يتصارع أبناء المجتمع الحديث من أجل تحديد موقف خلقي وقانوني من مسألة إسقاط الجنين قبل اكتماله أو قبل ولادته. فمنهم من يؤيد حرية الأم في تحديد مصير الجنين ، وهم معروفون بأنصار حركة حرية الاختيار Pro Choice Movement، ومنهم من يعارض ذلك معتقداً أنهم من حماة الأجنة، وأنّ الإجهاض أمر غير شرعي وغير خلقي، وهم معروفون بحرآة أنصار الحياة Pro life Movement. فالمناقشة محتدمة. احتداماً قوياً لدرجة أنها أمست من أهم القضايا التي تؤثر في المجتمع الحديث وحتى في نتائج معارك الرئاسة في الدول الحديثة.
إحصائياً، دلت الإحصائيات الأمريكية على أن ربع حالات الحمل تنتهي بالإجهاض، وأن هناك إجهاضا واحدا لكل 2.8 من الولادات، وأن 75 بالمائة من النساء هن من غير المتزوجات، و 32 بالمائة هن من الشابات اليافعات، وأن هناك أكثر من 250 مليون دولار تصرف سنويا لتسديد نفقات الإجهاض.
في هذا النزاع لا بد للكنيسة الأرثوذكسية من أن تتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً، وأن تساهم في حركة تنوير المؤمنين وتوعيتهم. فواجبها أن تقاوم حضارة الموت أو ثقافة الموت Culture of Death التي تهدف إلى تدمير الثقافة المسيحية. فعلى الأرثوذكسية أن تدافع عن القيم الأخلاقية وتلتزم الشهادة للإنجيل في المجتمع المعاصر. فإنجيلنا هو إنجيل الحياة لا إنجيل الموت.
لتحقيق هذا الغرض لا بد من تحديد أنواع الإجهاض أولا:
أنواع الإجهاض:
الإجهاض ثلاثة أنواع:
1- الإجهاض التلقائي يحدث عادة عندما يعجز الجنين عن النمو والتطور إلى خلق سوي، أو عندما يصيب الأم داء أو أذى في مرحلة من مراحل الحمل فيموت بسبب ذلك الجنين أو يسقط سقوطا تلقائيا.
2- الإجهاض المتعمّد ثلاثة ضروب:
أ- ضرب علاجي: وهو إجهاض يقوم به الطبيب إنقاذا للام من خطر يهدد صحتها.
ب- ضرب اختياري: تلجأ إليه الأم اعتقادا منها بأن الجنيين هو مجرد امتداد لجسدها أو تورم لا حياة فيه، أو تخفيفا من أعباء تنشئة إنسان جديد، أو اجتنابا للفضيحة والعار.
ت- ضرب مخبري: إتلاف الأجنة الملقحة المثلجة. وهذا الضرب لا يعتبر عند الكثيرين بأنه إجهاض. لكن من وجهة نظر أرثوذكسية، هو بمثابة إجهاض متعمد يهدف إلى التخلص من الجنين الحي المثلج. فالحياة في نظر الكنيسة تبتدئ ساعة التلقيح. وبذلك يكون إتلاف للأجنة الملقحة إجهاضا.
تاريخ الإجهاض:
إنّ الحضارات الإنسانية المتعددة مارست الإجهاض منذ أقدم العصور، وحتى أن كبار المفكرين في التاريخ أباحوه. فأفلاطون وأرسطو لم يسمحا بالإجهاض فحسب، بل فرضاه في حالات معينة. بالنسبة لأفلاطون الطفل غير المولود هو كائن حي له نفس. وفي جمهوريته يفرض على الحامل التي لم تبلغ العشرين والحامل التي تجاوزت الأربعين أن تسقط الجنين[1]. كما فرض الإجهاض في المُضارة Bigamy والزنى وسِفاح القربى (ارتكاب المحارم) Incest والعلاقة الجنسية قبل الزواج Pre-marital sex. قناعته جاءت من أن المرأة تلد أولادا للجمهورية، وأهداف هذه الجمهورية هي أهم من غير المولودين. وأكد على أن الجمهورية يجب أن تقتل الأجنة أو الأطفال الرضع ذوي العاهات، وذلك من أجل تحسين النسل Eugenics.
ومن هذا المنطق نفسه صادق أرسطو على قتل الأطفال المشوهين كوسيلة لتحديد النسل وتحسينه. وإذا كان قتل الأطفال محرماً ممنوعاً في الأعراف المحلية، فإنه يدعو إلى الإجهاض قبل وقت دخول النفس إلى الجنين Ensoulment[2].
ولكن فيثاغوراس دحض رأيهما على أساس فلسفته المنادية بتقمص الأرواح، وعلى أساس أن دخول النفس إلى الجنين يتم وقت الحمل. ولقد أثرت الفيثاغورية في القَسَم الأبقراطي الطبي، الذي يتضمن التعهد بعدم إعطاء عقاقير مجهضة للجنين. وعلى الرغم من أن الرواقين اعتبروا أن الجنين يصبح كائنا بالولادة فقط فإنهم رفضوا الإجهاض، لأن الطبيعة تعلمنا أن نربي وننشئ الأطفال لا أن نقتلهم.
فيلون الإسكندري اعتبر أن الإجهاض هو كقتل الأطفال[3].
الكتاب المقدس:
هناك موقف اللاعنف تجاه الأطفال سائد في الكتاب من التكوين حتى الرؤيا. لنبدأ في العهد القديم:
أ-العهد القديم:
من العهد القديم نفهم أن غير المولود هو خليقة الله. يحذر كتاب اللاويين من تقديم الأولاد محرقة. يقول كتاب اللاويين: “لا تعط من نسلك محرقة تطيب رائحتها للوثن مُولك لئلا يتدنس اسم الرب إلهك. أنا الرب.” (لاويين21: 18).
القتل في الكتاب محرم ولذلك جاءت الوصية “لا تقتل” (خروج 20: 13)
الخِصب في العهد القديم يجئ من الله. والله يعطي الوعد لأبناء إبراهيم. “من يخرج من صلبك هو الذي يرثك.” (تكوين 15: 4) الرب هو الذي يرزق نسلا أو يمنع عن النسوة الولادة. فقالت ساراي لإبراهيم: “الرب منع عني الولادة.” (تكوين 16: 2) وراحيل تصرخ لزوجها: “أعطني ولدا وإلا أموت” (تكوين 30: 1). أما يعقوب فاحتد على راحيل وقال: “هل أنا مكان الله، هو الذي حرمك ثمرة البطن.” (تكوين 30: 2). الله إذاً هو معطي الخصوبة والحياة. أما العقم فهو كالألم والموت. الله يتفقد العاقر كما تفقد سارة وولدت لإبراهيم ابنا في شيخوخته. (تكوين 21: 2) يقول يعقوب لأبنائه معطيا الوصية الأخيرة في كتاب التكوين: “بإله أبيك الذي ينصرك، بالقدير الذي يباركك. بركات السماء من فوق” (تكوين 49: 25) الله يذكر المرأة ويصغي إليها ويفتح رحمها. (تكوين 30 : 6، 24، 32). وسفر هوشع يذكر كيف قبض يعقوب وهو في البطن على عقب أخيه فيقول:”فيعقوب، وهو بعد في البطن، قبض على عقب أخيه، وفي أوان رجولته صارع الله” (هوشع 12: 3-4).
وفي كتاب القضاة يقول ملاك الرب لامرأة منوح وهو من قبيلة دان. “أنتِ عاقر ولكنك ستحملين وتلدين ابناً. والآن فانتبهي لا تشربي خمراً ولا مسكراً ولا تأكلي شيئاً حرمته الشريعة.” (قضاة 13: 3-4).
الرب في كتاب أيوب هو موجد الجنين في رحم المرأة. “أما صانعي في البطن صانعه، وواحد صورنا في الرحم.” (أيوب 31: 15). كتاب المزامير يؤكد الشيء نفسه: “ما خفيت عظامي عليك، فأنت صنعتني في الرحم، وأبدعتني هناك في الخفاء.” (مزمور 139: 13-15). وإشعيه يذكر دعوة الرب له من الرحم فيقول: “الرب دعاني من رحم أمي، ومن أحشائها ذآر اسمي.” (إشعيه 49: 1). الاختيار من الرحم شائع في الكتاب. “فقال الرب الذي جبلني من الرحم عبداً له لأرد يعقوب إليه.” (إشعيه 49: 5). وكتاب المزامير يؤآد عناية الله بالأجنة فيقول: “رأتني عيناك وأنا جنين.” (مزمور 139: 16). وكتاب إرميه يؤكد الدعوة من البطن والتكريس كذلك فيقول: “قبل أن أصورك في البطن اخترتك، وقبل أن تخرج من الرحم كرستك وجعلتك نبيا للأمم.” (إرميه 1: 5).
لما جاء أليشع إلى دمشق بكى فلما سأله حزائيل موظف بلاط دمشق لماذا تبكي، أجاب: “لأني علمت بما ستفعله ببني إسرائيل من الشر. فأنت ستحرق حصونهم بالنار وتقتل فتيانهم بالسيف وتسحق أطفالهم وتشق الحوامل من نسائهم.” (الملوك الثاني 8: 12).
ولكن هناك نص واحد في كتاب العدد ( 5: 11-22) متنازع عليه، لأنه يعالج مشكلة منعزلة ألا وهي المجامعة غير الشرعية. “أي رجل مالت زوجته إلى خيانته، فجامعها رجل وأخفى ذلك عن عيني زوجها، واستتر تنجسها، ولا شاهد عليها، وما أفشي سرها، وداخلته روح الغيرة فغار على زوجته وهي نجسة أو غير نجسة… يأتي بزوجته إلى الكاهن مع قربان… فيجعل الكاهن على راحتيها قربان التذكار تقدمه الغيرة، وفي يده الماء المر الجالب اللعنة… ويحلفها ويقول لها….”يجعلك الرب لعنة ومسة بين شعبك، بأن يجعل وركك ساقطة وبطنك وارما، ويُدخلَ هذا الماء الجالب اللعنة في أمعائك لتوريم البطن وإسقاط الورك”.
هذه الحالة كانت لها هدفاً وقائياً أكثر من أن تكون قصاصاً.
العهد الجديد:
يوحنا المعمدان: لما سمعت أليصابات سلام مريم تحرك الجنين في بطنها. “ما إن سمعت سلامك حتى تحرك الجنين من الفرح في بطني.” (لوقا 1: 43).
دور العذراء في الحفاظ على الجنين:
العذراء ائتمنت على الجنين الإله. التأقنم حصل في الرحم منذ ساعة الحمل. والعذراء دخلت في علاقة مع الإله المتجسد في بطنها.
اختيار الله للرسل من الرحم واضح في قول الرسول: “ولكن الله بنعمته اختارني وأنا في بطن أمي، فدعاني إلى خدمته.” (غلاطية 1: 15) اختيار الله بقي مخفيا لسنوات إلى أن أعلنه الله في الوقت الذي حدده. وكما أن قصد الله يبقي مكتوماً إلى أن يعلنه الله كذلك يبقى قصد الله في الجنين مكتوما إلى أن يعلنه الله في حينه.
إذن الجنين في الكتاب المقدس هو هبة الله. يقول بولس “أما تعرفون أنكم هيكل الله، وأن روح الله يسكن فيكم؟ فمن هدم هيكل الله هدمه الله، لأن هيكل الله مقدس، وأنتم أنفسكم هيكل الله.” ( 1 كور 3: 16-17).
المواقف المسيحية الأولى المتعلقة بالإجهاض:
لنبدأ بتعليم الرسل الاثني عشر وبرنابا الذين يحرمان الإجهاض: يقول تعليم الرسل الإثني عشر: “لا تقتل مولودا بإجهاض أمه، ولا تقتله إذا ما خرج إلى الحياة.[4]
ورسالة برنابا تقول الشيء نفسه: “لا تقتل الجنين في بطن أمه، ولا تقتله بعد ولادته”.[5]
وفي أواخر القرن الثاني يقول المدافع أثيناغوراس: “الجنين في الرحم هو موضوع عناية الله. نحن نقول بأن النسوة اللواتي يجهضن هن قاتلات. وسيؤدين الحساب أمام الله”.[6]
وترتليان يقول: “القتل عندنا ممنوع بشكل مطلق، وحتى قتل الطفل في الرحم. فعندما يتم استقاء دم الأم لتكوين كائن بشري، لا يحل لنا تدميره. أن نمنع الولادة هو قتل سريع. لا فرق إن أودى بحياة مولود أو أدمر طفل على وشك الولادة. المرء من هو في صيرورته إنسانا. الثمر موجود في البذرة”.[7]
إقليمس الإسكندري عد الإجهاض مساويا لجريمة ضد البشرية. ووسع مفهوم مطابقة قانون الطبيعة. فالمولود وغير المولود هما من نماذج العناية الإلهية.
هناك عدة نقاط مهمة في كتابات الآباء الأولين:
1- غير المولود هو خليقة الله، أي كائن وشخص وقريب.
2- الإجهاض قتل وجريمة.
3- عقاب الله سيحل بأولئك الآثمين بسبب ممارستهم الإجهاض.
4- مقاومة الإجهاض جزء من الأخلاقية المسيحية الواسعة للحب وعدم العنف.
5- لا نجد تفريقاً في كتاباتهم بين الأجنة المكونة وغير المكونة وبين وجود النفس وعدمها.
6- رغم الاضطهاد الذي حل بالمسيحيين، فإنهم رفضوا أن يعتبروا غير المولود جزءا من جسد الأم. وبخلاف ذلك أعطوا أهمية كبرى لفاعلية الله في الرحم.
7- إن قداسة غير المولود اتخذ بعداً أعمق في ضوء المسيح. فالمسيحية تؤمن بأن الله صار جنيناً في رحم العذراء.
8- رفضوا الممارسة القاتلة لذوي النقص والعلة.
9- استخدموا حجة المحافظة على الأجنة كوسيلة لدحض القائلين بأن المسيحيين هم من أكلي لحوم البشر.
أما مينوسيوس فيليكس في أوائل القرن الثالث فقد جعل الإجهاض وقتل الأطفال على حد سواء.
ورسالة القديس باسيليوس الأولى إلى أمفيلوخيوس التي مرسلة تحت شكل تشريعي، يقول: “وتعد المرأة التي تأخذ عقارا للإسقاط قاتلة”[8]. والذهبي الفم يعتبر المجهضات أسوأ من القاتلات.[9]
الذهبي الفم يفسر رأيه عن الإجهاض فيقول: “لا أعرف كيف أسميه، لأنه لا ينتزع حياة من يولد، ولكن يمنعه من الولادة. لماذا تشوه خليقة الله، وتحارب قوانينه، وتتبع اللعنة وكأنها بركة، وتجعل حُجرة الولادة حُجرةً للقتل، وتُعد المرأة المخصبة للقتل”.[10]
أما القانون 21 من مجمع أنقرة فينص: “قد حدد في قانون سابق أن تقطع الزواني اللواتي يجهضن الأطفال أو يصنعن العقاقير للإجهاض من الشركة حتى ساعة الموت. وقد وافق البعض على هذا. ومع ذلك فنحن نرغب في أن يعاملن ببعض الشفقة، ولذلك قد حددنا بان يقضين عشر سنوات في التوبة حسب الدرجات المذكورة”.[11]
القانون 91 من مجمع ترولو يردد الشيء نفسه فيقول “إن النساء اللواتي يعطين عقاقير لإسقاط الجنين واللواتي يأخذن السموم لقتل الجنين يقعن تحت العقاب”.[12]
وفي الغرب أدان اللاهوتيون الغربيون الإجهاض، لأن الجنين هو عمل الله وحده كما يقول لوثر.[13] وكلفن اعتبر كل إجهاض هو نوع من أنواع القتل المرعبة.
لتلخيص الموقف المسيحي علينا أن نؤكد ما يلي:
1- المسيحية اعتبرت غير المولود خليقة الله، كائناً متميزاً عن المرأة وإن عاش في أحشائها. (معمودية المرأة الحامل لا تعني معمودية الطفل، القانون 6 من مجمع قيصرية الجديدة).
2- المسيحية تؤكد قداسة الحياة الإنسانية ولاأخلاقية الإجهاض.
3- آمنت الكنيسة بأن غير المولود ذو شخصية قائمة بذاتها حتى لو أنه لم ينمو نموا كاملاً في الجسد.
4- الكنيسة لم تميز بين الكائن المكون وغير المكون، وبين المولود وغير المولود.
لا يمكن إتلاف الحياة عندما لا نريدها أو عندما تكون نوعية الحياة أدني من المعتاد. لذلك يجب أن تتعاطف الكنيسة مع غير المولودين وتهتم أيضا بمعالجة النساء اللواتي لا يردن الجنين ويسعين إلى الإجهاض.
الإجهاض في العصر الحديث:
في القرن التاسع عشر حرّمت العديد من الدول وسائل الإجهاض، وعلى الأخص الخطِر منها. ولكن في الفترة التي تمتد بين سنة 1920 و 1967 أباحت دولٌ أوربية الإجهاض المتعمّد، منها الاتحاد السوفياتي، والدول السكندينافية وبريطانيا وغيرها. إنّ نصف سكان الكرة الأرضية يعيشون في دول تتوفر فيها إمكانية الإجهاض. واليوم قامت بعض الحركات النسائية في العالم لتؤيد حرية المرأة في تقرير مصير الجنين. يقول B. Bonner إن القانون الروماني القديم الذي يعطي الأب سلطة الحياة والموت لغير المولود قد انتقلت في العالم الحديث إلى المرأة. ولذلك عد بعض المسيحيين بأن هذه الحركات النسائية تحاول أن تعيد الوثنية re-paganization إلى العالم المعاصر. إن اللاهوتيين الأخلاقيين المعاصرين يرفضون أن قرار الموت والحياة التي تتخذه الأم هو شرعي أو قانوني. تشريع الإجهاض هو في رأيهم خرق للمقاييس الأخلاقية، وتشجيع لعدم المسؤولية. فالحركات النسائية تدعو إلى اعتبار الإجهاض “حرية جنسية” معادلة لحرية الرجل. الحرية الحقيقية والمساواة تتمان في الاتحاد الروحي.
وفي الولايات المتحدة يدور الجدل في محكمة العدل العليا وتعطى البراهين من الجهتين لتبرير مواقفهما. وإليكم ما ورد في مرافعة أكثر من مائتي طبيب في عام 1972:
“عند التلقيح fertilization يتم خلق كائن جديد وفريد. ومع أنه يتلقى نصف الكروموزوم (المواد الصبغية) من أبيه والنصف الآخر من أمه يبقى مختلفاً عنهما. ومن سبعة إلى تسعة أسابيع تكون مئات الخلايا قد تكونت وعملية النسيج الحي implantation تبدأ. والخلايا الدموية تبدأ بالنمو بعد 17 يوماً والقلب ينبض بعد 18 يوماً. والجهاز القلبي الكامل يبدأ بعد 7 أسابيع. ويتابع التقرير بذكر كل التفاصيل الأخرى من الجهاز العصبي والعضلات وما هنالك. وهذا يدل على أن الحياة تبدأ عند التلقيح والإخصاب.
السؤال الأساسي المطروح أمامنا يحمل أبعادا قانونية وسياسية ومالية، ولكنه سؤال مناقبي في الدرجة الأولى وهو: هل الإجهاض خلقي أم لا، أي هل يمكن تبرير الإجهاض تبريراً خلقياً؟
ما هي اللاقحة Zygote:
للإجابة عن هذا السؤال المهم علينا أن نتعرف إلى اللاقحة أو الجنين أولا. فالكثيرون يسألون عن الوقت الذي يصبح فيه الجنين كائناً حيّاً. إن الأبحاث العلمية الحديثة أثبتت أن الجنين في الشهرين الأولين ينمو بسرعة هائلة لتتشكّل أعضاء الجسم البشري. فعلم الأجنة يؤكد أن البيضة الملقّحة تنقسم إلى مليارات الخلايا لتشكّل آخر الأمر جنين بشري تام الخلقة. وبعد الأسبوع الثامن من الحمل يتحلى الجنين بخاصتين:
1- ارتكاض الجنين في البطن بحيث أن ألام تشعر بحركة الجنين في مطلع الشهر الخامس.
2- قابلية الحياة عند الجنين خارج الرحم وهي تبدأ في الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل.
3- من حيث علم الأجنة يبقى الجنين مختلفاً عن الأم.
وهكذا يقول علم الأجنة بأن الفرد موجود بكامل أعضائه على نحو غير تام، وإن كان الاكتمال يبرز في الفعل مرحلة بعد مرحلة.
4_ ومع أن اللاقحة لا تفكر أو تتواصل فهي كائن يحيا في أحشاء أمه.
إن المني والبويضة هما شكلان من أشكال الحياة، ولكن اللاقحة هي حياة انسانية.
الحجج المتبادلة بين المؤيدين للإجهاض والرافضين له:
يُطرح السؤال الخلقي المهم: “هل يحق للجنين أن يحيا؟”
يجيب أهل الخيار-أي مؤيدو حرية ألام- على النحو التالي:
– ليس للجنين حق الحياة على الإطلاق. ألام وحدها تملك الحق الخلقي في إجهاض الجنين في أي وقت كان ولأي سبب عندها. ما الجنين سوى تورم لحمي، أو نفاية بروتوبلازمية، أو مواد مشيجية تنمتي إلى ألام.
– للجنين حقّ الحياة بعد الشهر الخامس. الإجهاض يُبَرّر في المدة التي تسبق هذه المرحلة ويُحرّم بعدها.
– المعتدلون منهم يبرّرون الإجهاض لأسباب مستصوبة، ومنها الكثير في نظرهم.
– الإجهاض وسيلة من وسائل الحدّ من النسل. فالتطور المخيف في نسبة الولادات البشرية تشكل أزمة سكانية، لا تحل إلا بالإجهاض وتحديد النسل.
– إن القوانين التي تحرّم الإجهاض تتنافى وحقوق المرأة في أن تفعل ما تشاء في جسدها. آما تتنافى وممارسة الطب بمعناه الشخصي، بحيث أن العلاقة الطبية هي علاقة خاصة وسرية بين الطبيب والمريض. الدولة لا يحق لها التطفل والتدخل في الشؤون الطبية الخاصة.
– يجب تحليل الإجهاض لغير المتزوجات، لانّ وصمة العار تلحق بالشابات اليافعات.
– تحريم الإجهاض يؤدي إلى ولادة أولاد غير مرغوب في وجودهم، مما يؤثر سلباً على سيكولوجية الأهل.
– يجب تحليل الإجهاض في حالات الاغتصاب لما له من عواقب وخيمة على ألام.
– يجب تحليله في حالات تعرض ألام لخطر الموت، وفي حال وجود جنين مشوّه البنية أي في نمو مسخ في رحم المرأة.
أما الردّ على هذه الادعاءات فيمكن أن يتمّ على النحو التالي:
-يتعذّر تبرير الإجهاض تبريراً خلقيا، لأنه خرق لحق الجنين في الحياة. فمن حق كل كائن بشري، مولودا ًأكان أم جنيناً، أن يحيا حياته بملئها، بحيث تأخذ الطبيعة الإنسانية مجراها من دون أن يبيدها أحد أو يزيلها عن الوجود.
– الإجهاض ثورة على عمل الله وتدبيره الخلاصي للعالم والبشرية. وهذا ما يعرف بالكفر بالخالق blasphemia creatoris ولما كان الإنسان خلقة الله، يبرز إلى الوجود بالمشيئة الإلهية، ويُتمّ حياته بتدبير من خالقه، فالجنين هو خلقة الله في رحم المرأة، ووديعة تسلم إلى الأهل للحفاظ عليها. الإنجاب هو كالخلق، بل هو مشاركة فيه. ولذلك لا سلطان للبشر على نسمة الحياة، فكلّ ما يُطلب منا هو أن نصونها ونعززها.
– علينا أن نحسب الجنين قريبنا. فكما يجب أن نحبّ القريب كأنفسنا ونُعنى به هكذا يجب أن تكون مسئوليتنا مفعمة بالحب تجاه الأجنة، ومكللة بنكران الذات والتضحية.
– تحريم القتل هو القاسم المشترك بين المعتقدات الخلقية والدينية المتعددة. الإجهاض هو قتل الجنين سواء اكتمل أم لم يكتمل. إحلال السلام في المجتمع يتطلب نزع كل أنواع العنف والكره والعدواة تجاه كل كائن حي، بما في ذلك الطفل غير المولود. عندما نقاوم الإجهاض نحرر الأجنة من العنف الممارس ضدهم ونحرر ألام من العنف الممارس ضد جسدها.
– الحرية ليست مبرراً لارتكاب الإثم، بل إنها الوسيلة التي نتحرر بها من الإثم. الادعاء الذي يقول بالحرية الشخصية يجب ألا يكون بديلاً عن انقيادنا للمشيئة الإلهية. قديما، أعطت القوانين الرومانية السلطة للأب أن يقتل أفراد أسرته، وعلى هذا النحو يحاول التيار المعاصر أن يعطي هذا الحق للام وحدها. وفي الحالتين هناك ضلال وسوء استعمال للحرية الشخصية.
– العدالة تتطلب الدفاع عن حقوق المستضعفين، والفقراء والأبرياء. ولذلك تحتاج الأجنة المستضعفة إلى من يزود عنها ويدافع عن حقوقها.
– احترام الحياة الإنسانية واجب علينا لانّ كل بشر، مولودا أكان أم غير مولود، هو مخلوق على صورة الله. الحياة الإنسانية سيرورة نحو الخالق مستمرة. والجنين يملك تلك القوة التي إن سمحنا لها أن تكتمل بلغت التشبه بالله .
– القانون المدني يجب أن يوافق القانون الإلهي. ولذلك على القانون الخلقي أن يمنع قتل الأجنة، لأنه قتل للإنسان الحي.
بناء عليه، يجب أن نضع حدّا لهذه المجزرة الصامتة، وأن يسعى المؤمنون بالحياة البشرية أن يصوغوا التزامهم الاجتماعي والقانوني، وأن يرفعوا أصواتهم بالأصالة عن الأجنة الحية.
[1] الجمهورية 5
[2] السياسة 7، 41
[3] القوانين الخاصة 3، 108-109
[4] تعليم الرسل 2: 2
[5] برنابا 19: 5
[6] توسل إلى المسيحيين 35
[7] المنافحة 9
[8] القانون 8، الشرع الكنيسي ص 887
[9] رومية 4
[10] تفسيره للرسالة إلى أهل رومية 24
[11] الشرع الكنسي، ص 138
[12] الشرع الكنسي، ص 603
الأب ميشال نجم
http://najim.net