اليوم الثامن والعشرون
كيف نتحاشى المطهر؟
1. أن نفكّر دائمًا بالمطهر
أنّ فكرة المطهر تؤدّي بنا إلى التفكير بالموت والدينونة، وهي إذن توحي إلينا بالسلوك الحسن. يقول الروح القدس: “تأمّلوا في أيّامكم الأخيرة ونهاياتكم فلا تَخْطأون”.
إنّها تعطينا قوّة فتوحي لنا بتحمّل العذاب وتقديم الإماتات. عندما نشاهد تلك الآلام التي لا توصف وذلك القلق الرهيب والتي تدوم دهورًا؛ عندما نشاهد هذا الكمّ الهائل من الضحايا المعذّبة التي تئنّ طلبًا للرحمة؛ تعود النفس إلى ذاتها وتصرخ: “لا بُدّ لي من التكفير عن خطاياي والاستفادة من رحمة الله في أيّامي الباقية. سأفتدي خطاياي بقليل من الحبّ والإحسان. أريد بأيّ ثمن النجاة من عذاب المطهر. سأنجح بنعمة العليّ وبإرادتي الطيّبة!”.
وإذا وضعنا، نعمة الله، هذه الحقيقة أمام أعيننا لا شكّ أنّنا سنتقدّس ونصبح بنعمة الله قدّيسين كبارًا. إنّ فكرة المطهر الدائمة تغفر لنا عددًا كبيرًا من الخطايا الصغيرة وتدعونا إلى ممارسة الفضائل الرفيعة حتّى إذا وافتنا المنيّة نكون مكرّمين بالعطايا فننتقل إلى مساكننا الأبديّة من غير المرور بالمطهر.
2. أن نصلّي دائمًا لأجل الأنفس المطهريّة
يؤكّد آباء الكنيسة وعلماؤها أنّ الذين يهتمّون بالأنفس المطهريّة بكلّ حبّ وحرارة لا يدخلون المطهر أو يكون مرورهم عابرًا. فهم يقولون أنّ العلامة التي لا تخطئ للوعد الإلهيّ هي خلاص الأنفس. لأنّ الله وعدنا بالخير الذي نقدّمه نحن للآخرين.
طوبى للراحمين لأنّهم ينالون الرحمة. نحن لا نأمل بغير عرفان جميل الأنفس التي عملنا على خلاصها. فهل هي أقلّ إحساسًا ومحبّة منّا؟ عند ساعة موتنا ودينونتنا سيسرعون لحمايتنا فيشهدون لأجلنا وتميل كفّة الميزان لصالح الرحمة. سيفسدون أفخاخ الروح الجهنّميّة فنحصل على أعظم النِّعم، نعمة الموت بالقداسة. يقول القدّيس أغسطين: “لا أذكر أنّني قرأت يومًا أنّ الذي يصلّي من كلّ قلبه لأجل الموتى، قد مات ميتة سيّئة أو مريبة”.
إنّ هذا لسبيل أكيد لكي ننجو من عذابات المطهر! فلنتبع إرشاد الإنجيل: “لنجعل لأنفسنا أصدقاء فيأتوا ساعة موتنا لعزائنا ويدخلون في منازل القربان الأبديّة”.
إنّ إخوتنا الموتى هم في حالة العوز، لكنّ القليل الذي نقدّمه لهم، يساعدهم في الصعود إلى السماء، عندئذٍ يفتحون لنا بأنفسهم أبوابها. فلنحرّرهم من المطهر وهم يمنعوننا من السقوط فيه. لقد عُرف عن القدّيسة كاترين دي كورتون عند مماتها أنّ الأنفس المطهريّة كلّها التي ساهمت في خلاصها من المطهر كانت تستقبلها في حالة زهوٍ وانتصار.
مثال
يُحكى أنّ أحد الأشخاص الذي أمضى حياته صديقًا للأنفس المطهريّة ويعمل من أجل راحتها أحاط به الشيطان ساعة نزاعه، لكي لا يفلت منه. كان الجحيم كلّه متضامنًا حوله بأفواج جهنّميّة. وكان هذا الشخص المنازع يجهد للخلاص من هذا الجحيم حين تراءت له جموع تدخل غرفته، فلم يعرف منها أحدًا. كانت سماتهم جميلة جدًّا، فاقتربوا من فراشه حتّى فرّ إبليس مهزومًا وبادروا إلى تشجيعه وتعزيته عزاءً سماويًّا. تنهّد المنازع من أعماقه فرحًا وصرخ: “من أنتم؟ بالله من أنتم، يا من تحسنون إليّ هذا الإحسان؟” فأجابه الزوّار المحسنون: “نحن سكّان السماء، بمساعدتك نلنا القداسة ونحن الآن بدورنا وعرفانًا منّا لجميلك سنساعدك على اجتياز عتبة الأبديّة فننشلك من وادي الدموع والقلق لندخل أفراح المدينة المقدّسة”. عند سماعه هذه العبارات ارتسمت على شفتيه ابتسامة أنارت وجهه ثمّ أغمض عينيه ورقد بسلام السيّد المسيح. روحه البيضاء الطاهرة كحمامة واقفة بحضرة ملك الملوك محاطة بحماتها ومحاميها الذين ساهمت في خلاصهم، حقّ لها المجدُ فدخلت منتصرة بين تصفيق الأنفس المحرّرة من المطهر وتباريكها.
فلتكن لنا هذه السعادة ذات يوم.
من أجل الأنفس المطهريّة نقدّم أيضًا: زيارة إلى الكنيسة، حجًا إلى مكان مقدّس، استعمال المياه المقدّسة، الذبائح الإلهيّة، التساعيات، الصلوات، التضحيات، أفعال المحبّة، الإهانات الذاتيّة، الصوم… الخ.
إنّ استعمال المياه المقدّسة يفرح المخلّص. كلّما بارك الكاهن الماء فهو يمثّل كنيسة المخلّص الذي يستقبل الصلوات دائمًا بفرح لا تمييز بين المستفيدين من هذه الصلوات. تقول لنا “ماريا سيما: “عندما تأخذون الماء المقدّس إرموا قليلاً منه على الأرض من أجل الأنفس المطهريّة وأدّوا إشارة الصليب”.
لنصلّ:
يا ربّ لا تبعد عنّي فكرة المطهر بإحساس خاطئ. إحفرها عميقًا في قلبي أداة فعّالة من أجل خلاصي منه ولكي أساعد المقيمين فيه. ساعدني يا ربّ لأضع حدًّا لمنفاهم ولأفتح لهم باب السماء. آمين.
من كتاب :
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة
Discussion about this post