طول الأناة عند البشر
كتاب ثمر الروح – البابا شنوده الثالث
نتكلم عن طول الأناة عندنا نحن البشر مادمنا قد خلقنا على صورة الله، كشبهه ومثاله (تك 1: 26، 27)، إذن ينبغي أن نكون شبهه في طول الأناة.
مَنْ منا لم يطل الله أناته عليه، ولم يأخذه وهو في عمق خطاياه؟! ليتنا إذن نتعامل من الناس بنفس الأسلوب، بطول الأناة. لأن الكتاب يقول “بالكيل الذي به تكيلون، يُكال لكم” (مت 7: 2)..
-
طول الأناة في التعامل
-
طول الأناة في التربية والخدمة
-
طول الأناة في الصلاة
1- طول الأناة في التعامل
هناك من يتضايق من معاملات الناس وأسلوبهم الذي لا يستطيع أن يحتمله. يقول لقد نبهت فلانًا من الناس أن يغير أسلوبه في التعامل معي، ولم يغيره! وربما تقول زوجة هذا الكلام عن زوجها.
وللناس طباع يحتاجون في تغييرها إلى طول أناة.
ليس من السهل عليهم أن يغيروا طباعهم بسرعة… ربما يريدون ولا يستطيعون. وقد يغلبهم الطبع فتتكرر أخطاؤهم عن قصد أو غير قصد. وقد لا يشعرون أن ما يفعلونه خطأ…
عاش التلاميذ مع السيد المسيح أكثر من ثلاث سنوات. يتعلمون منه. وكما قال لهم “تعلموا منى، فإني وديع ومتواضع القلب” (مت 11: 29). ومع ذلك فإنه عند القبض عليه، ضرب بطرس عبد رئيس الكهنة بالسيف، فقطع أذنه (يو 18: 10) فوبخه السيد قائلًا: رد سيفك إلى غمده، لأن الذين يأخذون بالسيف يهلكون” (مت 26: 52).
إن القديس بطرس الرسول لم يستطع أن يقاوم طبع الاندفاع الذي كان عنده، وغلب منه مرات. واحتاج إلى طول أناة من الرب أن يحتمله، حتى وقت غسل الأرجل (يو 13: 6 – 10). وبنفس الاندفاع تكلم وأخطأ حينما قال السيد المسيح إنه سوف “يتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم” (مت 16: 21). كل التلاميذ سكتوا، أما بطرس فلم يستطع أن يقاوم اندفاعه، وانتهر السيد قائلًا “حاشاك يا رب”. فوبخه الرب على ذلك
القديس موسى الأسود أيضًا احتاج إلى طول أناة عجيبة من معلمه القديس أيسوذورس، حتى يتغير طبعه وحتى يصير قديسًا تائبًا وديعًا ومعلمًا لكثيرين…
بطول الأناة، لا يملكنا الغضب على الخطاة.
وفي هذا قال الكتاب “ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب”. هذا الإبطاء يعنى طول الأناة في الاستماع إلى الناس، وإعطاء فرصة للعقل أن يتدبر الأمر في حكمة، يهدئ نفسه فلا يخطئ… الإنسان الطويل الأناة هو إنسان بطئ الغضب.
إن الله كان يطيل أناته علينا، لأنه يعرف ضعف طبيعتنا.
يقول داود النبي في ذلك “لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا… لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن” (مز 103: 9 -14). فليتنا نعامل بعضنا بعضًا بنفس الأسلوب، بطول أناة، واضعين أمامنا ضعف الطبيعة البشرية وإمكانية سقوطها. فقد قيل عن الخطية إنها “طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء” (أم 7: 26).
2- طول الأناة في التربية والخدمة
البعض يتعب وقد ييأس، إن لم تأتِ الخدمة ثِمارها بسرعة. وقد يصفها -طالمًا- بأنها خدمة فاشلة. بينما تحتاج إلى طول بال لتنمو في هدوء… كم من السنين قضى المسيح في خدمة التلاميذ وإعدادهم. وبعد أكثر من ثلاث سنين، أمرهم أن لا يبرحوا أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالي (لو 24: 49).
تأمل الشجرة كيف أنها لا تعطى ثمرًا إلا بعد سنوات:
والغارس يطيل أناته عليها حتى “تُعطي ثمرها في حينه”. وكل شجرة لها طبيعتها. فمنها التي تثمر بعد ثلاث سنوات، والتي تعطى ثمرًا بعد خمس سنوات أو بعد سبع. والغارس في كل ذلك الانتظار لا يقلق، بل يتدرب على طول الأناة.
الطفل هو تدريب آخر في طول الأناة.
المرأة تحبل، وتظل 9 أشهر في انتظار ولادة طفلها. الذي ينمو تدريجيًا في بطنها، حتى يكتمل نموه فيخرج. وقد ترك هذا الأمر تأثيره في القديس يوحنا ذهبي الفم، فقال: إن كان الجنين يأخذ فترة حتى جسديًا، فكم بالأولى الإنسان لينمو روحيًا، يحتاج إلى زمن وطول أناة.
كذلك فالطفل يحتاج إلى فترة حتى يمشى وحتى يتعلم. ونحن لا نطالبه بما هو فوق مستواه، بل نطيل أناتنا عليه. ونفرح بتدرجه في القامة وفي المعرفة.
أيضًا يلزم طول الأناة في الكرازة والخدمة والتعليم.
وكما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس “عِظْ بكل أناة وتعليم” (2 تي 4: 2) ذلك لأن الناس قد لا يحتملون أحيانًا الدرجات العالية في الروحيات إن كانوا لم ينضجوا بعد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهكذا قال الرسول لأهل كورنثوس “سقيتكم لبنًا لا طعامًا لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون. بل الآن أيضًا لا تستطيعون. لأنكم بعد جسديون” (1كو 3: 2، 3). وبنفس الأسلوب وطول الأناة، رأى الآباء الرسل “ألا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم. بل يُرسل إليهم أن يمتنعوا عن رجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم” (أع 15: 19، 20).
والسيد المسيح له المجد وبخ الكتبة والفريسيين “لأنهم يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس” (مت 23: 4).
لذلك فالمستويات العالية من التعليم، لا تعطى لكل أحد.
وإنما التدرج أو الأناة في التعليم، هو الذي يأتي بنتيجة. وإن لم يستطع البعض أن يمارس تدريبات روحية معينة، فلا تقسوا عليهم ولا تنتهروهم بشدة، إنما اصبروا عليهم وشجعوهم وكما قال الرسول:
شجعوا صغار النفوس. اسندوا الضعفاء. وتأنوا على الجميع” (1تس 5: 14).
فإن خدم خادم فصلًا، ووجد تلاميذ لا يتحسنون بسرعة، فلا ييأس، ولا يتهم نفسه بأنه لا يصلح للخدمة. كما لا يتهم المخدومين بأنه لا فائدة ترجى منهم! كلا، يا أخي، ليس العيب فيك ولا فيهم. إنها طبيعة الخدمة تحتاج إلى وقت وطول بال. لذلك تأن عليهم، ولا تظن أن طباع الناس تتغير فجأة بكلمة أو بنصيحة!
إن الدجاجة تلزمها فترة تحتضن فيها البيض، حتى ينضح وتخرج فراخه. والبذار لابد أن تقضى فترة في الأرض، حتى تخضر وتنمو، وتصير شجرًا وتثمر. وكل هذا يحتاج إلى طول بال وانتظار… فانتظر إذن واصبر. فإن الكتاب يقول:
“من يصبر إلى المنتهى، فهذا يخلص” (مت 10: 22).
ويقول أيضًا “بصبركم تقتنون أنفسكم” (لو 21: 19)
لقد قال داود النبي “انتظرت نفسي الرب، من محرس الصبح حتى الليل” (مز 130 6، 7). يقصد من البداية حتى التمام، بكل طول أناة.
3- طول الأناة في الصلاة
الإنسان الطويل الروح يصلى، ولا يقلق من جهة استجابة الله لصلاته. يكفى أن الله قد سمعها. نترك الأمر إذن لمحبته… هو يستجيب الصلاة في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة، حسب حكمته وحسن تدبيره وتقديره للأوقات…
هناك أشخاص ليس لهم طول أناة في الصلاة. لا ينتظرون الرب. ومع ذلك يعاتبون الله كثيرًا. ويكادون يغلطونه أحيانًا!!
ويقولون: يا رب أنت… وأنت… وهو يطيل أناته عليهم وعلى عتابهم… يحتاج الأمر منهم إلى الإيمان بعمل الرب لأجلهم…
أحيانًا يتباطأ الرب في الاستجابة، أو يُخيَّل إلينا أنه تباطأ، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وذلك لكي يدربنا على الصبر والإيمان. فلا يأتي إلا في الهزيع الأخير من الليل… ولا يفتقِد العمال إلا في الساعة الحادية عشرة من النهار! (مت 20: 6، 7). كل ذلك لكي يعلمنا أن ننتظر الرب، ولكي نتدرب على طول البال، هذه الصفة التي هي من صفات الله
أحيانًا يبدو الله طويل البال في حل المشاكل!!
ذلك لأن صاحب المشكلة يكون قلقًا ومنزعجًا، ويريد حلها في التو واللحظة. وليس لديه طول بال ولا صبر على حل المشكلة… بينما يكون الله قد استلم المشكلة، وبدأ فعلًا في حلها، بالأسلوب الذي يتناسب مع حكمته في التدبير… طول بال الله، إنما يقودك إلى اللجاجة في الصلاة، وليس إلى القلق…
No Result
View All Result