ايقونة السيدة العذراء المرشدة
تشغل أيقونة السيّدة المرشدة مكانة خاصّة بين أيقونات العذراء والط فل. فقد استعمل الغرب نمطها في كثير من لوحاته، وأدخل عليها تعديلات بحسب ثقافة ك لّ شعب من شعوبه. يعتقد بعض الباحثين أنّ هذا النمط سوريّ الأصل.
لكنّه لم يظهر إلاّ بالقسطنطينيّة في عهد الإمبراطور يوستينيانُس. ويُروى أنّ القدّيس لوقا رسم العذراء مريم بحسب هذا النمط، وتدّعي بلدان كثيرة حيازتها على أيقونة صنعها لوقا الإنجيليّ نفسه . لا ندري مدى صحّة هذا التقليد، فالمعلومات المتوفّرة لدينا تسمح لنا بطرح كثير من التساؤلات.
1- يعود تاريخ أوّل ذكر لهذا التقليد إلى القرن السادس (حوالى 530)، فقد كتب ثيودورُس القارئ أنّ إفدُكسيوس أرسل أيقونة القدّيس لوقا من أورشليم. والذكر الثاني أتانا من أندراوس الكريتيّ (+ 767). فبين أيّام لوقا وهذه المصادر مدّة طويلة.
2- إذا كان لوقا هو الطبيب المذكور في الرسالة إلى أهل قولُسّي (4: 14)، فإنّه قد عرف العذراء وهي متقدّمة في السن، ترتدي ثيابًا بسيطة مثل سائر النساء اليهوديّات. فكيف يرسمها شابّة مع الطفل يسوع، وترتدي ثوبًا فاخرًا مزركشًا كملكات القسطنطينيّة؟ وكيف يرسم في الأيقونة رموزًا لم تُعرف إلاّ في القرون المسيحيّة الّلاحقة؟
3- من المعروف أنّ أحد أساقفة طيبة في مصر، واسمه لوقا، عاش في أواخر القرن الرابع ورسم أيقونة للثيوطوقوس. فلايمكننا إذًا استبعاد احتمال الخلط بين الاسمين، خصوصًا وأنّ أسلوب الرسم ينتمي إلى قرون لاحقة، وتحمل العذراء علامات أضيفت بعد المجامع كما أشرنا سابقًا.
ومع ذلك، يتساءل المرء لماذا نُسِبَت الأيقونة إلى لوقا دون سواه من الرسل أو المبشّرين، خصوصًا وأنّه ما من مرجع يشير إلى أنّه احترف الرسم أو هويَه؟ في رأينا، نُسِبَ الرسم إلى لوقا لأنّه أكثر من وصف في إنجيله حياة العذراء وطفولة يسوع. بمعنى آخر، صوّر لوقا مريمَ وابنَها باستعمال الحرف. على كلّ حال، مهما يكن الأمر، لاقت هذه الأيقونة انتشارًا واسعًا في الشرق والغرب كما قلنا. فإذا كانت نسبتها إلى لوقا سبب شهرتها، من أين لها اسم “المرشدة”؟
يُقال إنّ أمّ الّله ظهرت في القسطنطينيّة لأعميين، وأمسكت بيديهما وقادتهما إلى مزار فيه هذه الأيقونة، وأعادت إليهما البصر. ومنذ ذلك الحين، يأتي العميان وأصحاب العلل البصريّة ويغسلون وجوههم بماء النبع المجاور للمزار، لينالوا الشفاء. تبيّن هذه القصّة أنّ مريم تهدينا إلى طريق الّله، فسُمّيَت أي الّتي تشير (ترشد) إلى الطريق.
الأيقونة العجائبيّة: يقول تقليدٌ يعود إلى أيّام محنة تحطيم الأيقونات، أنّ القدّيس لوقا الإنجيليّ لم يخترع نمط أيقونة المرشدة، وإنّما رسَمه فقط. فمنشأ النمط سماويّ كما هو الحال في أيقونة الوجه المقدّس، وهذه هي حكايته:
هدى القدّيسان بطرس ويوحنّا جماعة كبيرة في الّلدّ وبنيا فيها كنيسة كرّساها للعذراء. وذهبا إلى مريم يسألانها أن تزور الكنيسة لتباركها فأجابتهما: “اذهبا بفرح فأنا سأكون معكما!”.
وحين وصلا إلى كنيسة الّلدّ وجدا على أحد أعمدتها صورة العذراء مرسومة بطريقة عجائبيّة – لم تصنعها يد إنسان -. وبعد فترة، أتت مريم وزارت الكنيسة وباركت الصورة ومنحتها نعمة اجتراح المعجزات.
وفي القرن الرابع، أرسل يوليانُس الجاحد نحّاتين لينزعوها، فعجزت أدواتهم حتّى عن خدشها، مما أدخل الغبطة في قلوب المؤمنين. وصار النّاس يأتونها من كلّ حدب وصوب ليقدّموا لها الإكرام وينالوا النِعَم بواسطتها.
قبيل اندلاع محنة تحطيم الأيقونات، أراد راهب فلسطينيّ اسمه جرمانُس أن تكون عذراء الّلدّ العجائبيّة معه دائمًا في سفره إلى القسطنطينيّة، فطلب من رسّام أن يصنع له أيقونة مثلها. وانتُخِبَ هناك بطريركًا. وفي السنة 725، قام الإمبراطور لاون الإيزوريّ بحملة لتحطيم الأيقونات، وعزل البطريرك جرمانُس لدفاعه عن الصور، وطَرَدَه من العاصمة.
فبعث هذا برسالة إلى البابا غريغوريوس الكبير في روما وثبّتها على الأيقونة وسلّمها لأحد المراكب
المبحرة. فقطع المركب المسافة في يوم واحد فقط. وأُخبِرَ غريغوريوس في الحلم بوصول الأيقونة فخرج مع الإكليرُس لاستلامها على ضفّة نهر التيبر، ونقلها في تطواف إلى كنيسة القدّيس بطرس، فجعل الشعب يزورها ويكرّمها، والفنّانون يرسمون العذراء مستوحين منها.
وفي نهاية محنة الأيقونات، أي بعد حوالى قرن من الزمن، بينما كان البابا سرجيوس الثاني يصلّي أمام الأيقونة مع الشعب، تحرّكت من مكانها. فخاف النّاس وجعلوا يرنّمون الـ كيرياليسون، فارتفعت الأيقونة وخرجت من الباب وتوجّهت نحو نهر التيبر، والبابا يتبعها مع الشعب، وعادت إلى القسطنطينيّة في يوم واحد كما أتت، وتسلّمها البطريرك ميتوديوس المعترف، ونُقِلَت إلى الكنيسة في تطواف مهيب، وأُطلِقَ عليها اسم: “الرومانيّة “.
Discussion about this post