المسيح قام! السلام معكم.. (رسالة الفصح 2007)
بقلم: البابا بندكتوس السادس عشر
المسيح قام! السلام معكم، نحتفل اليوم بالسر العظيم، أساس الإيمان والرجاء المسيحيين: يسوع الناصري، المصلوب، قام من بين الأموات في اليوم الثالث، كما جاء في الكتب. والإعلان الذي أُعطي للملائكة في فجر اليوم الأول بعد السبت، إلى مريم المجدلية والنساء اللاتي هرعن إلى القبر، نسمعه اليوم بتأثر متجدد: “لماذا تبحثن عن الحي بين الأموات؟ إنه ليس ههنا، بل قام! ليس من الصعب تصور مشاعر تلك النساء: مشاعر حزن واندهاش لموت ربهن، لأنهن لم يصدقن. كان القبر مفتوحا وفارغا. هرع بطرس ويوحنا ليتحققا من كلام النساء. لقد تعرض إيمان الرسل بيسوع إلى تجربة قاسية، فخلال اعتقاله وموته، تفرق التلاميذ وهاهم يلتقون من جديد بعد قيامته. لم يكن حلما ولا وهما، إنما خبرة حقيقية: “فجاء يسوع وقام وسطهم وقال لهم السلام عيكم! “وبهذه الكلمات انتعش الإيمان في قلوبهم، ورووا لتوما عن هذا اللقاء العجيب.
لقد أتم الرب ما أعلن عنه. لقد قام، حقا قام، لقد رأيناه ولمسناه. لكن الشك بقي في قلب توما. ولما جاء يسوع مرة ثانية، قال له: هاتِ إصبعَك إلى هنا، فانظر يدي، وهات يدك فضعها في جنبي، ولا تكن منكرا بل مؤمنا.” فأجابه توما: “ربي وإلهي!” فلنجدد نحن أيضاً، قال البابا، إعلان إيمان توما. لقد شئت اختيار هذه الكلمات لأن الإنسانية المعاصرة تنتظر من المسيحيين شهادة متجددة لقيامة المسيح، وهي بحاجة إلى لقائه ومعرفته كإله حق وإنسان حق. فإذا لمسنا في هذا الرسول شكوك مسيحيي اليوم، ومخاوف وخيبات أمل معاصرين كثيرين، فمعه بإمكاننا أن نكتشف من جديد وباقتناع الإيمان المتجدد بالمسيح المائت والقائم من الموت من أجلنا. إن هذا الإيمان الذي تناقله خلفاء الرسل عبر القرون، يتواصل لأن الرب القائم لا يمت أبداً.
إنه حي في الكنيسة، يقودها نحو إتمام تدبير الخلاص الأبدي. إن كل واحد منا قد يختبر شك توما. الألم، الشر، الظلم، الموت، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بأبرياء. وعلى سبيل المثال، الأطفال ضحايا الحرب والإرهاب والأمراض والجوع. ألا يتعرض إيماننا لتجربة قاسية؟ مع ذلك فإن شكوك توما في هذه الحالات ذات قيمة لأنها تساعدنا على تنقية كل مفهوم مزيف عن الله وتقودنا إلى اكتشاف وجهه الحقيقي: وجه الذي في المسيح تحمل أوجاع الإنسانية المجروحة. لقد قبل توما من عند الرب عطية الإيمان ونقلها إلى الكنيسة. “هو الذي بجراحه شفيتم”، هو إعلان بطرس إلى المرتدين الأوائل. فتلك الجراح أضحت في اللقاء مع القائم من بين الأموات محبة نصر وهي تساعدنا على فهم الله لنكرر نحن أيضا:”ربي وإلهي.”
مضى قداسة البابا إلى القول: كم من الجراح والآلام في العالم! كوارث طبيعية ومآس إنسانية توقع ضحايا لا تحصى وتسبب أضرارا مادية جسيمة. أفكر بما حصل مؤخرا في مدغشقر، في جزر سليمان، وفي أمريكا اللاتينية وفي مناطق أخرى من العالم. أفكر بآفة الجوع، بالأمراض المستعصية، بالإرهاب وباختطاف الأشخاص، وبأشكال العنف المتعددة ـ المبررة في بعض الأحيان باسم الدين ـ وباحتقار الحياة وبالتعديات على الحقوق الإنسانية وباستغلال الشخص. وأتطلع بقلق إلى الأوضاع التي تعاني منها مناطق كثيرة في أفريقيا: في دارفور، وبالأوضاع الإنسانية المأساوية في البلدان المتاخمة؛ في كينشاسا، في جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث المصادمات وأعمال النهب التي سجلت في الأسابيع الأخيرة تعرض للخطر مستقبل العملية الديمقراطية في الكونغو وتعرقل تعمير البلاد؛ في الصومال حيث استؤنفت الاشتباكات لتبعد تطلعات السلام وتزيد من عبء الأزمة الإقليمية وخصوصا في ما يتعلق بتنقل السكان وتجارة الأسلحة؛ أزمة خطيرة تحدق بزيمبابوي حيث أساقفة البلاد، وفي وثيقة صدرت مؤخرا، أشاروا إلى أن السبيل الوحيد لتخطي الأزمة يمر عبر الصلاة والالتزام من أجل الخير المشترك. ويحتاج سكان تيمور الشرقية، التي تتأهب لانتخابات هامة، إلى المصالحة والسلام.
سريلانكا بحاجة أيضا إلى السلام حيث التسوية التفاوضية قادرة على وضع حد للنزاع الذي يمزقها؛ وأفغانستان الذي يعاني من غياب الاستقرار. وفي الشرق الأوسط، إلى جانب مؤشرات الأمل في الحوار بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تغيب التطلعات الإيجابية حول العراق الذي تدميه مجازر مستمرة في ما ينزح سكانه. وفي لبنان حيث جمود المؤسسات السياسية يهدد دور الوطن في الإطار الإقليمي ويعرض للخطر مستقبله. وأخيرا، قال البابا، لا يسعني أن أنسى الصعاب التي تواجهها يوميا الجماعات المسيحية ونزوح المسيحيين عن الأرض المقدسة، مهد إيماننا. إلى هؤلاء أجدد بعطف كبير قربي الروحي منهم. أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، من خلال جروح المسيح القائم من بين الأموات، بإمكاننا أن نرى بأعين الرجاء الشرور التي تعاني منها الإنسانية. إن الرب بقيامته انتصر على الموت والشر بفعل نعمته إذ وضع محبته أمام قوة الشر تاركا لنا محبته التي لا تخشى الموت.
“فليحب بعضكم بعضا وليكن حب بعضكم لبعض كما أنا أحببتكم”. أيها الأخوة والأخوات في الإيمان،
يا من تستمعون إلي في مختلف أنحاء العالم، إن المسيح القائم من بين الأموات حي بيننا، إنه رجاؤنا بمستقبل أفضل. وإذ نقول مع توما: “ربي وإلهي!” تدوي في قلوبنا كلمة الرب العذبة:”من أراد أن يخدمني، فليتبعني وحيث أكون يكون خادمي، ومن خدمني أكرمه أبي”. هكذا نصبح نحن أيضا، بالاتحاد مع الرب، مستعدين لبذل حياتنا من أجل الأخوة والأخوات لنصبح رسل سلام وفرح لا يخشى الألم، رسل فرح القيامة. فلتنل لنا مريم، أم المسيح القائم من بين الأموات، عطية الفصح هذه. فصح مجيد للجميع!
Discussion about this post