حياة الأخت فوستين الداخليّة
و رسالتها الخفيّة
أدركت الأخت فوستين أحسن إدراك أنّ القداسة لا ترتبط بالظهورات أو بالرؤى ولكن بممارسة الفضائل مقرونة بالتعبّد للرحمة الإلهيّة. فمن أجل اكتساب التواضع الحقيقيّ تمرّنت بثبات وهي تقرّ بأن ذلك كلّفها الكثير.
في البداية يتحسّس حبّ الذات المذلاّت تحسّسًا مرهفًا إلاّ أنّ الله وهبها الاستنارة فدوّنت في مذكّراتها الخاصّة:
“يا يسوعي، ما من شيء أفضل للنفس من المذلاّت والاحتقارات: إنها سرّ الفرح. فالله إذ يرى النفس في هذه الحالة يتتبّعها بنعمه”.
أما في ما يختصّ بنقاوة القلب فكتبت في مذكراتها قبل سنة ونصف من موتها:
“أعلمني الله، ذات يوم، أنني لم أفقد أبدًا براءتي بالرغم من الأصناف المتنوّعة من الأخطار. لقد حفظني حتّى تبقى نقاوة نفسي وقلبي منزهة.
وكلّما أفكّر بهذه النعمة التي لا يدركها عقل، الهائلة والمجانية، تنبعث شعلة حبّ وامتنان من قلبي نحو الله. وإنني أجتهد في المحافظة على أكبر قدر من نقاوة النفس لكي تعكس أشعة نعمة الله نورها الباهر كلّه. فإنني أتوق إلى أن أصبح بلورًا لكي أحسن في عينيه”.
إن حب الله يجتاحها رويدا رويدا. فقد كتبت فيما كانت تعبر محنة قاسية:
” أنت ترى، يا يسوع، أنّ إرادتك هي كلّ شيء لي. فيا مشيئة الله، أنت هو غذائي، انت هو ملذات نفسي. عندما أخضع نفسي لك، أشعر بسلام عميق يجتاح نفسي. إني أؤثر مشيئة الله في المضايق والأحزان على المسرّات والاطراءات الصادرة عن إرادتي الشخصيّة”.
لقد كتبت في يوم عيد الانتقال سنة 1937: “منذ الصباح نفسي تحسّ بالله. فبعد المناولة المقدّسة كانت نفسي تحسّ أنها متّحدة بالآب السماويّ ومنجذبة إلى وسط أتّون حب. وفهمت ان ما من شغل خارجيّ يمكنه أن يقارن مع حب الله الصافي. لقد رأيت سرور الكلمة المتجسّد واستحوذ عليّ كلّيًّا التفكير بالثالوث الأقدس.
ولما عدت إلى نفسي غمرت نفسي رغبة متحرّقة للاتحاد بالله. لقد امتلكتني رغبة بالاتحاد بالله. لقد امتلكتني رغبة قويّة جدًّا إلى حبّ الآب السماويّ حتّى انني عشت النهار كلّه في انخطاف الحبّ…”.
وكانت معرفة حبّ الله الرحوم للنفوس تحمل إلى قلبها الشفقة نحو الخطأة والمشرفين على الموت والأنفس المطهريّة.
لقد كتبت الأخت فوستين: “إنني أرافق غالبًا النفوس المشرفة على الموت وأسأل لأجلها بإلحاحٍ الثقة بالرحمة الإلهيّة…”.
“والله يمنحني اتحادًا فريدًا بالمشرفين على الموت وعلى حين غرّة يمنحني بنعمته المعرفة الروحيّة الصافية للحاجات الملحّة التي لدى بعض النفوس. فلا أزال أصلّي طالما لم أَنَل ارتياحًا”.
وغالبًا ماكانت تتلقّى نداءات سريّة في أثناء صلاتها حينما يبدأ شخص بنزاعه.
فعندما كان هذا النداء يطول ويعنف كانت هي تتيقّن من أنّ النفس مسلمة إلى عذاب شديد ونزاع مرير. لقد كان لديها القناعة بأنّ مسبحة الرحمة تخفّف من آلام المشرفين على الموت خصوصًا: “أتلي المسبحة التي علّمتك إيّاها” . كانت تسمع مثل هذا الصوت فتشعر وكأنّ قوة الرحمة تستولي على المنازع وتكتنفه…
وكانت الأنفس المطهريّة تراودها مرارًا. فلدى الأخت فوستين قلب مليء بالرأفة تجاهها. لقد كانت تتوسّل غالبًا إلى العناية الإلهيّة مقدّمة لأجلها عذابات وصلوات عالمةً أن هذه الأنفس لا تقدر أن تشفع هي بنفسها وسط العذابات الكبيرة في المطهر.
وفي الآخر، يأتي دور الخطأة… إنّ ارتدادهم كان قلقها الأكبر. ويسوع يريد أن تكنّ لهم قلبًا شفوقًا مثل قلبه طافحًا بالرحمة: “اليوم 25 آذار سنة 1938 رأيت يسوع متألّمًا. فانحنى نحوي وهمس في أذني: “ساعديني، يا ابنتي، في خلاص الخطأة”. وفي اللحظة عينها أحسست في نفسي باستعار حبّ وبالرغبة في خلاص الأنفس. ولما عدت إلى نفسي، عرفت كيف يجب عليّ القيام بذلك. فرحتُ أعدّ نفسي لعذابات أكبر. واليوم ازدادت عذاباتي، وأحسست، علاوة على ذلك، مثل ألم جرح على يديّ ورجليّ وجنبي…”.
إننا نختم بالتذكير بكلمات يسوع إلى الأخت فوستين قبل موتها بقليل وهي كلمات يمكننا أن نطلق عليها اسم “وصية الرحمة”.
“إعلمي، يا ابنتي، أنّ قلبي هو الرحمة ذاتها. ومن محيط الرحمة هذا يفيض نِعَم على العالم أجمع. ما من نفس قصدتني وبقيت بدون تعزية. إنّ حالات البؤس كلّها تدفن في رحمتي ومن هذا الينبوع تتفجّر نِعم الخلاص والتقديس كلّها”.
فلنضرع في صلواتنا إلى الأخت فوستين حتّى نحصل على رحمة الله.
جمعيّة “جنود مريم”
No Result
View All Result
Discussion about this post