الفن الباروكي في الكنائس
برز عصر الباروك بشكل أساسي في أوروبا الغربية على الرغم من ظهوره أيضا بفعل الاستعمار في العديد من المستعمرات التابعة للدول الأوروبية وخصوصا في أمريكا اللاتينية. ومن ناحية زمنية فقد شمل عصر الباروك القرن السابع عشر بأكمله وبدايات القرن الثامن عشر، مع زيادة في هذه المدة أو نقصانها وفقا لكل بلد. وعادة ما يتم إدراج عصر الباروك بين الأسلوبية (المانيريسمو) والركوكو، حيث اتسمت هذه الفترة بنزاعات دينية قوية بين البلدان الكاثوليكية والبروتستانتية، بالإضافة إلى اختلافات ملحوظة بين الولايات المؤيدة لنظام الحكم المطلق والولايات البرلمانية، حيث بدأت طبقة برجوازية ناشئة بوضع أسس الرأسمالية.
يعتبر البعض طراز الباروك طرازا ً متفرعا َ من عصر النهضة ،بينما يعتبره البعض الآخر ردة وخروج عنه حيث تم الإبتعاد عن النسب والأشكال الهندسية للعصر .لم يكن الباروك متمتعا ً بخط أسلوبي واضح ،بل ظهرت الإختلافات الواضحة بين أساليب فنانيه، غير أن السمة التي كانت تجمعهم هي النزوع نحو التحرر من قيود الكالسيكية . انتشر الباروك في العديد من البالد الأوروبية في القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر وقد تبنى فنانو ومعماريو الباروك بعض المبادئ الرئيسية لعصر النهضة فكان الفن الكالسيكي الروماني -أكثر من اإلغريقي -ال يزال هو مصدر إلهامهم .كما أن الباروك طراز تعليمي ومسرحي وديناميكي ،و كان هدف الباروك أن يشرك الناس مباشرة مع األفكار الدينية .
تم تشييد الكنائس الباروكية في القرون السابعة عشر والثامنة عشر في أوروبا. وكانت تعكس الحركة الفنية والثقافية المعروفة باسم الباروك، الذي كان يتميز بالزخرفة المفرطة والتفاصيل الغنية. وكانت هذه الكنائس تعكس القوة والبهجة والريادة التي كانت تَعْكُسُ الدُورَ الذي كانت تَلْعَبُهُ الكنيسة في المجتمعات المسيحية في ذلك الوقت
شملت العمارة الباروكية أشكالا ديناميكية أكثر، ذات تصميم مترف وحسّ فني مسرحي (سينوغرافيا) متعددة الأشكال والأحجام. حيث نال تشكيل الفراغ مقداراً من الأهمية مع تفضيل المنحنيات المقعرة والمحدبة، وإبداء اهتمام خاص بالخدع البصرية (ترمبلوي) وبمنظور المشاهد. وحظي تخطيط المدن كذلك بأهمية كبيرة، بفضل برامج التطوير الحضرية التي سعى إليها الملوك والبابوات بشكل كبير، إذ اتسم بتوحيد الشكل المعماري والمناظر الطبيعية الذي من شأنه أن يحقق إعادة تشكيل مستمرة للمساحة، التي تتسع لتشمل أشكالا لامتناهية كتعبير عن المثل العليا سواء كانت سياسية أم دينية.
وبالتالي تتميز عمارة الباروك بالتعقيدات الفراغية والدراما الناتجة عن وجود ضوء غير معروف المصدر .وقد تم تحقيق تأثيرات الباروك بإستخدام التداخل الديناميكي للمنحنيات المحدبة والمقعرة ،و كذلك تفضيل الفراغات المحورية والمركزية مثل القطع الناقص والشكل البيضاوي ،بالإضافة إلى التكامل بين الرسم والنحت والعمارة لخلق نوع من اإلبهار والخداع البصري .وقد ركزت عمارة الباروك على إستعمال الكتل الواضحة الجريئة و”صفوف األعمدة ” والقباب والظل والنور واأللوان وكذلك اللعب الجرئ بين الكتل والفراغات وكذلك تميز الباروك بالتعقيد في األشكال وصهر جميع أنواع الفنون من نحت وتصوير ،وذلك للحصول علي تأثير بالجمع بين المواد المختلفة من رخام و ذهب وبرونز وغيرها
إيطاليا
كما عُرف عنها سابقا، كانت إيطاليا أول من بدأ بتنفيذ أسلوب العمارة الجديد، ويعود الفضل لذلك بشكل أساسي للكنيسة والبرامج المعمارية والمدنية الضخمة التي تمت برعاية الكرسي الرسولي البابوي، راغبا بذلك أن يظهر للعالم انتصاره على حركة الإصلاح. ساد النمط الكنيسي نمط البناء الأساسي للعمارة الباروكية في إيطاليا، والتي لعبت الدور الأكبر في الترويج لحركة الإصلاح المضاد. حيث تتميز الكنائس الباروكية الإيطالية بوفرة الأشكال الديناميكية مع غلبة المنحنيات المقعرة والمحدبة، وواجهات غنية بالتصاميم ومكتظة بالمنحوتات، بالإضافة لعدد هائل من الأعمدة التي غالبا تكون نازلة من الجدران، ويسودها من الداخل كما الخارج طابع المنحنيات وزخم التصاميم. ومن بين القياسات المختلفة لمساحاتها المستوية يبرز- خاصة بين أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر- التصميم ذو الجزئين، بقوصرتين متّحدتيّ المركز (قوس من الخارج مع شكل مثلث من الداخل) متّبعاً بذلك تصميم واجهة كنيسة خيسو في جياكو موديلا بورتا. من أوائل من تبنى هذا الأسلوب كارلو مادرنو، مصمم واجهة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان (1607-1612) – كذلك عدّل خارطة قاعدتها من الصليب اليوناني الذي صممه دوناتو برامانتي للصليب اللاتيني- ، وكنيسة القسيسة سوزانا (1597-1603). ومن أعظم رواد الأسلوب الباروكي الجديد المعماري والنحات جان لورينزوبرنيني، وهو المهندس المعماري الأساسي لروما الأثرية التي نعرفها اليوم، التي تضم: مظلة القديس بطرس (1624-1633) حيث يظهر العامود السليماني الذي عرف لاحقاً كإحدى خصائص الباروك، وصف الأعمدة في ساحة القديس بطرس (1656-1667)، وكنيسة سانت أندريا في الكويرنيال (1658-1670)، وقصر شيغي-أوديسكالتشي (1664-1667).
فرنسا
في فرنسا وتحت حكم لويس الثالث عشر ولويس الرابع عشر، بدأت سلسة من الإنشاءات المعمارية ذات الطابع المترف بهدف إظهار عظمة الملك والطابع العريق والإلهي للملكية المطلقة. وعلى الرغم من إمكانية الشعور ببعض التأثير الإيطالي في العمارة الفرنسية، إلا أنه تم إعادة إنتاجها بطريقة رصينة ومتوازنة أكثر لتصبح أقرب إلى عصر النهضة الكلاسيكية، ولذلك فإن الفن الفرنسي في هذه الحقبة يمكن تسميته بالفن الكلاسيكي الفرنسي. وتتصل الإنجازات المتعلقة بهذا المجال باسم جاك لوميير (كنيسة جامعة السوربون، 1635) وفرانسوا مانسارت (قصر ميزون لافيت، 1624-1626: كنيسة فال دي جراس، 1645-1667). وسابقا تركّزت جهود البلاط الملكي في إنشاء الواجهة الجديدة لقصر اللوفر للمصممين لويس لوفو وكلود بيرو (1667-1670) وتركزت بالأخص في قصر فيرساي للويس هاردوين مانسارت (1669-1685). وتُعتبر كنيسة القديس لويس دي لوس انباليدوس (1678-1691) وساحة فادوم في باريس (1685-1708) من الأعمال الجديرة بذكرها بهذا الصدد.
إسبانيا
وصف فن العمارة في إسبانيا في النصف الأول من القرن السابع عشر التراث الهيريري بالبساطة والتقشف من الناحية الهندسية. وتم توظيف عصر الباروك تدريجياً في الديكورات العلوية الداخلية للكنائس والقصور حيث تم تطوير الحُليّ المنحوتة من الخشب خلف المذابح في الكنيسة لتصل مستويات أكثر إبهارا. وخلال هذه الفترة اعتُبر خوان جوميز دي مورا الشخصية الأبرز كونه من صمم إكليريكية سالامنكا (1617) وساحة مدريد الكبرى (1617-1619) وبلديتها (1644-1702). ومن المصممين الآخرين في هذه الحقبة: ألونسو كاربونيل الذي صمم قصر بوين ريتيرو، وبيدرو سانشيز وفرانسيسكو باوتيستا مهندساً مدرسة القديس اسيدرو في مدريد (1620-1664).
وبحلول منتصف القرن، أحرزت الأشكال الأكثر ثراءً والقياسات الهندسية المفتوحة والديناميكية تقدما ملحوظا مع استخدام الديكورات الطبيعية كأكاليل الزهور واللوحات النباتية واستخدام الأنماط المجردة كالقوالب والأعمدة الصغيرة البارزة. ومن الأسماء التي ينبغي الإشارة إليها في هذه الفترة: بيدرو دي لا تورره، خوسيه دي بيياريال، خوسيه ديل اولمو، سيبستيان هيريرا بارنويبو وبالأخص ألونسو كانو، مصمم واجه كاتدرائية غرناطة (1667).
وبين نهايات ذاك القرن وبدايات القرن الثامن عشر، برز الأسلوب التشوريجيرسكي (نسبة للإخوة تشوريجيرا) حيث تميز هذا الأسلوب بالديكور المترف وتوظيف الأعمدة السليمانية، حيث صمم خوسيه بينتو تشوريجيرا الستار الخشبي الكبير المزخرف الموضوع خلف المذبح في كنيسة سان استيبان في سلامنكا (1692)، وواجهة قصر وكنيسة نويبو باثتان في مدريد (1709-1722)، في حين أنشأ ألبيرتو تشوريجيرا الساحة الكبيرة في سلامنكا (1728-1735)، وكان خواكين تشوريجيرا من صمم مدرسة كالاترابا (1717)، ودير القديس بارتولوميه (1715) في سلامنكا، متأثرا بالأسلوب البلاتيريسكي (أسلوب فني مختص في صياغة وتشكيل الفضة).
كنيسة القديس نيكولاس الباروكية في براغ – التشيك (شترستوك)