خاتمة عامّة
كيف يمكننا أن ننهي الكلام عن قدّيسة نادرة وفريدة كقدّيستنا
كانت العذراء مريم تدعوها “قلب قلبي” و”نفس نفسي” وتقول لها: “إنّ قلبك هو قلبي” وبأنّها “ابنتها الأعزّ بين كلّ بناتها”، ساروفيمًا قال عنها الربّ يسوع للقدّيس فرنسيس، في إحدى الرؤى: “يا فرنسيس، إنّ ابنتك هذه هي المفضّلة بين كلّ عرائسي”!
“قدّيسة قال لها الربّ: كلّ ما تلمسينه خلال الصلاة، سأباركه… ستكونين حاملة راية محبّتي… جراحاتك ستكون حمايةً لكِ وللآخرين… لقد أغنيتك بكلّ الكنوز، لفائدة العالم… لقد جعلتك موزّعة كنوز السماء…”.
ومع ذلك، فعلينا أن نختم هذا الكتيّب، على رجاء أن يكون:
1. تذوّقًا يدعو إلى الانغماس في مسيرتها بإسهاب، لا بل في اليوميّات نفسها؛ وهذا ما نتمنّاه.
2. كتيّبًا يكشح ظلمات أخطاء عديدة منتشرة كثيرًا اليوم، ليدفع نفوسًا سخيّة إلى تضحية حقيقيّة، وإلى المشاركة في جيش النفوس المكفّرة التي تعزّي الله الخالق والله الفادي؛ وإنّنا لنتمنّى ذلك حقًّا!
3. عونًا لتشكيل سلسلة جديدة وقويّة من الصلاة للقدّيسة ومع القدّيسة، لكي نستقطب شفاعتها القديرة، وندعوها إلى الولوج بقوّة في المعركة المفتوحة والعنيفة بين الخير والشرّ، معركة، كان خادم الله البابا يوحنّا بولس الثاني قد سبق وأعلن أنّها “المعركة الأخيرة بين الكنيسة وما ضدّ الكنيسة، بين الإنجيل وما ضدّ الإنجيل”، مضيفًا بأنّ “المجتمع المسيحيّ لم يعِ جيّدًا هذه الحقيقة”.
ولقد أردنا، لهذا الكتيّب على وجه أخصّ، أن يساهم في إعلان القدّيسة “معلّمة الكنيسة”، وإعلان العقائد المريميّة التي سوف تفرِّح السماء وتقهر الجحيم؛
وإنّنا لواثقون بأنّ “خبزاتنا الخمس وسمكتينا” (متى 14/7) سوف “تكثّرها” ابتسامتا يسوع ومريم المباركتان.
علّ هذه القدّيسة تستطيع أن “تكافئ” – إن أمكننا التعبير على هذا النحو – أمّها ومعلّمتها مريم الكليّة القداسة، وذلك بمساهمتها بتعميق القناعة، حول عدم إمكانيّة الاستغناء عن الكريس الكامل لقلب مريم المتألّم والطاهر، “نبع كلّ النِّعَم”، وحول إعادة ازدهار الحياة الداخليّة والروحيّة التي تغلق النفس على العالم لتفتحها عل عالم الله وتغذّي من جديد، في قلوب البشر، التوق إلى الفردوس.
قبل أن نختم، ناظرين في شخص القدّيس الأب بيّو – عملاق هذا القرن الأخير – “القيرواني” الذي أعان الكنيسة على حمل صليبها اليوم، يبدو لنا بأنّنا نرى أيضًا في القدّيسة فيرونيكا جولياني، “فيرونيكا درب الصليب” التي بدأت تبرز،
مفاجئةً الجميع، لكيما تتخطّى كلّ العوائق، وتعزّي اليوم أيضًا سيّدها.
إلى ذلك، فلا يبدو من الصعب استشفاف تعبّد كبير تحلّى به القدّيس بيّو نحو هذه القدّيسة، الكبّوشيّة مثله، الموسومة مثله، ملاحظين بأنّ رسمها في الكنيسة القديمة يقع تمامًا قبالة الموضع الذي نال فيه الأب بيو السمات، وقد وضع لها في كنيسة الدير الجديدة “موزاييك” كبيرة. وقد علمنا بالأكثر، أنّ صورة القدّيسة قد بقيت معلّقة على باب قلاّية الأب بيو طويلاً بعد موته (خبرٌ أكّده الأب المحترم باولينو الكبوشي، المسؤول عن مزار سيّدة السطوع في جوليانوفا)، وأنّ رسم القدّيسة كان دومًا قبالة ناظري الأب الأب بيو في غرفة المائدة القديمة في الدير.
والآن، ونحن مقتنعون بما جاء على لسان الكاتب بارجيلّيني: “فحينما سيتمّ، كما نأملن إعلان “تلميذة الروح القدس” ملفانة، فإنّ سيرة حياة القدّيسة فيرونيكا تكون قد اكتملت” لنترك الكلمة الأخيرة للكاردينال العزيز بياترو بالاتسيني، إذ يقول: “… إنّ موقفًا علنيًّا واحتفاليًّا من قبل الكنيسة سيمكنه أن يعطي من جديد لرسالة القدّيسة الخلاصيّة الزخم الذي تستحقّه”.
وبذلك، فإنّنا نَكل هذا الكتيّب إلى رسول الأمم القدّيس بولس، في السنة 2008-2009 التي كرّسها الأب الأقدس لذكرى مرور ألفي سنة على ولادته، هو الذي أحبّته القدّيسة بشكل مميّز بين كلّ القدّيسين، وكانت تدعوه “عزيزي القدّيس بولس” خصوصًا لأجل تعليمه حول التكفير، حيث يقول: أكمّل في جسدي ما ينقص من آلام المسيح” (كلو 1/24).
ونشير إلى أنّ البعض قد دعا القدّيسة فيرونيكا، بسبب توقها الشجاع والبطولي للتضحية في سبيل توبة البشر، “مار بولس الأزمنة الأخيرة”.
وفي النهاية، لفتة عرفان الجميل نخصّ بالأخ جلمود، المتعبّد حقًّا والمكرّس لقلب مريم المتألّم الطاهر وابنًا للقدّيسة فيرونيكا؛ فله يعود الفضل الجزيل في مسيرة وضع هذا الكتيّب الروحيّ. وإنّ دوره لم ينتهِ بانفصاله الجسديّ عنّا، بل يمكن أن يضحي أكثر تأثيرًا من خلال الذكريات التي قد طُلب من الأخ عمانوئيل تدوينها بأمر الطاعة، مع التمنّي بأن يُنتج اختباره المميّز، مريميًّا وفيرونيكيًّا، ثمارًا روحيّة وفيرة في القلوب.
أخيرًا، لنضمّ صلاتنا الضعيفة والفاترة إلى صرخة القدّيسة المتأجّجة هذه، ونختم معها قائلين:
“تعال، تعال إليّ يا عريسي، يا حبّي، أيّها الخير الأعظم عدْ إليّ قليلاً، إنّي أتوق إليك، إنّي أبتغيك؛ عُدْ، عُد… أيّتها النجوم، أيّتها السماوات، انفتحي؛ أظهري لي يسوع عريسي. أيّها القدّيسون، أيّتها القدّيسات، أيّها البلاط السماويّ، قولوا ليسوع بأنّي أنتظره. أيّتها العذراء الطوباويّة أنت الوسيطة لتمنحينا النِّعَم، هيا قولي لعريسي بأن يأتي”.
كنت أشعر بأنّي لم أعد أطيق الاحتمال؛ وكان يبدو لي بأنّي أحصل على استنارة وشعور يجعلني أزداد معرفةً، كم يطيب لله أن نحبّه من كلّ قلوبنا، نحن جميعًا المسافرين على الأرض. فكنت أقول: “يا ربّ إنّك ترى قلبي؛ لا يلزم أن أكشف لك أشواقه”. ثمّ متوجّهة إلى العالم بأسره، أخذت أقول:
“هيّا، هيّا أيتّها الخلائق كلّها، تعالي معي للبحث عن يسوع. إنّه خير لامتناهٍ. إن أردتِ كنوزًا، فيسوع هو الكنـز الحقيقيّ الأعظم؛ إن أردتِ غِنًى، فيسوع هو الغنى الحقيقي؛ إن تشوّقتِ للأطايب والملذّات، فإنّ يسوع هو ذروة كلّ ما هو طيّب ولذيذ؛ وباختصار، إن تقتِ لكلّ خير، فلا تتركي يسوع، لأنّه هو الخير، والخير الأعظم واللامتناهي.
وأنتم أيّها الهراطقة والأتراك، تعالوا إلى الإيمان الحقّ. يسوع هو إيمان ورجاء ومحبّة؛ تعالوا إلى يسوع. تعالوا إلى يسوع أيّها الخطأة الأثيمون والعنيدون، توبوا كلّكم إلى يسوع؛ أتركوا الشيطان. تعالوا إلى يسوع أيّها الرهبان الفاترون والمتراخون، تعالوا إلى يسوع. إنّه كلّ الحبّ؛ تعالوا إلى هذا الأتون، اشتعلوا فيه، واحترقوا في هذا الحبّ اللامتناهي. تعالوا كلّكم، تعالوا كلّكنّ؛ إلى يسوع أدعوكم.
أيّتها الأنفس المغرمة، هيّا، هيّا، تعالوا إلى يسوع؛ سوف آتي معكم، وأريد من كلّ قلبي أن أحبّه. تعالوا كلّكم وكلّكنّ مجتمعين في الحبّ، لنحبّ الخير الأعظم”.
شيتا دي كاستلّو
تقع على حدود إقليم أومبريا، قرب توسكانا، تبعد حوالي 70 كلم شمال أسيزي (مدينة القدّيسين فرنسيس وكلارا) وثلاثين كلم جنوب جبل الفرنا حيث نال القدّيس فرنسيس السمات سنة 1224؛ وتبعد عن روما حوالي 200 كلم شمالاً.
كرسي أسقفيّ؛ فيها أكثر من خمس عشرة كنيسة (خمسة أديار، ثلاثة منها محصّنات) ونجد فيها رفات عدّة قدّيسين محليّين منهم شفيعا المدينة القدّيسان أمانسيو وفلوريدو (600م).
إنّ دير الراهبات الكبّوشيّات يتواجد في الوسط التاريخيّ، ويحتوي في كنيسته الخشوعيّة المكرّسة على اسم القدّيس مارتينوس، على رفات القدّيسة فيرونيكا تحت المذبح، في واجهة زجاجيّة تظهرها للشعب؛ كما يحتوي على ذخائر الطوباويّة فلوريدا شيفولي (1767) نائبتها، التي يعيّد لها في 12 حزيران.
وفي المتحف الصغير، بمبناه، الكبير بروحانيّته)، يعرض على الحجّاج الأتقياء الذين يسمح لهم بالدخول بتقوى وصمت كبيرين، العديد من الذكريات الخاصّة بالقدّيسة: أثواب، أغراض شخصيّة، أدوات توبة (مجالد مسوح)، كتب ليتورجيّة وتقويّة شخصيّة، صليب كانت تحمله خلال درب الصليب، قناع من شمع يحمل الملامح الأخيرة لوجهها المنتشي من الألم والحبّ، رسم القلب حيث نجد الأدوات والأحرف المطبوعة عليه… ولعلّ أهمّ ما يحتويه هذا المتحف:
– المصلوب الكبير الذي أضحى حيًّا وعانقها وكلّمها عدّة مرّات.
– الدرج المقدّس الذي يتسلّقه الحجّاج الورعون ركوعًا، بصمت، مصلّين وطالبين النِّعَم بثقة.
جمعيّة “جنود مريم”
Discussion about this post