الكتاب المقدس يوصي بإكرامها.. الأم في المسيحية «الطاعة مقابل الحياة»
يضع الكتاب المقدس الأم في مكانة لا تقل عن الرجل، حيث نجدها على نفس المستوى الاجتماعي له، بل كثيرًا ما شغلت مراكز قيادية، كما أن هناك العشرات من القصص التي وردت في الإنجيل تصف غريزة الأمومة، وحب الذرية لدى المرأة، ولهذا كانت للأمومة أرفع منزلة.
وكرَّم الإنجيل الأمَّ في كثير من المواضع، حيث جاء ذكرها قبل الأب، كما شدَّد على حب واحترام الأبناء لأمهاتهم، ولعل مولد المسيح سما بمقام الأمومة إلى أرفع مكان، وجعله قبلة الأنظار، كما أن آخر شيء فعله يسوع على الصليب هو أنه عهد بأمه ليوحنا الحبيب كوديعته الغالية، وما وصلت إليه المرأة في المسيحية يرجع إلى المكانة السامية التي يضعها فيها الكتاب المقدس.
للأمومة دور مهم جدا ينعم به الله على كثير من النساء، فالكتاب المقدس يوصي الأمهات بمحبة أطفالهن، ويقول: «لكي ينصحن الحدثات أن يكن محبات لرجالهن ويحببن أولادهن.. متعقلات، عفيفات، ملازمات بيوتهن، صالحات، خاضعات لرجالهن، لكي لا يجدف على كلمة الله»، وفي أشعياء 15:49 يقول الكتاب المقدس: «هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها».
ولا يخبرنا الكتاب أنه يجب على كل امرأة أن تكون أمًّا، ولكن يوصي اللاتي قد أنعم الله عليهن بهبة الأمومة أن يتخذن هذه المسئولية بجدية، فالأم لها دور مهم ومتميز في حياة أطفالها، فالأمومة ليست عبئًا أو مهمة غير مرغوب فيها، وكما تحمل الأم الجنين أثناء فترة الحمل، وكما تعتني وتطعم رضيعها بعد ولادته، يستمر دورها في رعاية أولادها، سواء كانوا أطفالًا، أو مراهقين، أو شبابًا، وفي حين أن دورها يتغير ويتبدل فإن الرعاية والعناية والتشجيع التي تمنحها الأم لأولادها لا تنتهي أبدًا.
ويزخر الكتاب المقدس بالأمثلة التي تظهر كيف تعاملت الأمهات مع أبنائهن، ولعل سارة زوجة النبي إبراهيم أبلغ مثال على ذلك، فمن شدة حب سارة لابنها إسحق وغيرتها عليه، أرادت أن تعطيه مكانة خاصة عند أبيه، فقالت لإبراهيم: «… اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق».
كما أن رفقة زوجة إسحق كانت شديدة الحب لابنها يعقوب، وكانت تحب عيسو أيضًا، لكن بسبب حب رفقة ليعقوب أرادت أن تعطيه بركة أخيه من أبيه، وفي هذا الترتيب أن الله فعل هذا خصيصًا لكي يهرب يعقوب من وجه أخيه ويبدأ بحياة أخرى مع خاله.
بينما كانت «أم موسى» تحب ابنها بشدة، فكانت القوانين في هذه الأيام تقضي بقتل كل صبي من أسباط إسرائيل، ورغم حب أم موسى لابنها فقد استجابت لأمر الله، وأودعته في الماء حتى انتشلته ابنة فرعون، وتبدأ قصة خلاص إسرائيل.
مريم العذراء أيضا خير مثال للمرأة المسيحية التقية والأم الناجحة فهي والدة الإله، فلا يخلو كتاب عن الأم دون ذكر مريم العذراء، فكان دورها بارزًا جدًّا في الكتاب المقدس وخدمة ابنها، فبسبب تعبها وتقدمتها لابنها نالت نعمة في أعين الله والناس، وأصبحت مثالًا يُضرب للمرأة التقية، وبسبب حبها لابنها- المسيح- تحملت مشقة السفر من فلسطين إلى مصر، بل إنها كانت تتألم من التعب والإرهاق، كأي فتاة لا يتجاوز عمرها الـ13 أو 14 سنة.
نرى أن مريم توجه لها نبوة بخصوص آلامها وتضحياتها من قبل سمعان الشيخ حين قال: «إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم.. وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف لتعلن أفكار من قلوب كثيرة». (لو 2: 34- 35).
«سالومة» أيضا من النساء اللاتي تبعن المسيح من الجليل، وكانت أمًّا ليوحنا الحبيب ويعقوب بن زبدى شقيقه، فكانت تربيهما على مخافة الله وطاعته وتنفيذ الشعائر الدينية، خاصة حب الله، وخير دليل على هذا الكلام عندما قالت للمسيح له المجد: “قالت له قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك”، وهو ما يكشف غيرتها على أبنيها.
وتناول المسيح العشاء الأخير في علية «مريم أم يوحنا» (مرقس) عندما أمر بطرس ويوحنا أن يعدا المائدة، وقال لهما: «وقال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه» (مر 14 : 13).. ومنذ هذا العشاء أصبح هذا المكان مقدسًا وأصبح علية للرسل والتلاميذ، وعقد الاجتماعات التي تخص الشعب المسيحي، وكانت هذه العلية في أورشليم ترجع ملكيتها إلى مريم؛ لأن هناك آية تقول: «وهو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون (اع 12 : 12)».
كانت مريم تخدم التلاميذ والرسل، بسبب هذه الأعمال الجليلة التي قامت بها أراد ابنها أن يخدم الرب ويبشر كالرسل؛ لذلك أخذه بولس الرسول في رحلته الأولى.
كان تيموثاوس ابن امرأة مسيحية وأب وثني كقول الكتاب المقدس: «وإذا تلميذ كان هناك اسمه تيموثاوس ابن امرأة يهودية مؤمنة ولكن أباه يوناني»، فعلمته على حب المسيح وطاعة الرب وخدمته، فأثرت هذه التربية في كيان تيموثاوس واصطحبه بولس الرسول في رحلته التبشيرية الثانية من مدينة لسترة، لذلك قال له القديس بولس الرسول في رسالته له: «وإنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع».
المسيح أيضا كان يكرم أمه كثيرًا، وكان يخضع لأمه وينفذ طلباتها، ويخدمها بكل فرح وشكر بدليل قول الكتاب المقدس: «كان خاضعًا لهما»، (لو 2: 51)، كما أن السيد المسيح كرر وصية الله لموسى، قائلًا: «فإن الله أوصى قائلا أكرم أباك وأمك، ومن يشتم أبا أو أما فليمت موتًا»، وبرهن الرسول بولس على كلام المسيح، قائلًا: «أكرم أباك وأمك التي هي أول وصية بوعد».