اليوم السابع
عقاب الندم: تحاشي الشرّ وممارسة عمل الخير
1. تحاشي الشرّ
إنّ الآلام التي تكلّمنا عليها ليست وحدها التي تعذّب الأنفس المطهريّة. فهناك تشعر بالحزن العميق، والنّدم المرّ وتأنيب الضمير، التي هي ألف مرّة أقسى من آلام النار الماديّة الحارقة غير المطهّرة.
“في جهنّم، يقول الإنجيل، حيث الملعونون لا تموت الديدان التي تتآكلهم أبدًا”. أمّا في المطهر فهي لا شكّ مائتة يومًا. ولكن طالما هي حيّة فإنّها تعضّ بحقد وقساوة وتمزّق بضراوة الضحايا المعدمين. إنّها جلاّدهم الدائم. إذ صراع النفس مع الندم رهيب جدًّا! من أعماق موطن آلامها، تنظر تلك النفس الأسيرة بحسرة وألم إلى حياتها في هذه الدنيا وعلى ضوء اللهيب الذي يغلّفها تشاهد بوضوح كلّ الشرِّ الذي اقترفته والتي كان يمكنها تحاشيها بنعمة الله غير أنّها لم تعترف بها.
ستكتشف آلاف الخطايا التي لم تلاحظها معتبرة إيّاها أعمالاً ليست ذات أهميّة، فلِمَ ستعترف بها ولم تفحص ضميرها لأجلها. عند معرفة النفس بأنّها خاطئة ومذنبة بأعمال لم تكفّر عنها بالحبّ والعدل، تتألّم بعمق وتصرخ صرخة وجع عظيم: “يا إلهي، إنّك عادل وأحكامك منصفة. أنا الذي صنعت ألمي لو أنّني أستطيع إعادة حياتي على الأرض من أجل خدمتك يا ربّ، فأحمي نفسي من المطهر”. إنّه لندم عقيم لا جدوى منه؛ جاء متأخّرًا جدًّا.
أيّها الأخوة لنثقّف أنفسنا بالإيمان ولنتحاشى الخطيئة ونكفّر عن أنفسنا في هذا العالم لكي نتحاشى الطعن الأليم والديدان التي تتآكلنا في المطهر.
يا ربّ إعمل على محاربة الخطيئة، أحرقها في هذا العالم، لتنجّنا من عذابات المطهر في العالم الآخر.
2. عمل الخير الذي يجب أن أمارسه
إنّ ما يزيد من ألم النفس المنفيّة رؤيتها لكلّ الخير الذي كان ممكنًا أن تقوم به ولم تفعل، رؤيتها لكلّ النعم التي وهبها إيّاها الله ولم تحسن استعمالها. ماذا يمكن أن يقدّم الله لتلك النفس من أجل خلاصها؟ لقد غذّاها بأسراره وقوّاها بنعمته وشجّعها بالقدّيسين مثالاً. هذه النفس كان لا بدّ لها من أن تسرع الخطى على درب الله، درب القداسة لتصل إلى أعلى درجات الكمال. ولكن رغم كلّ ذلك، كانت تتوقّف تارة وتسير ببطء تارة أخرى. ليتها كانت كريمة فمارست كفارةً ههنا أو بعض الإماتات. ليتها قبلت بتواضع عذابات هذه الدنيا لكانت نفّذت مطهرها على الأرض ونعمت بالقداسة، ولكنّها الآن في المطهر تقاسي في خطاياها، من غير جزاء حسن، آلامًا أكبر بما لا يقاس.
لقد استبدلت تاج المجد السماوي بتاج لهيب المطهر الذي يعذّبها بلا هوادة. يا لها من ذكرى قاسية لهذه النفس!
أيتّها النفوس، ألم نقم نحن بالشيء الحسن قليلاً؟ ألم نصلّ من أجل خلاص موتانا؟ فلنقرّر العمل بجدٍّ في المستقبل بمساعدة الله ونجدة أمّنا مريم العذراء.
مثال
“جرسون”* مستشار جامعة باريس، المعروف بتقواه، كتب في أحد أعماله أنّ أمًّا بائسة في المطهر، قد نسيها ابنها فطلبت من الله تعالى أن يأذن لها بالظهور له لتخبره عن آلامها وتستجدي صلواته فقالت: “يا ابني الحبيب فكّر بوالدتك المعذّبة واعتبر من آلامي المبرّحة التي وضعتني فيها عدالة الله من أجل التكفير عن خطاياي في حياتي على الأرض. وأثقل الآلام هو الندم الكبير لعدم محبّتي الله بما هو أهل له. لقد رفضت هذا الإله العظيم، القدّوس العادل، المنير، الأب الرحوم والمحسن الكريم. هذه الأفكار تقتلني وتسحقني في كلّ لحظة. هذه الديدان تتآكلني كخنجر ينغرس فيّ من غير أن يقتلني.
إنّها تعذّبني ليل نهار وتنضح منّي دموعًا من الدم. فأنا أطرق صدري بلا هوادة قائلة: يا ربّ أنت عادل ومنصف. فأنا أتألّم بسبب خطيئتي، خطيئتي العظيمة! يا بنيّ، إذا ما زلت تحبّني، إرأف بي وانزع هذا الخنجر من صدري، حرّرني من الديدان الآكلة.
افتح لي باب السماء. أطلب منك ابني الحبيب أن تخدم الله أفضل ممّا خدمته أنا. وأن تموت و الندم العظيم على خطاياك في قلبك.
لقد صلّى الولد كثيرًا من أجل أمّه وبإيمان عميق وندم كبير على خطاياه ومات هو نفسه في النعمة.
لنصلِّ:
يا ربّ أعطنا النعمة لنكون قدّيسين كاملين كما ترغب أن نكون. إرحم يا ربّ الأنفس المطهريّة المنسيّة والتي ينهشها ألم الندامة بلا هوادة. خفّف عنهم يا ربّ هذا الندم واغفر خطاياهم، فسيف الندم القاطع لا يطاق.
يا يسوع الحبيب! كن عونًا لهم! أدعُ أولادك وأخوتنا إلى مجدك! وليستريحوا بسلام!
من كتاب :
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة
Discussion about this post