المرحلة الثانية:من الإقامة في كنعان
إلى تأسيس أمة حتى السبي إلى بابل:
إنَّ الأحداث التي سندرسها نراها بعدة أسفار: يشوع – سفر القضاة – صموئيل الأول والثاني – ملوك الأول والثاني.
إنَّ الفصول الإثني عشر الأولى من سفر يشوع تخبرنا عن دخول الإسرائيليين إلى أرض كنعان، ويشوع مع ألعازر الكاهن هو الذي سيقرر الطريق الواجب سلوكه إلى أرض كنعان. وعند قراءتنا لسفر يشوع نلاحظ أنَّ هنالك ثلاث فتوحات:
– الفتح الأول هو وسط فلسطين.
– الفتح الثاني هو في الجنوب.
– الفتح الثالث هو في الشمال.
وسنركز دراستنا على فتح وسط فلسطين، فالكاتب البيبلي يتوقف مطوَّلاً على هذه القضية، وأكثر الفصول التي تتحدث عن هذا الأمر هي متصلة بأرض بنيامين وهيكل الجلجال. والسبب بهذا التركيز يعود إلى أنَّ النصوص كُتبت في بداية الملوك، وكان أول الملوك هو شاول البنياميني، ونعتقد أنَّ معبد الجلجال لعب دوراً مهماً في تاريخ الشعوب القادمة من مصر، مع أنه لا يوجد عندنا أي أثر أو اكتشاف للجلجال.
وقد تطهر الإسرائيليون من أدناس مصر قبل الدخول إلى إسرائيل وذلك بالختن، وهذا هو الإحتفال بالفصح الأول وذلك بمعبد الجلجال. وقد وضعت في هذا الهيكل إثنا عشر حجراً تذكارياً. والأنبياء سيرفضون هذا الهيكل بالقرون القادمة ولن يركزوا إلا على هيكل أورشليم.
بالجلجال سيتذكر الشعب خروجهم من مصر في البحر والذي يشابهه كثيراً مرورهم بنهر الأردن. ومن الصعب جداً أن نعمل نقاربة تاريخية للأحداث لأنها نصوص ضخمة من الناحية الليتورجية التي تُعاش في الهيكل (يشوع 3/14-17).
يشوع 4/7: فتكون هذه الحجارة ذِكراً لبني إسرائيل إلى الأبد. الحجارة الإثنا عشر في الجلجال.
يشوع 4/9 ، يشوع 6/25 ، يشوع 8/29 … “إلى هذا اليوم”
وكلمة إلى هذا اليوم، يريد الكاتب أن يشرحها بإرجاع الأمر إلى أحداث تاريخية قديمة، فالهدف من الكتابة ليس لكي نعرف كيف أُدخِلَ الشعب بل لنعرف كيف يعيش الكاتب والشعب هذه الأحداث في هذا اليوم.
سقوط أريحا: يشوع
إنَّ المقصود بكلمات أبواق، أواني… الواردة في هذا النص هو الطقس الليتورجي الموجود أيام الكاتب هو نفسه الذي كانوا يعيشونه في ذلك الوقت، أعطاه الكاتب محتوى تاريخي ووصف فيه سقوط أريحا. نحن نعلم أنَّ أريحا سقطت أقلَّه 200-300 سنة قبل وصول الشعب الإسرائيلي إليها. ولكن في سبيل أن نتكلم عن العلاقة المتينة بين عمل الله وعمل الإنسان، وأنَّ دخول الشعب إلى أرض الميعاد هو أمر يريده ويحققه الله. ولأجل ذلك نصوِّر الأمر وكأنه تدخل مباشر من الله.
إذاً، من الناحية الليتورجية، قصة أريحا مرتبطة بقصة الخلق الذي تمَّ بسبعة أيام. فعندما نريد أن ندخل إلى أرض الميعاد لا بدَّ من ولادة جديدة، من خلق جديد، ولأجل ذلك نرى أنه في الصحراء مات جيل بكامله على أيام موسى وهذا يعني أنَّ هناك جيل جديد سيُخلَق وسيمر في نهر الأردن وسيعتمد في هذا النهر قبل الوصول إلى أرض الميعاد.
ملاحظة:
كذلك الأمر بالنسبة لمدينة العي التي اندثرت سنة 2500 قبل الميلاد. ونلاحظ أنه بين سفر يشوع وسفر القضاة هناك تناقض كبير، فهناك نظريتين:
– نظرية يشوع التي تعتمد قوة الله على الإنتصار.
– نظرية القضاة تقول أنَّ الإنسان قادر على الإنتصار من خلال الحيلة ولذلك يصفون حروب اليهود بالعصابات والحيل التسللات.
كيف انقسمت الأراضي على الأسباط العائدة من مصر؟
ـ وسط فلسطين: أُعطي لبيت يوسف، بيت يوسف سينقسم فيما بعد إلى ثلاث مجموعات: أفرائيم ومِنسَّى وبنيامين. منسَّى وأفرائيم ليسوا أولاد يعقوب، ولكن أدخلوهم بأسباط إسرائيل لأنهم أولاد يوسف.
ـ في الجنوب: كان هناك يهوذا الذي احتوى سبط بني شمعون (يشوع 19/9) يشوع 14/3: لا ورث للاوي.
ـ في الشمال: الجليل قُسِّمَ إلى زبولون، إلى أشير، سبط عساكر، سبط نفتالي، أما سبط دان فهناك اتجاهان في نصوص الكتاب المقدس: أحدهما يقول أنَّ دان وُجِدَت قرب أورشليم، والآخر يقول أنَّ دان وُجِدَت في الشمال. ويبقى سبط رأوبين وسبط جاد فقد سكنوا في عبر الأردن.
التجمع في شكيم: يشوع 24
في المرحلة الأولى يخبر يشوع عن مرافقة الله لشعبه.
في المرحلة الثانية يقول لهم يجب أن تتخلوا عن الآلهة الوثنية وتعبدوا الإله الذي حرَّرنا من المصريين.
في المرحلة الثالثة يعلن الشعب إيمانه بالإله، وأعلنوا تجديد العهد ومع هذا العهد كان هناك فريضة أي كان هناك شرائع تساعد لعيش هذا العهد. والشيء الرائع أنه بذات الوقت مع إعلان يشوع تجديد العهد أنه يضع علامة لمقاضاة الناس الذين سيسيرون حسب شريعتهم الموسوية أم لا. فالشاهد هو العلامة التي ستحاكم الشعب على أمانته للعهد، فنلاحظ انه بصلب تجديد العهد أنَّ الحكم ينتظر الشعب.
لأول مرة في تاريخ شعب إسرائيل يتوحد الشعب تحت راية إله واحد (إذاً هناك وحدة دينية وليس وحدة سياسية). هناك توحيد طقسي ديني لبعض الشرائع. كل سبط يحافظ على إستقلاليته فيما يخص الأمور السياسية، ولا نفهم بهذا التوحيد مركزية دينية التي ستأتي مع الهيكل، إنما هذا التوحيد هو توحيد ديني إلهي. بقي في إسرائيل معابد عديدة للطقوس وفكرة إسرائيل الواحد لم يتحقق إلا بسليمان وبنائه لهيكل أورشليم، إنما تبقى وحدة إسرائيل بصفتها الدينية، كل الإسرائيليون يعترفون بإله واحد. الذين اجتمعوا في شكيم ليسوا كلهم إسرائيليون إنما الكاتب جمع كل الشعب بشعب إسرائيل. لن تتوحد إسرائيل من شمالها إلى جنوبها حتى في عهد الملوك والقضاة.
القضاة: سفر القضاة، 1صموئيل 7
إقامة إسرائيل في كنعان لا تعني أنَّ إسرائيل أصبحت موَّحدة. بالعكس يقول سفر القضاة 17/6: كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه. ستمتد فترة القضاة على 170 سنة تقريباً، فهي تبدأ سنة 1200 قبل الميلاد وتنتهي عند مجيء الملك شاول سنة 1030 قبل الميلاد. قبل الدخول في قراءة سفر القضاة يجب تمييز أطر التاريخ من الأطر اللاهوتية. بأغلب الأوقات يهدف الكاتب من خلال ما يكتب شرح أو سرد عمل ما وعمل واحد عن بطولية قام بها فرد سمي بالقاضي. وهناك نوعان من القضاة:
القضاة الصغار ـ القضاة الكبار
كان القاضي الصغير يهتم بأمور داخلية: إدارة سبط أو قبيلة.
بينما القضاة الكبار يقومون بحروب تحرير باسم الوحي أو بأمرة الله. ما نستطيع قوله أن القبائل بهذه الفترة فترة القضاة كانت بمشاكل داخلية مستمرة في ما بينها وهذا ما سيؤدي إلى إضعاف شعب إسرائيل بشكل كبير، وخاصة عند التهديدات الخارجية. وهذا الأمر سوف يُعد الطريق أمام الملوكية. إضعاف قبائل إسرائيل أمام التهديدات الخارجية سوف يُبين هشاشة النظام القضائي.
ليس هناك قضاة من الجنوب، كل القضاة هم من الوسط أو من الشمال وهذا الأمر سيُرينا مدى الصراع القائم بين الشمال والجنوب،إنما الكاتب أدخل شخص اسمه عتنائيل كقاضي وأعطاه الأصل الجنوبي حتى يقول إن النظام القضائي كان شاملاً. لكن وجود عتنائيل كان قبل فترة القضاة.
تزوج يعقوب من ليّا فأنجب: رأوبين، شمعون، لاوي، يهوذا، عساكر، زبولون.
تزوج يعقوب من راحيل فأنجب: بنيامين ويوسف.
تزوج يعقوب من زلفا خادمة ليّا فأنجب: جاد وأشير.
تزوج يعقوب من بيلة خادمة راحيل فأنجب: دان ونفتالي.
هؤلاء عشرة أسباط لإسرائيل، أُضيف عليهم أبناء يوسف أفرائيم ومنسى وهكذا صار عدد الأسباط إثنا عشر سبطاً.
رغم أن هناك إخراجاً للأحداث التاريخية يبقى أن في سفر القضاة صورة لاهوتية على الشكل التالي وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- إسرائيل لا يطيع الله.
2- الله يقاصص إسرائيل ويسلمه للأعداء.
3- إسرائيل يصرخ نحو الله الذي يسمع أنين شعبه ويرسل له مخلص.
نهاية:
لن ينجح سفر القضاة في إبعاد الخطر عن إسرائيل، لذلك كان لا بدّ من وجود مؤسسة أخرى تحكم شعب الله وهي المؤسسة الملوكية. بقيت مؤسسة القضاة مفيدة وذات نفع عندما كان الصراع يدور أو الخطر يأتي من القبائل المجاورة، إنما الأمور ستتغير عندما يأتي الخطر من الخارج ويصبح كبيراً ومهدِّداً بزوال إسرائيل كخطر الشعب الفلسطيني. من هنا كان لا بدّ من التفكير باستبدال القضاة وإيجاد قائد عسكري يوحِّد جميع قوى القبائل اليهودية ويستطيع بالتالي درء الخطر وحماية البلاد. هنا تبدأ فترة الملوكية التي تمتد من وصول شاول حوالي سنة 1030 إلى انقسام المملكة بعد موت سليمان أي حوالي سنة 931.
الملوكية:
اـ صموئيل وشاول البنياميني: من هم الفلسطينيون:
صموئيل يمسح شاول ملكاً على إسرائيل:
شاول: هو من بنيامين. أما عن وصوله إلى العرش الملكي فهناك كما نلاحظ عدة تقاليد. ولكن يبقى هناك ميزتين يتميز بهما وصول شاول إلى الحكم:
الميزة الأولى:
هي أهمية دور صموئيل في إعلان شاول ملكاً (1صمو 9-10). وهناك تياران في النظرة الملوكية، فالنظرة الاولى هي مع تأسيس الملوكية. يجب أن يكون عندنا ملك كباقي الشعوب من أجل توحيد شعب إسرائيل هذا الشعب المحتاج للوعي إلى أهمية المصير المشترك لكل الأسباط وهذا الأمر نراه في 1صمو 9-10 ، 16/11. والنظرة الثانية فيما يخص الملوكية في إسرائيل تقول أنَّ الله هو وحده الملك، لا ملك غير الله ونحن الشعب إختارنا الله أن نكون مميزين عن باقي الشعوب. إذاً، يجب أن لا نأتي بنظام سياسي كباقي الشعوب المجاورة وهذا الأمر نراه في 1صمو 8 ، 10/17-28.
في منتصف الفصل العاشر في صموئيل ينقل لنا تيارين أحدهما مع الملك والثاني ضد فكرة الملك، وفي النهاية إنتصرت فكرة التيار الملكي وصار لإسرائيل ملك عليها.
الميزة الثانية:
إختيار شاول تمَّ لأنَّ عند شاول إنتصارات عسكرية. إذاً عنده ما يتحلى به لكي يكون ملكاً خاصة الإنتصار الذي حققه في بابيش ضد العموريين. في الكتاب المقدس هناك ثلاث تقاليد لوصول شاول إلى العرش وكل تقليد يعطي سبب أو أساس معين حتى إذا جُمِعت التقاليد الثلاثة يكون عندنا ملكاً صحيحاً.
التقليد الأول:
نقرأه في قصة الأُتُن (جمع أتان) وتنصيب شاول (1صمو 9-10). شاول يُمسح ملكاً من صموئيل بطريقة سرية، فالله سمح بأن يكون شاول ملكاً.
التقليد الثاني:
نرى فيه أنَّ صموئيل مسح شاول كقائد أكثر منه كملك ولكن نحن نفهم أنَّ القيادة تعبِّر عن الملك.
التقليد الثالث:
معركة بابيش والتنصيب في الجلجال (1صمو 11). بعد هذه المعركة يُنصَّب شاول ملكاً في الجلجال.
في هذه التقاليد نُجمع: إختيار الله ودور الشعب وقدرة شاول العسكرية: هي ثلاثة أمور شرعية لكي نؤكد على شرعية الملك والملوكية.
ماذا كانت أعمال شاول؟
شاول قام بعدة انتصارات عسكرية في وقت حكمه على العمونيين في بابيش، كذلك على الفلسطينيين في الوسط في منطقة مكماس، وفي هذه المعركة يربح داود وكذلك انتصر على عماليق في منطقة الجنوب. أما الخطر الكبير فقد كان يأتي من الفلسطينيين لأنه ولو حقق انصاراً عليهم في مكماس إلاّ أن خطرهم لن يزول نهائياً بل كانوا يحاولون بصورة مستمرة غزو أراضي قبائل يهوذا وسيفشلون مرات عديدة إلى أن يُحقّقوا انتصارهم في معركة الجلبوع حيث يموت شاول وأولاده الثلاثة وكان هذا سنة 1010ق.م. يبقى لشاول ابن اسمه أشبعال (2صمو2) حيث سيكمل مسيرة والده وكان مدعوماً من قائد اسمه أغبير الذي أعلنه ملكاً ولكن في منطقة عبر الأردن وملكيّته ستدوم فقط سنتين حيث سيُقتل بسبب خلافات على السلطة. باختصار نقول: مع شاول انتقل الشعب من حالة انقسام في أسباط مبعثرة إلى نوع من الوحدة الضعيفة لتلك الأسباط لكي نستطيع مجابهة الأعداء. إذاً انتقلوا من مجموعة أسباط إلى ملوكية سياسية.
داود:
وُلد في بيت لحم سنة 1040 قبل الميلاد، وهناك أيضاً ثلاثة تقاليد لوصول داود إلى الحكم والملوكية:
التقليد الأول:
داود وجلعاد (1صمو 17) وانتصار داود على جلعاد. هذا نص لاهوتي لأنه في مكان آخر يخبرنا الكتاب المقدس أنَّ قاتل جلعاد هو حنون وهذا نص لاهوتي يريد أن يؤكد أنَّ إنتصار داود هو انتصار من الرب وبالتالي إختيار داود هو اختيار إلهي وبالتالي قدرته على محاربة جلعاد تُظهر أنَّ فيه ما يكفي من القدرات ليصبح ملكاً.
التقليد الثاني:
داود الموسيقار (1صمو 16/14-23) هذا النص يرينا أنَّ الملك إنسان مريض يحتاج إلى شخص يعالجه ويسنده وهذا الشخص هو داود. فكتَّاب هذا النص هم مع داود وضد شاول الغير قادر على ضبط الأمور. كل ما هو أكيد من خلال هذه القضية هو أنَّ هناك تقارب بين داود والعائلة المالكة وخصوصاً مع إبن الملك يوناتان، ويذكر الكتاب المقدس أنَّ داود تزوَّج من إبنة شاول ميكال.
التقليد الثالث:
صموئيل يمسح داود ملكاً (1صمو 16/1-13) يريد هذا النص أن يؤكد أنَّ داود إختاره الله وليس الأمر كما حدث مع شاول في بابيش حيث اختار الشعب شاول وأجبر به الرب، وهنا الله هو الذي يختار داود. وداود في وقت معيَّن سيؤلهه الناس ” هو ملاك الله ” كما يقول أحد النصوص. هذا الأمر سيولِّد غيرة عند شاول، فصعود شعبية داود ستجعل غضب شاول يتأجج، وهذا الأمر سيؤدي بداود إلى الهرب من وجه شاول، فيتحوّل داود إلى رئيس عصابة له أتباع وينتقلون من بلدة إلى أخرى يساعدون الضعيف إلى أن يصل به الأمر إلى أن يعرض خدماته على الفلسطينيين. والفلسطينيون سيسَخِرون داود للعمل عندهم، وبعد سنتين من العمل عند الفلسطينيين (1صمو 29/3) يُبعِد الفلسطينيون داود خاصة في حربهم ضد شاول المعركة التي سيموت فيها شاول، وفي هذه المعركة تصبح الطريق معبَّدة أمام داود للوصول إلى الملوكية. إذاً كما قلنا أشبعال سيُعلَن ملكاً في عبر الأردن من القائد أغبير. وداود سيُعلَن ملكاً في حبرون، فحكم يهوذا سبع سنوات، ولكن بعد موت أشبعال سيأتي الإسرائيليون إلى داود ويعلنونه ملكاً على إسرائيل، فحكم يهوذا وإسرائيل معاً ثلاث وثلاثين سنة، مما يأتي سني ملكه أربعين سنة. وأربعين تعني ملء ملكوت داود وتعني أيضاً بركة من الله أي أنَّ الله كان يبارك داود في ملكه.
وبالحقيقة عندما مَلَكَ داود على إسرائيل ويهوذا قَوِيَت مكانته وانتشر ملكه ونظم جيشاً قوياً وتميَّز حكمه من الناحية السياسية بعلاقات ناجحة على المستوى الخارجي وذلك من خلال زواجات متعددة وعلاقات ديبلوماسية. ولكن يبقى أكبر عمل عسكري قام به داود ويُعتبر أساساً للتاريخ الآتي بعد داود هو أنه استطاع إسترجاع أورشليم من اليبوسيين ويعلنها عاصمة لمملكته ويبني سوراً يحيط بها وهذا السور سيكمله من بعده سليمان.
ومن الناحية الدينية:
ـ يأتي بتابوت العهد إلى أورشليم وتصبح هذه المدينة المركز الرئيسي عند الإسرائيليين.
ـ سترتبط صورة الله بشخص الملك حتى أنَّ الملك كان له تسمية قائم مقام لله، يملك مكان الله. حتى إنَّ شخص داود يرمز إلى الوحدة الدينية.
وداود في أوج مُلكه سيحاول توسيع حدود مملكته وسيشن حروباً صغيرة على الشعوب التي حوله ويفرض الضرائب على الأعداء، فانتصر على الكنعانيين وعلى الفلسطينيين وعلى المؤابين وعلى الأراميين وعلى العمونيين وعلى نبي عماليق وعلى الأدوميين. وهناك أمر مهم ساعد داود على تحقيق إنتصاراته وهو ضعف القوى العظمى في المنطقة، فالفراعنة خفَّ وهجهم وبني أشور ضعفوا مما ساعد داود على توسيع حدوده.
من جهة أخرى إنفتاح داود على الشعوب التي يستطيع أن يستفيد منها إقتصادياً، فعمل عهداً مع حيرام ملك صور وكان له علاقات تجارية حسنة مع الفينيقيين والمصريين (2صمو 5/11 ، 1ملوك 5/15).
من جرّاء هذه الإنتصارات التي كان يحققها داود فقد كان هناك نتائج دينية من السياسة المتبعة، فانفتاح الشعوب على بعضها والتي كانت ترتبط بمعاهدات مع داود أي أنها تتمتع بنفس البركات التي يؤمنها الله لشعب داود، فالدين إختلط مع التجارة. فمن المعلوم أنَّ سهولة التجارة ونجاحها يؤدي إلى اختلاط الشعوب دينياً وثقافياً مما سيجعل أورشليم بعد موته مدينة مهمة لتجمع الشعوب. وسنلاحظ أنَّ طقوس إسرائيل ستتأثر بالطقوس الوثنية.
إذاً، نجح داود في السياسة الخارجية ولكن يبقى السؤال: ما هي سياسته الداخلية وما هي نتائجها؟
السياسة الداخلية لداود:
نعالج هذا الأمر من خلال ثلاث نقاط أساسية هي:
1- بناء الهيكل.
2- الخلافة.
3- التعايش ما بين الشمال والجنوب.
1ـ بناء الهيكل:
سيبني داود بيت كبير له (بيت داود) ويقرِّر أن يبني بقربه هيكلاً لله. سيرفض النبي ناتان هذه الفكرة ويقوم ضد الملك، وهذا السؤال سيقسم إسرائيل على مدى تاريخها حتى إنَّ هذا السؤال مطروح في أعمال الرسل 7/48 ” حتى إنَّ العلي لا يسكن في بيوت صنعتها الأيدي “.
هناك الأوساط النبوية ترفض فكرة حبس الله في مكان مغلق وأن يصبح الله خاضعاً لمزاجية الإنسان، الله الذي رافق الشعب في مسيرة الخلاص من العبودية، الله الذي خلَّص شعبه من كل ما تعرَّض له من مخاطر، هذا الله المتحرِّك لا يمكن أن يتحوّل عند بناء هيكل له إلى إله ثابت في مكان ما غير متحرِّك.
ليس لداود أن يبني مسكناً لله بل هو الله الذي سيبني لداود مسكناً أي سلالة وسيسكن في هذه السلالة وستُحَقَّق هذه القضية مع يسوع المسيح.
2ـ الخلافة:
3ـ التعايش:
(لا نستطيع شرح خلافة داود إلا إذا فهمنا سرّ التعايش ما بين الشمال والجنوب والعكس). داود سيحل مسألة خلافة شاول بسرعة، فيُسلِم المتعاركون على الملوكية من بني شاول إلى بني جبعون (2صمو 21).
ما هو مصير سلالة داود؟
أبشالوم:
هو إبن داود الثالث. يقتل أخاه الأكبر أمنون ويستغل غضب أهل الشمال ويُعلن نفسه ملكاً في حبرون منتقماً بذلك من الدولة المركزية في أورشليم، ولا يكتفي بذلك، بل سيستعد للإنقضاض على أبيه، ولكن بمعرفة بعض الأشخاص، سيكشف داود أمره ومشروعه، وسيقتل أبشالوم. ورجال بنيامين سيحاولون النيل من داود لكنهم سيفشلون.
أدونيّا:
هو الإبن الرابع لداود، وُلِدَ في حبرون من امرأة إسمها حجيت. يُعلن نفسه ملكاً ولكنَّ سليمان المدعوم من أمه بتشباع إمرأة أوريّا والمدعوم من النبي ناتان سيأخذ بركة أبيه ويصبح أول ملك يخلف أباه في مُلك إسرائيل.
خلاصة:
بغض النظر عن مشاكل الخلافة، فإنَّ مُلك داود يتميز بنجاح كبير على الصعيد العسكري والسياسي والإقتصادي. هذا الأمر سيؤدي إلى تأليه صورة داود. وعندما سيفشل سليمان في آخر عهده، سيتذكر الشعب كيف أنَّ داود كان يعتبر أنَّ كل ما أتاه هو من الله، ولكنَّ الوحدة التي تربط الشمال بالجنوب هي وحدة ضعيفة ومعرضة بأيِّ لحظة للهزات وللزوال. فمن أجل ذلك سنلاحظ أنَّ أول عمل سيقوم به سليمان هو العمل على تقوية هذه الوحدة.
ملاحظة:
في عهد داود بدأت كتابة بعض التقاليد الكتابية العائدة خاصة لإبراهيم.
سليمان:
1ملوك 1/11: لا نرى في هذه الفصول أو النصوص أي خبر عن الحروب كما هو الحال مع الملوك الذين سبقوا سليمان، فنلاحظ بأنَّ عهده هو عهد ازدهار وسلام ونمو.
1ملوك 3/4-15: نلاحظ أنَّ أربعة كلمات تُميِّز حكم سليمان دون الأخذ بفترة إنتهاء حكمه وهي:
ـ الحكمة ـ الفهم ـ الغنى ـ المجد. إنقسم حكمه إلى قسمين: قمة حكمه، الإنحدار.
بعد موت داود وصل سليمان إلى العرش وتسلط على إمبراطورية كبيرة (دولة كبيرة) تتصل حدودها بمصر وببلاد ما بين النهرين وبالجزيرة العربية.
إذاً، الوضع الداخلي هو وضع جيد، لا يوجد فيه الكثير من المشاكل وسليمان سيركز إهتمامه على السياسة الخارجية، فنلاحظ أنه أقام علاقات خارجية مع كل الشعوب المحيطة بمملكته.
مع المصريين: نجد أنه تزوّج إحدى بنات فرعون.
مع الفينيقيين: جدّد معاهدة أبيه مع الملك حيرام وكان هناك تبادل تجاري مهم مع الفينيقيين وخصوصاً بالخشب.
مع الجزيرة العربية ومملكة سبأ كان له علاقات تجارية.
فسليمان فرض نفسه كقوة محاورة للشعوب المحيطة به وكان أن عدّ كل ذلك بأنه حكمة من الله.
حكمة سليمان:
إنَّ لحكمة سليمان عدة وجوه:
الوجه الأول:
نراه في فن الحكم والسلطة: 1ملوك 5/1-8. 1ملوك 10/4-5.
الوجه الثاني:
هو الحكم في أمور دقيقة وصعبة: 1ملوك 3/16-28.
الوجه الثالث:
نراه في فن التكلّم والخطابة: 1ملوك 5/9-14. 1ملوك 10/1-3.
إذاً، سليمان سينطلق من حكمته التي أعطاها إياها الله إلى تنظيم مملكته الواسعة.
على الصعيد التنظيمي:
قسّم سليمان المملكة إلى إثني عشر إقليماً ووضع على رأس كل إقليم قائم مقام الملك، هو مفوَّض من الملك، وكان يترك له الحرية نوعاً في إدارة الأمور في هذا الإقليم بشرط أن لا يكون هناك أي خطر على الحكم المركزي، ولكن يبقى على كل إقليم أن يؤمِن معيشة شهر كامل للبلاط الملكي. وقد استطاع أن يجمع حوله مجلس إستشاري يضم كبار الموظفين: هو نوع من حكومة ملكية فيها الكاهن وقائد الجيش وفيها أمين سرّ البلاط وفيها سيّد القصر.
على الصعيد التجاري:
فَرَضَ سليمان الضرائب على الأقاليم الإثني عشر ونظم الضرائب تنظيماً جيداً وقام بعلاقات تجارية عديدة مع الشعوب المجاورة:
فمع شعوب الجزيرة العربية أقام معاهدة تجارة البخور والعطور والحجارة الكريمة: (1ملوك 10/1-3).
ومع الشعوب القاطنة في تركيا كان هناك تجارة الخيول: (1ملوك 10/26-29).
ومع المصريين كان هناك تجارة آلات الحرب التي كان يأخذها من المصريين ويبيعها لبلاد ما بين النهرين.
ومع الفينيقيين أقام علاقات تجارية (تجارة الخشب) وخاصة الخبرة التقنية: (1ملوك 5/24).
ومع بلاد الصومال(التي كانت تسمّى بلاد أوفير) كان له علاقات تجارية من خلال إستيراده الذهب والحيوانات: (1ملوك 9/26-28).
ما يتميز به حكم سليمان هو السياسة العمرانية، وأول شيء بناه سليمان هو هيكل أورشليم ويُعَد أهم إنجاز لشعب إسرائيل. وبنى القصر الملكي بالقرب من الهيكل، وبنى سور المدينة (1ملوك 9/15).
الهيكل:
هو تحفة البناء وأهم عمل قام به سليمان. فقد اختفت المقاومة النبوية وأصبح بناء الهيكل مطلباً شعبياً وذلك لتمجيد الملك الذي يعرف كيف يبني هيكلاً ليجمع فيه الشعب ويوحده فيصبه لهذا الشعب تاريخ وهذا التاريخ سيوحِّد كل التقاليد من الناحية الإجتماعية، أما من الناحية الدينية، فمع الهيكل سيخف وهج كل المجامع والمعابد الصغيرة الموجودة في المدن الأخرى وستتركز الإحتفالات الدينية كلها في هيكل أورشليم.
هذه السياسة العمرانية التي قام بها سليمان ستولِّد وضع معيشي سييء في الشمال لأنَّ في الشمال توجد كثافة سكانية أكثر من الجنوب وبالتالي كل اليد العاملة ستأتي من الشمال، ولسرعة البناء لتحقيق المشاريع الكبيرة سيطوِّر سليمان وفريق عمله نهج الأشغال الشاقة وبالطبع فالذين سوف يتضررون من هذا النهج هم أهل الشمال.
إذاً، هذا التطور سيشكل أول حجر عثرة في حكم سليمان وانتفاضة أهل الشمال ليست بعيدة وأول المنتفضين هو يربعام إبن ناباط ولكنَّ انتفاضته ستفشل ويضطر للهروب إلى مصر.
إذاً كما لاحظنا فقد كان في الداخل مشاكل وأيضاً في الخارج، فرزون ملك دمشق الواقعة شمال البلاد سيشن حرباً على سليمان وسيستعيد أراضٍ أخذها سليمان (1ملوك 11-23). وفي الجنوب كان هناك حراد الأدومي، فقد استطاع أن يستعيد أراضٍ أخذها سليمان (1ملوك 7/14).
يبقى الفشل الأكبر الذي سيعجل في انهيار مملكة سليمان هو جلب نساء سليمان آلهتهن مما اضطر سليمان لأن يبني المعابد لهذه الآلهة (1ملوك 11/1-10). هذا الأمر سيشكل صدمة كبيرة خاصة لأهل الشمال وسيجعل من أهل الشمال أشخاص متزمتين منغلقين على تقاليدهم الخاصة، حتى في الجنوب أيضاً سنشاهد تشدد ديني لوجود المعابد الوثنية. مع هذا الوضع ومع ضرائب كثيرة غير محمولة سينتهي عهد سليمان.
ماهي باختصار نتائج الملوكية في إسرائيل؟
1) يمكننا القول أنَّه مع الملوكية كان هناك تحوّل جذري في حياة بني إسرائيل من شعوب مشتتة ذات نظام قبائلي إلى حياة إجتماعية داخل دولة منظمة لها قوانينها وشرائعها ومراتبها وموظفيها وعلى رأسها قائد واحد هو الملك.
وللمرة الأولى في التاريخ سيشعر اليهود يهود الشمال ويهود الجنوب أنَّ لهم مصير مشترك على الصعيد الديني والسياسي.
2) لا يعني المصير المشترك أنَّ التباين العميق بين الشمال والجنوب قد أُزيل، هناك تباين على عدة أصعدة: تباين ثقافي وإجتماعي ولغوي.
3) الملك هو الضمانة لهذه الوحدة الضعيفة: يختصر الملك بشخصه كل السلطات، فهو القاضي وقائد الجيش ومُعيِّن الكهنة. إذاُ، يمكننا القول أنَّ الملوكية اليهودية تأثرت بالملوكيات الموجودة في الشرق من فينيقية ومصرية وبلاد ما بين النهرين… فقد كان هناك نزعة لتأليه الملك (1صموئيل 29/9).
4) نرى أنه في إسرائيل الموحدة كان هناك قبول لفكرة السلالة الملكية وسيبقى هذا الأمر حتى خراب أورشليم سنة 587 ق.م. هذا المبدأ قُبِلَ في إسرائيل ولكن بعد الإنقسام سيبقى مقبولاً في الجنوب ومرفوضاً في الشمال.
5) من الناحية الكتابية: كانت بداية كتابة التقاليد عن تاريخ إسرائيل هي في عهد الملوكية، مثلاً قصة إبراهيم جرت في عهد داود وزادت في عهد سليمان. التقليد اليهوي جرى في عهد سليمان.
6) شهدت إسرائيل في العهد الملوكي تطوراً كبيراً من ناحية التنظيم المدني. والإكتشافات الحديثة أثبتت وجود عدة إنجازات في هذه الحقبة على صعيد البناء.
7) يجب أن نميِّز بين حكم سليمان وحكم داود. قصد داود أن يُبرِز دوماً في إنجازاته دور الله، الله هو في وسط شعبه، الله هو الأساس فيما حقّق داود. بينما سليمان ولو أنه بنى الهيكل فالوحدة الدينية مهدَّدة في عهده وذلك بسبب وجود الآلهة الوثنية.
من هنا وخاصة سنلاحظ أنَّ قبائل الشمال سيتعلقون بمعابدهم الصغيرة، سيعودون إلى الطقوس الخاصة بهم، مثل معبد الجلجال، معبد شكيم إلى أن نصل إلى انقسام المملكة حوالي سنة 933.
إنقسام المملكة بين يهوذا وإسرائيل: 1ملوك 12 – 2ملوك.
اـ الإنقسام:
لهذا الأمر أربعة إتجاهات أو أسباب هي:
1) السبب اللاهوتي:
الإنقسام هو عقاب من الله وذلك لسببين:
1ـ عدم أمانة سليمان بإدخاله الآلهة الوثنية إلى الديانة اليهودية من خلال نسائه.
2ـ فكرة أنَّ الله هو الملك.
2) السبب التاريخي:
هو أنَّ الوحدة هي عمل أنجزه داود. إذاً عند موت داود كانت الوحدة ضعيفة، فالوحدة ما تزال فتية.
3) السبب الإجتماعي:
يُخبِر الكتاب المقدس عن الوضع المعيشي السييء لأهل الشمال خاصة الأشغال الشاقة والضرائب المفروضة من يهوذا.
4) سبب يتعلق بالنظرة إلى الملوكية:
هي أنَّ أهل الشمال يختلفون بنظرتهم إلى الملك عن أهل الجنوب. ففي الجنوب كانت فكرة السلالة الملكية مقبولة جداً، أما عند قبائل الشمال فالنظرة مختلفة فهم يريدون أن يوافقوا أو بالأحرى أن يختاروا الملك، فالملوك يجب أن يتميزوا بقدرات معينة وقوتهم هي بركة من الله.
1ملوك 12/20-24: الكتاب يؤكد أنَّ الإنقسام هو قصاص الله، ولكن يجب ألّا ننسى أنَّ هناك أسباب متعددة للخصام. إذاً، وحدة إسرائيل لم تدم إلا 75 سنة.
إبن سليمان رحبعام سيخسر تأييد أهل الشمال وهذا الأمر سيؤدي إلى أن يلتجئ إلى الجنوب وسيملك على الجنوب من منطقة يهوذا ولكنَّ يهوذا ستكون منطقة صغيرة. فبعد موت سليمان سيشن الفرعون سيهانوك الأول هجوماً على المنطقة، ولعدم قدرة رحبعام على مجابهته سيعطيه كنوز الهيكل.
يربعام إستفاد من موت سليمان وعاد من مصر وأعلن نفسه ملكاً في الشمال وأخذ شكيم عاصمة له، وبعد ذلك إنتقل إلى منطقة إسمها ترصة (1ملوك 14/17). وقوّى بعض المناطق خاصة منطقة فنوئيل بعبر الأردن.
ومن أهم الأعمال التي قام بها يربعام كانت على الصعيد الديني وهي أنه قوّى المعابد الصغيرة وبنى معابد أخرى وأسَّس كهنوتاً من غير سبط لاوي، من بيت إيل، وقوّى مركز بيت إيل ودان الذي جعل فيه معبد دان.
أما الأمر الذي سيشكل إنتقاداً كبيراً من الأنبياء فهو إقامة يربعام ثورين أمام المعابد على مثال الهياكل الوثنية، وستظل أورشليم مصدر قلق للفريقين. وقد تميزت هذه الفترة بصراعات كبيرة بين الشمال والجنوب.
ب ـ الملوك الذين تعاقبوا على مملكة الشمال ومملكة الجنوب:
1ـ إسرائيل وسقوط السامرة:
ـ يربعام:مات سنة 911 (حكم ما بين سنة 933-911). خلفه إبنه ناداب ويبقى ناداب ملكاً على إسرائيل لمدة سنتين فقط، ناداب يُقتل على يد باشا بن عساكر الذي مَلَكَ من سنة (909-886)، وبعد موته يخلفه إبنه إيلة (886-885)، يقتله زمري الذي مَلَكَ 7 أيام فقط، فيقتله عمري الذي مَلَكَ من سنة (885-874)، ومن أعماله المهمة أنه أسَّس السامرة.
وخلفه إبنه أحاب من سنة(885-874)، وأحاب تزوّج من إيزابيل الوثنية من بلاد صيدون، هذا الزواج سيقوي علاقات أحاب مع الفينيقيين ويعيد تنظيم الأراضي وينجح في العلاقات التجارية مع ازدهار في الإقتصاد، هذه السياسة ستؤدي إلى غنى الأغنياء وفقر الفقراء، هذا ما سوف يرفضه النبي إيليا ويعارضه بشدة.
ولكي يقوّي أحاب حكمه إرتبط بمعاهدة مع يهوذا بتزويجه ابنته عتليا من إبن ملك يهوذا يوشافاط واسمه يوران. ولكنَّ أحاب سيُقتَل على يد الأراميين في محاصرتهم لبلاد راموط في جلعاد.
بعد موت أحاب سيملك إبنه أحذيا لمدة سنتين (853-852)، والنبي إيليا سيتهم أحذيا بذهابه لاستشارة بعل بدلاً من استشارته الرب إله آبائه وأجداده (2ملوك). بعد موته سيخلفه أخوه يورام (852-841)، ستكون علاقة يورام جيدة مع أهل الجنوب وسيقوي حكمه بتقاربه من يورام اليهودي ومع إبنه الذي اسمه أيضاً أحذيا يقوم ياهو ويقتل أحذيا ملك اليهودية (الجنوب) ويورام ملك إسرائيل (الشمال). سيحكم ياهو بعد أن ينال البركة من النبي أليشاع الذي سيمسح ياهو. سيقتل ياهو سلالة إيزابيل إمرأة أحاب وكل بيت عمري ويقتل كذلك في سبيل الرب كل خدّام بعل.
مَلَكَ ياهو من سنة (841-814). وسيأتي بعده إبنه يوأحاز 814-798 الذي سيموت قتلاً على يد ملك أرام ويخلفه إبنه يوآش (798-783)، بعد يوآش سيأتي إبنه يربعام الثاني (783-743)، وكان من أحد كبار البنائين ومحارب كبير أعاد إلى سلطته منطقة عبر الأردن، كان عصره عصر ازدهار وسلام. بعد موت يربعام الثاني ستبدأ مرحلة جديدة من الإضطرابات ويأتي بعده إبنه زكريا الذي يملك ستة أشهر فقط فهو سيموت قتلاً على يد شالوم وقاتله هو رجل إسمه مناحيم من ترصة الذي يضطر سريعاً لمواجهة تجلت فلآشر الملك الأشوري الذي احتل المملكة الفينيقية ومملكة إسرائيل ولكنه لم يحتل منطقة الجنوب في إسرائيل.
عند موت مناحيم يخلفه إبنه فقحيا الذي يملك لمدة سنتين ويغتاله قاقح إبن رمليا بمؤامرة وهو أحد مساعديه في الجيش وقاقح يجابه حملة جديدة من الملك الأشوري فلآشر الثالث وبهذه الحرب يقرر الملك الأشوري إحتلال يهوذا وإسرائيل وهنا وفي مملكة الشمال يقوم نبي هو النبي هوشع، يرفض ويستنكر هذه الحرب. وأخذ الأشوريون السلطة بالقوة، ويُعتبر وصول الأشوريين هو قصاص من الله لعدم أمانة إسرائيل. والملك الأشوري يهجم على مملكة الشمال ويستفيد من ذلك أهل اليهودية فيوّسعوا مملكتهم وهذا الأمر سوف يستنكره هوشع. فاقح يُقتل على يد هوشع بن إيلة الذي يملك لمدة تسع سنوات(732ـ 724)ويكون آخر ملك في إسرائيل قبل سقوط السامرة (721) على يد الملك الأشوري سرجون الثاني، وهكذا تكون قد انتهت مملكة الشمال
2ـ يهوذا وسقوط أورشليم “مملكة الجنوب”:
تتمتع هذه المملكة بسلالة ملكية واحدة وبالتالي باستقرار أكبر مما رأينا في الشمال، وهذه السلالة هي سلالة رحبعام بن سليمان بن داود. رحبعام مات سنة (913) وخلفه إبنه أبيّام لمدة سنتين (913-911)، ويخلفه إبنه آسا الذي مَلَكَ 41سنة (911-870) وبعد موته يخلفه يوشافاط لمدة 25سنة (870-845)، وقد تميّز عهد يوشافاط بتجارة مزدهرة وبعد موته يخلفه إبنه يورام الذي مَلَكَ إلى سنة (841) الذي لم يكن محبوباً من الشعب لأنه تزوّج من عتليا إبنة آحاب من مملكة الشمال. وبعد موته يخلفه إبنه أحذيّا الذي حكم لمدة سنة واحدة فيقتله ياهو الإسرائيلي وهنا تستلم السلطة أمّه عتليا فتبيد وتقتل كل الذين لهم الحق في الخلافة إلا يوآش أحد أحفادها الذي أخفاه الكهنة في الهيكل لمدة ست سنوات حين يُعلن ملكاً أمام الجميع وتُقتل عتليا في قصرها.
يوآش يملك 40 سنة ويموت سنة (796)، وليوآش أهمية كبرى، فقد قام بإعادة بناء الهيكل، وكان يسهر على كل مصاريف مملكته. وفي هذه الفترة يقرّر ملك أرام بأن يقوم بحملة على إسرائيل واليهودية، ولكنَّ يوآش يقرّر تحاشياً للحرب بأن يُعطي ملك أرام كل ما جمع من ثروة ومن كنوز الهيكل. ويموت يوآش على يد أحد مساعديه، فيخلفه إبنه أمَصيا (796-781) الذي يقوّي حكمه ويقرر محاربة يوآش الإسرائيلي (في الشمال) ولكنه يفشل، فيدخل يوآش الإسرائيلي إلى الهيكل ويأخذ كنوزه ويموت أمَصيا قتلاً، فيخلفه إبنه عزريا أو عُزّيا (781-740) الذي ينتصر على الفلسطينيين ولكنه لا يفرح كثيراً بهذا الإنتصار لأنَّ البَرَص يصيبه ويموت مريضاً، فيخلفه إبنه يوتام (740-736) الذي يتبّع سياسة أبيه العمرانية.
وفي أيامه يقوم نبي مهم في يهوذا هو أشعيا الأول (فصل 1-39). وأشعيا هو رجل من المدينة ومن الأشخاص المهمين، ذلك لأنه اشترك في أكثر القرارات الملكية وقد عايش أربعة ملوك هم: ـ عزريا ـ يوتام ـ أحاز ـ حزقيّا.
في هذا الوقت قام نبي آخر هو ميخا الذي رفض في نبوءاته حالة عدم المساواة الإجتماعية ورفض الظلم وتنبأ لأورشليم بنفس المصير الذي كان للسامرة.
بعد يوتام يأتي إبنه أحاز (736-716) ويقرر في هذه الفترة رصين ملك أرام وفاقح ملك إسرائيل (الشمال) بشن حربٍ على أحاز، فيوّقع أحاز عهداً مع ملك أشور الذي سيقتل رصين، ولكن في المقابل يضطر أحاز بموجب هذه المعاهدة أن يُدخِل عبادة الآلهة الأشورية إلى اليهودية (وهذه هي نقطة سوداء في تاريخ أحاز). ويخلفه حزقيا من سنة (716-687) الذي قام:
- بعدة نشاطات عمرانية.
- نظم الإدارة الملكية.
- جمع الضرائب.
- أوصل قناة جامون إلى بركة شيلو.
أهم عمل سيقوم به أثناء توليه الحكم هو البدء بتجديد طقسي. لكننا لا نملك أي مرجع مما قام به في تجديده هذا، ولكنه قام بجمع الشعب كله في هيكل أورشليم وأخرج العبادات الوثنية وكهنة الأشوريين.
بعد موته سيخلفه إبنه منّسى الذي سيملك لمدة 55 سنة(687-642). لكن في عهده نرى العودة لعبادة الأوثان فيقوم نبي يُعلن عقاب الله هو النبي ناحوم ويقول بأنَّ الدليل على قصاص الله للأعداء هو سقوط ودمار نينوى والتي دمرت سنة 612.
مات منّسى(642) فخلفه إبنه أمون (640) وبعده سيأتي إبنه يوشيا الذي سيحكم لمدة 31 سنة (640-609) ويتزامن عهده مع النبي صفنيا الذي يأسف ويرفض عبادة البعل والكواكب، ويوشيا كان حكيماً ورجل صلاة، قام بأعمال كبيرة أهمها هو الإصلاح الديني الذي بدأه جده حزقيا:
– فهدّم كل الهياكل الوثنية.
– طرد كهنة آلهة بعل.
– رفض طقوس الكواكب وبالأخص الطقوس الآتية من أشور.
أغلق كل معابد إسرائيل ليُبقِ على معبد واحد هو هيكل أورشليم مجمع الشعب في عام 622 ليجددوا العهد وكان ذلك في عيد الفصح.
سنة (612) يصل البابليون ويحتلون نينوى الأشورية فيقف الفرعون المصري مع الأشوريين، أما يوشيا فيعترض جيش الفرعون ولكنه يُقتل وكان ذلك سنة (609) في مجيّرو.
بعد موت يوشيا تبدأ مرحلة من الإضطرابات تنتهي بسقوط أورشليم 587 ويخلفه إبنه يوأحاز ولكنَّ الفرعون المصري يخلعه عن عرشه ويعيّن مكانه أخاه الياكيم أو يوياقيم، وفي هذه الفترة يقوم نبي كبير هو النبي إرميا الذي سيشهد عودة الطقوس من جديد (العبادات الوثنية) وهذا أول نبي يدوّن (إرميا 36/1-8).وطلب الكتابة من النبي باروك ويقرأها أمام الشعب وهنا سيفرح الشعب ويحب نبوءة إرميا، ولكنَّ يواقيم ينزعج من هذا الأمر ويأخذ الأوراق ويحرقها وهنا يهرب إرميا وباروك من وجه الملك، وبالرغم من اختباء إرميا ستُنشر نبوءاته بسرعة وسيكون لها صدى كبير عند الشعب. هذه النبوءات ستمتد إلى سقوط أورشليم وستطال هذه النوءات ليس فقط الشعب الإسرائيلي بل مصر وبابل حتى أنها تطال اليهود في المنفى.
يواقيم يملك لمدة 11سنة وفي هذه الفترة أيضاً يقوم نبي آخر هو النبي حبقوق. وفي سنة (605) يقوم نبوخذ نصّر بحصار أورشليم ويموت يواقيم في هذا الحصار ويخلفه إبنه يواكين ويأسره وينصّب مكانه عمه صدقيا وهو آخر الملوك على أورشليم قبل سقوطها ودمارها 578 .
خلاصة:
تُشكل الحقبة التاريخية الممتدة من موت سليمان حتى سقوط أورشليم نقطة تحوّل أساسية في تاريخ إسرائيل وذلك لعدة أسباب:
1) وحدة الشعب ولو كانت هذه الوحدة ضعيفة. فالشعب إنقسم إلى مملكتين مما أضعفه وأصبح عرضة للسقوط السريع أمام الأعداء وهذا الأمر بالنهاية سيؤدي إلى السبي إلى بابل.
2) قبل سقوط السامرة لم تكن أورشليم مهمة كثيراً لأنَّ السامرة حافظت أكثر من أورشليم على أمانتها، فالسامرة قبل سقوطها كانت مركزاً للحياة الدينية الصحيحة وخاصة على أيام ياهو، فقد كانت تعتبر هي الأرثوذكسية وأورشليم المنفصلة وخاصة على أيام عتليا.
3) لن يطول هذا الأمر لأنه في الشمال هناك إنقسامات حادة بسبب الخلافة. فكل سبط يدّعي الحق في الوصول إلى العرش الملكي بعكس الجنوب، وفي جميع الأحوال لن تستعيد أورشليم دورها قبل سقوط السامرة.
4) بقاء أورشليم 135 بعد سقوط السامرة نفهمه بسببين:
1- السلام الداخلي بسبب إنعدام التنافس على العرش.
2- وجود سياسة خضوعية للقوى الكبرى الخارجية.
5) الوضع السياسي المتردي سينتج عنه وضع معيشي غير محتمل، فطبقة العبيد تصبح طبقة معدومة ومتروكة للمزاجية الملكية، وطبقة غنية.
6) هذه الحالة الإجتماعية تغذّي الرفض عند الناس لسلطة الملك. وولادة النبوية ستكون متزامنة مع ولادة المؤسسة الملوكية. فالعلاقة بين الملك والنبي كانت علاقة صداقة لكنها متشنجة، فللنبي وظيفة في البلاط الملكي في أغلب الأحيان ولكنه بنفس الوقت كان يرفض أي تسلط من الملك أي تعدي على حقوق الناس.
السبي إلى بابل “أهم مرحلة من مراحل تاريخ إسرائيل”:
كان سقوط أورشليم شيء مروّع، القلاع تندثر تلو الأخرى، الهيكل يتهدم بعد أن سُرِقَت كل محتوياته، هذا الوضع سيكون موضوع مهم في كتاب مهم هو سفر المراثي الذي سيتكلم عن الوضع المأساوي الذي تعيشه إسرائيل.
إذاً، كل هذه الأمور ستؤدي بالنتيجة إلى هجرة فئة كبيرة من الناس، فئة المثقفين. فالمنطقة ستصبح محافظة للبابليين الذين يكلفون إدارة هذه المقاطعة الجديدة إلى جدليا بن أحيقام ، ويكون مركزه في المصفاة، ولكنه لن يعمّر طويلاً وسيموت اغتيالاً لأنَّ له مواقف تصب في مصلحة البابليين (سيغتاله شعبه). وهذا الأمر سيؤدي إلى هجرة أعداد كبيرة من الإسرائيليين إلى مصر وبابل وأشور. وأخذوا النبي إرميا رغماً عنه (إر 42).
ففي هذه الفترة كانت أورشليم تعيش ماساة كبيرة ولا نملك مراجع عديدة سوى سفر عوبديا الذي يكتب عن وضع أورشليم المؤلِم. وهؤلاء اليهود الذين رحلوا إلى مصر سوف يلتقون باليهود القاطنين في مصر منذ سنوات عديدة، ولكنهم لا يعرفون أي شيء عن الإصلاح الديني الذي قام به يوشيا. يحافظون على الفصح، على السبت، ولكنهم يعبدون نوعاً من الثالوث (الإله يهوى الإله الأب ـ آلهة إمرأة ـ آلهة إبن) وأيضاً كان هناك موجات من التهجير إلى بلاد ما بين النهرين، ولكنَّ اليهود المسبيين كانوا أكثر عدداً.
* موجات التهجير المتتالية كانت:
1) إلى أشور:
كان هناك ثلاث موجات تهجير:
– سنة 732 على أيام الملك تخليت فلآشر الثالث.
– سنة 722 سقوط السامرة على أيام سرجون الثاني.
– على أيام الملك سخريب الذي هجّر البعض من أهل اليهودية إلى بلاد أشور.
2) إلى بابل:
كان هناك ثلاث موجات تهجير:
– سنة 597 على أيام نبوخذ نصّر (2ملوك 24/10-17).
– سنة 587 سقوط أورشليم (2ملوك 2/8-21).
– سنة 582 على أيام الملك البابلي تبورزدان.
Discussion about this post