قداسة البابا فرنسيس في اليوم العالمي للعائلة
١٥ أيار اليوم العالمي للعائلة
قال قداسة البابا فرنسيس في اليوم العالمي للعائلة: “لنصلّ من أجل العائلات لكي ينمو روح الرب فيها، روح المحبّة والاحترام والحريّة”.
“إني افضّل عائلة وجهها متعب بسبب تضحياتها، من عائلة وجهها مكحّل ومزيّن وهي لا تعرف أن تعيش معنى الحنيّة والتعاطف. يسوع يرافق بنعمته الزوجين اللذين يبقيان متّحدَين به.”
أقوال البابا فرنسيس عن العائلة المسيحية : العائلة هي أول مكان نتعلم فيه الحب!
“ليكن الحب الذي تعيشونه بينكم على الدوام منفتحًا وانبساطيًّا قادرًا على أن يلمس الأشخاص الأشدَّ ضعفًا والمجروحين الذين تلتقون بهم على طول الدرب” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في اختتام اللقاء العالمي العاشر للعائلات
بمناسبة انعقاد اللقاء العالمي العاشر للعائلات في روما ترأس عميد دائرة العلمانيين والحياة العائلة الكاردينال كيفن فاريل مساء السبت القداس الإلهي مع العائلات في ساحة القديس بطرس بحضور البابا فرنسيس وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها في إطار اللقاء العالمي العاشر للعائلات، هذه هي لحظة الشكر. بامتنان نحمل اليوم أمام الله – كما في تقدمة عظيمة – كل ما زرعه الروح القدس فيكِ، أيها العائلات العزيزة. شارك بعضكم في وقفات التأمل والمشاركة هنا في الفاتيكان. وقام آخرون بإحيائها وعيشها في أبرشياتهم الخاصة، كنوع من المجموعة الكوكبيّة. أتخيل غنى الخبرات والنوايا والأحلام، بالإضافة أيضًا إلى المخاوف والشكوك. فلنقدم الآن كل شيء للرب، ولنطلب منه أن يعضدكم بقوته وبمحبته. أنتم آباء وأمهات وأبناء وأجداد وأعمام؛ أنتم بالغون، أطفال، شباب، ومسنون؛ وكل واحد منكم لديه خبرة عائلية مختلفة، ولكنها تملك جميعها الرجاء عينه القائم على الصلاة: ليبارك الله وليحمِ عائلاتكم وجميع عائلات العالم.
تابع البابا فرنسيس يقول تحدَّث القديس بولس إلينا في القراءة الثانية عن الحرية. إنَّ الحرية هي أحد الخيور الأكثر تقديرًا وإقبالًا من قبل الإنسان الحديث والمعاصر. يرغب الجميع في أن يكونوا أحرارًا، وألا يتمَّ الاشتراط عليهم، وألا يكونوا مقيدين، وبالتالي يتطلعون إلى تحرير ذواتهم من جميع أنواع “القيود”: الثقافيّة والاجتماعيّة، والاقتصاديّة. ومع ذلك، كم من الأشخاص يفتقرون إلى الحرية الكُبرى: الحرية الداخلية! يذكرنا بولس الرسول نحن المسيحيين أن هذه هي أولاً عطية، عندما يهتف: “إِنَّ المَسيحَ قَد حَرَّرَنا لِنَكونَ أَحرارًا”. إنَّ الحرية قد أُعطيَت لنا. نولد جميعًا مع العديد من التكيُّفات الداخليّة والخارجيّة، ولا سيما مع النزعة إلى الأنانية، أي أن نضع أنفسنا في المحور ونعمل على تحقيق مصالحنا. ولكنَّ المسيح قد حررنا من هذه العبودية. ولتجنب الشك، يحذرنا القديس بولس من أن الحرية التي أعطانا الله إياها ليست حرية العالم الزائفة والفارغة، والتي هي في الواقع “سَبيلاً لإِرْضاءِ الجَسَد”. لا، لأنَّ الحرية التي اشتراها لنا المسيح بثمن دمه موجهة بالكامل نحو المحبة، لكي – كما قال بولس الرسول آنذاك ويقول لنا اليوم – “يَصيرَ بِالمَحَبَّةِ بَعضُكم خَدَماً لِبَعض”. جميعكم أيها الأزواج، في تكوين عائلتكم، قد قمتم بنعمة المسيح بهذا الخيار الشجاع: ألا تستخدموا حريتكم لأنفسكم، وإنما لكي تحبوا الأشخاص الذين وضعهم الله بقربكم. وبدلاً من أن تعيشوا “كجزر”، وضعتم أنفسكم “في خدمة بعضكم البعض”. هكذا تعاش الحرية في العائلة! لا توجد “كواكب” أو “أقمار صناعية” يسافر كل منها في مداره الخاص، لأن العائلة هي مكان اللقاء والمشاركة والخروج من الذات لقبول الآخر والاقتراب منه. إنها أول مكان نتعلم فيه الحب. أيها الإخوة والأخوات، بينما نعيد التأكيد على هذا بقناعة كبيرة، نعلم جيدًا أنه في الواقع ليس الأمر هكذا على الدوام، لأسباب عديدة والعديد من المواقف المختلفة. وبالتالي، عندما نؤكد على جمال العائلة، نشعر أكثر من أي وقت مضى أنه علينا أن ندافع عنها. لا نسمحنَّ أبدًا بأن تلوِّثها سموم الأنانية والفردية وثقافة اللامبالاة والإقصاء، فتفقد هكذا “حمضها النووي” الذي هو الضيافة وروح الخدمة.
أضاف الأب الأقدس يقول إن العلاقة بين النبيَّين إيليا وأليشاع، التي تقدّمها لنا القراءة الأولى، تجعلنا نفكر في العلاقة بين الأجيال، وفي “نقل العصا” بين الوالدين والأبناء. هذه العلاقة في عالم اليوم ليست بسيطة وغالبًا ما تكون مدعاة للقلق. فالوالدون يخشون من ألا يكون أبناءهم قادرين على توجيه أنفسهم في تعقيد واضطراب مجتمعاتنا، حيث يبدو كل شيء فوضويًا ومحفوفًا بالمخاطر، وأن يضيّعوا دربهم في النهاية. هذا الخوف يجعل بعض الوالدين قلقين، والبعض الآخر يبالغ في الحماية، وفي بعض الأحيان ينتهي بهم الأمر إلى إيقاف الرغبة في حمل حياة جديدة إلى العالم. سيساعدنا أن نتأمّل حول العلاقة بين إيليا وأليشاع. إنَّ إيليا، وفي لحظة أزمة وخوف على المستقبل، نال من الله الأمر بأن يمسح أليشاع خلفًا له. لقد جعل الله إيليا يفهم أن العالم لا ينتهي معه وأمره أن ينقل مهمته إلى شخص آخر. هذا هو معنى هذا التصرُّف الذي يصفه النص: ألقى إيليا رداءه على كتفي أليشاع، ومن تلك اللحظة سيحل التلميذ مكان المعلِّم لكي يواصل خدمته النبوية في إسرائيل. وهكذا أظهر الله أنه يثق بأليشاع الشاب.
تابع الحبر الأعظم يقول كم هو مهم بالنسبة للوالدَين أن يتأمَّلا في أسلوب الله في التصرف! إنَّ الله يحب الشباب، لكن هذا لا يعني أنه يحميهم من كل خطر ومن كل تحد ومن كل معاناة. فهو ليس قلقاً ومفرطًا في الحماية؛ بل على العكس، هو يثق بهم ويدعو كل واحد إلى أعلى مستوى من الحياة والرسالة. لنفكّر في الطفل صموئيل، والمراهق داود، وإرميا الشاب. لنفكّر بشكل خاص في العذراء مريم. أيها الوالدون الأعزاء، إن كلمة الله تُظهر لنا الدرب: لا الحفاظ على الأبناء من كل حد أدنى من الانزعاج والمعاناة، وإنما السعي لكي ننقل لهم شغف الحياة، ونُشعل فيهم الرغبة في أن يجدوا ويعانقوا الرسالة الكبرى التي أرادها الله لهم. إن هذا الاكتشاف بالتحديد هو الذي جعل أليشاع شجاعًا وعازمًا وجعله يصبح بالغًا. الابتعاد عن والديه وذبحه لزَوجَينِ مِنَ البَقَر هما العلامة على أن أليشاع قد فهم أن دوره قد أتى الآن، وأن الوقت قد حان لكي يقبل دعوة الله ويسير قدمًا بما رأى معلّمه يفعله. وسيقوم بذلك بشجاعة حتى نهاية حياته. أيها الآباء الأعزاء، إذا ساعدتم أبناءكم لكي يكتشفوا دعوتهم ويقبلوها، فسترون أن تلك الرسالة ستمسك بجوامح قلوبهم وستكون لديهم القوة لكي يواجهوا صعوبات الحياة ويتغلَّبوا عليها.
أضاف البابا فرنسيس يقول أود أيضًا أن أضيف أنه بالنسبة للمربّي، فإن أفضل طريقة لمساعدة شخص آخر على اتِّباع دعوته هي أن يعانق رسالته بحب أمين. هذا ما رأى التلاميذ يسوع يفعله، ويظهر لنا إنجيل اليوم لحظة رمزية، عندما “عَزَمَ يسوع عَلى الإِتِّجاهِ إِلى أورَشَليم”، وهو يعلم جيدًا أنه سيُحاكم هناك ويُقتل. وفي الطريق إلى أورشليم، عانى يسوع من رفض سكان السامرة، رفض أثار ردّة فعل غاضبة لدى يعقوب ويوحنا، ولكن يسوع قبله لأنه يشكّل جزءًا من دعوته: كان في البداية قد رُفض في الناصرة، والآن في السامرة، وسيتم رفضه في نهاية المطاف في أورشليم. لقد قبل يسوع هذا كلّه لأنه جاء لكي يأخذ خطايانا على عاتقه. وبالطريقة عينها، ليس هناك ما يشجع الأبناء أكثر من رؤية والديهم يعيشون الزواج والعائلة كرسالة، بأمانة وصبر، على الرغم من الصعوبات واللحظات الحزينة والمِحَن. وما حدث ليسوع في السامرة يحدث في كل دعوة مسيحية، حتى في الدعوة العائلية. هناك أوقات يجب على المرء فيها أن يأخذ على عاتقه المقاومة، والإنغلاق، وسوء الفهم جميع تلك الأمور التي تأتي من القلب البشري، ويحوّلها بنعمة المسيح، إلى قبول للآخر ومحبة مجانية.
تابع الأب الأقدس يقول مباشرة بعد هذا الحدث، الذي يصف بمعنى ما “دعوة يسوع”، يقدم لنا الإنجيل ثلاث دعوات أخرى، لثلاثة أشخاص كانوا يريدون أن يصبحوا تلاميذًا ليسوع. دُعيَ الأول لكي لا يبحث عن منزل ثابت، أو مكان آمن ليقيم فيه باتباعه للمعلّم، ولكنّ يسوع في الواقع “ليس له ما يضع عليه رأسه”. إنَّ اتباع يسوع يعني أن نتحرّك ونبقى في حركة دائمة في “سفر” معه عبر أحداث الحياة. كم هذا صحيح بالنسبة لكم أنتم المتزوجون! أنتم أيضًا، إذ قبلتم الدعوة إلى الزواج والعائلة، تركتم عشّكم وانطلقتم في سفر، لا يمكنكم أن تعرفوا مُسبقًا جميع مراحله، ويحافظ عليكم في حركة مستمرّة، مع مواقف جديدة على الدوام، وأحداث غير متوقعة ومفاجآت. هكذا هي المسيرة مع الرب. إنها ديناميكية ولا يمكن التنبؤ بها، وهي على الدوام اكتشاف رائع. لنتذكر على الدوام أن راحة تلاميذ يسوع هي بالتحديد في أن يعملوا مشيئة الله كل يوم، مهما كانت. أما التلميذ الثاني فقد دُعي لكي لا يعود “لكي يدفن موتاه”. إنها ليست مسألة كسر الوصية الرابعة، التي تبقى صالحة على الدوام؛ وإنما هي دعوة لإطاعة الوصية الأولى أولاً: محبة الله فوق كل شيء. هذا هو الحال أيضًا مع التلميذ الثالث، الذي دُعي لاتباع المسيح بحزم ومن كل قلبه، دون “أن يلتفتَ إلى الوراء”، ولا حتى لكي يودِّع أهل بيته.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيتها العائلات العزيزة، أنتِ أيضًا قد دُعيتي لكي لا يكون لديكِ أولويات أخرى، ولكي “لا تلتفتي إلى الوراء”، أي لكي لا نتحسّر على الحياة السابقة والحرية السابقة، بأوهامها المخادعة: تتحجّر الحياة عندما لا تقبل حداثة دعوة الله ونتحسَّر على الماضي. عندما يدعو يسوع، حتى للزواج والعائلة، يطلب منا أن ننظر إلى الأمام ويسبقنا دائمًا في المسيرة، فهو يسبقنا دائمًا في المحبة والخدمة. والذين يتبعونه لا يخيب أملهم أبدًا! أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إن القراءات التي اقترحتها الليتورجيا علينا اليوم، جميعها تتحدث عن الدعوة التي هي بالتحديد موضوع هذا اللقاء العالمي العاشر للعائلات: “الحب العائلي: دعوة ودرب إلى القداسة”. بقوة كلمة الحياة هذه، أشجعكم على استئناف مسيرة الحب العائلي بعزم، وتشاركوا مع جميع أفراد العائلة فرح هذه الدعوة. ليكن الحب الذي تعيشونه بينكم على الدوام منفتحًا وانبساطيًّا قادرًا على أن يلمس الأشخاص الأشدَّ ضعفًا والمجروحين الذين تلتقون بهم على طول الدرب: ضعفاء في الجسد وضعفاء في الروح. في الواقع، حتى الحب العائلي يتطهر ويتقوى عندما يُعطى. إنَّ الكنيسة معكم، لا بل الكنيسة فيكم! لأنَّ الكنيسة، في الواقع، قد ولدت من عائلة، عائلة الناصرة، وهي تتكون أساسًا من عائلات. ليساعدكم الرب يوميًّا لكي تثبتوا في الوحدة والسلام والفرح، فتظهروا للجميع أن الله هو محبة وشركة حياة.
البابا فرنسيس: كل عائلة لديها رسالة عليها أن تحققها في العالم وشهادة عليها أن تقدّمها
“في الزواج، يهب المسيح نفسه لكم، لكي يكون لديكم القوة لكي تعطوا ذواتكم لبعضكم البعض. تشجعوا، إذن، الحياة العائليّة ليست مهمة مستحيلة! بنعمة السرّ، يجعلها الله رحلة رائعة نقوم بها معه” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته في افتتاح اللقاء العالمي العاشر للعائلات
تحت عنوان “جمال العائلة” عُقد عند الساعة السادسة من مساء الأربعاء في قاعة بولس السادس بالفاتيكان عيد العائلات الذي يفتتح اللقاء العالمي العاشر للعائلات الذي يُعقد من الثاني والعشرين وحتى السادس والعشرين من حزيران يونيو الجاري، افتتح اللقاء بمقابلة مع فرانشيسكو حفيد الزوجين الطوباويين لويجي وماريا بيلتراميه كواتروكّي شفيعي اللقاء العالمي العاشر للعائلات والطبيب جيلبيرتو غروسي الذي شُفي بشفاعة الطوباويين، وبعد وصول الأب الاقدس إلى القاعة عند حوالي الساعة السادسة والنصف ألقى الكاردينال كيفين فاريل عميد دائرة العلمانيين والعائلة والحياة كلمة رحّب بها بالأب الأقدس والعائلات التي قدمت من مختلف أنحاء العالم بعدها قدّمت خمس عائلات شهادات حياتها التي تمحورت حول مواضيع الزواج والصليب والمغفرة والضيافة والأخوة وقبل ختام اللقاء بالبركة ألقى الأب الأقدس كلمة توجّه فيها إلى جميع العائلات وقال أيتها العائلات العزيزة! إنه لمن دواعي سروري أن أكون هنا معكم اليوم، بعد الأحداث المروعة التي طبعت حياتنا في الآونة الأخيرة: أولاً الجائحة والآن الحرب في أوروبا، والتي تضاف إلى الحروب الأخرى التي تضرب العائلة البشرية. أشكر الكاردينال فاريل والكاردينال دي دوناتيس وجميع معاوني دائرة العلمانيين والعائلة والحياة وأبرشية روما، الذين بتفانيهم جعلوا هذا اللقاء ممكنًا. كما أود أن أشكر العائلات الحاضرة التي أتت من أنحاء كثيرة من العالم. ولا سيما الذين قدموا لنا شهادتهم: شكرا جزيلا! ليس من السهل أن تتحدثوا أمام مثل هذا الجمهور الكبير عن حياتكم، عن الصعوبات أو العطايا الرائعة الحميمة والشخصية التي نلتموها من الرب. لقد كانت شهاداتكم بمثابة “مكبرات صوت”: لقد أعطيتم صوتًا لخبرة العديد من العائلات الأخرى في العالم، التي تعيش مثلكم نفس الأفراح والقلق والمعاناة والآمال.
لهذا السبب أتوجّه الآن إليكم أنتم الحاضرين هنا وإلى الأزواج والعائلات الذين يستمعون إلينا في العالم. أود أن أجعلكم تشعرون بقربي أينما كنتم، في ظروف حياتكم الملموسة. تشجيعي قبل كل شيء هو هذا بالتحديد: أن تنطلقوا من وضعكم الحقيقي وأن تحاولوا من هناك أن تسيروا معًا: معًا كزوجين، معًا في عائلتكم، مع العائلات الأخرى، ومعًا مع الكنيسة. أفكر في مثل السامري الصالح، الذي يلتقي برجل جريح على الطريق، فيقترب منه، ويأخذه على عاتقه ويساعده على استئناف مسيرته. أود أن تكون الكنيسة هكذا بالنسبة لكم! سامري صالح يقترب منكم ويساعدكم على مواصلة مسيرتكم والقيام بـ “خطوة إضافيّة”، حتى ولو كانت صغيرة. سأحاول أن أشير إلى هذه “الخطوات الإضافية” التي علينا أن نقوم بها معًا، مستعيدًا الشهادات التي سمعناها.
١-“خطوة إضافية” نحو الزواج. أشكركما، يا لويجي وسيرينا، لأنكما رويتما خبرتكما بصدق كبير، بما فيها من صعوبات وتطلعات. أعتقد أن ما قلتماه هو مؤلم للجميع: “لم نجد جماعة تعضدنا بأذرع مفتوحة لما نحن عليه”. على هذا الأمر أن يجعلنا نفكر. علينا أن نرتدّ وأن نسير ككنيسة، لكي تصبح أبرشياتنا ورعايانا أكثر فأكثر “جماعات تعضد الجميع بأذرع مفتوحة”. هناك حاجة ماسة لذلك! وأنتما، بفضل العناية الإلهية، وجدتما الدعم في عائلات أخرى، هي في الواقع كنائس صغيرة.
لقد تعزَّيتُ جدًّا عندما أوضحتما السبب الذي دفعكما إلى منح المعموديّة لأبنائكما. قلتما جملة جميلة جدًا: “على الرغم من أنبل الجهود البشرية، إلا أننا لا نكفي أنفسنا”. هذا صحيح، يمكن أن يكون لدينا أجمل الأحلام، وأثمن المثل العليا، لكننا في النهاية نكتشف أيضًا محدوديّتنا، التي لا نتخطاها وحدنا، وإنما بالانفتاح على الآب، وعلى محبته، ونعمته. هذا هو معنى سرَّي المعمودية والزواج: إنهما المساعدة الملموسة التي يمنحنا الله إياها لكي لا يتركنا وحدنا، لأننا “لا نكفي أنفسنا”.
يمكننا القول إنه عندما يقع رجل وامرأة في الحب، يقدم لهما الله هدية: الزواج. عطية رائعة تحتوي على قوة المحبة الإلهية: قوية، دائمة، أمينة، قادرة على التعافي من بعد كلِّ فشل أو هشاشة. إن الزواج ليس إجراء شكليًّا يجب الوفاء به. أنت لا تتزوج لكي تكون كاثوليكيًا “مع دمغة”، أو طاعة لقاعدة، أو لأن الكنيسة تقول ذلك؛ نتزوج لأننا نريد أن نبني الزواج على محبة المسيح الراسخة كالصخر. في الزواج، يهب المسيح نفسه لكم، لكي يكون لديكم القوة لكي تعطوا ذواتكم لبعضكم البعض. تشجعوا، إذن، الحياة العائليّة ليست مهمة مستحيلة! بنعمة السرّ، يجعلها الله رحلة رائعة نقوم بها معه، وأبدًا بمفردنا. العائلة ليست مثالاً جميلاً بعيد المنال في الواقع. لأن الله يضمن وجوده في الزواج وفي العائلة، ليس فقط في يوم الزفاف وإنما لمدى الحياة. وهو يعضدكم كل يوم في مسيرتكم.
٢-“خطوة إضافية” لمعانقة الصليب. أشكركما، يا روبرتو وماريا أنسيلما، لأنكما رويتما لنا القصة المؤثرة لعائلتكما ولاسيما قصة كيارا. لقد تكلمتما عن الصليب، الذي هو جزء من حياة كل شخص وكل عائلة. وشهدتما أن الصليب القاسي لمرض كيارا وموتها لم يدمِّر العائلة ولم يُزِل الصفاء والسلام من قلبيكما. ويمكننا أن نرى ذلك أيضًا في نظراتكما. أنتما لستما شخصين محبطين ويائسَين وغاضبَين من الحياة. على العكس تماما! يمكننا أن نرى فيكما صفاء عظيمًا وإيمانًا كبيرًا.
لقد قلتما: “إن هدوء كيارا فتح لنا نافذة على الأبديّة”. لقد ساعدتكما رؤية كيف عاشت تجربة المرض لكي ترفعا نظركما إلى الأعلى ولا تبقيا أسيرَين للألم، وإنما لكي تنفتحا على شيء أعظم: مخططات لله السريّة، الأبدية، السماء. أشكركما على شهادة الإيمان هذه! لقد ذكرتما تلك الجملة التي كانت كيارا تقولها: “الله يضع الحقيقة في كل فرد منا ومن المستحيل أن يساء فهمها”. لقد وضع الله في قلب كيارا حقيقة حياة مقدسة، ولذلك أرادت أن تحافظ على حياة ابنها على حساب حياتها. وكزوجة، سارت جنبًا إلى جنب مع زوجها في طريق إنجيل العائلة بطريقة بسيطة وعفوية. في قلب كيارا دخلت حقيقة الصليب أيضًا كعطيّة للذات: حياة بذلتها لعائلتها والكنيسة والعالم أجمع. نحن بحاجة على الدوام إلى أمثلة رائعة لنتطلع إليها: لتكن كيارا مصدر إلهام في مسيرتنا للقداسة، وليعضد الرب ويخصِّب كل صليب يجب على العائلات أن تحمله.
٣-“خطوة إضافيّة” نحو المغفرة. بول وجيرمين، لقد تحلَّيتما بالشجاعة لكي تخبرانا عن الأزمة التي عشتماها في زواجكما. نشكركما على هذا. لم تريدا أن تحلِّيا الواقع بقليل من السكر! لقد سميتم جميع أسباب الأزمة بأسمائها: غياب الصدق، والخيانة، والاستعمال الخاطئ للمال، وأصنام السلطة والوظيفة، وتزايد الحقد وتصلب القلب. أثناء حديثكما، أعتقد أننا استرجعنا جميعًا خبرة الألم التي عشناها إزاء مواقف مماثلة للعائلات المنقسمة. إن رؤية عائلة تنهار هي مأساة لا يمكنها أن تتركنا غير مبالين. تختفي ابتسامة الزوجين، ويضيع الأطفال، ويختفي صفاء الجميع. وفي معظم الأوقات لا نعرف ما علينا فعله. لذلك تنقل قصتكما الرجاء. قال بول إنه في أحلك لحظات الأزمة، استجاب الرب لأعمق رغبات قلبه وأنقذ زواجه. وهكذا هو الأمر. إنّ الرغبة الكامنة في أعماق قلب كل شخص هي أن الحب لا ينتهي، وأن التاريخ الذي نبنيه مع الشخص الذي نحبّه لا ينقطع، وأنَّ الثمار التي تنتج عنه لا تضيع. جميعنا لدينا هذه الرغبة. لا أحد يريد حبًا “قصير الأمد” أو “لفترة محدّدة”. ولذلك نحن نتألّم كثيراً عندما تتسبب النواقص والإهمال والخطايا البشريّة في تحطيم الزواج. ولكن حتى في خضم العاصفة، يرى الله ما في القلب. وبفضل العناية الإلهية، قابلتما مجموعة من العلمانيين المكرسين للعائلات. وهناك بدأت مسيرة اقتراب وشفاء لعلاقتكما. لقد استأنفتما الحديث مع بعضكما البعض، وانفتحتما بصدق على بعضكما البعض واعترفتما بأخطائكما وصلّيتما معًا مع الأزواج الآخرين، وجميع هذه الأمور أدّت إلى المصالحة والمغفرة.
إنَّ المغفرة تشفي كلَّ الجراح، إنها عطية تنبع من النعمة التي يملأ بها المسيح الزوجين والعائلة بأسرها عندما نسمح له بأن يعمل وعندما نلجأ إليه. من الجميل جدًا أنكما احتفلتما بـ “عيد المغفرة” مع أولادكما وجدّدتما عهود الزواج في الاحتفال الإفخارستي. لقد جعلني هذا الأمر أفكر في العيد الذي نظمه الأب للابن الضال في مثل يسوع. لكن هذه المرة كان الوالدان هما اللذان ضاعا وليس الابن! لكن هذا الأمر جميل أيضًا ويمكنه أن يكون شهادة رائعة للأبناء. في الواقع، يدرك الأبناء، فيما يخرجون من سن الطفولة، أن والديهم ليسوا “أبطالًا خارقين”، وأنهم ليسوا كليي القدرة، ولاسيما أنّهم ليسوا كاملين. وأبناءكما قد رأوا شيئًا أكثر أهمية فيكما: لقد رأوا التواضع لطلب المغفرة والقوة التي نلتماها من الرب لكي تنهضا من سقطتكما. هم يحتاجون إلى ذلك حقًّا! في الواقع، هم أيضًا سيرتكبون الأخطاء في الحياة وسيكتشفون أنهم ليسوا كاملين، لكنهم سيتذكرون أن الرب يُنهضنا، وأننا جميعًا خطأة قد غُفر لهم، وعلينا أن نطلب المغفرة من الآخرين وعلينا أيضًا أن نغفر لأنفسنا. هذا الدرس الذي تعلّموه منكما سيبقى في قلوبهم إلى الأبد. شكرًا على شهادة المغفرة هذه!
٤-“خطوة إضافيّة” نحو الضيافة. أشكركما، يا إيرينا وصوفيا، على شهادتكما. لقد أعطيتما صوتًا للعديد من الأشخاص الذين انقلبت حياتهم رأسًا على عقب بسبب الحرب في أوكرانيا. نرى فيكما وجوه وقصص العديد من الرجال والنساء الذين اضطروا إلى الهرب من أراضيهم. نشكركما لأنكما لم تفقدا الثقة في العناية الإلهية، وقد رأيتما كيف يعمل الله لصالحكما أيضًا من خلال أشخاص ملموسين جعلكما تلتقيان بهم: العائلات المضيفة والأطباء الذين ساعدوكما والعديد من الأشخاص الآخرين أصحاب القلوب الطيِّبة. لقد وضعتكما الحرب أمام التهكُّم والوحشية البشرية، لكنكما قابلتما أيضًا أشخاصًا ذوي إنسانية عظيمة. لقد عرفتما أسوأ وأفضل ما في الإنسان! لكن من المهم لنا جميعًا ألا نتوقّف عند الأسوأ، وإنما أن نقدِّر الأفضل، الخير العظيم الذي يمكن لكل إنسان أن يفعله، وأن ننطلق مجدّدًا من هناك. أشكركما أيضًا، يا بيترو وإريكا، على سرد قصتكما وعلى السخاء الذي استضفتما به إيرينا وصوفيا في عائلتكما الكبيرة. لقد أخبرتمانا أنكما فعلتما ذلك من منطلق الامتنان لله وبروح الإيمان، كدعوة من الرب. وقالت إيريكا إن الضيافة كانت “بركة من السماء”. إنَّ الضيافة في الواقع، هي “موهبة” العائلات، ولاسيما العائلات الكبيرة! قد نعتقد أنَّ في المنزل الذي يوجد فيه العديد من الأشخاص، يصعب استضافة آخرين؛ لكن في الواقع ليس الأمر هكذا، لأن العائلات التي لديها العديد من الأبناء هي مُدرّبة على إفساح المجال للآخرين. وهذه، في العمق، هي ديناميكيّة العائلة. تعيش العائلة ديناميكية الاستقبال، لأن الزوجين أولاً قد قبلا بعضهما البعض، مثلما قالا لبعضهما البعض في يوم زفافهما: “أنا أقبَلُك”. ومن ثمَّ، من خلال إنجاب الأبناء، قبلا حياة مخلوقات جديدة. وبينما غالبًا ما يتم في سياقات مجهولة رفض الأشدَّ ضعفًا، إلا أنه من الطبيعي قبوله في العائلات: ابنٌ معاق، شخص مسن يحتاج للرعاية، قريب يعاني من صعوبة وليس لديه أحد … وهذا الأمر يعطي الرجاء. العائلات هي أماكن استقبال وضيافة، والويل لنا إذا غابت! لأنّه بدون عائلات مضيافة سيصبح المجتمع باردًا وغير قابل للعيش.
٥-“خطوة إضافيّة” نحو الأخوَّة. شكرا لك زكية على إخبارنا بقصتك. إنه لأمر جميل ومعزّي أن نرى أن ما بنيتماه معًا أنتِ ولوكا لا يزال حيًّا. لقد ولدت قصتكما وتأسست على مشاركة المثل العليا، والتي وصفتِها على النحو التالي: “لقد أسسنا عائلتنا على الحب الأصيل، مع الاحترام والتضامن والحوار بين ثقافتينا”. ولم يضِع أي شيء من هذا، ولا حتى بعد وفاة لوكا المأساوية. في الواقع، لا يبقى فقط مثال لوكا وإرثه الروحي حيين ويتحدثان إلى ضمير الكثيرين، وإنما تسير المنظمة التي أسستها زكية، بمعنى ما، قدمًا برسالته أيضًا. لا بل، يمكننا القول إن رسالة لوكا الدبلوماسية أصبحت الآن “رسالة سلام” لجميع أفراد العائلة. يمكننا أن نرى جيّدًا في قصتكما كيف يمكن لما هو بشري وما هو ديني أن يتشابكا ويؤتيا ثمارًا جميلة. في زكية ولوكا نجد جمال الحب البشري، والشغف للحياة، الإيثار وإنما أيضًا الأمانة لإيمان كلِّ فرد وتقاليده الدينية، مصدر الإلهام والقوة الداخلية. في عائلتكما يتم التعبير عن المثال الأعلى للأخوَّة. فبالإضافة إلى كونكما زوجًا وزوجة، عشتما كإخوة في الإنسانية، وإخوة في مختلف الخبرات الدينية، وكإخوة في الالتزام الاجتماعي. هذه أيضًا مدرسة نتعلّمها في العائلة. أن نعيش مع هو مختلف عني، في العائلة نتعلم أن نكون إخوة وأخوات. نتعلم أن نتخطّى الانقسامات والأحكام المسبقة والانغلاقات وأن نبني شيئًا رائعًا وجميلًا معًا، انطلاقًا من القواسم المشتركة بيننا. إنَّ أمثلة الأخوَّة المعاشة، كمثل لوكا وزكية، تمنحنا الرجاء وتجعلنا ننظر بثقة أكبر إلى عالمنا الذي تمزقه الانقسامات والعداوات. شكرًا لكما على مثال الأخوَّة هذا!
أيها الأصدقاء الأعزاء، كل عائلة لديها رسالة عليها أن تحققها في العالم، شهادة عليها أن تقدّمها. نحن المعمَّدون، بشكل خاص، مدعوون لكي نكون رسالة أن الروح القدس يستمد من غنى يسوع المسيح ويعطيه لشعبه. لهذا أقترح أن تطرحوا على أنفسكم هذا السؤال: ما هي الكلمة التي يريد الرب أن يقولها من خلال حياتنا للأشخاص الذين نلتقي بهم؟ ما هي “الخطوة الإضافية” التي يطلبها من عائلتنا اليوم؟ ضعوا أنفسكم في الإصغاء. واسمحوا له أن يحوِّلكم لكي تتمكّنوا أنتم أيضًا من أن تحوِّلوا العالم وتجعوله “بيتًا” للذين يحتاجون للضيافة، والذين يحتاجون لأن يلتقوا بالمسيح ويشعروا بأنهم محبوبون. علينا أن نعيش وأعيننا موجّهة نحو السماء: كما كان الطوباويان ماريا ولويجي بلتراميه كواتروكي يقولان لأبنائهما بأن يواجهوا تعب الحياة وأفراحها “وهم ينظرون دائمًا من السقف وإلى أعلى”. شكرا لحضوركم هنا. أشكركم على التزامكم بالمضيِّ قدمًا بعائلاتكم. سيروا قدمًا بشجاعة وفرح ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.
www.vaticannews.va
No Result
View All Result