إيقونةُ والدةِ الإله المرشدة أو (القائدة) في دير السيِّدة – حمطورة
إنَّها الإيقونةُ الأساسيَّةُ في الدير، فهي تُمثِّلُ السيِّدَة والدَة الإلهِ العذراء. تحملُ على يدِها اليسرى ربَّنا يسوع المسيح المتجسِّدَ منها بحالٍ غامضةِ الوصف، وباليَدِ اليُمنى تُشيرُ إليه لِتُقدِّمَهُ إلينا على أنَّه السيِّدُ المبدعُ الذي تنازَل لِيُخلِّصنا. وهو يتجلبَبُ بثوبٍ ترابيٍّ مُذهَّب، يُشيرُ الى طبيعَتَيهِ الإلهيَّةِ والإنسانيَّةِ المتوهِّجةِ ﺑﻬذا الإتِّحادِ المقدَّس. تُشيرُ السيِّدةُ بيَدِها إليه لِتُقدِّمَه لنا إلها ومخلِّصًا. ترمُقُنا بناظرَيها، مُحدِّقة الى أعماقِنا لِتُوقِظ فينا الإيمان. وبحنانِ وجِهها البهيِّ المملوءِ بالحيويَّةِ، تستعطفُ السيِّدَ لِيُخلِّصَنا. ببساطةِ نظرتِها وفقر ثياِبها وبوفرةِ الحنانِ وكثرةِ الرأفةِ، تُرشِدُنا وتجذبُنا إليه، فنجري في إثِرهِ طائعينَ ما تقول، وتُوحي بصمتٍ أشبهَ بالصلاةِ غير المنقطعة.
هذه الإيقونةُ أثرٌ من معالم الحياةِ الرهبانيَّة الحمطوريّة السحيقةِ في التاريخ. بصمتِها تُعلِّمُنا وتُخِبرُنا عن جيل الآباءِ الأوَّلين، كم كانتْ تضحياتُهم بالغة الأهميَّة في عينيّ الربِّ، وكم كان عطاؤهم سخياً. فصِناعتُها تُؤكِّدُ أنَّها من أجوَدِ التقنيات، والموادُ المستعمَلةُ في التذهيب تتطلَّبُ إتقانًا ومهارًة لتبدو مرسومة كأنَّما على صفيحةٍ ذهبيَّةٍ مصقولةٍ بإتقانٍ وعناية. يُميِّزُها تزيينٌ في الهالتَين حول رأسَيّ السيِّدة والسيِّد.
هذه الإيقونة قديمةُ العهد، وقد تشبَّعَت من صلواتِ الآباءِ الأبراِر ومن تنهُّداتِ التائبينَ أمامَها ومن تعظيم الأتقياءِ والزوَّاِر المؤمنين، الذين سكبُوا نفوسَهُم وأمانيهم أمامَها، فاستجابَت لطلباتِهم وأعطت ما يُناسِبُ لخلاص كلِّ شاكٍ. فليسَ أحدٌ يُساِرعُ إليها ويمضي خازيًا، إلاَّ ويرجعُ مملوءًا بركاتٍ من نِعَمِها.
يُخِبرُنا الأقدمون أنَّها كثيرًا ما استجابَت لضَراعةِ الكثيرينَ ممَّن قصدُوها طالبينَ أولادًا في زمنٍ لم يَكُن للطبِّ دورٌ أو فاعليَّة. وشَفَت بوفرةٍ مَن كانوا مرضى، وأراحَت من حزنوا على ميتٍ أو شقوا بسبب غُربَةٍ، وحَمَتْ وفرًة من الأطفال من الموت، إذ أغدَقَت بالحليب على أمَّهاتٍ لم يتوفَّر لأطفالِهنَّ طعامٌ نافع. وكم أعانتْ مِنْ مُلتَجئٍ الى حمايَتِها، فَبَاتَ نشاطُه يُعطي غِلالاً مباركةً وفيضًا لا ينضب. وبعدَ أن دُمِّرَ الديرُ وشُرِّدَ الرهبان،فَكُلَّما حملوها ونقلوها إلى دير القدّيس جاورجيوس، كانتْ ترجعُ دائمًا بطريقةٍ غير منظورةٍ لِتُدلِّ على أنَّ نعمَتَها لا تُفاِرقُ الدير. حتَّى صلَّى الأبُ الرئيسُ إيروثيوس الكفوري، ضارعًا إليها بابتهالٍ، أن إبَقيْ معي في دير القدّيس جاورجيوس وأعيِنيني لأنِّي غيرُ قادرٍ على السَكن في الدير المهدَّم لأخدِمَكِ كعبدٍ أمين. فَبَقِيَت وحفِظت الدير، وكان الزوَّارُ يشعرون بحضوِرها يُهيمِنُ على جوِّ الدير، رغمَ عدَم انضباطِهم أحيانًا.
ومن الملفِتِ أنَّ ما من أحدٍ غادَرَ البلاد، وهاجَر قبل أن يلتَمِسَ برَكتَها، وما مِن مُغتَربٍ إلاَّ وعادَ يزورُها ويشكرُ نعَمَها ومعونَتَها. رمَّمَهَا الرهبانُ، بسبب تَقادُم الزمن عليها، سنة ١٨١٧ كما هو مُسجَّلٌ عندَ حافَّتِها لِتعودَ بأوفر جمالٍ ووقار.
وهي تُزيَّحُ اليومَ لِيتبَارَكَ ﺑﻬا الناسُ عن قُربٍ ولِتُؤكِّدَ لهم عناية والدةِ الإلهِ وحضورَها إلى جانب أولادِ الكنيسة، أولادِها. فارفعي يا والدَة الإلهِ، عمَّن يسجدُون لإيقونَتِكِ المقدَّسةِ ومن يبتهلونَ إليكِ مِن خلالها، كلَّ مرضٍ وكلَّ تراخٍ وكلَّ استهتارٍ، وجُودي بعطفِكِ بالخيراتِ السماويَّةِ والأرضيَّة، واهدينا بإرشادِكِ وقيادَتِكِ لنا إلى خيرِ العمَل بالصالحات، حتَّى يتمجَّدَ اسمُ الربِّ فينا، غافرًا آثامَنَا ومُوَرِّثَنا الحياة، آمين.
No Result
View All Result