الله واهب العفة
كتاب دعوني أنمو! – القمص تادرس يعقوب ملطي
عاش أغسطينوس عشرات السنين يتمرغ في الخطية، وكان يظن أن الطهارة أمر مستحيل، لكنه إذ سمع عن القديس أنطونيوس القبطي رجع إلى نفسه وأدرك أن الله قادر أن يهب العفة. لقد وجد في السيد المسيح -كلمة الله- خبزه وماءه (يو35:6)، راعيه وحياته (يو11:10؛ 25:11)، صديقه وعريس نفسه المشبع لكل فراغه الداخلي. انطلق إليه يصارحه بكل ما في قلبه مشتكيًا نفسه لأنه أفسد عطايا الله الصالحة… فمن كلماته:
(إلهي… إن كان بدونك لم يُخلق شيء، فإن بالبعد عنك نصير بالخطية عدمًا (فاسدين)!!
يا لشقاوتي! لقد سادت عليّ الظلمة؛ ومع أنك أنت النور إلا أنني حجبت وجهي عنك!!
يا لشقائي! لقد أصابتني جراحات كثيرة ومع أنك أنت المعزي واهب السلام غير أنني ابتعدت عنك!!
يا لشقائي… لقد انتابتني حماقات جمة، ومع أنك أنت هو الحق، غير أنني لم أطلب المشورة منك!!
يا لشقائي… لقد تعددت طرق ضلالي، ومع أنك أنت هو الطريق، إلا أنني ابتعدت عنك!!
يا لشقائي… فالموت يحطمني بضربات كثيرة، ومع أنك أت الحياة، لكنني لم أكن أبًا معك!!
يا لشقائي… فإنني أسقط في الشر والعدم كثيرًا، ومع أنك أنت هو الكلمة الذي به كان كل شيء إلا أنني انفصلت عنك، يا من بدونك لم يكن لي وجود (2)).
مسكين هو الإنسان، فإن شهوة الجسد تسحبه تحت أي ستار، تستعبده فينسى كرامته ونموه وخلوده من أجل لذة مؤقتة، يعلم تمامًا أنها لا تُشبع أعماقه، تصيره ترابًا (تك19:3)، لذا جاء السيد المسيح السماوي ليجتذبه إليه ويقيمه سماءً، يجعل منه مقدسًا للروح القدس، ويقيم في داخله ملكوت فرحه السماوي.
بلسان البشرية العاجزة يصرخ الرسول بولس: “ويحي أنا الإنسان الشقي” (رو24:7)، إذ يشعر ما للأرضيات والشهوات الجسدية من جاذبية، تستعبد الإنسان فينحني أمامها ممارسًا ما لا يقبله بفكره وعقله. لذا يقول: “لست أفعل ما أريده، بل ما أبغضه فإياه أفعل… أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي” (رو15:7، 24). حقًا إن للشهوة سلطانها، خلالها يرتكب الإنسان ما لا يستريح له فكره، ويأنف من أن يراه أحد أو حتى يذكر العمل في ذهنه! هذا ما دفع مسيحنا أن ينزل إلى عالمنا ويحمل طبيعتنا ليرتفع بنا كما مع تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل تابور، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. هناك ننعم ببهائه ومجده، فيصغر العالم جدًا في أعيننا، وتنفتح قلوبنا بالحب نحو ذاك الذي يسحبنا إلى مجده بروحه القدوس، فنقول مع القديس بطرس: “جيد يا رب أن نكون ههنا” (مر5:9).
نحن لا ننكر ما للشهوة من سلطان لكننا نؤمن بمسيحنا الحيّ واهب السلطان لنعيش بالحقيقة أحرارًا (يو36:8)، يقيمنا ملوكًا وكهنة لله (رؤ6:1)، فيرد لإنسانيتنا كرامتها، ويهب إرادتنا قوته، ويجعل من أرضنا سماءً، فندخل ملكوت فرحه عربونًا للأبدية… بهذا نحيا به مقدسين كما أنه قدوس.
No Result
View All Result