القديس يوحنا الرسول التلميذ الحبيب والمبشّر الأمين
بيروت, الاثنين 8 مايو، 2023
تحتفل الكنيسة المقدّسة بتذكار القديس يوحنا الإنجيلي في تواريخَ مختلفة، منها 8 مايو/أيّار من كل عام. هو التلميذ الحبيب وكاتب الإنجيل الرابع وسفر الرؤيا، فضلًا عن ثلاث رسائل منسوبة إليه.
أبصر يوحنا النور في الجليل، وهو ابن زبدى وصالومي. تتلمذ على يد القديس يوحنا المعمدان، وبعدها دعاه يسوع المسيح كي يترك صيد السمك ويتبعه: «ثمّ مضى في طريقه، فرأى أخوَيْن آخرَيْن، هما يعقوب بن زبدى ويوحنا أخوه، مع أبيهما زبدى في السفينة يصلحان شباكهما، فدعاهما. تركا السفينة وأباهما من ذلك الحين وتبعاه» (متى 4: 21-22).
وقد شكّل يوحنا ويعقوب وبطرس ثلاثيًّا مميّزًا إذ كانوا شهودًا على مجموعة من الآيات أو الأحداث المتعلّقة بالمسيح، وهي الآتية: إقامة ابنة يائيروس من الموت (لوقا 8: 51)، والتجلّي (متى 17: 1-2)، ومرافقة الربّ يسوع إلى بستان جثسيماني ليلة آلامه (لوقا 26: 37-38).
كان يوحنا التلميذ الأحبّ إلى قلب المسيح، وهو أيضًا أحبّ معلّمه، واتّكأ على صدره ليلة العشاء السرّي، وسأله عن الشخص الذي سيسلّمه.
لمّا هرب جميع التلاميذ ليلة القبض على يسوع، لم يترك التلميذ الحبيب معلّمه أبدًا بل تبعه إلى الجلجثة، وأوصاه الربّ بوالدته مريم العذراء عند أقدام الصليب.
بعد قيامة المسيح وحلول الروح القدس على التلاميذ في العنصرة، بشّر يوحنا في آسيا الصغرى، فعرف الكثير من المعاناة والتحدّيات من أجل اسم يسوع.
نُفِيَ في المحطة الأخيرة من عمره إلى جزيرة باتموس اليونانيّة حيث كتب سفر الرؤيا. لمّا مات الحاكم دومتيانوس، رجع يوحنا إلى أفسس.
رقد يوحنا بسلام في نهاية القرن الأوّل، وكان له من العمر أكثر من تسعين عامًا. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه الوحيد بين الرسل الذي لم يستشهد بل مات بشكل طبيعي بفعل الشيخوخة.
لنُصَلِّ مع القديس يوحنا الرسول في تذكاره كي نغوص في محبّة المسيح ونغار على كلمته المقدّسة إلى الأبد.
رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنتس 1 : 26 – 31
يا إِخوَتِي، فَٱنْظُرُوا دَعْوَتَكُم، يَا إِخْوَتِي، فَلَيْسَ فِيكُم كَثِيرُونَ حُكَمَاءُ بِحِكْمَةِ البَشَر، ولا كَثِيرُونَ أَقْوِيَاء، ولا كَثِيرُونَ مِنْ ذَوِي الحَسَبِ الشَّرِيف.
إِلاَّ أَنَّ اللهَ ٱخْتَارَ مَا هُوَ حَمَاقَةٌ في العَالَمِ لِيُخْزِيَ ٱلحُكَمَاء، ومَا هُوَ ضُعْفٌ في العَالَمِ لِيُخْزِيَ ٱلأَقْوِيَاء.
وٱخْتَارَ اللهُ مَا هُوَ وَضِيعٌ ومُحْتَقَرٌ ومَعْدُوم، لِيُبْطِلَ المَوْجُود،
لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ بَشَرٌ أَمَامَ الله.
فَبِفَضْلِ اللهِ أَنْتُم في المَسِيحِ يَسُوع، الَّذي صَارَ لَنَا مِنْ عِنْدِ اللهِ حِكْمَةً وَبِرًّا وتَقْدِيسًا وَفِدَاء،
لِيَتِمَّ مَا هُوَ مَكْتُوب: «مَنْ يَفْتَخِرْ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبّ!».
إنجيل القدّيس يوحنّا 21 : 20 – 25
إِلتَفَتَ بُطْرُس، فَرَأَى التِّلْمِيذَ الَّذي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُمَا، وهُوَ الَّذي مَالَ عَلى صَدْرِ يَسُوعَ وَقْتَ العَشَاءِ وقَالَ لَهُ: يَا رَبّ، مَنْ هُوَ الَّذي يُسْلِمُكَ.
فَلَمَّا رَآهُ بُطْرُسُ قَالَ لِيَسُوع: «يَا رَبّ، وهذَا، مَا يَكُونُ لَهُ؟».
قَالَ لَهُ يَسُوع: «إِنْ شِئْتُ أَنْ يَبْقَى حَتَّى أَجِيء، فَمَاذَا لَكَ؟ أَنْتَ، ٱتْبَعْنِي!».
وشَاعَتْ بَيْنَ الإِخْوَةِ هذِهِ الكَلِمَة، وهِيَ أَنَّ ذلِكَ التِّلْمِيذَ لا يَمُوت. لكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ لا يَمُوت، بَلْ: إِنْ شِئْتُ أَنْ يَبْقَى حَتَّى أَجِيء، فَمَاذَا لَكَ.
هذَا التِّلْمِيذُ هُوَ الشَّاهِدُ عَلى هذِهِ الأُمُور، وهُوَ الَّذي دَوَّنَهَا، ونَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقّ.
وصَنَعَ يَسُوعُ أُمُورًا أُخْرَى كَثِيْرَة، لَوْ كُتِبَتْ وَاحِدًا فَوَاحِدًا، لَمَا أَظُنُّ أَنَّ العَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُهَا أَسْفَارًا مَكْتُوبَة.
النصوص مأخوذة من الترجمة الليتُرجيّة المارونيّة – إعداد اللجنة الكتابيّة التابعة للجنة الشؤون الليتورجيّة البطريركيّة المارونيّة (طبعة ثانية – 2007)
بِندِكتُس السادس عشر، بابا روما من 2005 إلى 2013
المقابلة العامّة بتاريخ 09/08/2006
تعليم الرّسول القدّيس يوحنّا
إنّ كان هناك من ميزة تطغى على كتابات القدّيس يوحنا، فهي المحبّة… بالتّأكيد، لم يكن القدّيس يوحنا الكاتب الوحيد من كتّاب البدايات المسيحيّة الّذي تكلّم في المحبّة. ولأنّ المحبّة هي مقوّم أساسيّ في المسيحيّة، يتكلّم عنها جميع كتّاب العهد الجديد وإن كان بنبرات مختلفة. إن كنّا نأخذ الآن وقتنا للتفكير بهذا الموضوع عند القدّيس يوحنّا فذلك لأنّه قد خطّ لنا بشيء من الإلحاح وبشكل حاسم الخطوط الأساسيّة لهذا الموضوع. سنكتفي الآن بالتركيز على كلماته. هناك أمر أكيد وهو أنّ يوحنّا لم يؤلّف مقالة مجرّدة فلسفيّة ولا حتّى لاهوتيّة عن ماهيّة المحبّة. لا، إنّ القدّيس يوحنّا ليس بمُنَظّر. في الواقع، لا يمكن للمحبّة الحقيقيّة بطبيعتها أن تكون حصرًا تنظيريّة لكنّها تعود بشكل مباشر وملموس وقابل للتحقق إلى أشخاص واقعيّين. والواقع أنّ يوحنّا، كرسول وصديق للرّب يسوع، مَكَّنَنَا من أن نتلمّس ما هي مقوّمات المحبّة أو بالأحرى مراحل المحبّة المسيحيّة. تتعلق المقوّمة الأولى بمصدر المحبّة ذاته الذي يحدّده الرسول في الله مؤكّدا أنّ “اللهَ مَحَبَّة” (1يو 4: 16).
فيوحنا، هو الكاتب الوحيد في العهد الجديد الذي يقدّم لنا ما يشبه التّعريف عن لله، فيقول مثلا:” إنّ الله روحٌ” (يو 4: 24) وأنّ “الله نور” (1يو 1: 15). وهنا بحدس ثاقب يعلن “إنَّ اللهَ مَحَبَّة”. فلننتبه جيّدًا، فهو لم يعلن ببساطة أنّ “الله يحبّ” ولا أنّ “المحبّة هي الله”. أو بكلام آخر، لم يكتفِ يوحنّا بوصف الفعل الإلهيّ، بل مضى إلى الأصل. لا بل أكثر فهو لا يريد أن ينسب قيمة إلهيّة لمحبّة عامّة وربّما غير شخصيّة. وهو لم يرتقِ من المحبّة إلى الله، إنّما توجّه مباشرةً نحو الله، ليُعَرِّف طبيعته من خلال البعد اللامتناهي للمحبّة. وبذلك، أراد يوحنّا أن يقول إن المقوّم الأساسيّ لله هو المحبّة، وبالتالي فإنّ كلّ فعلِ إلهيّ يولد من المحبّة وهو مطبوع فيها. إنّ كل ما يصنعه الله، يصنعه بمحبّة، وبواسطة المحبّة، وإنْ صَعُبَ علينا أن نفهم في الحال ماهيّة المحبّة، المحبّة الحقيقيّة.
أعجوبة قبر القدّيس يوحنا الحبيب
بعد وفاة القدّيس يوحنا الحبيب ووري الثرى في أفسس. وهناك روايات في ذلك. يُعيَّد لذكرى وفاته أو انتقاله في 26 أيلول.
أما ذكراه اليوم فاحتفاء بأعجوبة كانت تتكرّر كل سنة، في الثامن من أيّار، عند قبره. فإن القبر، في ذلك اليوم، كان يتغطّى فجأة بما يشبه الرماد العطر. وجرى المسيحيون على تسمية هذا الرماد بـ “المنّ”. وكان يشفي مرضى النفوس والأجساد، الذين يدّهنون به بإيمان، من أمراضهم.
طروبارية للرسول يوحنا باللحن الثاني
أيها الرسول المتكلم باللاهوت حبيب المسيح الإله، أسرْع وأنقذ شعباً عادم الحجة، لأن الذي تنازل أن تتكئَ على صدرهِ يقبلك متوسلاً، فإليه ابتهل أن يبدّد سحابة الأمم المعاندة، طالباً لنا السلامة والرحمة العظمى.
قنداق للرسول يوحنا باللحن الثاني