أيقونة والدة الإله الفلاخيرنية العجائبيَّة
(نُعيِّد لها في ٧ تموز وفي قرية ديدينيفا قرب مدينة دميتروفا في ولاية موسكو. فالَّتي في كوزمينكا يعيَّد لها في اليوم الثَّاني من تمُّوز، أَمَّا الَّتي في كنيسة الرُّقاد وغيرها، ففي الأُسبوع الخامس من الصَّوم الكبير يوم سبت ‘‘الأَكاثيسطون’’)
إِنَّ أَيقونة والدة الإِله المسمَّاة الفلاخيرنية توجد في كنيسة انتقال السَّيِّدة في موسكو مقام الرَّسولين بطرس وبولس. وقد جاء عنها في التَّقليد أَنَّ القدِّيس لوقا الإِنجيلي صوَّرها. وكانت أَوَّلًا في أَنطاكية ثمَّ في أُورشليم. فاقتنتها آفذوكيا زوجة الأَمبراطور ثيوذوسيوس الثَّاني (٤٠٨ – ٤٥٠) إِذ كانت في أُورشليم تتعبَّد في الأَماكن المقدَّسة وبعثت إِلى أُخت زوجها القدِّيسة يولخيريا، فوضعتها في كنيسة فلاخيرنة حيث كان ثوب العذراء الشَّريف وتسمَّت باسمها. وعُيِّن أَن يصلِّي قدَّامها كلَّ يوم أَربعاء من كلِّ أُسبوع وشُيِّد دير على اسمها.
وقد ورد أَنَّ والدة الإِله ظهرت مرَّة لأَعميَين وقادتهما إِلى أَيقونتها في كنيسة فلاخيرنة، حيث منحتهما الشِّفاء التَّامّ فأَبصرا ولذلك أُطلقت عليها التَّسمية الثَّانية أُوديغيتريا أَي القائدة. ويقال أَنَّ كثيراً من العميان شفيوا بغسلهم رؤوسهم بماء ينبوع هذه الكنيسة. فصار شفاء العميان داعياً لزيارة القياصرة لها واستصحابهم إِيَّاها في غاراتهم على الأَعداء.
ومنذ عام ٦٢٦، جرت العادة بأَن تُنقل هذه الأَيقونة المقدَّسة سنويًّا في الصَّوم الكبير يوم تلاوة القانون الكبير، من الدَّير إِلى البلاط القيصري حيث تترك حتَّى يوم الإِثنين من الأُسبوع النَّيِّر. وسبب هذا النَّقل ذُكر في الكلام على أَيقونة مديح والدة الإِله القائقة القداسة. أَعني به التَّذكير بترنيم هذا المديح أَوَّلًا في البلاط القيصري فقط، قبل أَن يعمَّ الكنيسة الأُرثوذكسيَّة كلَّها.
وفي القرن الثَّامن لمَّا قامت في القسطنطينيَّة بدعة مُحاربي الأَيقونات، نقل بعض العُقلاء ليلًا هذه الأَيقونة من كنيسة فلاخيرنة إِلى دير الضَّابط الكلّ حيث خبَّأُوها في حائط الكنيسة وأَشعلوا قدَّامها مصباحًا وواروها حجارة الحائط. فاستمرَّت في هذا الإِحتجاب نحو مئة سنة حتَّى هلك أَواخر زعماء البدعة الشَّنيعة. ولمَّا أُعيد تكريم الأَيقونات إِلى الأَمبراطوريَّة اليونانيَّة، كشف الأُرثوذكسيُّون ذوو الغيرة والحمية بإلهامٍ إِلهيٍّ، جدار الكنيسة عنها فإِذا بالمصباح يشتعل قدَّامها. فنقلوها باحتفالٍ عظيمٍ إِلى مكانها الأَوَّل في كنيسة فلاخيرنة. ولمَّا استولى الأَمبراطور ميخائيل الثَّالث باليولوغوس على العرش، تقدَّمته هذه الأَيقونة بأَمره.
ولمَّا اغتصب الصَّليبيُّون القسطنطينيَّة نقلوها إِلى دير الضَّابط الكلّ ثمَّ أُرجعت إِلى دير فلاخيرنة. وفي القرن الرَّابع عشر، عاين السُّيَّاح الرُّوسيُّون اسطفانوس النُّوفغورودي والكاتب ألكسندروس والشَّماسان اغناطيوس وزوسيما هذه الأَيقونة في ديرها في القسطنطينيَّة.
وبعد استيلاء الأَتراك على القسطنطينيَّة، توارت الأَيقونة في مكانٍ مجهول. فالشَّاعر يسأَل في أَشعاره على سقوط القسطنطينيَّة قائلًا: “أَين بقايا القدِّيسين المقدَّسة؟ أَين الأَيقونات المقدَّسة؟ أين الأُوديغيتريا سيِّدة العالم ووليَّته؟ يقال أَنَّها صعدت إِلى السَّماء!”.
وفي الأَخبار المُتأَخِّرة يقال أَنَّها خُبِّئت وقتًا في دار البطريركيَّة بعد سقوط القسطنطينيَّة. ثمَّ نُقلت إِلى جبل آثوس تأميناً عليها. وفي سنة ١٦٥٤، حُملت إلى موسكو في ١٧ تشرين الأَوَّل، إِلى الملك أَلكسيوس ميخايلوفتش. فاحتفل البطريرك نيكون بملاقاتها في محلَّة المشنقة.
ولمَّا أّبدى الملك ارتيابه فيها كتب إِليه في اليوم العاشر من شهر كانون الأَوَّل سنة ١٦٥٤ ذاتها، وكيل بطريركيَّة أُورشليم البروتوسينجلوس غفريئيل في مرسوم خاص، شاكرًا له أَوَّلًا إِحسانه الَّذي بعث به إِليه وقائلًا: “إِنَّ أَيقونة والدة الإِله العجائبيَّة المقدَّسة الفلاخيرنيَّة المقدَّمة لك أَيُّها الملك بواسطة ديمتريوس كوستيناري اليوناني إِنَّما هي ذات الأَيقونة الَّتي كانت وقتها نصيرة القسطنطينيَّة والقياصرة اليونانيِّين، وستكون الآن محامية الرُّوسيَّة وشخص عظمتك المقدَّس كما كانت ستر القسطنطينيَّة وملوكها الأَنقياء من زمن البطريرك سرجيوس وهي ذات الأَيقونة الَّتي صحبت الأَمبراطور هرقل محامية له من أَعدائه في حملته على الفُرس. والتَّاريخ يشهد بحوادث عجائبها”. ومن ذلك الحين، استقرَّت هذه الأَيقونة المقدَّسة في كنيسة رقاد السَّيِّدة في موسكو.
وبعد طرد الفرنسيِّين من موسكو سنة ١٨١٢، وُجدت هذه الأَيقونة العجائبيَّة في كنيسة الرُّقاد وقد أُصيبت ببعض الضَّرر وفُقد صندوقها. فنُزِّلت في صندوقٍ جديد من خشب السَّرو وازدانت بحلَّةٍ من الفضَّة.
وفي سنة ١٦٥٤، نُقلت مع هذه الأَيقونة نسخةً صحيحة عنها إِلى موسكو ثمَّ إِلى محلَّة ستروغانوفيج الواقعة على بُعد تسعة فراسخ من موسكو والتي سميت فلاخيرنة باسم تلك الأيقونة.
إن الأيقونة الفلاخيرنية مصنوعة من مزيج الشمع المصطيكي وتسمى كثيرة العجائب.
إن أيقونات كثيرة في الروسية تسمى أوديغيتريا كالفلاديميرية والسمولينسكية والستراستية (المتألمة) والثيوذورية وغيرها. أما النسخ التي طبق الأصل عن الفلاخيرنة فقليلة وأشهرها في قريتين في جوار موسكو هما نوفوسباسكي وكوزمينكا وفي دير موسكو فيسو كوبتروفسكي وفي كنيسة المطران بطرس إلى الجهة الشمالية من الباب الملوكي وفي قرية ديدينيفا قرب مدينة دميتروفا في ولاية موسكو. فالتي في كوزمينكا يعيد لهل في اليوم الثاني من تموز، أما التي في كنيسة الرقاد وغيرها،ففي الأسبوع الخامس من الصوم الكبير يوم سبت “الأكاثيسطون” مديح والدة الإله.
وفي موسكو في دير الصعود للعذارى، أيقونة والدة الإله مصورة على لوح في حجم الأيقونة الفلاخيرنية أوديغيتريا وقديمة، صورها ديونيسيوس عن نسخة أقدم منها، تشوهت بحريق سنة ١٤٨٢ وعليها حلة فضية صيغت لها سنة ١٨١٤. أما تاجها وعقدها قأقدم عهدا من حلتها وهما من اللؤلؤ والحجارة الكريمة وعلى حواشيها المصفحة بالفضة، مصورة أعمالها العجائبية على منوال، صماعة القرن السابع عشر، وتكريمها في موسكو عظيم جدا حتى أنها كانت ترتفع في الاحتفالات الدينية هي والفلاديميرية على مستوى واحد.
من كتاب “حياة العذراء والدة الإله على الأرض”
No Result
View All Result