهم من مصر. والكتاب المقدس يعطينا على الأقل ثلاث طرق، ولكن ما هو الأكيد هو أنَّ اليهود ذهبوا من دلتا النيل من المنطقة القريبة من عاصمة رعمسيس الثاني ووصلوا إلى قادش حيث هناك نبع ماء بين هذين الموقعين.
يمكننا أن نعتبر أنَّ الإنطلاق من مصر كان إما خروج هروب أو خروج طرد أما الخروج الثالث فهو اغتنام شعب إسرائيل لهجومات الفلسطينيين حتى يهرب ( تثنية الإشتراع 2/23). فالطرق عديدة لكن لا يوجد أي دقة جغرافية، ولا يوجد هدف تاريخي.
إذاً، الهدف هو هدف روحي. والهدف الروحي هو أنَّ الشعب تخلَّصَ من العبودية بواسطة الله.
الإقامة في سيناء:
حسب الكتاب المقدس أقام شعب إسرائيل أربعين سنة في الصحراء، وقد تميَّزت هذه الفترة باشمئزاز الشعب الدائم ضد موسى وهارون. والسؤال المطروح هو أننا لا نعرف بالتأكيد الفترة التي قضاها الشعب في الصحراء، فلاهوتياً الصحراء هي المكان الذي يعيش فيه الشخص بحالة تأهب دائمة، في حالة مسير دائمة، لا يوجد في الصحراء مكاناً للراحة والرقود، فالصحراء واسعة وكبيرة تفتح أمام الشعب الطرقات. ولأجل ذلك يجب أن يعود الشعب ويعيش حالته الدينية، فالصحراء هي نقطة الصفر، نقطة الإنطلاق من جديد، ولأجل ذلك كان الشعب عندما يخطأ كان يأتي النبي وينبهه بقوله له أن يتذكر التجربة وكيف قضى أربعين سنة في الصحراء في قلق دائم.
الصحراء بالنسبة للمسيحي هي حالة أكثر من أنها وجود جغرافي، هي حالة من العودة إلى الذات، إلى البدايات. ففي الصحراء يخاطب الله قلبنا (هوشع 2/16).
الصحراء مهمة لشعب إسرائيل حتى يستطيع روحنة العلاقة مع الله، والله لم ينجح مع شعبه، بمعنى أنَّ الشعب لم يكن أميناً لله (الشعب كان يتذمر ضد موسى وهارون).
إنَّ النصوص في هذه الفصول متعددة المصادر، فهي مجموعة قوانين ذات تقاليد مختلفة، منها تقاليد تعود إلى زمن الآباء، ومنها قوانين تعود إلى الحضارات المختلفة أو إلى زمن السبي إلى بابل.
هناك صعوبة كبيرة في تحديد مكان إقامة إسرائيل في سيناء، لأن هناك عدة جبال يتحدث عنها الكتاب المقدس: حوريب، سيناء. إذاً، هناك تقاليد كثيرة، لكنَّ المهم هو أنَّ إسرائيل أخذ في سيناء الشريعة، وعالم الشرائع هو عالم آخر (خروج 20) يربط شريعة حفظ السبت باستراحة الرب يوم السبت.
حسب تثنية الإشتراع 5 يربطها بالتحرير من مصر.
إذاً، هناك تاريخ طويل حتى وصلت هذه الشرائع إلينا على ما هي الآن. وطبعاً هناك شرائع الشعوب المجاورة (خروج 21/28-32).
{شريعة حمورابي: إذا نطح ثور هائج رجلاً وقتله فإنَّ صاحب الثور بريئ، أما إذا نطح ثور رجلاً لمرات متتالية ولم يقطع له صاحبه قرونه وقتل ذلك الرجل فإنه أي صاحب الثور يدفع نصف مثقال من الفضة}
المهم هو أنَّ الشريعة الموسوية وضعت أسس واحدة لشعب الله، الشعب أصبح واحداً لأنَّ له شريعة واحدة. من هنا يجب على كل إسرائيلي أن يعترف بهذه الشريعة، وكل من لا يعترف بهذه الشريعة فهو ليس بإسرائيلي، بيهودي. هذه الشريعة ستحوِّل خليط الشعب الخارج من مصر إلى شعب موَحَّد بقيادة رجل واحد هو موسى، يصبح هذا الشعب منظماً قادراً على مجابهة مخاطر الصحراء.
نستطيع القول: إنَّ موسى أعطى الشعب الوجدان الوطني، فموسى أوجد عند الشعب الإحساس بأهمية أن يكون عنده وطن، له أرض يستقر فيها، وذلك من خلال إعطاء هذا الشعب الشريعة التي تنظم المجتمع المدني والطقوس الليتورجية التي تنظم المجتمع وتقوِّي الإنتماء الديني.
إحتلال منطقة عبر الأردن: عدد 20/14 ، تثنية الإشتراع 34
عند الخروج من مصر كان الطريق الأسهل هو الدخول مباشرة عبر البحر الميت ونهر الأردن ولكن في أدوم حدثت عدة مشاكل منها: أنَّ ملك أدوم كان قد منع الشعب أن يسير في الحقول ويأكل من أراضي مملكته لذلك كان من الضروري المرور والمجيء إلى منطقة عبر الأردن، وكان لا بدّ للمرور في هذه الطريق بسبب عدة معارك حدثت في هذه المنطقة.
إذاً، طريق الأرض الموعود بها مقفلة بوجه إسرائيل وذلك بسبب رفض ملك أدوم وكان للشعب أن يتلافى المعركة مع الأدوميين ويتجهوا جنوب منطقة عبر الاردن وهذا الأمر كان يتطلب جهداً خاصاً وحروباً خاصة مع سيخون الأموري وملك باشان وكان هناك حروب مع مدين.
وبعد ذلك يصل الإسرائيليون إلى عبر الأردن ويتقاسم منطقة عبر الأردن قبيلتان:
– قبيلة رأوبين.
– قبيلة جاد.
Discussion about this post