القسم الأوّل
الشيطان يكشف عن حقيقته
إنّ لوسيفورس الذي كان في البدء في السماء ملاكًا صالحًا خلقه الله، سقط بسبب الكبرياء والغرور، فتحوّل من ملاك نوراني إلى شيطان قبيح شرّير، فأسقط أبوينا الأولين في الخطيئة الأصليّة في فردوس عدن، مُسبِّبًا هذه الغربة وهذا العذاب لجنسنا البشريّ على هذه الأرض وادي الشقاء والدموع،
وما يزال حتّى الآن، رغم الفداء الذي أنجزه يسوع على الصليب، سافكًا دمه حتّى آخر نقطة، مشتريًا هكذا صكّ الخطيئة ليخلّصنا ويصالحنا مع الله الآب؛ إنّ لوسيفورس هذا، والذي أصبح له أربعة أسماء بعد طرده من السماء، أطلقها عليه رئيس الملائكة ميخائيل العظيم وهي:
التنين العظيم – الحيّة القديمة إبليس – الشيطان، يقوم في هذه الأزمنة الأخيرة لملكه، مُلك الخطيئة وعصيان وصايا الله ومخالفة شرائعه الإلهيّة، ببلبلة الأرض كلّها، زارعًا الحقد والخلاف والانقسام، والتمرّد على الله والكنيسة،
منتهكًا الأقداس ومدنّسًا القدسيات، متحدّيًا الله بأعماله الشريرة، بحيثُ تخترقُ كلّ يوم قهقهاتهُ الضاحكة الساخرة عنان السماء،
وتصل إلى عرش الله وهي تقول: إنّ البشر الذي خلقتهم على صورتك ومثالك، لا يعملون حسب وصاياك وتعليمك، بل يعملون كما أُوحي إليهم أنا، فهم يتبعونني أنا ولا يتبعونك أنتَ، فمن حقّي أنا أن أكون إلههم وليس أنتَ.
أمام هذا الواقع المؤلم والمأساوي، ونظرًا لمعرفة الله لضعفنا البشريّ الذي سبّبته الخطيئة الأصليّة، يرسل الله العذراء مريم أم إبنه يسوع إلهنا وفادينا ومخلّصنا، وأمّ الكنيسة والبشريّة جمعاء، لتظهر هنا وهناك في أرجاء المعمورة كلّها، تذرف دموعًا ودمًا كي تُليّن قلوب البشر أبنائها، التي أصبحت من حجر بسبب العيش في الخطيئة والابتعاد عن الله، طالبة منهم الصلاة، وتغيير سيرة حياتهم، والعودة مجدّدًا إلى الله من خلال الكنيسة التي هي جسده السرّي، وطاعة نائب ابنها المسيح على الأرض قداسة البابا، والالتفاف حوله، لتجنّب الوقوع في فخاخ الشيطان والضياع.
من جهة ثانية، لقد سمح الله أيضًا للشيطان بأن يكشف عن أعماله مرغمًا لا مختارًا، بواسطة كاهن إيطالي مقسّم اسمه “دومينيكو موندروني”، أثناء قيامه بطرده من نفس استولى عليها. فلنسمع الاعترافات المرعبة التي أدلى بها، علّنا نتّعظ ونعود إلى صوابنا وسلوكنا المسيحيّ، الذي رسمه لنا الله بواسطة كنيسته المقدّسة.
فمـن يتّعـظ!؟
عهدتْ السلطة الكنسيّة في إيطاليا إلى الكاهن الشهير “دومينيكو موندروني” (D. Mondrone) بمهمّة طرد الشياطين ممّن يعترونهم، أي يسكنون فيهم. وقد نشر هذا الكاهن ما مرّ عليه من خبرات إبّان ممارسة وظيفته الخطيرة هذه.
ومن ضمنها رأي الشيطان في البشر أبناء آدم. وقبل أ ن نأتي على حديث الشيطان، أي عن رأيه في البشر، لا نجد بدًّا من إيراد ما يقوله هو نفسه عن ذاته، ليزيدنا معرفة به، ويساعدنا على فهم شغله الشاغل مع البشر.
يقول الشيطان عن نفسه:
“أنا فتنة العالم، وأعدى أعدائي، هم بنوا آدم. أنا الشيطان الرجيم، وإبليس الذميم. أنا رأس العفاريت المتمرّدين، ومحلّ غضب ربّ العالمين… دعوتُ إلى عبادة العجل، قوم موسى. وساعدت في التفريق والإضلال، بين أمّة عيسى. بي تكثر البدع، ويظهر من الفتن ما بطُنَ، وكم أفريت من بلدان، بما زخرفت من أوثان، وأضللت كثيرًا من الناس، بالمكر والخداع والوسواس…”
يكفينا هذا القدر من وصف الشيطان لذاته. ونأتي الآن إلى بعض ما يقوله للبشر بلسان الذين يسكنهم. وقد وجّه كلامه إلى الكاهن الذي كان يحاول طرده، قال:
“ليس في استطاعتك أبدًا أنت الكاهن، فهم مقدار بغضي لكم أنتم البشر. إنّي أكرهكم أشدّ الكره، لأنّكم تستحقّون الكره والبغضة. تعتزّون بأنّ منـزلتكم هي فوق مستوى الحيوانات، مع أنّكم أنتم الحيوانات الأكثر نجاسة وقباحة. وكونوا على يقين، أنكم تثيرون فيّ القرف والتقزّز أشدّ ما يكون قرف وتقزّز، لأنّكم في اعتباري، أحطّ من خنازيركم.
“تعتقدون أيّها البشر أنّكم على جانب كبير من الذكاء، ومع ذلك تُظهرون بتصرّفاتكم أنّكم في غاية البلاهة والحماقة. ويكفيكم برهانًا على ما أقول، أن تنظروا إلى ما أقدّمه لكم لكي تبتعلوه، من آراء هؤلاء المثقفين الذين يعملون في خدمتي، وأهديكم إيّاهم منتفخين هراءً وخرقًا (الكتّاب الملحدون وناشرو الصحافة الخلاعيّة).
تأمّلوا مجرّد تأمّل لا غير في الذي أهيّئه لكم لتشربوه وتهضموه من المطبوعات الخاضعة لرقابتي، أنتم يا أنبل خليقة له (أي المسيح)! يكفي قليل من الفحش والحيوانيّة الخنـزيريّة لأشتريكم، وتستسلمون بسهولة وبلاهة لإغواء الذي أرسلهم إليكم في سبيل لا شيء، يزخرفونه لكم ويغرّونكم به.
فتقولون: رضينا بذلك، أي بلعنة الله وسخطه وعذابه.
فيقول إبليس: أريد أن أربح عليكم فيها.
فتقولون: نعم!
فيبيعكم إيّاها، ثمّ يقول: بِئْسَ التجارة”.
من كتاب : حقيقة الشيطان
وظاهرة عبادته في المجتمع المعاصر
جمعيّة “جنود مريم”
No Result
View All Result
Discussion about this post