شرح وتأمل في أيقونة شفاء الأعمى
الأيقونة من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة
ضمن مشهدّية شفاء الأعمى نتأمّل بشخصية الجمع الغفير الّذي كان يرافق يسوع وموقفه من الأعمى، وخياراته خلال عيش الحدث.
لقد كان الجمع يرافق يسوع أثناء عبوره أريحا في طريقه إلى أورشليم ومنهم ربّما:
– من جاء ليشهد العجائب والآيات
– من كان حاضرًا بدافع من حشريّته
– من كان يرافق يسوع في مسيرة الحجّ إلى أورشليم.
إلّا أنه، خارج المدينة، على قارعة الطريق، كان يقبع رجل أعمى يعيش على حسنات الآخرين. وفجأةً، في قلب كلّ هذا الضجيج، صرخ الأعمى محاولاً إيصال صوته إلى يسوع، طالبًا الرحمة.
أمام هذا المشهد كان للجمع خيارين:
– الأوّل: تجاهل وجود الأعمى. على الرغم من معرفة قسمٍ كبيرٍ لقدرة يسوع على شفائه، ومع هذا لم يتمّ لفت نظره إليه… كان الجمع يصبّ كل إهتمامه على يسوع لأنّه – ربما – إعتاد على حالة الأعمى وعلى وجوده، فتجاهل حاجته الحقيقية التي تتخطّى الحاجات الأساسيّة (المأكل والملبس…). هذا الخيار، رغم عدم إساءته للأعمى بشكل مباشر، إلا أنه خيار سلبي، يعكس الإصابة بمرض اللامبالاة تجاه الآخرين وتجاهل معاناتهم، أو الإكتفاء بالشفقة عليهم.
– الثاني: البعض حاول إسكات الأعمى ومنعه من الصراخ… هذا الخيار أسوأ من الأوّل، لأنه لا يكتفي بتجاهل الحالة، بل يتخطّى اللامبالاة إلى السلبيّة المطلقة… لقد إستعمل البعض السلطة التي لهم على الأعمى آمرين إياه بأن يسكت، إمّا خوفًا من أن يلفت النظر أو حرصًا على عدم إفشال الحدث، أو ربّما خجلاً من حالته. لقد ظنّ هؤلاء أن من حقّهم منع الأعمى من التعبير، لأنهم يعتبرون أنفسهم أولياء نعمته، وأصحاب فضل عليه، نتيجة التقدمات التي “شحّدوه” إياها سابقًا.
سمع يسوع صراخ الأعمى، فتوقّف! وحوّل كل الإهتمام نحوه جاعلاً إياه محور الحدث وطلب من الجمع أن يدعوه.
أراد يسوع أن يحرّر الجمع من اللامبالاة، مشركًا إياه في خلاص الأعمى، محوّلا السلبيّة إلى إيجابيّة واللامبالاة إلى مبادرة، والقمع إلى موقف تشجيع. وبذلك يدعونا أن نتعلّم أن نوجّه إهتمامنا نحو المهمّشين، الّذين يعانون بصمت، لا أن نعتاد على حالتهم وحاجاتهم وموقعهم. أو نحوّل قدرتنا على المساعدة والعطاء إلى حقّ بالتسلّط والتحكّم. فيسوع مستعدٌّ أن يوقف مسيرة كاملة من أجل محتاج يدعوه بصدق، ودورنا أن نكون ذلك الصوت، لا بل ذلك الصراخ الّذي يحمل وجع الآخرين إلى أمام الرب. لنحمل إليهم التشجيع، مشاركين معهم ما نختبره من محبّة وثقة بالله.
لذلك نصلّي لكي يمنحنا الله القادر على كل شيء نعمة الشفاء من كل أنانيّة ولا مبالاة بربنا ومخلصنا يسوع، وهدي الروح القدس، آمين.
No Result
View All Result