العائلة المسيحية جماعة إيمان
الأب بطرس لورنس
في موضوع سر الزواج والعائلة المسيحية تحدثنا عن أسس سر الزواج المسيحي، وكيفية تأسيس العائلة المسيحية المبني منذ البداية على الحب المتبادل بين الرجل والمرأة، والرضى التام، وإنجاب البنين . أما في هذا الموضوع سوف نفتح أمامنا آفاق جديدة في سبيل معرفة دور العائلة المسيحية في الإيمان الذي تحمله في طيات حياتها، ومعنى ارتباطها بالمسيح رأس الكنيسة . ودور العائلة الخلاصي بالاشتراك مع الرب يسوع في تبادل وعودهما الواحد للآخر بموجب الإيمان الواحد والشركة الجسدية في تكميل إرادة الله وإعلان بشرى الخلاص .
العائلة هي الكنيسة الأولى:
عندما نعرف الكنيسة بأنها جماعة المؤمنين، أي أنها مؤلفة من جماعات مصغرة نقصد بها العائلة . إذاً العائلة (الرجل والمرأة) هي الكنيسة التي تعلن ايمانها بالمسيح امام ابنائها و العالم، وتتعهد بأن تكون الثمرة الروحية لتحقيق سر الله الخلاصي لجميع البشر . وأن تعترف بأنها تعطي الحياة لأبنائها بالجسد لأنهم هبة الله من أجل الحياة .
الأم التي ترضع طفلها الحليب من صدرها تعطيه الحب والحنان النابع من القلب ، هكذا تعطي الإيمان إلى بنيها عندما تكون معلمة وأمينة على العهد المقدس الذي قطعوه أمام الله في سر الزواج ، وأن يكونوا الوالدين أمينين أمام الله و الكنيسة في الوعد الذي اختاروه عندما قدموا ابنهم (بنتهم) إلى سر العماد المقدس ، أن يربوهم تربية صالحة ، ويسلحوهم بالإيمان بيسوع المسيح الرب لكي يعرفوا طريق الخلاص .
الأب والأم الذين ولدوا من رحم الكنيسة الأم في الإيمان ، العائلة أيضاً تلد أبنائها بالجسد والروح ، لكي تعطيهم شِركة الحياة مع يسوع المسيح ، في الحب ، والمعرفة ، والإيمان . وهذا ما عبَّر عنه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني ، حيث يقول “إن من أهم وظائف العائلة المسيحية، وظيفتها الكنسية: أعني تلك التي تضعها في خدمة بناء ملكوت الله على مرّ العصور ، بمشاركتها في حياة الكنيسة ورسالتها “، ” ولكي نحسن فهم أساس هذه المشاركة وماهيتها وخصائصها ، لا بدّ من التعمق في بحث ما يشدّ الكنيسة إلى العائلة المسيحية من روابط عديدة حميمة تجعل من العائلة شبه ” كنيسة مصغَّرة ” (كنيسة منزلية )، بحيث تكون هذه العائلة بدورها صورة حيَّة وتجسيداً في الزمن لسرّ الكنيسة ” .
العائلة مدرسة إيمان:
نقرأ في يوحنا 6/40 ” فمشيئة أبي هي أن كل من رأى الابن وآمن به كانت له الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير “ العائلة المسيحية تكتشف إيمانها من خلال اكتشافها معنى وجودها في الحياة من خلال الحب الذي أخذاه من لدن الله في سر الزواج ، والعائلة تجسد هذا الحب وتجعله أن يكون منارة لأبنائهم والعالم ، وأن تؤمن بأن هذا الحب هو نعمة مجانية وهبها الله لهما من أجل أن يرى الآخرين أعمال الله فيهم ويؤمنوا به ويمجدوه .
إننا نقول في اللاهوت ” إن الكنيسة هي أم ومعلمة “، كذلك العائلة هي مدرسة إيمان ، تغذي ، وتربي ، وتنشأ أبنائها على الإيمان بالرب يسوع . هي معلمة ومؤدبة في نفس الوقت ، تعلم عندما ترى أبنائها بحاجة للتعليم ، وتؤدب عندما ترى أبنائها زاغوا عن الطريق الصحيح . العائلة حكيمة وخائفة ، حكيمة في تصرفاتها وأقوالها ، وخائفة في احتضانها لأبنائها مثلما تحتضن الدجاجة فراخها . العائلة هي علامة عطاء متواصل من فيض إنعامات الله لها ، وعلى العائلة أن تعي اليوم أن عليها مسؤوليات جمة أمام أبنائها والله ، في أن تستفيد من جميع الفضائل والنعم التي أفاضها الله عليهم في سر الزواج المقدس ، في أن توزعها وتشهد إيمانياً على واهبها ، وبدورها تكون العائلة شاهدة إيمان والوجه الآخر ليسوع المسيح على الأرض .
وبقدر ما تكون إنطلاقة الحياة الزوجية على هذا المستوى من الوعي لسرّ حضور الله وعمله في حياة العائلة، تصبح الحياة الزوجية كلها مسيرة إيمان ، يمكن للعائلة من خلالها أن ترى كل شيء وأن تقرأ الاحداث على ضوء هذا الاختبار الايماني، فتتحول شيئاً فشيئاً الى مدرسة إيمان ينشأ فيها الاولاد ، ونور الربّ يلوح باستمرار في أفق حياتهما، أقوى من كل غيوم الحياة وأعاصيرها .
العائلة رسولة يسوع المسيح:
ما نريد أن تتعلمه العائلة المسيحية من خلال هذه اللقائات التعليمية هي أن تعي دورها الرسولي في المجتمع ، وأن تعطي ثمار الحياة الى ابنائها دون توقف ، وأن تكون الصورة الواضحة أو المرآة الصافية في الحب ، والعطاء ، والتعليم القويم ، والايمان ، وممارسة الأعمال الصالحة ، وأن تحمل كلمة الله الحقة للعالم ، وأن تعلن إيمانها بالرب يسوع ، وأن تكون رسولة له في العالم.
Discussion about this post