«القصير»… أقدم كنائس العراق: أثر يبحث عن روح
كنيسة الأقيصر أو كنيسة القيصر هي كنيسة أثرية تقع على بعد 70 كم وفي قلب البادية الغربية في محافظة كربلاء وتبعد 5 كم عن حصن الأخيضر ويعود تاريخ بناءها إلى القرن الخامس ميلادي تقع في صحراء قضاء عين تمر و تتميز بوجود كتابات آرامية إضافة إلى ان المذبح يتجه نحو القدس.
أصل التسمية
وتعود تسمية هذا المكان بالأقيصر إلى تصغير كلمة قصر حيث اشتهرت هذه المنطقة وما يجاورها بكثرة الأبنية الشاخصة التي أطلق عليها اسم قصور مثل (قصر الاخيضر، قصر البردويل، وقصر شمعون)، فسميت بهذه التسمية من قبل السكان المحليين الذين ظنوا بأنها لا تختلف عن الأبنية الأخرى فسموها قصيرا أو أقيصر، فيما يرى بعض المؤرخين إن تسميتها جاءت من (القصر الصغير).
تاريخ
تشير الأبحاث والآثار والمصادر التاريخية إلى أن هذه الكنيسة بُنيت من قبل الثائرين المسيحيين من الطائفة النسطورية على الكنيسة البيزنطية الذين وجدوا مأمنهم وممارسة حرية طقوسهم وعباداتهم في ظل دولة المناذرة اللخميين (268-633م) التي كانت خاضعة للدولة الساسانية وكانت تدين بالمسيحية. وقد ازدهرت النسطورية في ذلك العهد وساعد على ذلك ترحيب الأكاسرة الساسانيين بهذه الطائفة لأن الساسانيين كانوا يخوضون حروباً مع الرومان الذين يعتنقون الأرثوذكسية.
تبعد الكنيسة عن حصن الأخيضر مسافة خمسة آلاف متر ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الثالث الميلادي، أي في عهد أول ملوك المناذرة اللخميين عمرو بن عدي (268-295م) وقد بنيت الكنيسة على شكل مستطيل ومدخلها من الجهة الغربية منها، أما الجهة الشرقية فقد احتوت على حجرة كانت تعلوها قبة، ومن الجنوب منها هناك مدخل صغير يؤدي إلى ثلاث حجرات تُجرى في إحداها مراسيم التعميد والأخرى تسمى بيت الشماسة وفيها يرتدي القسيسون والرهبان لباسهم الديني.
ولا تزال آثار الكتابات الآرامية على جدرانها، إضافة إلى وجود المذبح الذي يتجه نحو القدس وهو مرتفع عن باقي أرضية الكنيسة، وتبلغ مساحة هذا المكان الكلية حوالي أربعة آلاف متر مربع بما فيها المقابر والأبراج والأديرة والخزائن. وتقع خارج سور كنيسة الأقيصر كنيسة أخرى تم اكتشافها وهذه الكنيسة خاصة بمراسيم وطقوس دفن الموتى المسيحيين وتم اكتشاف عشرات القبور التي تتجه مقدماتها إلى القدس، كما توجد قرب الكنيستين العديد من التلول مما يوحي إلى وجود مدينة كاملة كانت قربها، وبعد اكتشاف الكنيسة من قبل بعثة التنقيب كان المسيحون يأتون لزيارتها سنوياً خلال أعياد الميلاد لإقامة القداس فيها رغم فقدان سقوفها من أمد بعيد ولكن جدرانها وإطلالها لا تزال شاخصة.
المبنى
ويصف الباحث الكنيسة بأنها تقع داخل مجمع من الأبنية التي تشكل بمجملها ديرا كبيرا يضم عددا من الأبنية داخل منطقة مسورة بجدار غير منتظم الشكل، يبلغ طول الضلع الشرقي منه 148 مترا، وهو يفصل الدير عن النهر الذي يجري بموازاته شرقا، والمدخل الرئيسي للدير يقع في هذا الضلع الشرقي بين برجين ضمن السور الذي يبدو الجزء الأسفل منه مشيدا بصفوف من الفرشي بقياس 24×24×5.5 سم إلى ارتفاع 120 سم من مستوى الأرضية هنا. فيما شيد الجزء المتبقي باللبن إلى الارتفاع الحالي، الذي بلغ 180 سم والضلع الشمالي للسور يبلغ طوله 90 مترا، فيما يبلغ طول الضلع الشرقي 141 مترا وطول الضلع الغربي 112 مترا (ويحوي السور 31 برجا تتوزع على الشكل الآتي، 11 برجا في الضلع الشرقي و5 أبراج في الضلع الشمالي و11 برجا في الضلع الغربي و4 أبراج في الضلع الجنوبي) وتبلغ مساحة الدير 15000 متر مربع.
التخطيط والعمارة
ويتحدث عن تخطيط الكنيسة فيقول إنه تبين وبوضوح أنها من الكنائس التي شيدت بطراز البازيلكا، وهو البناء الذي يشيد بشكل رواق مستطيل الشكل، يقسم في بعض الأحيان إلى ثلاثة أجزاء بواسطة الأروقة المعمدة التي تحتل حيزا من فضائه، أو من خلال بناء ملاحق خارجيه لصق البناء المركزي المستطيل، على أن تكون هناك حنية شبه دائرية تتوسط الوجه الشرقي للبناء، أي عند منطقة المذبح تلي محور المدخل الرئيس للكنيسة. الطراز البنائي هذا ظل مستخدما في بناء الكنائس منذ القرن الرابع الهجري وحتى الوقت الحاضر، ويؤكد أنه إذا ما أمعنا النظر في الكنيسة ومخططها الأرضي سنرى أنها تشابه إلى حد ما وتعاصر كذلك الكنائس التي وجدت في الحيرة.
وما يمكن أن يتم فيه الوصف أن الكنيسة والملاحق البنائية التي تحيط بها من جهتي الشمال والجنوب، عبارة عن بناء مستطيل الشكل، يبلغ طول الضلع الطويل فيه، الذي يمتد من الشرق إلى الغرب حوالي 52 م، فيما عرضها بما في ذلك سمك الجدران، يبلغ 22.5م أي أن مساحتها تبلغ 1170م2 والكنيسة بوجه عام تتألف من ثلاثة أقسام تساير محورها طولا، وهو الأمر الذي يلاحظ في كنيستي الحيرة وطيسفون. شيد بيت الصلاة في الكنيسة وهو الجزء الأقدم منها من قطع الحجارة المهندمة جزئيا واستخدم الجص والنورة في عمل الأرضيات والملاط الذي يبلغ سمكه حوالي 6 سم في بعض المواضع من البناء، كما تم استخدام المواد المذكورة كمادة رابطة في البناء، أضيف إليها الرماد للتقوية. كما تم استخدام الطابوق الفرشي ذي القياس 24×24×5.5 سم في عمل السقوف التي كانت تغطي البناء وهذا واضح من خلال العثور على قطع من الفرشي في أماكن متفرقة في الركامات التي تغطي داخل الجزء الداخلي من بيت الصلاة والمحراب. مثلما استخدم اللبن متفاوت الأحجام في بناء الأجزاء الملحقة بالكنيسة لصق جداريها الشمالي والجنوبي وهي بسمك يصل إلى 80 سم غطيت أجزاء منها بطبقة من الملاط الجصي، وأخرى بالملاط الطيني.
العثور على قطع من الفرشي في أماكن متفرقة في الركامات التي تغطي داخل الجزء الداخلي من بيت الصلاة والمحراب.
وتبلغ قياسات بيت الصلاة وهو البناء المستطيل من الكنيسة 32×5.70-5.80م كسيت الجدران الداخلية بطبقة من الملاط الجصي التي بلغ سمكها ما بين 4 -7 سم، حيث ظهرت بقايا لطلاء أرجواني اللون في بعض أجزائه، خاصة عند الأركان شيدت الجدران التي يبلغ سمكها 1م تقريبا من قطع الحجارة المهندمة جزئيا تتخلل الجدران وعلى ارتفاعات متفاوتة فتحات مربعة الشكل تبلغ قياساتها 20×20 سم تستخدم على الأرجح لأغراض التهوية والإضاءة، وقد لوحظ أن الملاط لا يغطي الكوات، التي عوملت الحجارة فيها بناية لتعطي زوايا منتظمة، وأن بيت الصلاة هذا يمتد على محور شرق ـ غرب، أي أن المذبح وقدس الأقداس يقع في مواجهة الشرق، فإن حاولنا التعرف على اتجاه الكنائس عند السريان المشارقة في الأديرة أم غيرها من الأماكن، سنرى أنها تتجه في قبلتها نحو الشرق. وعند النهاية الشرقية للكنيسة يقع المذبح Altar الذي يسمى قدس الأقداس أو الطرنوس thronos وكذلك الفاثور. وكوة المحراب مستطيلة الشكل تبلغ أبعادها 1.28×3.20م ويعلوها على ارتفاع تجاوز المترين قوس تساقطت أجزاء منه بفعل عوامل التعرية تبلغ أبعاد المذبح أو قدس الأقداس 6.20×5.77م أي أنه عبارة عن غرفة مربعة الشكل تقريبا، وتبلغ ارتفاعات جدرانه الحالية 8 م تخللت الأجزاء العليا منه فتحات إضاءة وتهوية كبيرة الحجم. واحدة أعلى قوس المحراب عند منتصف أعلى الجدار واثنتان أعلى الجدار الجنوبي وعلى مسافات متوازنة منه وثلاث في الجدار الشمالي، اثنتان منهما تقابلان فتحات الجدار الجنوبي والثالثة قرب الركن الشمالي الغربي من أعلى غرفة المذبح، فضلا عما تقدم فقد كان هناك مدخلان يؤديان من وإلى غرفة المذبح، الأول منهما في الجدار الجنوبي لجدار المذبح بقرب الركن الجنوبي الغربي من المذبح تقريبا، وهي كاملة، يبدو القوس الذي يعلوها واضحا للعيان ويرتفع عن أرضية مذبح الكنيسة بمقدار 2.10 م فيما يبلغ عرض كل من المدخلين حوالي 75سم، وعند الركنين الشمالي الشرقي والجنوبي الشرقي من غرفة المذبح وعلى مسافة 83 سم من كل من الركنين هناك فتحات مداخل يبدو بكل تأكيد أنها تعود لدور أقدم من البناء، حيث أن ارتفاعها عن مستوى الأرضية لا يتجاوز النصف متر عند التمعن في وجه القوس الذي يعلو كوة المذبح، نرى أن هناك ما يشبه الإطار الذي يغطيه والذي لابد أنه احتوى على كتابات أو نقوش سابقا.
الأرضية والقباب
وعن أرضية المذبح والسقف أو القبة التي تعلوه فيقول الباحث حسين إنه من الواضح أن الارضية عملت من الجص أو النورة، وخضعت لأعمال تجديد أو صيانة لثلاث مرات على الأقل، وعند النظر إلى أعلى جدار المذبح نرى وبوضوح، ومن خلال ما تبقى منه وعلى وجه التحديد أعلى الضلعين الشرقي والجنوبي من البناء، أن الجدار يبدأ بالميلان نحو الداخل معطيا الانطباع بما لا يقبل الشك بوجود قبة تعلو المذبح، وكانت القباب بشكلها البيزنطي تعلو بعض الأديرة وتستوقف الناظر اليها لاسيما إذا كان البناء زاهيا مشرقا كقباب دير يوسف في الموصل، وأكثر ما ذكرت هذه القباب في الحيرة والعراق، وهي من الأبنية القديمة عرفت منها في الحيرة قبة السنيق وقبة الغصين إلى جانب دير الحريق في الحيرة. ومن اهم أنواع القباب البيزنطية أو الرومانية التي تبنى المسلمون في مراحل من تاريخهم بناءها، القباب بصلية الشكل أو المسماة بالقبة الفارسية كتلك التي تعلو بناء تاج محل في الهند والمشيدة عام 1630.
وإن الأجزاء العليا من الجدار الشرقي لقدس الأقداس يضم، عند ارتفاع 6.5 -7م فتحة نافذة كبيرة نسبيا تسمح بدخول الهواء والضوء بشكل ممتاز في هذا الموضع من الكنيسة، كما أن الجدار الجنوبي كذلك يحتوي في جزئه الأعلى على نافذتين، وهو حال الجدار الشمالي الذي وجدت فيه إضافة إلى النافذتين المقابلتين لما في الجدار الجنوبي، نافذة أخرى كبيرة الحجم ملاصقة للركن الشمالي الغربي من جدار غرفة المذبح، فضلا عن ملاحظة وجود فتحات صيانة متقابلة في الجدار الشمالي والجنوبي من غرفة المذبح وعلى ارتفاعات أقل.
مراجع
-
^ جريدة الصبابح العراقية 20/9/2014
-
^ تعدى إلى الأعلى ل:أ ب ت ث “كنيسة الأقيصر.. سِفْرٌ من تاريخ مدينة”. مؤرشف من الأصل في 2018-09-21. اطلع عليه بتاريخ 2020-8-29.