المشكلات السلوكية عند الأطفال
الأستاذ توفيق قيروع
ليس من شك أن السلوك عند الشخص الكبير يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحياته وهو صغير، وأنَّ المنوال الذي يتكيف وفقه مع بيئته في هذه المرحلة هو الذي يحدّد مهنته وحياته مستقبلاً، وأنَّ أصول الصحة النفسية تعود كلّها إلى هذه المرحلة، وهدفنا هو التعرّف على بعض مشكلات التلاميذ في المدرسة والبيت وإرشاد المشرفين على تربيتهم والعناية بتنشئتهم تنشئة صحيحة من الناحيتين البدنية والنفسية، ومن هذه المشكلات:
1 – الميول العدوانية
تتميز مرحلة المدرسة الابتدائية بنموّ عددٍ من الميول الاجتماعية عند التلميذ، حيث تقرّبه من رفاقه الآخرين، إنّه يصادقهم ويرافقهم، يتعاطف معهم، ويؤلّف معهم زمرة أو شلّة من الأصدقاء.
وبالجانب المقابل هناك ميول اجتماعية أخرى، لا تنمو بهذا الاتجاه، بل تأخذ منحى آخر، يحمل طابع العداوة والتشاجر والانتقام من الآخرين، والتلذذ بنقدهم وكشف أخطائهم، والتشهير بهم وإظهارهم بمظهر الضعف والعجز، ويطلق على هذا النوع من السلوك اسم “الميول العدوانية” التي لا تنعكس نتائجها على التلميذ وحده بل على رفاقه وعلى المدرسة كلّها بسبب الغضب الذي يرافق هذه الميول.
وممّا لا شكّ فيه أنَّ للميول العدوانية أسسها الفطرية عند الإنسان، فالميل للمقاتلة مثلاً له قيمة حيوية كبرى في حياة الفرد، غايته التغلب على ما في بيئة الكائن من عوامل تقف عائقاً أمامه و تمنعه من تحقيق تلك الميول.
مظاهر الميول العدوانية : تتجلى هذه المظاهر بما يلي:
1 – العناد:
إنه مظهر بسيط من مظاهر هذه الميول، ويبدأ عند الطفل في وقت مبكر من حياته، ويلاحظه الأهل في البيت أكثر من غيرهم، وغالباً ما يكون في العمر من (3-5)سنوات، وهي مرحلة تأكيد الذات بالنسبة لمرحلة الطفولة ولكنَّ هذا الميل لا يلبث أن تخمد حدّته بتأثير نضجه ونموّه الاجتماعي، وبتأثير الوسط البيئي المحيط به. على أنَّ العناد يبقى قوياً عند بعض الأطفال في سنّ المدرسة الابتدائية، ويتجلّى في مقاومة الآخرين، والتمرُّد على طلبات المدرسة، وتحديه توجيهات وإرشادات المعلمين، وهكذا يصبح الطفل صعب المراس، عنيداً في البيت والمدرسة.
2 – الاعتداء:
أقوى مظهر من مظاهر الميول العدوانية، يظهر مبكراً في حياة الطفل، وكثيراً ما يُرى الطفل وهو يدفع طفلاً آخر،يضربه، يشدّه من شعره، يغتصب لعبه، لكنَّ هذا الميل إمّا أن يخبو ويضعف تدريجياً، أو يقوى وينمو، متأثراً بشروط البيئة التي يعيش فيها الطفل، ونلاحظ أنَّ الميل للاعتداء قوي عند بعض الأطفال في المدرسة، وغالباً ما يتجه نحو اغتصاب ممتلكات الآخرين اغتصاباً ظاهراً وعلناً، أو سرقة يخفون وقوعها، وقد دلّت البحوث على أنَّ استعداد الذكور للتشاجر أكثر من استعداد الإناث له، ويقلّ وقوعها بين ذكر وأنثى، وأنَّ أكثر المشاجرات بين الإناث كلامية لا تصل إلى مرحلة القتال والعراك الذي تُستخدم فيه قوّة العضلات، ويقلّ الاستعداد للتشاجر بتقدُّم السنّ.
3 – المكايدة والتعذيب:
يظهران على شكل شعور بالفوز والسيطرة عند تعذيب طفل آخر أو مكايدته وخاصة حين يكون الآخر ضعيفاً أو ذا عاهة. وكم من فئةٍ اجتمعوا على طفل وتحلّقوا حوله يسخرون منه لأنه لا يقوى على الركض أو يشكو من صعوبة في النطق والكلام، غير أن الميول العدوانية على اختلاف أنواعها صادرة عن استعدادٍ طبيعي في الإنسان يمكن أن يتجه اتجاهاً ضاراً، ويمكن أن يكون اتجاهه مفيداً للفرد والمجتمع.
هناك عدة عوامل وأسباب تساعد على ظهور الميول العدوانية عند الأطفال منها:
1 – أسباب جسدية:
قد يكون السبب فيها ناتجاً عن اختلال مصادر النشاط في الجسم، كازدياد الإفرازات في الغدد الدرقية أو غدد فوق الكليتين، والتلميذ لا يقوم بالنشاط الكافي والحركة المطلوبة لتصريف الطاقة المتدفقة في جسمه.
2 – أسباب نفسية:
كالغيرة، أو الشعور بظلم الكبار، أو الشعور بالإخفاق الاجتماعي وجميعها ناشئة عن ظروف اجتماعية بيئية ومدرسية سيئة تؤدي إلى ظهور هذه الميول.
الوقاية والعلاج :
يمكن تحويل الميول العدوانية من مسالكها السيئة المعادية للمجتمع، إلى مسالك مقبولة فيه، وذلك عن طريق:
تشغيل التلاميذ المعروفين بميولهم العدوانية بأعمال وألعاب جسمية عنيفة لتصريف طاقتهم الزائدة.
وضعهم في بيئة اجتماعية تعطيهم التقدير والأمن وتزودهم بنشاط اجتماعي صالح يتيح لنزعاتهم القوية الظهور مع مراعاة إنماء الشعور بالمسؤولية الاجتماعية.
وخلاصة القول:
إن الميول العدوانية تكون دليلاً على عدم اكتمال النمو الاجتماعي وعلينا أن نقوم بتوجيهها توجيهاً صالحاً وصحيحاً والاستفادة من طاقات أصحابها بالنشاط المدرسي المفيد لهم وللوسط الذي يعيشون به.
2 – التأخر الدراسي
ينتسب معظم الأطفال إلى المدرسة الابتدائية وهم في عمر واحد تقريباً كما يحدد النظام التعليمي في البلد الذي ينتمون إليه. وبعد مضي مدة قد تطول أو تقصر على ذلك الانتساب، يجد ويلاحظ المعلم فروقاً واضحة بينهم من حيث سيرهم في دراستهم ومستوى تحصيلهم العلمي، فهذه فئة أكثر سرعة في التعلم من غيرها، وتلك فئة أخرى أبطأ في الفهم والاستيعاب من الذين يماثلونها في العمر.
إن تقصير بعض التلاميذ عن رفاقهم يضع المدرسة أمام مشكلة تُعرف عادة باسم “التأخر الدراسي” أو التخلف، والتلاميذ الذين توجد عندهم هذه الظاهرة يسمون “بالمتأخرين أو المقصرين” وقد قامت بحوث كثيرة في بلدان مختلفة أدت إلى تحديد معنى التأخر الدراسي، وأظهرت الصفات والميزات الواضحة للمتأخرين، وكشفت هذه البحوث العوامل والأسباب الكامنة وراء التقصير ووسائل الوقاية منه وعلاجه.
معنى التأخر الدراسي :
المقصود بالتأخر الدراسي عند التلميذ هو ذلك التأخر الملحوظ عن رفاقه الذين هم في عمره الزمني والعقلي من خلال عدد السنوات التي عاشها الفرد، واختبارات الذكاء التي تجرى له، وهو نوعان:
تأخر عام في كل المواد.
تأخر خاص في مادة أو مادتين ويكون سيره مناسباً في المواد الأخرى.
صفات المتأخر :
قد يكون المتأخر دراسياً من ضعاف العقول، وقد تكون قدراتهم العقلية متوسطة، فإذا أخذنا عدداً من هؤلاء المتأخرين من عمر ما، وقارناهم مع عدد مماثل من المتوسطين من العمر نفسه، نجد أن نسبة غير النامين نمواً طبيعياً كافياً أعلى بين المتخلفين مما هي بين المتوسطين، كما نجد أن نسبة الاعتلال الجسدي والضعف العام لدى المتأخرين أوضح مما هي عليه بين المتوسطين، وكذلك نسبة المصابين بعاهات سمعية أو بصرية تفوق بمقدار ملحوظ النسبة بين المتوسطين.
وغير هذا وذاك فإن الكسل والضعف في القدرة على التركيز والانتباه ترتفع عند التلاميذ المتأخرين أو المقصرين، ويظهر ذلك من خلال الفرق في التحليل والتركيب والمحاكمة والتجريد، وقد دلت بعض الدراسات على أن المتأخر ذو شخصية ضعيفة، سريع الانفعال والهيجان وأقل تكيفاً مع البيئة الموجود فيها.
عوامل التأخر الدراسي :
إن عوامل التأخر الدراسي كثيرة ومتداخلة, بعضها يبدأ في وقت مبكر جداً مع الطفل، وبعضها يظهر متأخراً وبصورة تدريجية وأهمها:
1. عوامل عقلية: كالتأخر في الذكاء مما يؤكد على الدور الهام الذي يلعبه الذكاء في التأخر الدراسي يضاف إليه عوامل عقلية خاصة أخرى كالقدرة على الانتباه والتركيز، والقدرة على الإدراك والملاحظة، والقدرة على التذكر، والقدرة اللغوية والحسابية.
2. عوامل جسمانية هامة تؤدي إلى نقص في الحيوية، وتقلل من قدرة الشخص على بذل أقصى جهده كالضعف في النمو العام نتيجة لقلة التغذية أو الاضطراب الفيزيولوجي، وهناك بعض العاهات الموجودة لدى المتأخرين أهمها: الخلل في السمع، والضعف في البصر، والعيب الواضح في النطق والكلام.
3. عوامل مدرسية وهي كثيرة نذكر منها: التغيب المستمر عن المدرسة الذي ينتج عن تكرار مرضه، أو تكرار تنقله من مدرسة إلى أخرى بسب تنقل الوالدين من بلد لآخر أو من حي لحي ثانٍ، وهناك إهمال الوالدين لأبنائهم وخاصة في البيئة الريفية، حيث يقوم الأطفال بقضاء بعض حاجات البيت كرعي المواشي أو المساعدة في جني المحاصيل الزراعية.
وفي هذا المجال لا يمكن إغفال دور المدرسة وضعف التدريس فيها وخاصة الضعف الناتج عن المعلم نفسه، أو عن تنقلات المعلمين بعد بدء الدراسة، يزاد إليها الكتب السيئة الطباعة، الضحلة المادة، والمناهج وطرق التدريس التي لا تلائم استعداد التلميذ ومستوى تحصيله.
4. عوامل أسرية: يستمد التلاميذ المبادئ والأسس الأولى من لغةٍ، وعاداتٍ، وآراءٍ، وثقافة فكرية واجتماعية، من البيت الذين يعيشون فيه، حال الأسرة المادية، تفكك البيت بانفصال الأبوين، أو فقدان أحدهما، أو استمرار الخلاف بينهما، ضعف الجو الثقافي الفكري في البيت، جميعها تؤدي إلى التأخر والتقصير الدراسي وتسببه.
5. وهناك تأثير رفاق الحي الذي يترك أثراً واضحاً في شخصية التلميذ وفي اتجاهاته، وقديماً قيل: “قل لي من تعاشر أقل لك من أنت”.
الكشف عن المتأخرين :
الكشف عن المتأخرين يعني التعرف على مشكلة تأخرهم ومعرفة فيما إذا كان تأخرهم عاماً يشمل جميع المواد، أم خاصاً يشمل مادة أو مادتين، ثم دراسة الأسباب التي أدت إلى ذلك التأخر ويتم ذلك بعدة طرق هي:
– ملاحظة المعلم عن التلاميذ الذين يقوم بتعليمهم.
– بطاقة التلميذ التي تكشف عن حالته الصحية، وعن وضعه في المدرسة وعن فترات غيابه.
– دراسة حالة الأسرة ومستواها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
– اختبارات الذكاء لمعرفة درجته ونمو القدرات الخاصة لدى المتأخرين.
تعليم المتأخرين :
ليس المتأخرون على درجة واحدة من التأخر، وليسوا من نوع واحد، ولكن هذا لا يمنع من وضع بعض القواعد العامة التي يجب مراعاتها حين تجابه وتعالج مشكلة المتأخرين وهذه القواعد هي:
1. يجب الكشف عن المتأخرين في وقت مبكر، وكشف العوامل والأسباب المحيطة بالمتأخر والتي أدت إلى تأخره والعمل على إزالتها.
2. عزل المتأخرين ووضعهم في صف خاص لأن بقائهم مع غيرهم من المتفوقين يؤذيهم هم أنفسهم، ويؤذي غيرهم.
3. وضع منهج خاص بالمتأخرين يتلاءم مع قدراتهم ودرجة تحصيلهم، واستعمال بعض الطرق الخاصة في تعليمهم، يزاد فيها الاعتماد على الوسائل التعليمية وعلى التكرار، وإعداد المعلمين إعداداً خاصاً لتعليمهم.
4. تنظيم برامجهم على أساس طرق “المشاريع” التي تكثر فيها الأعمال التعاونية التي تهدف إلى إنماء روح التعاون الجماعي، والتحمل المشترك للصعوبات، والتمتع بما يقدمه العمل الجماعي التعاوني من خبرات ولذة.
5. وضع المتأخرين تحت الرقابة الطبية الخاصة، والعناية بهم وتقديم المعالجة اللازمة.
التأخر الدراسي الخاص :
قد يكون المتأخر مقصراً بمادة أو اثنتين، وهذه الحال لا تستدعي عزله ووضعه في صف خاص، وإنما يجب معالجته بعد معرفة أسباب تأخره، فقد يكون تأخره ناجماً عن صلة غير حسنة بينه وبين المادة، أو بينه وبين المعلم، أو عن غيابه عدداً كبيراً من دروس هذه المادة.
العلاج والإجراءات الوقائية :
لكي تسير العملية التربوية سيراً سليماً وناجحاً، لا بد من توافر بعض الأمور واتخاذ الإجراءات الوقائية التي تمنع حدوث التأخر الدراسي لدى التلاميذ، منها:
1. إعداد المعلم الجيد، ووضع المنهاج الملائم، واتباع الطريقة الحسنة، واستعمال الوسائل السمعية والبصرية.
2. التشديد على الدوام المدرسي وملاحقة حالات التغيب، والتعرف على أسبابها، ومعالجتها مبكراً.
3. التشديد على الوضع الصحي للتلميذ بفحوص طبية سنوية ورعاية مستمرة.
4. ملاحظة بعض مشكلات السلوك ومعالجتها قبل أن يستفحل أمرها وتؤثر على دراسة الطفل وتكون سبباً في التأخير والتقصير.
المراجع:
أسس التربية وعلم النفس في المدرسة الابتدائية ? تأليف فئة من المدرسين حلب 1962 طبعة ثانية
Discussion about this post