كاتدرائية القديس لويس أو كاتدرائية قرطاج (الأكروبليوم)
كاتدرائية القديس لويس أو قرطاج وتعرف أيضا بالأكروبليوم (بالفرنسية: Cathédrale Saint-Louis de Carthage)، هي كاتدرائية كاثوليكية تقع على ربوة بيرصة في قرطاج. تم بناءها بين 1884 و1890 زمن الحماية الفرنسية على تونس بجانب مصلى يرجع بناءه إلى سنة 1840. سميت الكاتدرائية باسم لويس التاسع ملك فرنسا، الملقب بالقديس لويس والذي توفي في قرطاج أثناء الحملة الصليبية الثامنة سنة 1270. أصبحت الكاتدرائية في أواخر القرن التاسع عشر مقرا لجاثليق إفريقيا الكاردينال لافيجري الذي أصبح راعيا لأبرشية قرطاج عند إنشاءها سنة 1881، والذي لعب دورا كبيرا في حملات التبشير الفرنسية في أفريقيا. احتضنت الكاتدرائية سنة 1930 المؤتمر الأفخارستي بقرطاج. تبلغ مساحة الكاتدرائية، التي يطغى على طرازها المعماري، الطابع القوطي والبيزنطي، 1200 متر مربع. لم تعد الكاتدرائية تحتضن أي مراسم للعبادة وقد أصبحت منذ سنة 1993 فضاء ثقافياً وسياحيا تحت اسم الأكروبوليوم.
حين شيدت أكروبوليوم قرطاج أو كاتدرائية القدّيس لويس، أواخر القرن 19 على تلة في تونس كانت شاهدة على التعددية الدينية وحماية الأقليات التي هربت من الاضطهاد في أوروبا لتلوذ بتونس.
إن كاتدرائية سانت لويس، التي بنيت خلال فترة حكم البايز، ذات أهمية تاريخية ودينية عميقة. في عام 1830، منح حسين باي الثاني الإذن للمجلس العام لفرنسا لبناء كنيسة في موقع قرطاج القديمة.
وكانت كلماته “نتنازل أبدًا لجلالة ملك فرنسا عن موقع في منطقة قرطاج، يكفي لرفع نصب تذكاري ديني تكريما للملك لويس التاسع في المكان الذي توفي فيه الأمير. نلتزم باحترام هذا النصب التذكاري الذي كرسه ملك فرنسا لذكرى أحد أسلافه اللامعين”.
وتحيي الكاتدرائية ذكرى الملك لويس التاسع الذي توفي في قرطاج في طريقه إلى القدس عام 1270 خلال الحملة الصليبية الثامنة. وبنيت الكاتدرائية زمن الحماية الفرنسية لتونس من (1890-1884)، وأصبحت الكنيسة الرئيسية للكاردينال لافيجري، الذي لعب دورا كبيرا في حملات التبشير الفرنسية في أفريقيا.
وأوضح عقبي “في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ركزت الحكومة على تعزيز ثقافة وتاريخ حقبة قرطاج الرومانية والبونية، لكن الاهتمام القليل أعطي لفترة قرطاج الاستعمارية”، مضيفا “هذا النصب التذكاري الذي يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، جزء من تراث بدأ يختفي من المشهد”.
وتابع “المكان له هويته الخاصة، التي ينقشها التاريخ والأحداث التي تميز الفترة الاستعمارية التي تشكل جزءا من تاريخ تونس. يحمل جزءا من تراث المسيحية التي استضافتها تونس عبر تاريخها”، مشيرا إلى أنه “للأسف، تم التخلي عن العديد من الآثار الكاثوليكية التي ميزت تلك الحقبة وتراجعت في نهاية المطاف واختفت تقريبا، ولهذا السبب كان من المهم جعل الكاتدرائية مركزا ثقافيا للحفاظ على الهندسة المعمارية الرائعة والتاريخ”.
المميزات المعمارية
ويتميز المبنى بالتأثيرات البيزنطية والقوطية التي تميز الطراز المعماري للعصر. ويقف برجان مربعان أمام المبنى الذي يأخذ شكل الصليب اللاتيني، طوله 65 مترا وعرضه 30 مترا. فيها يظهر المعمار الفرنسي القديم وفخامة ورقي الحضارة الفرنسية من خلال الرسومات على الجدران على أثر أيام الحروب الصليبية.
ويمكن للمرء في الداخل أن يتعجب من الحلي المكررة والمعقدة التي تزين الجدران والسقوف، حيث تجذب الأعمدة الرخامية التي يبلغ عددها 174 عمودا الانتباه إلى السقف المزين بالنقوش على الخشب المنحوت. وكان الكاردينال لافيجري دعا حرفيين من البندقية وحلب لتزيين العوارض الخشبية، التي جاءت من الغابات في المجر وهولندا. ويدخل الضوء من خلال 284 نافذة في الكاتدرائية إلى الجدران الداخلية المزينة بالأزرق والأخضر والأصفر. ويعرض زجاج النوافذ زخارف نباتات وحيوانات، وتصور نافذتا المركزين سانت لويس والقديس أوغسطين كما لو كانا يحرسان الكاتدرائية.
والكاتدرائية مليئة بالأحجار الكريمة، بالإضافة إلى نصب تذكاري يحمل نباتات القديس لويس، وإلى جانب عجائبها المعمارية والمصنوعات اليدوية التاريخية، تستضيف الكاتدرائية الحفلات الموسيقية الكلاسيكية، إذ لم تعد الكاتدرائية تحتضن أي مراسم للعبادة وأصبحت منذ سنة 1993 فضاء ثقافيا وسياحيا تحت اسم الأكروبوليوم.
ما قصة هذه البناية؟
خلال العهد الحفصي، بينما كان ملك فرنسا لويس التاسع سان لويس في طريقه إلى القدس لإعادة الديانة المسيحية للقدس، مر بسواحل قرطاج في صيف 1270 ودخلها رفقة جيشه الكبير لنشر ديانته في تونس في إطار الحرب الصليبية الثامنة التي كان يقودها لكنه لم ينجح في مهمته وتوفي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه بسبب تفشي وباء في صفوف الجيش الفرنسي.
وبعد مرور 5 قرون أرادت سلطات الحماية الفرنسية إحياء ذكرى لويس التاسع واقترحت على الملك الفرنسي لويس فيليب الأول أن يطلب من الباي التونسي حسين باي الثاني عام 1830 تمكين الفرنسيين من أرض صالحة للبناء لتشييد كنيسة صغيرة تحمل اسم سان لويس.
فكلف ملك فرنسا لويس فيليب الأول القنصل الفرنسي في تونس فرديناند ديليسبس بإتمام إجراءات بناء الكنيسة الصغيرة مع الباي التونسي وحكومته، وسرعان ما استجاب الباي لطلب السلطات الاستعمارية الفرنسية وحدد منطقة “المعلقة” التي أصبح اسمها قرطاج اليوم، لإقامة البناية الدينية تخليدا لاسم الملك لويس التاسع في المكان الذي توفي فيه. إثر ذلك، كلف القنصل ديليسبس بإتمام إجراءات البناء، وفي شهر جويلية/ يوليو عام 1840 تم تحديد مكان تشييد البناية على ربوة بيرصة بجانب مدينة قرطاج في الضاحية الغربية للعاصمة التونسية.
وفي العام نفسه نظمت السلطات المسيحية في تونس طقوسا دينية في الكنيسة وتم خلالها وضع حجر الأساس. كما حضر الاحتفال فيلق من البحرية العسكرية الفرنسية للتذكير بالحملة الصليبية التي قادها لويس التاسع.
وانطلقت أشغال البناء مباشرة بعد هذا الحفل، جلبت الحجارة من آثار قرطاج ومقاطع سليمان في ولاية نابل الحالية شمال شرقي تونس، وشارك في تمويل عملية البناء الكثير من أحفاد الصليبيين الذين قدموا مع لويس التاسع إلى تونس عام 1270. وفي وقت قياسي أُنجزت الكنيسة.
وفي يوم 25 أوت/ أغسطس عام 1842 وهو التاريخ الذي يتزامن مع الاحتفال بيوم القديس سان لويس، تم تدشين الكنيسة وأداء الصلوات والطقوس المسيحية فيها. لكن في ستينيات القرن 19 أُهملت الكنيسة طيلة 20 سنة كاملة إلى حين تسمية “الكاردينال” الشهير شارل مارسيال لافيجري كبير الأساقفة في الجزائر، وهي مقر السلطة العليا في كامل المنطقة بما فيها قرطاج.
لافيجري أعاد مجد كنيسة سان لويس التاسع حتى ثمانينات القرن التاسع عشر، قبل أن يفكر رجال الدين الكاثوليك في بناء مكان يكون السلطة الدينية في البلاد من خلال بناء كاتدرائية كاثوليكية كبيرة مكان الكنيسة الصغيرة كنيسة لويس التاسع. أشغال البناء انطلقت عام 1884 وانتهت بعد 4 أعوام وتحديدا عام 1940.
بناية في شكل صليب
شُيدت الكنيسة في شكل صليب طولها 65 مترا وعرضها 30 مترا بنمط هندسي معماري جمع بين الفن الروماني والبيزنطي والموريسكي. على جدرانها وسقوفها زخارف رومانية وعربية بإمضاء حرفيين من حلب ومن البندقية، وحملت الكنيسة اسم كاتدرائية قرطاج. إثر ذلك فرض المتشددون من أفراد الجالية المسيحية المعروفين بـ “المستعليين” أو “المتفوقين” على السلطات الاستعمارية وبلدية تونس في ذلك الوقت وضع تمثال “للكاردينال” في مدخل المدينة.
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1925 بالتزامن مع الذكرى المائوية لتاريخ وفاة الكاردينال، تم تنظيم المؤتمر الافخارستي في كاتدرائية قرطاج احتفالا بعودة “إفريقية” وهو اسم البلاد التونسية، إلى الديانة المسيحية الكاتدرائية وأصبحت مقرا لكبير الأساقفة في مقاطعة إفريقية التابعة لروما.
بعد استقلال تونس بثماني سنوات وتحديدا عام 1964، أصبحت الكاتدرائية ملكا تابعا للدولة الفرنسية، قبل تغيير صبغتها من معلم ديني إلى منشأة ثقافية سميت بـ “أكروبوليوم قرطاج » وهي مسرح تنظم فيه العروض الثقافية والفنية. اشتهر خصوصا حين فتح أبوابه لمهرجان الموسيقى الكلاسيكية والجاز تشارك فيه فرق من شتى أنحاء العالم.
كان المهرجان يقام في أكتوبر من كل عام وكان يطلق عليه « أكتوبر الموسيقي ».
طرأت على المعلم الديني عمليات ترميم وإصلاح في 1995، وأغلق من جديد 2021 لإنجاز عمليات ترميم أخرى عليه.
صورة قديمة للكاتدرائية