كنيسة مار دانيال – حَدَث الجِبَِّة
بَنَتْ سالومي إبنة الخوري باسيل البشِرّاوي، كَنيسة مار دانيال في حَدَث الجِبَّة، في أوآئل القرن الثاني عَشَر،على أنقاضِ ديرٍ للنبي إيليّا، الذي كان قد أقيمَ على أنقاضِ مَعبدٍ وثني. ويُعتَقَد أنَّ تَسميَة مار دانيال، تَعود إلى مار دانيال، أحَد القدّيسين المُبشِّرين إبّان العَهد المَسيحي الأوّل، على عَهد مار سِمعان العاموديّ.
بعد تحوّلهم إلى المسيحيّة حوّل أهالي الحدث معبدهم إلى كنيسةٍ على اسم مار الياس، ما زالت قائمة في القسم الجنوبيّ. سنة ١١١٠ باشرت بناء كنيسة مار دانيال صالومي إبنة الخوري باسيل من بشرّي. تعرّض البناء للخراب على يد المماليك سنة ١٢٨٣. وأخذ البناء شكله الحاليّ في زمن حبريّة البطريرك شمعون الحدثيّ. رُمّم البناء أواخر القرن العشرين. الكنيسة بازيليكيّة الطراز بعقد مصالب وثلاث حنايا مع رواق خارجيّ معقود. تحوي الكنيسة ثلاث لوحات لداوود القرم تعود للقرن التاسع عشر.
تَعَرَّضَت الكنيسة لِلكثير من التَعدّيات، كان أهَمُّها الحَمَلة التي شَنّها المَماليك على جَبل لبنان في عهد البَطريَرك دانيال الحَدّشيتي (1278-1282) بِقيادة المَلك الظاهِر والي طرابلس، فتَصَدّى لَهُم الموارِنة وأوقفوا تقدُّمهم، فأعاد هؤلاء الكرَّة، فلم يتمكنوا أيضاً من التَقدُّم. فوجَّهوا في أوآئل سنة 1282، حَملة كَبيرة على جَبل لبنان بقيادة السُلطان قلاوون، ولاقاه حُسام الدين مِن دِمَشق وحاصَروا جِبَّة بشرّي، وإجتاحوا حَصرون والحَدَث، وكذلك حاصَروا المَوارِنة المُتَحَصّنين في إهدن بقيادة البطريرك دانيال، الذي كان يَقود المُقاتلين المَوارنة بِنفسه مُدّةَ أربعين يوماً، ولكنَّهم لم يَتَمَكَّنوا من إقتِحام إهدن إلاّ بِالحيلة، فَقَبَضوا على البَطريَرك وقَتلوه ودُفِن في إيليج، وكان ذلك سَنة 1282. وقد كَتَب الدويهي عن ذلك قائلاً: “سنة 1283 قاد البَطريَرك الحَدّشيتي رِجاله وقاوَم جُيوش المَماليك عِندما زَحَفت على جِبَّة بشَرّي، وإستَطاع ان يوقِف هذه الجيوش أمام إهدِن أربعينَ يَوماً، ولم يَتَمَكّنوا مِنها إلاّ بَعدَ أن أمسَكوا البَطريَرك بالحيلة”.
ويقول إبن الحَريري: “في تاريخ 1300 لم يتمكّن المَماليك من أن ينتَزِعوا طَرابلس من أيدي الصَليبيّين إلاّ بَعدَ أن أجهَزوا على مُقاومَة حُلفائِهم المَوارنة. ففي سنة 1283 صَدَّ رِجال البطريرك دانيال الحَدّشيتي جُيوش المَماليك عندما زَحَفَت على جِبَّة بشرّي وإستطاعوا أن يوقِفوا الجُيوش أمام إهدِن أربعين يوماً، ولم تَتَمَكَّن الجُيوش من إحتِلال المنَطقة إلاّ بَعدَما أمسَكوا البَطريَرك بالحيلة، وكان القَبضُ على البَطريَرك أعظَم من إفتتاح حُصن أو قَلعَة”.
والقاضي مُحيّي الدّين أبو الفَضل بِن عَبد الظاهِر يُسمّي هذا البَطريَرك “بَطريَرك الحَدَث”، وقَد رَوى خَبر إمساكَه والقَضاء عَليه كما يلي: “إتّفَق أن في بِلاط طَرابلس بَطركاً عَتا وتَجبَّر، وإستطال وتَكبَّر، وأخاف صاحِب طرابلس وجميع الفرنجية، وإستَغوى أهل تِلك الجِبال وأهل تلك الأهويَة من ذَوي الضِلال. وإستمرَّ أمرَه حَتى خافه كُلّ مجاور. وتَحَصَّن في الحَدث، وشَمَخ بأنفه، وما قَدر أحد على التَحَيُّل عليه.. من بين يديه ولا مَن خَلفَه، ولولا خَوفَه من سَطوة مَولانا السُلطان لخرَّب تلك البلاد، وفَعل ذلك أو كاد. فإتَفَق أن النواب تَرصَّدوه مِراراً فَما وَجَدوه. فَقَصَدَه التُركمان في مَكانه وتحيَّلوا عليه حتى أمسكوه وأحضَروه أسيراً حَسيراً، وكان من دُعاة الكُفر وطواغيهم، وإستَراح المُسلمون مِنه وأمنّوا شَرَّه، وكان إمساكِه فُتوحاً أعظَم من إفتتاح حُصنٍ أو قَلعَة، وكَفى الله مُكرَه”.
بَعدَ تلك الهَجمات، أعيدَ تَرميم الكنسية، وشَهِدَت وَرشَة بِناء كَبيرة في ثلاثينيات القَرن الماضي، حيث تمّ دهان الدير وترميمه من الخارج، ليتأقلم مع التطور الحديث حيث أصبح يأخذ شكلاً هندسياً حديثاً، أضاعت معالمه ألأثرية. فقرّر وقف مار دانيال لاحقاً، إعادة بناء كنيسة مار دانيال، كما كانت يوم إنشائها منذ 1110م. وفعلاً بدأ العمل بإشراف الكنيسة المارونيّة، لأن البناء أثري بالنسبة للمجتمع اللبناني وكنيسة المارونية بشكل خاص أما اليوم وبعد الإنتهاء من أعمال الترميم، وبمساهمة وبدعم مباشر من أبناء الحدد الخيّرين. تمّ تصنيف بناء كنيسة مار دانيال، كمرجع أثريً يُعتبر من أقدم الأبنية الأثرية في لبنان، وإحدى الكنائس النادرة جداً في هذا الزمن، ما زالت معالمها ظاهرة لغاية اليوم. وهذا التمييز الأثري، أعطى للحدث تصنيفاً هاما في تاريخ الحدث والمجتمع اللبناني والكنسي.