معنى المشيئات الثلاث
من كتاب : العيش في ملكوت المشيئة الإلهيّة
يسوع يتحدّث إلى لويزا بيكاريتا (1865-1947)
إخوتي وأخواتي، الآن وقد دعوناكم إلى القيام “بزيارات النفس في نطاق المشيئة الإلهيّة” بتلاوة “سبحة المشيئة في الخلق، والفداء وتقديس الذات”، فنودّ أن نشرح لكم المعنى والنوايا لهذه الصلاة الرائعة.
“زيارات النفس في نطاق المشيئة الإلهيّة” تتضمّن 24 تأمّلاً تمثّل رحلة في شكل خواطر وصلوات من خلال كلمات على لسان الثالوث الأقدس، وذلك منذ خلقه العالم محبّة بأبنائه.
في هذه الرحلة، نتأمّل في أعمال الربّ مع تأمّل وجيز عند كلّ “ساعة”، فذلك يساعدنا على التفكير بمحبّة وعرفان في كلّ تأمّل، فنتذكّر التأملات ونحفظها في قلوبنا، وفي المقابل، يكون لنا تواصل محبّة مع خالقنا. نسمّيها: “سبحة المشيئة الإلهيّة في الخلق، والفداء وتقديس الذات”، لأنّنا في هذه الرحلة نقوم بزيارة مقتضبة إلى الخلق، والفداء وتقديس الذات للبشريّة جمعاء، كما ورد سابقًا.
تعلمون أنّ كلّ ما لم يكن موجودًا على الإطلاق قد خلقه الله بمشيئته. هذه المشيئة الإلهيّة، كي تَخلق، كان عليها أن تقول: ليكن… فقالت: ليكن النور، فكان النور، وعلى هذا المنوال، بدأ الله بخلق كلّ ما هو موجود.
عمل الفداء هو أيضًا ثمرة مشيئة الله، وقد اكتمل بتجسّد الكلمة وآلامه وموته وقيامته. ولكن، كي تتمّ “المشيئة الإلهيّة الخلاصيّة”. قرّر الله أن تُلفظ “ليكن” أخرى، فكانت كلمة الخليقة، وكانت مريم هي التي قالتها: “ليكن لي حسب قولك”، وبها اقتبلت وفتحت الباب لذاك العمل الجبّار.
تتميم الفداء، الذي هو تقديس الذات وتمجيد الله، سوف يتطوّر مع تحقيق المشيئة الثالثة: “لتكن مشيئتك على الأرض كما في السماء”.
في هذه المشيئة الثالثة، المبادرة أتت من الله أيضًا، فكما في الفداء، هكذا من الضروري أن تستجيب الخليقة وتقول مشيئتها.
فيجب على كلّ منّا، على غرار مريم، أن يقول هذه المشيئة ويعيشها كلّ يوم في كلّ من أعماله. بهذه الطريقة، يملك الله فينا على الأرض كما في السماء.
إنّ إتمام أو تحقيق هذه المشيئة الثالثة هو تتويج لجميع أعمال الله. الهدية الرائعة التي يودّ الله أن يعطيها للبشريّة هي أن تملك مشيئته بين الناس، هي في أن تملك هذه المشيئة على الأرض كما في السماء، هي الملكوت الذي استحقّه المسيح لنا وقد علّمنا أن نلتمسه من الآب.
الله يودّ أن يهبنا هذا الملكوت من القداسة، والجمال، والمحبّة والفرح الذي لا حدّ له، لكنّه يودّ أيضًا أن نستعدّ للحصول عليه. لأجل ذلك، يقتضي أن نعرفه، ونحبّه ونتوق إليه ونتوسّله.
فلكي نعرف هذا الملكوت، علينا أن نتأمّل في كلمات الله وفي ما تعلّمنا الكنيسة.
إن فهمنا معنى ملكوت الله على الأرض كما في السماء بإمكانه أن يتّسع من خلال القراءة والتأمّل في كتابات خادمة الله “لويزا بيكاريتا، الابنة الصغرى للمشيئة الإلهيّة”. هذه الكتابات هي محور أساس لمفهوم ملكوت الله.
سنحبّ هذا الملكوت إن طبّقنا كلام الله على غرار مريم أمّنا، ورددنا في يومنا كلمة “ليكن” في كلّ من أعمالنا، موحدين إيّاها مع أعمال يسوع ومريم. أخيرًا، الطريقة الفضلى لأن نتوق إلى هذا الملكوت ونطلبه هي في تلاوة هذه “السبحة”، لأنّنا إن طبعنا أعمال الله بهذه الكلمات:
“أحبّك، أعبدك، أباركك، أشكرك”، نكون قد عبّرنا له عن أروع فعل محبّة، وشيئًا فشيئًا، يبدأ بإعطائنا امتلاك جميع أعماله، ومعهما معًا، نتعلّم أن نسأل الآب ملكوته.
هذه أيضًا طريقة بسيطة في الصلاة تساعدنا على إتمام الواجب الأول في المحبّة الذي تمتلكه كلّ خليقة وهو:
العبادة، المباركة، والشكر لله من أجل جميع أعماله ومن أجل الحياة الإلهيّة التي يمنحنا إيّاها ويودّ أن يتقاسمها معنا.
كم كنت غير متناسقة مع ذاتي في المشيئة الإلهيّة القدّوسة في سياق التآلف مع محبّة الله في ما خصّ جميع ما صنعه محبّة بالخليقة،
كانت أفكاري توحي إليّ بأنّه ليس من الضروري أن أفعل هذا، وبأنّ هذه الصيغة من الصلاة لا ترضي يسوع، وبأنّ كلّ ذلك كان بدافع الهلوسة من قبلي. وكان يسوع يتنقّل في داخلي ويقول:
“يجب أن تعلمي، يا ابنتي، أن هذه الطريقة في الصلاة، التي تتآلف مع الله في محبّة جميع المخلوقات، هي حقّ إلهيّ يندرج في الواجب الأول المفروض على الخليقة. الخلق جُعِل محبّة بالإنسان، وأكثر من ذلك، أفضنا عليه محبّتنا اللامتناهية. لقد خلقنا كمًّا من السموات، والشموس، والنجوم، والبحار، والأراضي والنباتات وما تبقّى لكمٍّ من المخلوقات المزمعة أن تأتي إلى نور هذا العالم كي يكون لكلّ منها تكوين مكتمل وعالم خاص بها.
“في البدء، كان الأمر هكذا. حين خُلق كلّ شيء، لم يكن غير آدم الشاهد الوحيد على الخليقة. كان بإمكانه أن يكون سعيدًا ويتمتّع بكلّ الخيرات التي منحه الله إيّاها.
فإن أوجدنا هذه الخليقة لكلّ إنسان، فقد كان بإمكان هذا الإنسان أن يخلق أيضًا كما لو أنّ الخلق خلقُه.
“في الواقع، من يستطيع أن يقول: “الشمس لي… وأحبّ نورها قدر ما أشاء؟ والماء لي… فأرتوي وألبّي به حاجاتي؟ من يمكنه القول: الأرض، والنار والهواء هي أرضي وناري وهوائي؟ هكذا وهلمّ جرّا بالنسبة إلى سائر الأشياء التي خلقتها.
فإن احتاج الإنسان إلى شيء ما ولم يحصل عليه، فإنّ الخطيئة، التي تقف سدًّا في وجه خيراتي، هي التي تمنع المخلوقات من أن تكون سخيّة، وكلّ ذلك بسبب الخليقة الجاحدة للعرفان”.
وحيث إنّ هذا هو حال المخلوقات، فقد ارتبطت محبّة الله بكلّ خليقة، فصار لزامًا على كلّ خليقة أن تبادل الله بمحبّتها، وامتنانها وشكرها.
هذا النقص في التآلف مع الله بالمحبّة، من أجل كلّ ما صنعه من أجل الإنسان، هو أوّل اختلاس للخليقة لعطايا الله بعدم اعترافها بالمصدر الذي أتت منه، وهو الذي أحبّها حبًّا جمًّا، لهذا السبب، يترتّب على الخليقة الواجب الأول في التعويض عن هذا الخطأ.
الله اهتمّ بمجدنا، وحمايتنا ومصالحنا، ولم يدع شيئًا من أعاظم الأمور إلى أصاغرها إلاّ وضعه من أجل أن يتواصل في محبّته مع كلّ إنسان.
“أجل، إنّها أمّي التي ملأت السماء والأرض محبّة من أجل كلّ ما صنعه الله. ثمّ كانت إنسانيتي التي أتمّت واجبها المقدّس الذي قصّرت الخليقة في القيام به، والتي جعلت أبي يرأف بالإنسان المذنب، فتوحّدت صلوات أمّي مع صلواتي: ألا تودّين أن تكرّري هذه الصلوات؟ إنّي لهذا دعوتكم كي تنضمّوا إلينا وتعملوا أعمالنا”.
فيما بعد، حاولت قدر إمكاني، أن أقوم بزيارات من خلال جميع المخلوقات لأرفع إلى الله المحبّة، والمجد والعرفان من أجل ما صنعه في الخليقة.
ويبدو لي أنّي أرى في المخلوقات تواصلاً في المحبّة من قبل أمّي ويسوع الحبيب. هذا التواصل يشكّل أروع تآلف بين السماء والأرض، ويجمع بين الخالق وخليقته، فكلّ تواصل في المحبّة هو نغم موسيقي سماويّ يخلب الألباب.
إليكم طريقة عمليّة وفعّالة جدًّا للقيام بحجّكم من خلال أعمال المشيئة الإلهيّة القدّوسة للحصول على مجيء ملكوتها على الأرض.
النفس ترتفع إلى خالقها، ترتمي في حضنه، تتّحد به وتتبعه في جميع الأعمال التي أوجدها.
النفس ترتمي بين يدي خالقها لتجد ذاتها في حضنه، إنّها تقتبل منه كلّ المحبّة الإلهيّة الخارجة من حضنه عبر مشيئته المقتدرة، رافعة إليه، في المقابل، المحبّة والمجد والسجود من أجل كلّ كائن مخلوق.
ثمّ، تنتقل إلى جنّة عدن لتقتبل النفحة الأولى التي منّ بها الله على آدم، نفحة متجدّدة تتجدّد باستمرار. بعد ذلك، ترحل عبر الأجيال لتشمل جميع الناس وتعوّض عمّا نقص في كلّ منهم.
تعرض أمامها جميع أعمال الملكة الأم فتعتبرها أعمالها، وترفعها إلى إلهها كأنّها أعمالها.
تواصل النفس التمعّن في الحبل بالكلمة وبكلّ الأعمال التي قام بها في حياته. لكلّ عمل ليسوع، النفس تمتلك عملها الخاصّ المتآلف في المحبّة، مهما كان وضيعًا، مرفقًا بالشكر والتوسّل لمجيء الملكوت، ثمّ تتبعه خطوة خطوة على طريقة موته وتصحبه إلى الجحيم، وتنتظره عند القبر لتطلب إليه، بحقّ قيامته، تحقيق ملكوت المشيئة الإلهيّة.
أخيرًا تصحبه في صعوده إلى السماء، متوسّلة إليه كي يرسل سريعًا الملكوت على الأرض.
تسهيلاً لتلاوة هذه الصلوات، على الرغم ممّا هناك من انهماكات، جرى تقسيم “الحجّ الورع” إلى 24 جزءًا على عدد ساعات اليوم، وثمّ تعريف كلّ جزء “بالساعة”، وتعنونت:
“الساعات اليوميّة للمشيئة الإلهيّة”.
بإمكان كلّ فرد أن يتلوها:
– دفعة واحدة.
– موزّعة على يومه.
– تلاوة ساعة واحدة مع الرغبة في تغطية جميع الساعات.
– الانضمام إلى آخرين أو اختيار ساعة مداورة.
جمعيّة “جنود مريم”
Discussion about this post