أيقونة سيدة مخيرِيُوتِسا
سيدة مخيرِيُوتِسا (Machairiotissa) ماخيرا العجائبية
كيف وصلت هذه الأيقونة إلى قبرص؟
عام 754 م عُقد مجمع مقدس في زمن الأمبراطور قسطنطين الخامس المعروف بـ”كورونيموس” أُُقرّ فيه أنّ من يكرِّم الأيقونات سيوضع خارج الكنيسة. هذا المجمع عُرف بالمجمع المضطهد للأيقونات.
وهنا تبدأ قصة هذه الأيقونة المقدّسة وديرها.
إثر قرارات هذا المجمع حاول راهب لا نعرف اسمه حماية هذه الأيقونة المقدّسة. دخل كنيسة في دير بلاشيرن من ضواحي القسطنطينية بكل حذر ووقار، ثم بكثير من الحب أخذ الأيقونة التي لا تثمّن لحمايتها من غضب المضطهدين.
كانت هذه الأيقونة موضوعة كغطاء لصندوق مقدّس يحوي زنّار والدة الإله وثياباً مقدّسة أخرى لها. لهذا السبب كانت تدعى أييوسوريتيسا (Ayiosoritissa) أي الصندوق المقدّس وهو اسمها الأساسي. أما اليد المقدّسة التي رسمت والدة الإله في وضع الشفاعة لابنها في هذه الأيقونة فهي للإنجيلي الذي كتب تفاصيل فريدة من حياة الكلية القدّاسة في الكتاب المقدّس أي القدّيس البشير لوقا. هو الذي رسم هذه الأيقونة المصنوعة من الشمع المحروق والمجبول بالألوان. هذه طريقة نادرة وقديمة في الرسم. وهي الطريقة عينها التي استعملت لرسم السيد الضابط الكل في دير القدّيسة كاترينا في سيناء. وإذا كان الرسول لوقا قد رسمها فهي تعود إلى القرن الأول. وهي إحدى الإيقونات السبعين التي رسمها.
لهذا السبب كان لائقاً أن تغطي الصندوق الذي يحوى ثياب والدة الإلة الكلية القدّاسة في كنيسة بلاشيرن.
لم يشأ التدبير الإلهي لوالدة الإله أن تتلف إيقونتها في حملة مضطهدي الإيقونات لذلك حثّت (في التقليد) هذا الراهب المجهول أن يساعدها على الهرب. هذا الراهب، ربما مع آخرين، واجه غضب مضطهدي الأيقونات والله يعلم كم من مرّة اضطر للمسير مساء لنقل الإيقونة خلال الليل إلى أن وصل إلى شاطئ آسيا الصغرى. وهناك على ضفاف مرفأ صغير أخذوا قارباً صغيراً أوصلهم إلى مكان آمنٍ هادئ لم يصل بعد إليه مضطهدو الأيقونات. القسطنطينية بالأخص نالت النصيب الأكبر من إضطهاد الأيقونات، خاصة الأديار، حيث أُخذ عدد من الرهبان أسرى وآخرون فرّوا.
تاريخ الرهبنة في قبرص يذكر ستة حوادث على الأقل حاول خلالها الرهبان إحضار أيقونات من القسطنطينية إلى قبرص. وكانت السبب في بناء أديرة تابعة للأديرة التي كانت في بلاشيرن. وهذه هي حال سيدّة ماخيرا.
الأيقونة في قبرص:
هذا الراهب المجهول أخذ أيقونة والدة الإله، وكان ذلك حوالي منتصف القرن الثامن، ووَجد بتدخل من والدة الإله الجبال، المعروفة اليوم بـ”ماخيرا”، ملجأً له. هناك، بحسب إرشاد والدة الإله وجد كهفاً نسك فيه وكانت تعزيته الوحيدة إيقونة والدة الإله وحضورها الشخصي معه. عاش في الصلاة والتخشّع المستمر. هذا الكهف الصغير كان قرب جدول ماء. حَوَّل هذا الراهب الكهف إلى كنيسة لتكون لوالدة الإله. لم يكن بإمكانه أن يبقى متخفّياً طويلاً، فما لبث الناس أن استدلوا عليه وبدأوا يقصدونه للتبرّك ولتكريم أيقونة والدة الإله وليسمعوا منه كلمة منفعة. إلا أنّه، في القرن التاسع، ونظراً لهجمات العرب المسلمين، شهدت هذه الناحية الكثير من الإضطراب فدّمرت الأديار والكنائس دون تمييز وأُخذ الكثير أسرى.
بسبب هذه التقلبات طمر النسيان قصة هذه الأيقونة وهذا الناسك دون نهاية واضحة. أغلب الظن أنه عند رقاد هذا الراهب بقيت الأيقونة في الكهف الصغير تتلقى من وقت إلى آخر زيارة أناس أتقياء لم يسمح لهم إيمانهم بنقل هذه الأيقونة من الكهف (وهذا مكتوب في التبيكون التاريخي للقدّيس نيللس أحد مؤسسي دير ماخيرا). في نهاية المطاف، سقطت هذه الأيقونة في النسيان.
وبحسب التدبير الإلهي بقيت الأيقونة محميّة من الطبيعة المحيطة بها التي غطّت مدخل الكهف.
وكان في ذلك الزمان ناسك شيخ حامل الإله اسمه نيوفيتوس يعيش في صحراء قرب بحر الأردن في النواحي الأكثر قسوة من فلسطين. هذا شاءه الله أن يترك الناحية التي كان ينسك فيها مع تلميذه أغناطيوس بسبب هجوم المسلمين، وبإشارة من الله ذهب معه إلى الناحية الشمالية لقبرص. هناك وصلا إلى دير القدّيس يوحنا الذهبي الفم. لا يوجد تاريخ محدد كم من الوقت مكثا هناك ومتى غادرا إلا أن التقليد يشير إلى أنّ هذين الناسكين عندما كانا يصليّان في الليل مرة رأيا نوراً مقابل الدير في الجبال البعيدة ومتجهاً إليهما. استمرت هذه الظاهرة عدداً من الليالي وكانت تملأهما فرحاً إلهياً. فهما أنّ في هذا إشارة إلهية من فوق. لذلك تركا الدير وسارا إلى مصدر النور فوصلا إلى الكهف وكان المكان صعب الوصول إليه في الجبل. فمقابلهم الأشجار والعلّيق يعيق التقدّم. وبينما كانا يفكران كيف عساهما أن يتابعا المسير، أتاهما وحي من فوق أن يستعملا سكيناً وجداه مقابلهما بين الأعشاب.
شقّ الراهبان طريقهما إلى أن وصلا إلى المغارة المقدّسة، فامتلأا عجباً ودموعاً مقدّسة. سجدا أمام الأيقونة
ورغم كل الوقت الذي مضى على الأيقونة في الكهف دون أي عناية لم يظهر عليها أي علامة إهمال لأنها كانت في كل هذا الوقت تحت رعاية السيدة الكلية القدّاسة.
عرف الراهبان بالروح أنها المشيئة الإلهية أن يعيشا في هذا المكان القاسي الخالي من أي تعزية والصعب الوصول إليه بعيداً عن الناس، في جبل مناسب للجهاد النسكي والهدوئية كما كتب القدّيس نيللس في تبيكونه.
إذاً أصبح هذان الراهبان الناسكان الراعيَان لهذه الأيقونة المعروفة آنذاك بـ“أييروسوريتيسا”، أما الآن وبعد الظهور العجائبي للسكين فباتت تعرف باسم “ماخيريوتيسا” (Machairiotissa).
بعد رقاد الناسك نيوفيتوس انضم إلى أغناطيوس راهب شيخ باسم بروكوبيوس. قرر الإثنان بناء دير قرب الكهف وهو الدير الذي يعرف اليوم بماخيرا على اسم الأيقونة المقدّسة. أما القدّيس نيللس فهو أحد الرهبان الذين انضموا إلى الناسك أغناطيوس واستلم رئاسة الدير بعد رقاد القدّيس بروكوبيوس بفترة قليلة. وقد دوّن القدّيس نيللس بكل حرص تاريخ الدير وأيقونته المقدّسة.