رسالة العلمانيين في الكنيسة
الشماس جورج اسكندر
لعلّ من أعظم نتائج المجمع الفاتيكاني الثاني، تلك الإنطلاقة المباركة لشعب الله، من كهنة وعلمانيين, يداً بيد, على طريق الربّ لحمل البشارة وتأدية الرسالة.
لقد أدرك العلمانيون، أنّ المعموديّة التي اقتبلوها، فجعلت منهم أبناءً لله، وهياكل للروح القدس، ليست امتيازاً أو شهادة يحصلون عليها، فيضعونها ضمن إطار، وليست جواز سفر إلى الملكوت، يحملونه في جيوبهم ويستريحون، كما أنّها ليست وزنة يدفنونها وينامون، بل هي مسؤوليّةٌ عظيمة ودينٌ ثقيل ودعوةٌ للخدمة، لا بد لهم أن يؤدّوا عنها الحساب.
إنّ ميادين العمل الرسولي المختلفة، تفتح آفاقها اليوم أمام السّواعد القويّة، فهل نصغي إلى صوت الربّ الذي يدعونا..؟
أنا الكرمة وأنتم الأغصان ( يوحنا 15/ 5 )
من قلب فادينا الحبيب صدرت هذه الآية المباركة. قد نقرأها عشرات المرات، إلاّ أنّنا نجد فيها كلّ مرة عمقاً جديداً ومعنى جديداً إنّها تعني فيما تعني، أنّ الله هو مصدر الحياة، أمّا نحن الأغصان فلا حياة لنا في أنفسنا، إن لم نتحد به، لأنّه هو الذي يعطينا ماء الحياة، فنورق ونزهر ونثمر.
إنّنا نولد في المعموديّة، برعماً صغيراً في كرمة الربّ، لكن هذا البرعم مرشّح لأن ينمو ويمتدّ ويكبر، فيكون فرعاً كبيراً مثمراً، كما أنّه يمكن أن يتحوَّل إلى غصن صغير يابس، يعيق حركة نمو الكرمة ويضعفها. الأمر إذاً يتعلّق بإرادتنا الحرّة وباختيارنا، فإن اخترنا الاستقرار والثبات في المسيح نثمر وإلاّ فلا.لأنّ الاستقرار في المسيح هو الذي يعطينا القدرة على العطاء. وهو أيضاً يدفعنا إلى اكتشاف سبل الخدمة المناسبة لنا. قال الرب: “فمن استقرّ فيّ واستقرّيتُ فيه فذاك الذي يثمر ثمراً كثيراً. لأنّكم إذا إن فصلتم عني، لا تستطيعون إن تعملوا شيئاً”.
لنفحص ضمائرنا ونتساءل، ما هو وضعنا الحقيقي في كرمة المسيح..؟ هل نحن ملتحمون ومتحدون بجسد المسيح..؟ ما هو ثمرنا..؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى كثير من التمعن والتأمل، لكي نكتشف موقفنا بالضبط، فنتجدّد وننطلق مع المسيح.
لو سُئلنا، هل تريدون تمجيد الآب القدُّوس..؟ لأجبنا جميعاً: نعم نريد ذلك، فيأتي، الابن الحبيب ليدلّنا على الطريقة المثلى لذلك فيقول: “إنّ تمجيد أبي أن تثمروا ثمراً كثيراً، فتكونوا يومئذٍ تلاميذي”.
أيّ شرفٍ عظيم يعطينا، إيّاه الابن الحبيب, نحن الضعفاء والخطأة وهو أن نكون من العاملين على تمجيد الآب القدُّوس، ومن تلاميذه المقرّبين إلى قلبه. إنّه لا يطلب منّا، إلاّ أن نفتح قلوبنا لنستقبل ماء الحياة الذي يأتينا بنعمة مجانيّة منه، وهو يتكفل بالباقي.
نحن في كثرتنا جسدٌ واحدٌ في المسيح ( رومة 12/5 )
يظن بعض المؤمنين، أنّ عمل البشارة، وخدمة الرسالة المسيحيّة منوطان فقط بالإكليروس، لذلك فهم يعيبون على العلمانيين، تدخّلهم ومشاركتهم في النشاطات الرسوليّة. نقول لهؤلاء الإخوة: إنّ الأمر لم يكن كذلك، في فجر الكنيسة، فالقدِّيس بولس في رسالته إلى أهل رومة، الفصل الثاني عشر يقول: “فكذلك نحن في كثرتنا جسد واحد في المسيح لأنّنا أعضاء بعضنا لبعض. ولنا مواهب تختلف باختلاف ما أوتينا من النعمة, فمن أوتي النبوّة فلينبئ وفقاً للإيمان، ومن أوتي الخدمة فليخدم، ومن أوتي التعليم فليعلّم، ومن أوتي الوعظ فليعظ، ومن أعطى فليعطِ بسلامة طويّة، ومن يرئس فليرئس باجتهاد”.
إنّ رسول الأمم، في رسالته هذه، يفتح أمام شعب الله آفاقاً واسعة للعمل، فالربّ وزّع مواهبه المتعددة، على أعضاء جسده، فعلى كلّ عضو أن يسهم في بناء الجسد ونموه، بحسب الطاقة والموهبة التي أعطيت لـه. هكذا تنطلق المحبّة من قلب الله، لتنتشر في الجسد كلّه، بنعمة الروح القدس فإن قام كلّ منا بواجبه فإنّ ملكوت الربّ ينتشر في الجسد كلّه، بنعمة الروح القدس. أمّا إذا تجاهلنا دورنا ورسالتنا فإنّ الجسد كلّه يصاب بالضعف والوهن.
إذاً، المسؤوليّة جسيمة، فلا يستهين أحد بدوره مهما كان بسيطاً، لأنّ أيّ إهمالٍ أو تكاسلٍ أو تقاعس، ينعكس سلباً على مسيرة الكنيسة جمعاء.
جميعنا خدام الربّ ومعاونوه
إنّ مساهمتنا في خدمة الدعوة، وحمل الرسالة شرف كبير لنا، فلنعمل بتواضع وصمت، ولنشكر الربّ على هذه النعمة، بأن جعلنا من معاونيه لنشر دعوة السَّلام والفرح والخلاص، وليكن همّنا الأول بناء الجسد، وخلاص النفوس، فنبتعد عن كلّ ما يسيء للمشاركين لنا في العمل والخدمة.
ولعل المحذور الأول، الذي يجب علينا أن نتجنبه هو الاعتداد بالنفس، والتمركز حول الذات، فلا نظن أنّ مساهمتنا في العمل والخدمة، تعطينا حقّ الامتياز والوصاية على الآخرين. إنّ العمل هو عمل الرب، ونحن لسنا سوى خدّامه ومعاونيه، فالفضل يعود إليه أولاً وأخيراً. وقد نقل إلينا لوقا البشير دعوة الرب، لنبذ الكبرياء وتقدير الذات بسبب القيام بالواجب فقال:
“إذا فعلتم جميع ما أُمِرْتُم به. فقولوا: نحن عبيدٌ لا خير فيهم، ما فعلنا إلاّ ما كان يجب علينا أن نفعله” (لوقا 17/10).
Discussion about this post