ثانيًا: مواهب الأب بيّو المتعدّدة
«إنّ أعظم عمل محبّة، هو أن ننتزع النفوس من قبضة الشيطان، ونذبحها للمسيح» (الأب بيّو)
كانت مهمّة الأب بيّو واضحة: خلاص النفوس بواسطة الصلاة، الإماتات، الإرشاد في كرسيّ الاعتراف والذبيحة الإلهيّة. وقد أنعم عليه الله بمواهب كثيرة تساعده على القيام بمهمّته، نذكر من هذه المواهب:
1. الرؤية الواضحة والتمييز أي القراءة في الضمائر:
كان الأب بيّو يمضي في كرسيّ الاعتراف بين 17 و19 ساعة يوميًّا. وأكثر عجائبه كانت عجائب كرسي الاعتراف فقد كانت شبكته دائمًا قيد الاستعمال:
– إنّ كلمة صغيرة منه، كفيلة بأن تعمل في نفس الخاطئ الكبير، الكثير من التأثير فيعود إلى عبادة الله. قال أحدهم: «لا أؤمن بالله». فأجابه الأب بيّو: «ولكن يا بُنيّ إن الله يؤمن بك». ففتحت هذه الجملة مداركه ورجع إليه تعالى.
– قال آخر: «يا أبتِ، أخطأتُ كثيرًا حتّى لم يبقَ لي أمل في الرجوع». فقال الأب: «لكن الله لا يترك أحدًا، فقد كلّفه أمر خلاصك الكثير فكيف يتركك؟» فتاب.
– خلال المناولة، مرّ الأب بيّو عشر مرّات أمام رجل راكع أمامه ولم يمنحه القربان وكأنّه لم يَرَه، في آخر القدّاس تبعه هذا المسكين إلى السكرستيّا، فقال له الأب بيّو: «اذهب وتزوّج تلك التي تعيش معها ثمّ تعال فتناول».
– في كرسي الاعتراف كان الأب بيّو قاسيًا على الخطأة ليحثّهم على الندامة، وكان يقرأ في الضمائر فيذكّر التائبين بخطايا نسوها أو أخفوها عن قصد، ويبيّن لهم خطاياهم مع عددها وظروفها. كما وأنّه كان يجيب على أسئلة قبل أن تُسأل…
– قصدته امرأة يومًا لتعترف بإثم كبير اقترفته. وقبل أن يستمع إليها، صلّى من أجلها، فشاهدت رؤها عجيبة، إذ وجدت نفسها في ساحة مار بطرس في روما بين الجماهير تطالب ببابا جديد، وكان الفرح يغمر رؤياها. ثم ابتدأت اعترافها وأقرّت بأنّها أجهضت جنينها عمدًا. حينئذ قال لها البادري بيّو: «هذا البابا الذي كانت الجماهير تنادي به…، هو الابن الذي قتلته بالإجهاض…».
2. نعمة الانتقال من غير أن يبرَح مكانه:
نال الأب بيّو نعمة الانتقال إلى حيث يجب أن تُجترح العجائب. (كان ذلك يحصل مع القدّيس أنطونيوس البادواني).
هذا الراهب الطائع حتى المُنتهى، الذي لم يبرحْ ديره منذ أكثر من خمسين سنة، كانوا يرونه في أمكنة عديدة من إيطاليا وفرنسا وأميركا، ويسمعون كلماته ويشعرون بلمساته، ويشتمّون رائحة زكيّة تُنبئُ بحضوره، وترافقها أحيانًا شفاءات أو اهتداء أو تنشيط روحيّ وجسديّ. هذه بعض أسفاره العجيبة:
– ظهر الأب بيّو لقائد يريد الانتحار فرمى مسدّسه على الأرض عندما قال له: «إنّك أرفع من أن تأتي بهذا العمل الوحشي».
– سألوه يومًا عن هذا التنقّل الروحيّ دون مغادرة المكان الذي هو فيه؛ فأجاب: «إنّ النفس التي تنتقل في حياتها تعرف ذلك تمام المعرفة إذ ليس الجسد هو الذي يقود النفس وإنّما النفس هي التي تقود الجسد، وعلى كلّ حال، فإنّها تعي ذلك تمامًا وتعرف أيضًا لماذا هي ذاهبة.
– يُخبر الأب “كليمنضوس”: أنّه بينما كان يُقيم الذبيحة لراحة نفس والد الأب بيّو: ظهر قربه في بدء الكلام الجوهريّ وبعد أيّام أتى إلى الدير وألحّ عليه يسأله ما إذا كان حقًّا بقربه؟ فأجاب: «ومن تريد أن يكون يا أخي؟».
– ولا يمكننا إلاّ أن نذكر حضوره دون أن يغادر ديره طبعًا إلى جانب المتألّمين: فقد شوهد في هنغاريا مؤاسيًا للكاردينال “ميدزنتي Midszenty ” في السجن وقد اعترف الأب بيّو شخصيًّا أنّه زاره وخدم له القدّاس في السجن. وفي يوغوسلافيا، شوهد الأب بيّو في دعوى “الكاردينال ستيبيناك Stepinac”. وفي بولونيا ذهب يؤاسي “الكاردينال فيزينسكي Wiszinski” ورفاقه. وشهادات كثيرة تقول أنّه ذهب إلى سيبريا، وتشيكوسلوفاكيا، وغيرها من الدول الاشتراكيّة لتعزية وتشجيع المؤمنين والمضطهدين.
3. العجائب
أمّا عجائب الأب بيّو من شفاء مرضى، وهداية الخطأة، وعودة غير المؤمنين إلى الله وغيرها فهي كثيرة لا تُحصى، كانت تلك الثمار اليوميّة لرسالة البادري بيّو. في روما أكثر من مئة مجلّد كبير، تحتوي على مئات الصفحات التي تنقل إلينا مختلف الشهادات من معاصري البادري بيّو؛ أو حازوا على نعمة ما منه أو على شفاء، أو كانوا شهودًا لظاهرة غريبة حصلت بشفاعته. وهذه بعض هذه العجائب:
– ثمّة ولدٌ وقع في غيبوبة من جرّاء نزيف في الدماغ في مستشفى في فرنسا، يوقظُه كاهن، فينهض معافى. قام الوالدان مع ابنهما بزيارة تقويّة للبادري وإذا بالولد يصرخ: هذا هو الكاهن الذي رأيته وتبسّم لي فأمرني أن أنهض وأقوم.
– امرأة بلجيكيّة بُلِيَت بداء السرطان في صدرها، كما يبستْ يدُها اليمنى. صلّت وكرّست تساعيّة للبادري بيّو. وفي آخر يوم؛ بينما كانت تراقب ابنتها وهي تلعب في البستان سقطت هذه الأخيرة في البركة. مدّت الأم يدها بعفوية لتنشلَها، فتحرَّكت اليدُ وزال عنها المرض.
– كانت رائحة ذكيّة تنبعث دائمًا من دم البادري بيّو، وهي أريجٌ محَبَّب فتّان كأنّه مزيجٌ من روائح الزنبق والورود، يشمّه الزائرون لدى اقترابهم من غرفته فينتعشون. ولم يكن البادري يضع عطرًا وما كان يوجد في الدير أثر للطيوب.
– في الحرب العالميّة الثانية، استشاره جنديّ: هل يصيبني مكروه؟ – فأجابه: لا، لن يُصيبك مكروه، ولكن إلى أين أنت ذاهب؟ – قال إلى اليونان فأجابه: لا، لن تذهب إلى هنالك. صدقت النبوءة بحذافيرها…
– بينما كان ضابط يحرِّض جنوده للمقاومة أمام هجومات الأعداء، في الحرب العالميّة الأولى، على مرتفع بارز، شاهدَ، على مسافة، راهبًا يصرُخُ إليه: أبعِدْ من هناك حالاً. تعال بقربي. أسرعْ، أسرع”. أُعجب الضابط بذلك الوجه الملائكي والعينين اللامعتين، قفز بسرعة، وما إن بلغ قرب الراهب حتّى سمع انفجار قنبلة في المكان الذي كان واقفًا فيه يأمر الجنود. نظر إلى الدخان مذعورًا. وبعد لحظات التفتَ إلى الراهب ليشكرَه. ويا للعجب، أين هو؟ إنّه قد اختفى. أخبر أصدقاءَه بالحادث، فأشاروا إليه: ربّما يكون البادري بيّو. ذهب إلى سان جيوفاني روطوندو، وما إن دخل السكرستيّا، رآه وهتف: “هذا هو. هذا هو حقًّا” وركع يقبّل يديه. وضع البادري بيّو يده على رأس الضابط وقال له: “لا تشكرني، أنا. بل أَدِّ الشكر لسيّدنا يسوع المسيح وللعذراء مريم”.
– “أنّا جيمّا جي جورجي”، بنت سبع سنوات من صقليا، عمياء منذ ولادتها، لا بؤبؤ في عينيها، ممّا يعني لجميع الأطباء أنّ لا شفاء لها من العمى. لها نسيبة راهبة، قالت لجدّتها: “خذيها إلى سان جيوفاني روطوندو. إنّ البادري بيّو كاهن قدّيس، ويداه الحاملتان السِمات المقدّسة مملؤة نعمًا سماويّة. عيناه تنظران دومًا إلى السماء كي تستمدّ من الله النعمة التي نطلبها بشفاعته. “تذرّعت الجدّة بإيمانها البسيط وسلّمت ذاتها للثقة. في 6 حزيران 1947 عند العصر وصلت مع البنت إلى دير سيّدة النعم مع الأمل أن يَقبلَها البادري بيّو للمناولة الأولى فتتناولُ القربانة من يده وتطلبُ منه الشفاء. حشود الزائرين لم تسمح لهما التقرّب من كرسي الاعتراف. في الغد انتظرتا على الباب منذ الساعة الواحدة ليلاً. لمّا فُتح الباب عند الساعة الرابعة كانت الاثنتان في المقدّمة عند المذبح. بعد القدّاس وفعل الشكر، أي بعد ساعتين، أقبل البادري، وبينما هو يدخل في كرسي الاعتراف شرع ينادي: “لتأتِ أنّا جيمّا العمياء إلى هنا”. استمع إلى اعتراف الصبيّة ولمَس جفنيها ورسم عليها إشارة الصليب. بعد الظهر أُقيم احتفال آخر. تقدّمت أنّا وتناولت القربانة لأوّل مرّة من يد البادري بيّو، الذي رسم أيضًا إشارة الصليب بإصبعه على جَفنيها. بعد لحظات شعرت البنت أنّها ترى بعينيها رؤية واضحة. هذا الشفاء، ضجّت فه كنيسة الدير والمدينة، وإيطاليا بأسرها. من “باليرمو” أتى طبيب أنّا، هو الذي كان قد أعلن العمَى غير القابل للشفاء. عاين البؤبؤين لا يزالان غير موجودين، والبنت تشاهدُ الناس والأشياء بوجه طبيعي. معاينات طبيّة أخرى أثبتت هذا الوضع. كيف ذلك والبنت ترى مثل كلّ إنسان سليم؟
– في أواخر الحرب العالميّة الثانية، بينما كانت الطائرات الأميركيّة تقصف القرى والمدن الإيطاليّة، عجز الجنود عن قصف سان جيوفاني، لأنّهم شاهدوا راهبًا كبّوشيًّا سائحًا في الفضاء، فاتحًا ذراعيه ليحمي المدينة. بعد الحرب قدم الجنود إلى المدينة ليتفقّدوها من أجل التحقّق من هذا الحادث العجيب، وإذا بهم يصادفون البادري بيّو ويقولون: هذا هو الراهب الذي كنّا نشاهده في الفضاء سابحًا فوق المدينة. ومن ثمّ راحوا يبشّرون به، فامتدّ صيته إلى الولايات المتّحدة، وتقاطرت الناس إليه من بعيد.
– اجتاح الجراد منطقة سان جيوفاني روتندو وهُدِّدت المزروعات بالإبادة بالرغم من المكافحة. فهرع المزارعون إلى الدير يستعطفون الأب بيّو لنجدتهم، فخرج بأمر الطاعة ورسم إشارة الصليب على الحقول فولّى الجراد مدبرًا ونجَتِ المزروعات واطمأن المزارعون.
– سأل يومًا بيّو مزارعة شابّة (غراسيا 29 عامًا) وهي عمياء منذ الولادة إذا كانت تريد أن تستعيد بصرها. «طبعًا أريد، أجابت، إذا كان ذلك لن يقودني إلى الخطيئة». فأسرَّ إليها الأب بيّو أنّها ستشفى وأرسلها لتجرى لها عمليّة جراحيّة في “باري Bari” على يد جرّاح ماهر هو الدكتور “دورانت Durante”. لمّا فحصها الطبيب أدرك أنّ الجراحة لن تفيدها بشيء ونصحها بأن تطلب أعجوبة من الأب بيّو. أجرى الجراحة لعين واحدة وها إنّ الشابة تبصر بعين فأجرى عندها العمليّة بالعين الأخرى وها هي غراسيا تبصر بعينيها الاثنتين. كان هذا أمرًا مذهلاً ولا تفسير. ولما عادت إلى سان جيوفاني روتندو أسرعت غراسيا لتشكر الأب بيّو وعبّرت له عن فرحها وعرفانها بالجميل. فنظر إليها الأب بيّو مبتسمًا بصمت؛ وطلبت منه أن يباركها فرسم عليها إشارة الصليب.
– ويُذكر أيضًا أنّه بشفاعة الأب بيّو وبفضل صلواته عاد ميتان إلى الحياة.
4. الروائح الذكيّة
– هذه الروائح كانت دائمًا علامة لأعجوبة إذ كانت تسبق الأعاجيب التي يصنعها الأب بيّو رائحة عطرة غريبة لا تدوم طويلاً.
– كتب عروسان بولونيّان يسكنان في انكلترا إلى الأب بيّو يستشيرانه في مسألة خاصّة، ولمّا أبطأ الجواب قرّرا الذهاب لمقابلته وجهًا لوجه وبما أنّ السفر كان طويلاً باتا ليلتهما في سويسرا في فندق وما إن دخلا غرفتهما حتّى استنشقا رائحة عطرة لا توصَف، بحثا في الغرفة فلم يعثرا على شيء ولمّا استخبرا صاحب الفندق أجابهمـا هازئًا أنّ هذه هي أوّل مرّة يُقال أنّ في فندقه رائحة طيّبة. ولمّا وصل الزوجان أمام الأب بيّو قال الزوج: «لماذا لم تُجبنا يا أبتِ؟» فابتسم الأب بيّو وقال لهما: «كيف لم أجبكما؟ ألم تشعرا بشيء في فندق سويسرا؟» كانت هذه الرائحة الذكيّة ذات غاية رسوليّة لا يشعر بها إلاّ من يريد الله أن يصنع له خيرًا.
– ومرّةً أخرى، أخبر كاهن أنه حمل القربان لمريض ولمّا قرع الباب، غمرته رائحة ذكيّة ظنّها بدايةً عطر النساء الساكنات في البيت، لكنّه للحال فكّر أنّ إصبع الأب بيّو كان هناك. وعند رجوعه إلى الدير سأل الكاهن الأب بيّو: «لماذا جعلتني أشمّ رائحتك؟» أجاب: «لأنّني أحبّك جدًّا».
– وكم مرّة انتشرت روائح الزهور قرب المريض الذي كان يشفيه استجابة لصلوات أهله.
– وهناك الكثير من العجائب التي صنعها الله على يد هذا الكاهن القدّيس لا تُحصى ولا تُعدّ…
5. التكلّم بلغات عديدة
سمع اعتراف الملايين من المؤمنين الآتين من عدّة بلدان وثقافات، وبينهم الكثير الذين لا يتكلّمون اللغة الإيطاليّة. فهناك شهادات للذين قالوا أنّ البادري بيّو كان يتكلّم معهم بلغتهم وقد فهموا جيّدًا إرشاده. هل تكون مواهب الروح في العنصرة قد تجدّدت فيه؟
No Result
View All Result
Discussion about this post