الفرح أحد ثمار الروح
من كتاب ثمار الروح – الفصل الثالث
كالينيكوس مطران بيريا
نقلته عن اليونانية: ماريّــا قبارة
“أما ثمر الروح فهو…،فرح”
إنّ “الفرح” ثاني ثمار الروح ويرتبط مباشرة بالثمرة الأولى “ثمرة المحبّة”. فعندما يحبّ الإنسان يفرح. بينما ذاك الذي عنده سمّ الحسد والشرّ لن يختبر مطلقاً الفرح؛ وسيملك قلباً مملوءاً مراً ومرارة. ومن النفس المدنسة سيتولد باستمرار سمّ شرّه، فيجعله قاصراً متمرداً صاحب وجه عابس دوماً. بينما إنسان المحبة ذا القلب الرحب والمزاج الحسن هو إنسان فرح
أحبب الله لأنّ الفكر المحبّ لله غارق في الفرح، فمن يحبّ الآخر يخدمه بفرح، لأنّ محبته بكلّ أشكالها وكلّ تعابيرها تغذّي فرحه، وعندما يعطي محبةً فهو يفرح، وعندما يتقبل محبة من الآخرين يبتهج أيضاً ويفرح. لهذا يذكر بولس الرسول أنّ الفرح يتأتى ويتوقف على المحبة. وينتشر في هذه النفس أريج المحبة وتنمو زهرة الفرح. ويسقي هذه النفس ينبوع الماء الحي من لدن الله وتفلحها النعمة الإلهية، وهذه تنمو أيضاً في كلّ ّالقلوب المتجددة من الروح القدس
يقول بولس الرسول لأهل تسالونيكي لأنهم اقتبلوا كلام الانجيل “بفرح من الروح القدس” (1تسا6:1)، أيّ بالمحبة التي ولّدها الروح القدس في قلوبهم. وقال إلى أهل رومية أن ملكوت الله ليس أكلاً وشرباً بل كشف لهم بأنّه: “برٌ وسلام وفرح في الروح القدس” (رومية17:14)، أيّ البر والسلام والفرح الذي يولده الروح القدس
هذا الفرح هو ثمر الروح القدس، ويقتنيه فقط من يعيش فحوى ومعنى العنصرة، لا يمكن للملحدين أن يفرحوا. فهذا الفرح المسيحي رقيق هادئ لا تشوش فيه، يشبه رقة ونعومة قطرات الندى والتي يداعبها النسيم السماوي، فهو يحلّي ويريح قلب المؤمن، يخفف له صليب الحياة ويقصّر تجاربها، يبعد عنه الألم ويعطيه حيوية في حياته، يجعله يتذوّق على هذه الأرض الغبطة السماوية، ويجعله سعيداً حتى وإن عاش في وادي البكاء.
الفرح الآلي
الروح البشرية عطشى للفرح ومتشوقة له وتريده. الكلّ يطلب الفرح ويسأل عنه. يحارب من أجله بكافة الوسائل الممكنة ويبني أفراحاً مركزية، ينفق الأموال ويخلق صداقات ويطلب التسالي ويرمي نفسه بلاوعي في الملاهي وفي ملذات كثيرة، في حياةٍ من دون حواجز أوقيود أخلاقية، لهدف وتشوق وحيد أن يقتني الفرح ويملئ فراغه الداخلي.
كل هذا لتذوق هذا الصلاح الذي ضاع في مكان ما، غير معروف في مسيرة حياتنا، وهذه الحقيقة مرّة جداً، وخاصة في أيامنا هذه فالفرح نادر الوجود، وفي قلوب كثيرة غائب بالكليّة ومجهول.
هناك الكآبة وضعف الأعصاب؛ فالحضارة التقنية والرفاهية الكثيرة والحياة السهلة لا تقدّم أي فرح. لقد أصبحت الحياة أكثر تعباً ومملة. وللأسف بقدر ما يجدّ الإنسان في إثر الفرح بقدر ما الفرح يهرب منه. فهو يطلبه في ينابيع عكرة، في سبل غير موجودة، يطلبه في الخطيئة، في نقود وأموال غير دائمة، في الشهوات الزائلة وفي المجد الكذّاب، في الملذات الوقتية وفي الارتياح القليل الذي يجده المرء لنفسه. فالمال الخادع والتقنيات والضحك والكذب والتكلّف وعمق الخطيئة وكلّ الأمور الوقتية وأساليب العيش الكثيرة قد قتلت الفرح الحقيقي وأخفته
ارتياح رغباتنا لا تعطي فرحاً حقيقياً مستمراً، بل فرحاً كاذباً فانٍ ومؤذٍ. يتذوق الخطأة الفرح المزيف الذي يخلقونه في الحياة، والذي سرعان ما يتحوّل إلى ملل وضجر، وحزن نفسي. “الشدة والضيق لكلّ امرئ يعمل الشرّ” (رومية9:2)، ألا تصدّق صديقي القارئ أنّ في ضحك وسرور الإنسان الذي يعيش بعيداً عن الله سرور كاذب وخادع، أمّا داخله فتختبئ نفساً مضطربة فارغة؟ تختبئ رواية محزنة فاجعة والتي تثير النفس وتبعدها عن الله
فرح العالم وقتي كاذب ويختلف كثيراً عن الفرح المسيحي. والإنسان الذي يتمتع بالفرح الكاذب الذي للعالم لا يستطيع أن يتذوق الفرح الذي يعطيه الله له. يظهره فقط من عاش حياة الطهارة والنقاء في حياته. الفرح ليس نتيجة محددة يحظى بمعاهدة الحياة، وليس ثمرة الغنى ولا الراحة في الحياة. قالت إحدى السيدات منذ سنوات عديدة هذه الجملة: “أموال زوجي الكثيرة لا تعطيني أيّ فرح” وهذا عندما لم تعد قادرة على إحصاء أموال زوجها اليوناني.
الفرح هو حالة داخلية، إنّه نتاج سلام الضمير ووليد الحياة البارّة.
No Result
View All Result