خامساً : موزّع النعم السماوية
1. ما إن توفّي حتّى صنع أعجوبة جديدة
سجّى جثمان الأخ بيريغران على بعض ألواح خشبيّة في كنيسة فورلي التي امتلأت بالمؤمنين الحجّاج يزدحمون ليلاً ونهارًا منذ لحظة وفاته. جميعهم يريدون أن يروا القدّيس ويلمسوه، وأن يأخذوا قطعة من ثوبه إذا لم يصدّهم عن ذلك أحد.
والآن قد أصبحنا في يوم جنازته. وسط الجمهور السائر كان رجل أعمى، مسكين. لقد سمع الناس يتحدّثون عن الأخ بيريغران والأمل في قلبه.
«آه! لو أني أتمكّن من لمس القدّيس! ولكن ما العمل؟ ليس لديّ من يساعدني ويقودني». الجمهور يتابع مسيرته مثل موجة، وهذا الأعمى معهم، يدفعه من يمشي وراءه. لقد شعر بأنّه يقترب من الأخ: فقد أنبأته بذلك صلوات الجمهور، وحرارة الشموع، والرائحة المنبعثة من الجثمان.
وإذ خشيَ أن يفلت منه الأخ بيريغران فقد صاح: «أيّها القدّيس بيريغران، اجعلني أُبصر!».
توقّف الشعب عن المسير، وساد صمت. ها هي صرخة الإيمان هذه تنطلق من جديد. فنهض الأخ بيريغران من نعشه، ومدّ إحدى يديه نحو الأعمى، ورسم إشارة الصليب المعتادة منه. ثمّ رقد جامدًا من جديد بين الشموع المباركة.
«أنا أبصر! أنا أبصر!» صاح المشفيّ بأعجوبة، ساقطًا على ركبتيه أمام الأخ بيريغران، منتحبًا.
عند ذلك أصبح هو من من يريد الجمهور رؤيته. خرج الآباء والإخوة من الدير، وهرع الأسقف إلى المكان. الأعجوبة واضحة، جليّة، لا يمكن إنكارها. الجميع يعرفون هذا الأعمى المسكين، وأخذوا يجاهرون بذلك أمام الشعب. ولإنقاذ جثمان الأخ من حماس جمهور هائج، أقيم حرّاس بشكل اضطراري.
كانت تلك أولى عجائب الأخ بيريغران بعد وفاته. وقد ذكرها جميع الذين كتبوا سيرته. ومنذ ذلك اليوم والحجّ إلى قبر خادم الله لا يتوقّف، بغية تقديم الشكر إلى الربّ على النعم التي منحها، أو بغية أن توضع على أقدام من كان ثوريًّا فيما مضى استرحامات حارّة لنيل حاجات متنوّعة.
2. موزّع النِّعم السماويّة
كان الأخ بيريغران يدعى خلال حياته بالعجائبيّ أي صانع العجائب.
كان اعتباره لدى الله كبيرًا إلى حدّ أنّه أتى بمعجزة تكثير الخبز والخمر لفقرائه. فكانت شفقته عليهم شديدة إلى درجة أنّه كان يشعر بأنّه يموت حسرة عندما لا يتمكّن من إغاثتهم. وكان إيمانه من العظمة إلى درجة أن جميع المرضى الذين كان هو يستغيث باسم يسوع فوق رؤوسهم، يشفون. وكان من عادته القول إنّه إذا لم يحصل المسيحيّون على ما يطلبونه من الله الرحوم فذلك لأنّ إيمانهم ليس كبيرًا بما فيه الكفاية (نيكولا دي بيستوا).
«كان المحزونون والمصابون بعلل يأتون بجمهرة ليروه كي يطلبوا إليه شيئًا واحدًا، وهو أن يصلّي من أجلهم.
«في أحد الأيّام نفذ القمح من مكان تخزين الحبوب، فبارك حبّة قمح واحدة وإذا بالمكان يمتلئ قمحًا» (توما دي فيرون).
ومن السماء هو يتابع ما قد بدأه على الأرض. وكانت فورلي أوّل من أحسّ بتأثيرات حمايته لها. وقد كتب “نيكولا دي ببستوا”، بعد مدّة قصيرة من وفاة الأخ، ما يلي: «لقد توفّي بيريغران مأسوفًا عليه من جميع مواطنيه في فورلي الذين يعتقدون أنهم فقدوا كلّ ما هو صالح لديهم. ولكن الواقع هو بخلاف ذلك، لأنّ بيريغران يسبغ على مدينته من النعم، بعد موته، أكثر ممّا كان يفعله في حياته.
فقد أقام لها أكثر من ميت واحد، وشفى لها كثيرًا من المرضى. وبكلمة واحدة: لقد صنع فيها من العجائب ما يتطلّب وضع كتاب على حدة كي تُروى كلّها».
إنّ مدينة كستيلّو التي تتشرّف بأن يكون القدّيس بيريغران شفيعها، قد أحصت حتّى عام 1715 مئة وإحدى وستين (161) أعجوبة حدثت داخل سورها، وذلك بشفاعة حاميها، القدّيس بيريغران . والنبع لا ينضب، لأنّ عدد العجائب قد تجاوز الثلاثمئة (300) بعد أحد عشرة سنة من ذلك.
والمعجزات الثلاث المتطلّبة في حينه لإثبات قداسة الأخ بيريغران قد اجتُرحت في مدينة كستيلّو بالذات… كان ثمّة ولد في السابعة من عمره عاجز عن المشي منذ ولادته. صلّى أهله كثيرًا إلى القدّيس أنطونيوس، ولم ينالوا شفاء ولدهم. وذات يوم توجّه الولد إسكندر هذا إلى أمام مذبح الأخ بيريغران على عكّازيه، وقال ببساطة عذبة: «يا أخ بيريغران، بما أنّ القدّيس أنطونيوس لا يشفيني، ها أنا أسلّمك عكّازي وأضعهما على مذبحك لأنّي لم أعد أريد استعمالهما». فشفي للحال.
في سنة 1700 شفى الخوري فرانسوا، كاهن رعيّة غيرازو، شفاءً مفاجئًا وكاملاً من سرطان في ساقه. وفي 18 شباط من سنة 1702 شفيت الأخت ماري جيرترود من سرطان غير ممكن شفاؤه .
منذ افتتاح معبد القدّيس بيريغران في مونريال بتاريخ 11 تشرين الأول 1987 والنعم الروحيّة والجسديّة تتكاثر بشفاعته. وفي ما يلي بعض الشهادات:
– «شكرًا على هذا الخير كلّه الذي تسبغه علينا. إنّ القدّيس بيريغران هو معنا، أنا ألتمس منه أن يساعدكم في الصعوبات التي تلاقونها. لقد صنع شفاء في قلبي وساعدني على استعادة هدوء وأمل في حياتي اليوميّة أكثر من ذي قبل. وإنّما في معبدك قد وعيت أهميّة أن أضع الله في حياتي / حياتها… »
– عرفان جميل صادق للقدّيس بيريغران، نظرًا لنجاح عمليّتين جراحيّتين خطرتين لشخصين أُصيبا بالسرطان، ولأنّ ثمّة شخصًا آخر قد ساعد مرضه على وضعه في مسار روحيّ عميق».
الآنستين إيرين فيردون Irène Verdonوإيرين كلوتيي Irène Cloutier – مونريال
– «شكرًا صادقًا إلى القدّيس بيريغران من أجل شفاء كنّتي بتورّمات سرطانيّة. فقد نجت من عمليّة استئصال الثدي، والمسؤولون في مستشفى القدّيس لوقا يقولون إنها أعجوبة حقيقيّة».A. Dionne, St-Rémi
– «كنتُ أعاني من ورم سرطاني في غشاوات فمي، فقصدتُ راهبات “خادمات يسوع ومريم”، وطلبتُ إليهنّ أن يصلّين من أجلي. فأعطتني إحدى الراهبات صورة القدّيس بيريغران ناصحة إيّاي أن أصلّي إليه بثقة. وقد فعلت ذلك ولا أزال. فاختفى السرطان، وقال لي الأطباء إنّ المعالجات العميقة بالراديو (radiothérapie) كان لها تأثيرها الكبير. إني أعتبر أنّ القدّيس بيريغران قد نجّاني من العمليّة، وأوحى إلى الأطباء بالمعالجة الناجعة. شكرًا لك، يا ربّ، شكرًا لك، أيّها القدّيس بيريغران».J. Bélanger, Hull
– «كانت فعلاً هديّة من السماء هذا الشفاء من سرطان في المصارين، الذي نلته بشفاعة القدّيس بيريغران. فبعد سنوات عديدة من المرض كان ذلك حقًّا بفضل شفاعته لدى الربّ يسوع. تابعوا عملكم الرسولي الجميل. تمنيّاتي إلى كلّ الفريق: الصحة والسعادة والتوفيق».
Jeanne d?Arc Bouchard, Montréal- مونريال
– «شكرًا للربّ الذي يستخدم صديقي القدّيس بيريغران لتجنبني عمليّة خطرة. إني أنضمّ إلى الزوّار الذين يصلّون في معبد القدّيس بيريغران لكي تُحفَظ صحّتي، باعتباري مرغمة على الاهتمام بأختي العاجزة».
J. Bélanger
– «ابنتي، الوالدة لستة أولاد، كانت خضعت لعمليّتين جراحيتين بسبب سرطان في ساقها وثديها. وبما أنّ الأطباء قد ارتأوا إجراء عمليّة جديدة بصدد هذا الداء فقد تضرّعنا إلى القدّيس بيريغران، ووعدنا بأن نقدّم شيئًا. فيسرّني إعلامكم أنّه بحسب التحاليل الأخيرة لم يعد يوجد أي أثر للسرطان. إني أشكر كثيرًا القدّيس بيريغران على هذا الشفاء، أنا مستمرّة في التماسي إليه أن يحمينا من السرطان إذا كان في ذلك مشيئة الربّ المقدّسة».Mme R. Fontaine, Coaticook
– «في سنة 1981 أصبتُ بالتهاب الوريد عقب فليبيت (Syndrome post-phlébitique) في الساق الأيسر، وذلك نتيجة لسقوطي على درج الميترو. وقد تكوّنت إثر ذلك بقعة محرقة ذات ألوان متعدّدة، كبرت مع الزمن. وقد أفضى الأمر إلى إقعادي ممدّدة في السرير. ولدى تدخّل صديقي القدّيس بيريغران شفيتُ تمامًا، وأعلن الطبيب الاختصاصي، بعد أن أجرى فحصًا دقيقًا، أنّ هذا الشفاء عجائبي. لقد استغنمتُ فرصة المسيرة المريميّة في افتتاح الشهر المريمي، والتطواف بالقربان المقدّس في عيد الربّ، لأذهب وأشكر القدّيس بيريغران في معبده».
M. Lescadre
– «نعم، عليّ أن أتحدّث عن القدّيس بيريغران، وأن أعرّف به، وأشكره. لقد تعرّفت به أثناء تلاوتي مسبحة مساء الخميس مع الراديو. وبما أنّني كنت أعاني من وجع في رأسي وقلبي فقد قرّرت أن أذهب إلى الطبيب. وقد خاطبت القدّيس بيريغران أيضًا، وطلب إليه شفائي أو، على الأقل، أن يخفّف من أوجاعي. وفي اليوم التالي اختفت الأوجاع، فناديت ابني ليرافقني إلى «المعبد» كي أشكر القدّيس بيريغران.
وهناك كان الرب ينتظرني مع خادمه في جوّ صلاة، وتضحية وإماتة، وسماع لكلام الله. إنّ عبادة القربان الأقدس، ومباركة المرضى، ووضع الأيدي، وقربانة مقدّسة تصلّي، كلّ ذلك قد أطلق ورعي من جديد. ومنذ ذلك الوقت أنا أوزّع صورًا، وأيقونات، وكتيّبات التساعية لكي أعرّف بالقدّيس بيريغران. كلّ هذا إقرارًا بالنّعم التي نلتها بشفاعة هذا القدّيس العظيم» Mme B. R.
هذا العدد القليل من الشهادات يتيح تنشيط ثقتنا. ولكن بإمكاننا أن نقدّم لكم صفحات وصفحات تبيّن النّعم التي يسبغها الربّ على يد خادمه. سواء في المعبد أو بالهاتف أو بالبريد، نحن شهود على القدرة التي يمنحها الرب يسوع للشفيع لديه، القدّيس بيريغران.
3. إثبات قداسته
في الخامس عشر من نيسان 1609 وافق البابا “بولس الخامس” على التعبّد للأخ بيريغران وأعطاه لقب طوباويّ، وأدرج اسمه في السنكسار الروماني، مع السماح بإقامة القدّاس الإلهيّ على شرفه من قبل معرّف لا يكون من الأحبار. وكانت قضيّة تطويبه قد عهد بها إلى الكردينال روبير بيلاّرمان اليسوعي.
ومن ثمّ إنّ كثرة الأعاجيب التي نُسبت إلى شفاعته، لا سيّما التعبّد الكبير الذي بدر من أهالي فورلي، ذلك قد حثّ هؤلاء على طلب إثبات قداسته.
ففي 27 كانون الأول من سنة 1727 أعلن البابا “بنيديكتوس الثالث عشر” الأخ بيريغران قدّيسًا، مبرزًا رسوليّته، وتكفيراته الكبيرة، وانتشار التعبّد له بسرعة. وقد ترأس البابا بنفسه احتفالات تثبيت هذه القداسة في كنيسة القدّيس مرسيل في روما. وبعد أيّام قليلة من ذلك عاد إلى هذه الكنيسة ليكرّس بنفسه المذبح الجديد المقام على اسم القدّيس بيريغران.في غضون ذلك أوصل البابا نبأ هذا التثبيت إلى فورلي التي، وسط الورع والحماس، أخذت تستعدّ للاحتفالات الكبيرة التي دامت من 23 نيسان حتّى الأول من أيّار.
مدينة في بهجة، هكذا كانت فورلي في استقبال القاصد الرسولي وعدّة أساقفة. كان الأهالي، طيلة تلك الأيام، يشاركون في احتفالات رسميّة، وخطابات مديح يلقيها أعضاء من عدّة رهبنات.
في اختتام هذه الأعياد نظّمت حفلة موشّحات دينيّة بمشاركة أكبر الموسيقيّين في إيطاليا.
وفي سنة 1926 ترأس بطريرك البندقية الاحتفال بالذكرى المئويّة الثانية لإعلان قداسة الأخ بيريغران، وبعد تطواف كبير نقل جثمانه إلى كاتدرائيّة فورلي.
بالرغم من أنّ حوالي 700 سنة قد انقضت على وفاة القدّيس بيريغران فإنّ رفاته لا تزال محفوظة بشكل لا بأس به. وفي 16 نيسان 1958 جرى آخر إثبات لجثمان القدّيس بحضور طبيب وأسقف فورلي. فكان جثمانه كاملاً ولكن مجفّفًا، ولا شيء سوى ذلك.
جمعيّة “جنود مريم”
No Result
View All Result
Discussion about this post