قراءة في الزواج
العدد السابع عشر – الأحد 9 أيلول 2007
للمرأة، في الزواج، وجوه تتكامل. فهي الزوجة والأم والأخت. وكذلك للرجل.
فهو الزوج والأب والأخ. كلٌّ يجد في الآخر الرفيق والمعين والصديق. طغيان وجه على سائر الوجوه في الزوجية خلل يؤدي إلى فساد في العلاقة فإلى اضطراب في العائلة.
المرأة في هذا الإطار زوجة
لذا الأنوثة شأن طبيعي لديها إذا ما كان ليكون زواج. قدر من الأنوثة ضروري. هذا يحدّد إظهارَه الحسُّ القويم. ولكن إذا ما بالغت المرأة في اصطناع الأنوثة، أو إذا ما طالبها الرجل بذلك، فإنّ الأنوثة تتحوّل لديها إلى غواية.
المرأة التي تهتم بفتنتها وجاذبيتها على نحو مبالغ فيه. تمسي أسيرة جسديتها. تدنو من امرأة الهوى.
تصير لزوجها بمثابة عشيقة. فإذا ما انزلقت إلى هذا المنحدَر بات صعباً عليها أن تحفظ الأمانة، في قلبها، لزوجها. تستسيغ، تلقاءً، اجتذاب عيون الرجال وانتباههم. تميل، بالمقارنة، عن زوجها إلى غيره، في نفسها. قد يتّخذ هذا الميل تعبيراً محسوساً وقد لا يتّخذ. الناس يهمّهم قليلاً أو كثيراً اليوم أقل من ذي قبل أن يحافظوا على مظهر اجتماعي معيّن. لكنّ ما يحدث في مستوى داخل النفس يكون مختلفاً. المرأة، إن بالغت في طلب الفتوّة النضرة المتواترة، لا يمكنها إلاّ أن تنحطّ إلى دَرَكٍ يتراوح بين أن تستحلي غير زوجها وأن تخونه.
أما الزوج، إذا ما رغب في زوجته أن تكون له عشيقة دائمة، تحرِّك فيه الهوى بقوّة، فإنّه يريدها أن تكون أدنى إلى بنات الهوى الخبيرات في الغواية.
في هذا المسرى النفسي قليلاً ما يشعر الزوج بأنّ زوجته في مستوى توقّعاته. شهوته، إذ ذاك، تدفعه في غير اتجاهها. يمسي أكثر وعياً لأجساد النساء. يصرف نظره إلى مفاتنهن بيسر وينصرف إلى تزكية أحاسيسه بهن. كثيرون يتّخذون لذواتهم عشيقة أو أكثر متذرّعين بأنّ حاجاتهم أكبر من أن تلبّيها نساؤهم.
وكثيرون أيضاً يلجأون إلى مشاهدة الأفلام المثيرة ليحفظوا درجة من التوتّر في نفوسهم وأجسادهم. وقد يرغبون أو يفرضون على زوجاتهم مشاهدة مثل هذه الأفلام ليتعلَّمن فنون الفحشاء إرضاء لأزواجهن. المرأة، في مثل هذه الأحوال، كثيراً ما تكون متّهمة بالبرودة، فيما يكون الرجل، في عين المرأة، متطلّباً على نحو مذلّ ومهين.
كل هذا يحدث باسم الزواج والحلال والشرع. لكنْ، إذا كان لنا أن نطلق على هذا الواقع التسميةَ التي تناسبه فإنّه الفجور في الزواج.
الزواج ولا سيما الزواج المسيحي، ليس شهادة مساكنة، ولا هو تشريع لأهواء النفس والجسد. الزواج المسيحي مشروع قداسة لا تشريع نجاسة.
قِبلةُ الزوجَين المسيحيَّين ملكوتُ السموات.
والعلاقة هي علاقة زوجَين متعاونَين متضامنَين كواحد بيسوع. في الزواج المسيحي لا يقتصر الهمّ على علاقة الرجل بالمرأة بل يتعداه إلى علاقتهما معاً بيسوع.
ونعود إلى وجوه المرأة والرجل في الزواج. الأنوثة المصطنعة، المبالغ فيها، وكذا صورة الزوجة كعشيقة دائمة في عين زوجها، لا يمكن إلاّ أن تؤثّر في دور الزوجة كأم وأخت وفي دور الزوج كأب وأخ، ولا يمكن، تالياً، إلاّ أن تضرب مشروع الزواج في الصميم.
الأنوثة والعشق إنما يُفترض بهما أن ينميا وأن يُفسحا في المجال لأخوّةٍ ورفقٍ وصداقةٍ بين الزوجَين. الزواج برسم النضج. فإذا ما بقي في مستوى العشق والغواية فلا قيمة له ولا معنى. يكون كأنّه لم يكن، لا بل يكون ستاراً للإثم والرذيلة.
المرأة أمٌّ بالقوّة منذ صغرها، أمّ بالطبيعة. الأمومة تنمو فيها إلى أن تتبلور في الزواج. حتى علاقة الزوجة بزوجها تعتورها الأمومة. تبقى المرأة، بمعنى، أُمّاً حتى لزوجها. ليس بلا حقّ قيل “الزوج هو الابن الأكبر” للأم الزوجة في البيت. طبيعي أن تكون أمومة المرأة حيال زوجها أبرز وأرسخ من أبوة الزوج لامرأته. الرجل مرشّح لأن يصير الأب الشيخ في العائلة متى نضجت علاقته بزوجته وسائر عائلته.
هذا يأتي من الحكمة والإحاطة والبذل والعطف الكبير. أما أمومة الزوجة فمرتسمة في طبيعة الأنثى على مدى الأيام
في كل حال، تبقى الأخوّة في الزواج هي سمةَ الزواج الأصيل. الزوجان يصيران أخوَين. أخوَين بالتبنّي. الإخوة، في الطبيعة، يخرجون من بطن واحد.
هنا الزوجان الأخوان يخرجان، أو، بالأحرى، يدخلان، واليد باليد، رَحِم الله. عشرتهما ليسوع تجعلهما أخوَين. وحدة المسرى في المسيح، وحدة حياة العائلة، وحدة الفكر الإلهي، وحدة الألم، وحدة الفرح، وحدة الرجاء تجعلهما واحداً في الروح والقلب أولاً.
هذه هي الأخوّة المكتسبة التي تجعلهما يحملان الواحدَ الأحدَ في نفسيهما. الأخوّة تكون علامةَ شركتهما، بحقّ، في يسوع.
والأخوّة تحمل إليهما الرفق. تجعلهما رفيقَين برفق الله بهما.
تنمو علاقتهما إلى شفافية من النوع الإيقوني. علاقتهما، ساعتذاك، تكون تَمثُّلاً لعلاقة المسيح بالكنيسة ومدّاً لها.
بعد ذلك يبلّغهما الرِفْقُ الصداقةَ. موسى كلّم الله كما يكلّم الصديق صديقه. هكذا يشاء الله أن يكلِّمه الزوجان
هنا يبلغ الشريكان من حميمية القلب حدّاً يصير معه كل منهما على دنوّ من الآخر يحاكي دنوّه من يسوع ويختبران، في آن، بُعاداً يحدّث عن الوقار الذي بات سائداً بينهما. لا تعود هناك دالة بينهما في مستوى البشَرة بل قربى إلهية تجسِّد القولة:
“المسيح معنا وفيما بيننا. كان وكائن ويكون”.
يوم يأتي الزوجان إلى هذا المستوى من العلاقة بيسوع يُشْبَع زواجُهما من نكهة الحياة الأبدية. تصير صداقتُهما تعبيراً عن كونهما، لدى الله، صدّيقَين.
Discussion about this post