السلام 2
كتاب ثمر الروح – البابا شنوده الثالث
1- الاطمئنان وعدم الخوف
وفي السلام الداخلى: الاطمئنان وعدم الخوف:
الخوف:
إن عدم وجود السلام القلبي يسبب الخوف. بل يسبب أيضًا القلق والاضطراب والانزعاج… ومتاعب نفسية كثيرة…
انظروا إلى إنسان يملك السلام قلبه، مثل داود النبي. نراه يقول في مزاميره “أن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام على قتال. ففي هذا أنا مطمئن” (مز 27).
وأيضًا إن سرت في وادي ظل الموت، فلا أخاف شرًا، لأنك أنت معي” (مز 23).
الجيش كله خاف من ملاقاة جليات، لكن داود لم يخف.
كان قلبه مثل أسد. مع أنه كان شابًا صغيرًا، وأخوته الأكبر منه كانوا خائفين… والملك شاول نفسه قال له “لا تستطيع أن تذهب لتحاربه، لأنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه” (1صم 17: 33) ولكن داود القوي القلب قال للملك “لا يسقط قلب أحد بسببه… عبدك يذهب ويحاربه”، وحكى كيف أنه في صباه كان يرعى غنمه، فجاء أسد مع دب، وأخذا شاه من القطيع “ولم يخف داود من كليهما، بل خرج وراء الأسد، وأنقذ الشاة من فمه. وقتل الأسد والدب جميعًا” (1صم 17: 34 – 36).
وعدم خوف داود من جليات الجبار، كان مرتكزًا على عمل الرب.
قال داود “الحرب للرب” وليس الخلاف بسيف أو برمح… وقال الجبار “أنت تأتى إلى بسيف ورمح وبترس، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود. في هذا اليوم يحبسك الرب في يدي..” إنها ثقة قوية بعمل الرب ورعايته. لذلك لم يخف مطلقًا، وبإيمانه ادخل اسم الله إلى ساحة الحرب… الله الذي هو أقوى من جليات الجبار، ومن كل جبابرة الأرض، لذلك قال عن جليات “لا يسقط قلب أحد بسببه” (1صم 17: 32)..
وهكذا الذي يملك السلام قلبه، ليس فقط يكون مطمئنًا، بل أيضًا يشيع الاطمئنان في القلوب. فكمثال داود، كان موسى وأليشع: كل منهما في سلامه واطمئنانه، كان يبعث نفس الاطمئنان في قلوب غيره. جيش الأعداد كان يحيط بالسامرة، وكان أليشع مطمئنًا. أمام تلميذه جيحزي فكان خائفًا، لأنه لم يكن يبصر المعونة الإلهية المحيطة بالمدينة. لذلك قال أليشع لتلميذه جيحزي “لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين علينا” (2 مل 6: 16). وصلى إلى الله لكي يفتح عيني الغلام فيرى… والشعب أمام البحر الأحمر من ناحية، وفرعون من ناحية أخرى. خافوا إذ رأوا الموت يهددهم، ولم يكن لهم الإيمان الذي يرون به خلاص الرب. أما موسى فلم يخف.
بل قال للشعب “لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب… الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون” (خر 14: 13، 14).
بالإيمان نرى معونة الله وخلاصه. فلا نخاف.
بطرس الرسول وهو ماش مع الرب على الماء نظر إلى الأمواج “ولما رأى الريح شديدة خاف وابتدأ يغرق” (مت 14: 30) وسبب ذلك أنه كان ينظر إلى الموج وليس إلى المسيح الذي يمسك بيده وينجيه. لذلك وبخه السيد على عدم إيمانه وقال له “يا قليل الإيمان، لماذا شككت” (مت 14: 31).
إن الله دائما يدعونا إلى عدم الخوف.
إنه يقول “لا تخافوا. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع”، “سلامي أترك لكم… سلامي أنا أعطيكم” (يو 14: 27). وكان الله دائمًا يقوي أولاده، يدعوهم إلى عدم الخوف… لما أحس يشوع بالضعف بعد موت موسى النبي، قال له الرب “كما كنت مع موسى النبي أكون معك، لا أهملك ولا أتركك”، “تشدد وتشجع. لا تهرب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب”. بل قال له أكثر من هذا “لا تقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك” (يش 1: 5- 9).
وما أجمل العبارة المعزية التي قالها لبولس الرسول في رؤياه “لا تخف، بل تكلم ولا تسكت، لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك” (أع 18: 9، 10). وعندما كان يعقوب أبو الآباء خائفًا من أخيه عيسو، ظهر له الرب في رؤياه وعزاه. وقال له “ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض” (تك 28: 15).
إن الخوف دخيل على الطبيعة البشرية، لم يدخل إلى النفس إلا بعد الخطية.
كان آدم يعيش مع الوحوش، مع الأسود والنمور والفهود، ومع الثعابين والدبيب، وما كان يخاف، وكذلك كان أبونا نوح في الفلك مع كل هذه الوحوش، وكان يعتني بها ويطعمها، وما كان يخاف.
آدم لما أخطأ بدأ يخاف، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. واختبأ خلف الشجر، وقال للرب “سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت” (تك 3: 10).
وكما خاف آدم بعد الخطية، كذلك خاف قايين. وقال للرب “ذنبي أعظم من أن يحتمل. ها قد طردتني اليوم عن وجه الأرض، ومن وجهك اختفى. وأكون تائهًا وهاربًا في الأرض. فيكون كل من وجدني يقتلني” (تك 4: 13، 14). وقضى قايين أيامه في رعب، فاقدًا لسلامة الداخلي.
الخطية تشعر الإنسان بأنه انفصل عن الله مصدر القوة والحماية، فيخاف…
يخاف من الخطية وانكشافها وفضيحتها أمام الناس، يخاف من نتائج الخطية، ومن عقوبة المجتمع أو القانون، ويخاف من الله نفسه ودينونته، ويخاف من ضعفه أمام الخطية، ومن الشيطان الذي انتصر عليه.
فإذا حصل الإنسان على مغفرة الله وستره، فلا يخاف، وإن آمن بمعونة الله له في ضعفه، فلن يخاف لأن مجرد شعوره أن الله معه، ينزع الخوف من قلبه.
الإنسان الخائف، ينظر إلى سبب الخوف وليس إلى الله الذي ينجيه منه.
2- أسباب الخوف
ما أكثر أسباب الخوف، وهي نابعة من داخل الإنسان.
البعض يخاف من كلام الناس، ومن بطشهم، ومن مؤامراتهم. والبعض يخاف من حسد الناس.
وطالما هو يؤمن بالعين الحاسدة وأثرها السيئ، سيظل خوفه مستمرًا. وليس مصدر خوفه هو قوة عين الحسود، إنما السبب يكمن في ضعف قلبه الذي يؤمن بالحسد.
وقد يخشى أحدهم من الناس الأشرار، ولا يضع في قلبه معونة الله.
كان ارميا يخاف من الناس. أما الرب فقال له “لا تخف من وجوهم، لأني أنا معك -يقول الرب- لأنقذك… هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض… فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك لأنقذك” (أر 1: 8، 18، 19).
وقد يخاف إنسان من قوم، وهم لا يفكرون مطلقًا في إيذائه.
مثلما كان شاول الملك يخاف داود، يطارده في كل مكان ليقتله. بينما لم يفكر داود إطلاقًا في أن يؤذى شاول حتى عندما وقع في يده، وكان بإمكانه أن يقتله ونصحه اتباعه بذلك… قال داود “حاشًا لي أن افعل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب، فأمد يدي إليه، لأنه مسيح الرب هو. ووبخ داود رجاله، ولم يدعهم يقومون على شاول” (1صم 34: 6، 7).. وقال للملك لما استيقظ “وراء من خرج ملك إسرائيل؟! وراء من أنت مطارد؟! وراء كلب ميت؟! وراء برغوث”.. وكانت النتيجة أن شاول الملك رفع صوته وبكى وقال لداود “أنت أبر مني” (1صم 24: 14، 16).
كان يخاف من وهم. من شيء غير موجود، كخوف الأطفال.
الطفل يخاف من أوهام. من أمور يتصورها قلبه الخائف، ويخترعها فكره الخائف، مثل أن يخاف من الظلام… وليس وراء الظلام ما يخيف… أو يخاف من (حرامي) غير موجود… أو يخاف من (عفريت) وليس هناك عفاريت… أنها أوهام يخترعها القلب الخائف.
أو يخاف الطفل من وجود وحده، وعدم وجود أحد إلى جواره يحميه من أي خطر غير معروف. ويصرخ الطفل ويبكى بلا سبب إلا الخوف.
وتستمر مخاوف الطفولة عند البعض وهم كبار.
يخاف من امتحان، ربما يكون صعبًا والأسئلة معقدة، أو من التصحيح وقد يكون قاسيًا… وإن نجح وقدم على الوظيفة وطلبوه للمقابلة يخاف من الـinterview، فربما يفشل فيه
وقد تخاف فتاة من لقاء عريس جاء لخطبتها.
ربما لا تعجبه ربما يذهب ولا يعود. وربما تخاف مما يقوله الناس بعدئذ… وتخاف من لقاء عريس آخر، لئلا يذهب كما سابقة وتستمر المخاوف…
وقد يخاف الإنسان من الفشل.
فإن قام بأي مشروع يخاف أن يفشل، يخاف أن تقف أمامه معوقات، أو مؤامرات من المنافسين، أو خيانة وسرقات من الشركاء.
إن كان فقيرًا، يخاف من العوز، وأن كان غنيًا يخاف من السرقة، وعلى أية الحالات يخاف…
وإنسان يخاف من المخاطر.
إن ركب طائرة يخاف أن تحدث لها كارثة، ويتذكر كل كوارث الطائرات وما نشر عنها في الصحف… وفي كل طرق المواصلات، يخاف من الحوادث، لا يضع أمامه النقط البيضاء… إنما كل سجل النقط السوداء حاضر في ذهنه، فكره هو الذي ينميه ويخيفه.
وإنسان آخر يخاف من نفسه:
يخاف من عجزه، من عدم قدرته، من نسيانه، من ضعفه أمام قوة منافسيه وخصومه… يخاف من عدم قدرته على الاستمرار، لذلك يفقد الثقة بالنفس، يفقد روح الجرأة والإقدام، ويفقد القوة على البدء بأية مبادرة. صورة العجز والفشل مائلة أمامه باستمرار… إنه يخاف حتى من الخطية وعجزه عن مقاومتها.
الخوف يسبب له الاضطراب والقلق والانزعاج، بل الخوف يشل تفكيره عن العمل.
ويكون له تأثيره على نفسه وعلى أعصابه… ويظهر الخوف في ملامحه، في نظراته، في لهجة صوته، في حركات جسده. بل قد يرتعش ويصفر وجهة. ويخفق قلبه، ويكون مكشوفًا أمام الكل أنه خائف… وقد يظهر الخوف في تصرفاته، في تردده، وعدم قدرته على اتخاذ قرار بحثه عن حماية…
البعض قد يقوده الخوف إلى الانطواء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وإلى تكرار عبارة “يكون كل من وجدني يقتلني” (تك 4: 14). أما الإنسان الروحي فلا يخاف، بل يملك السلام على قلبه، وبالسلام الطمأنينة.
وقد يخاف إنسان من الموت:
أو يخاف من المرض الذي يؤدى إلى الموت.
وإذا أصيب بمرض تنهار معنوياته، ويتصور أقصى ما يمكن أن يتطور غليه المرض، مثلما يفكر بعض الأطباء إذا مرضوا… وقد يخاف البعض من العدوى، ويتخذ لتفاديها وسائل تخرج عن الحد المألوف!
3- الذين لا يخافون
أما الإنسان الروحي، الذي يملك السلام على قلبه، فلا يخاف الموت.
لأن استعداده للموت بالحياة البارة، ينزع خوف الموت من قلبه. بل على العكس يشتهى الموت، الذي ينقله إلى عشرة المسيح والملائكة والقديسين. ويذكر قصص الشهداء وآباء البرية.
الشهداء الذين لم يخافوا الموت ولا التعذيب ولا التهديد، ولا الولاة ولا المحاكمات ولا السجون. وكانوا يرتلون في السجون، ويفرحون بلقاء الرب… سيرة قلوبهم القوية، تمنحك قوة فلا تخاف، يملك السلام على قلبك…
كذلك آباء البرية، الذين ما كانوا يخافون الوحدة في البراري.
بل يجدون فيها متعة روحية، وما كانوا يخافون حروب الشياطين، ولا وحوش البراري، ولا دبيب الأرض، وبعضهم كان يسكن أحيانًا في القبور، ولا يخاف. ومعروفة قصة أبا مقار الذي نام في مقبرة وقد وضع جمجمة تحت رأسه، فتحدث معها الشياطين لكي يفزعوه، وبكلام هُزء، حتى يفقد هدوء قلبه… ولم يخف.
كونوا إذن أقوياء القلب، وعيشوا في سلام. لا تخافوا، وليكن لكم سلام في قلوبكم.
لكي يحتفظ الإنسان بسلامة واطمئنانه، ينفه أن يتذكر قوة الله الحافظة.
يؤمن بأن الله موجود، وأنه يعمل لأجله، كما يؤمن أن كل مشكلة لها حل، وأن الله عنده حلول كثيرة وغير المستطاع عند الناس، مستطاع عند الله، “وكل شيء مستطاع للمؤمن” (مر9:24).
ولكي يحصل على السلام الداخلى، يتذكر أن ملاك لله حال حول خائفيه وينجيهم، وأننا محاطون بملائكة كثيرين لحفظنا. وفي الكتاب أمثلة عديدة لهذا. وكذلك يتذكر عمل القديسين وصلواتهم من اجلنا وشفاعتهم فينا، وأننا لسنا وحدنا. كذلك عمل النعمة والروح القدس فينا.
وفي الاطمئنان، لنحترس من الاطمئنان الزائف.
مثل مريض بسرطان خطير، يدخلون الاطمئنان إلى قلبه، بأن المرض مجرد كيس دهني بسيط..! أو مثل اطمئنان مدير عام لعمل، يشعره موظفوه بأن كل شيء تمام! ويثق بذلك دون فحص…
No Result
View All Result