كلمة البابا لمناسبة عيد الفصح 2006
بقلم: البابا بندكتوس السادس عشر
ترأس قداسة البابا بندكتس السادس عشر
قداس عيد الفصح في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان
في تمام الساعة العاشرة والنصف صباحاً (16/4/2006).
وبعد الاحتفال بالذبيحة الإلهية أطل الحبر الأعظم من على شرفة البازيليك الفاتيكانية،
ليمنح بركته مدينة روما والعالم.
وتوجه البابا إلى وفود الحجاج والمؤمنين المحتشدين في الساحة الفاتيكانية
ومن استمعوا إليه عبر الإذاعة والتلفزيون قائلاً:
أيها الأخوة والأخوات
أمسية الصلاة ليل السبت الأحد جعلتنا نعيش حدث القيامة، سر الإيمان المسيحي. أضاءت شموع الفصح في الكنائس رمزا لنور المسيح الذي ينير الإنسانية قاهرا ظلمة الخطيئة والشر. واليوم تدوي بقوة كلمات ملاك الرب إلى النسوة اللواتي كن يبحثن عن جسد المسيح داخل القبر. وإذ كن خائفات ونكَّسنَ وجوههن إلى الأرض، إذا برجلين قد وقفا عندهن بلباس براق وقالا لهن: لماذا تطلبن الحي بين الأموات. إنه ليس ههنا لكنه قد قام. ومنذ ذاك الصباح تدوي هذه الكلمات في المعمورة كلها كإعلان فرح لم يتبدل على مر القرون لا بل بقي مشحونا بمعان جديدة.
“إنه ليس ههنا لكنه قد قام”. قام المسيح من بين الأموات. ولم يكن له أن يبقى سجين الموت. والقبر عاجز عن احتواء “الحي” الذي هو ينبوع الحياة ذاتها. ومثلما كان يونان في بطن الحوت كذلك يكون ابن البشر في قلب الأرض في يوم سبت. لأن يوم ذلك السبت كان عظيما كما كتب الإنجيلي يوحنا مضيفا أن ابن البشر هو رب السبت أيضا وقد أتم عمل الخلق رافعا الإنسان والكون إلى حرية مجد أبناء الله. وبعد هذا العمل الإلهي قام المسيح من بين الأموات. ولهذا بالذات يعلن الملائكة أنه ليس ههنا لكنه قد قام. لقد سار على أرض البشر وأنهى مسيرته في القبر شأن الجميع لكنه قهر الموت بطريقة جديدة بواسطة المحبة. فتح الأرض وشرَّعها نحو السماء.
إن قيامة المسيح، بفضل العماد الذي يجمعنا به، تصبح قيامتنا. كلمات النبي حزقيال تكتسب معنى خاصا يوم فصح الرب:”هكذا قال السيد الرب، هآءنذا أفتح قبوركم وأُصعدكم من قبوركم يا شعبي وآتي بكم إلى أرض إسرائيل”. ذلك لأن وعد الخالق يكتمل اليوم، حتى في زماننا الراهن المطبوع بالقلق، لنعيش حدث القيامة الذي بدَّل حياتنا وتاريخ البشرية. ومن المسيح القائم من بين الأموات ينتظر الرجاءَ المضطهدون والمتألمون.
فليحمل معه روح القائم من بين الأموات الأمن والراحة إلى أفريقيا وسكان إقليم دارفور ضحية وضع إنساني خطير لا يطاق؛ وإلى أهالي منطقة البحيرات الكبرى حيث آفات كثيرة تحدق بها؛ وإلى شعوب أفريقيا بأسرها التي تتطلع نحو المصالحة والعدالة والنمو. وليَسُدِ السلام في العراق حيث العنف يحصد ضحايا كثيرة؛ وأتمنى السلام للمورطين في النزاع في الأرض المقدسة، وأدعو الجميع إلى حوار صبور ومستديم يزيل العوائق القديمة والجديدة وإلى تحاشي مشاعر الانتقام وإلى تربية الأجيال الناشئة على الاحترام المتبادل. وليساعد المجتمع الدولي، الذي يؤكد حقَّ إسرائيل في الوجود بسلام، الشعبَ الفلسطيني على تخطي أوضاعه المعيشية السيئة وبناء مستقبله مع التطلع نحو إقامة دولة له. وليُحرِّك روح القائم من بين الأموات حيوية جديدة في التزام بلدان أمريكا الجنوبية لتحسين الأوضاع الحياتية لملايين المواطنين وترسيخ دعائم المؤسسات الديمقراطية ضمن روح الوفاق والتضامن البنَّاء. وفي ما يتعلق بالأزمات الدولية المرتبطة بالمسألة النووية آمل بالوصول إلى تسوية مُشرِّفة للجميع عبر مفاوضات جدية ونزيهة كي تتقوى في نفوس المسؤولين عن الأمم والمنظمات الدولية الإرادة في تحقيق تعايش سلمي بين مختلف الأعراق والثقافات والديانات وإبعاد تهديد الإرهاب.
فلينشر الرب القائم من بين الأموات في كل مكان قوة الحياة والسلام والحرية. إن كلمات الملاك في صباح الفصح للنسوة الخائفات موجَّهة اليوم للجميع:”لا تخفنَ أنتن! … إنه ليس ههنا فإنه قد قام كما قال”. المسيح قام من بين الأموات ويهبنا السلام. إنه سلامنا. ولهذا بالذات تردد الكنيسة: المسيح قام! لا تخف بشرية الألفية الثالثة من فتح القلوب على المسيح لأن إنجيله يملأ العطش إلى السلام والسعادة الكامنتين في كل قلب بشري. المسيح حيٌ الآن ويسير معنا. سرُ محبة لا يُسبر غوره. المسيح قام حقا قام.
Discussion about this post