القدّيس عبد الأحد
ودوره في تاريخ الورديّة
جاء عن أحد المؤرّخين المتقدّمين واسمه “كاستيليوس”، أنّ صلاة الورديّة، قد أنشأها في فرنسا القدّيس “دومنيكوس” (عبد الأحد، وُلد في إسبانيا 1170، وتوفّي 1221)، وذلك بإيحاء من السيّدة العذراء، وأذاعها في رومية إذاعة عجيبة، وبها ردّ من الخطأة إلى الله شعوبًا لا يحصى عددهم.
وكان القدّيس عبد الأحد شغوفًا منذ صغره في إكرام العذراء مريم، وكان ممتلئًا غيرة يحارب فيها بدعًا كثيرة وهرطقات ظهرت على أيّامه،
وخصوصا بدعة “الألبيجازيّين”، التي كانت قد ملأت مدنًا، لا بل ممالك عديدة في ذلك الوقت (إسبانيا، فرنسا، إيطاليا…). وتفشّى من جرّائها أوبئة مخلّة في الآداب، بحيث لم يستطع وحده صدّ هذا التيّار. ممّا سبّب له الألم، وأحسّ بأنّ الكنيسة تضربها عناصر غريبة عنها، بما في ذلك من خطر على الإيمان.
فالتجأ عندئذٍ إلى مغارة في غابة على مقربة من مدينة تولوز في فرنسا، وصار هناك يتضرّع إلى الله ويطلب من والدته العذراء مريم أن تتقدّم إلى ابنها يسوع المسيح،
بطلب علاج لهذا الوباء حتّى يحارب هذه البدع التي ظهرت في الكنيسة.
وبعد ثلاثة أيّام من الصوم والتقشّف والصلاة، والابتهال إلى الله ووالدته، تلطّفت العذراء المجيدة وتراءت له. وبعد أن شجّعته وطيّبت نفسه، أشارت إليه بأن يتّخذ ورديّتها دواءً شافيًا لعصره، وسلاحًا كافيًا لردّ كلّ أعداء الكنيسة.
أمّا ظهور العذراء لعبدها الأمين، على حسب ما رواه المؤرّخون، كان على هذه الصورة:
كانت العذراء سيّدة جميلة جدًّا، ومعها ثلاث سيّدات كلّ واحدة منهنّ معها خمسين فتاتًا بثياب مختلفة.
السيّدة الأولى تلبس مع فتياتها ثيابًا بيضاء، عبارة عن خمسة أسرار الفرح.
السيّدة الثانية تلبس مع فتياتها ثيابًا حمراء، إشارة إلى خمسة أسرار الحزن.
السيّدة الثالثة تلبس مع فتياتها ثيابًا مذهّبة، كناية عن خمسة أسرار المجد.
وبعد أن تلقّى القدّيس من العذراء رسم إكرامها هذا، رجع حالاً إلى مدينة تولوز.
وعندما اقترب من مدخل الكنيسة، قُرعت أجراسها من ذاتها قرعًا قويًّا وغريبًا. فتراكض الناس إلى الكنيسة ليروا ما الأمر، فوجدوا القدّيس عبد الأحد واقفًا على المنبر، وطفق يقصّ عليهم ما رآه في خلوته بعد صومه وتقشّفه، وما أعطته العذراء له من أجلهم.
وأمرهم للحال بتلاوة المسبحة الورديّة، ردًّا لغضب الله وطلبًا لعفوه عنهم. وبوقته كان الجو قد تعتّم بالغمام متلبّدًا وأخذ الرعد يزمجر والبرق يقصف، وكان في الكنيسة تمثال العذراء فأخذ يرفع يديه إلى السماء ثمّ يلقيها نحو الشعب، كأنّه يتهدّده بالويلات.
ولكن عبد الأحد جثا أمامه طالبًا من العذراء أن تقبل توبتهم مع تلاوتهم لورديّتها، وكفّ يد العدل الإلهيّ عن الاقتصاص منهم.
وذُكر في تاريخ القدّيس عبد الأحد المنشئ لهذه الصلاة، أنّ أحد أساقفة الكنيسة كان غير راضٍ عنه لنشره الورديّة، وكان ينتقده على هذه الطريقة الجديدة في الصلاة.
فأراه الله في الحلم: العالم يغرق في بحيرة ماء، وأنّ القدّيس عبد الأحد مدّ جسرًا فوق تلك البحيرة وبنى عليه مئة وخمسين برجًا، وكان ينتشل الغرقى من تلك البحيرة ويضعهم في تلك البروج بمأمن من الغرق.
ففهم عندئذٍ أنّ تعبير هذه الرؤيا، هو أنّ العالم يغرق في بحيرة من الشرور والرذائل، والجسر هو صلاة الورديّة التي أذاعها عبد الأحد، والمئة والخمسون برجًا، هي المائة وخمسون سلام المركّبة منها المسبحة الورديّة.
بعد هذا الحلم طلب الأسقف المُعتَرِض من عبد الأحد أن ينصرف كليًّا لنشر صلاة الورديّة. فجعل منها محور حياته وكان يقول:
“إنّ إكرام والدة الإله مريم هو أساس كلّ تقوى وكلّ برّ وقداسة”.
من كتاب :
الورديّـــة نشأتها وتاريخها
دورُها وأهميّتها في الحياةِ الرّوحيّة
جمعيّة “جنود مريم”
No Result
View All Result
Discussion about this post