كنيسة ومزار سيدة الجبل هي كنيسة كاثوليكية تقع في بلدة عنجرة في محافظة عجلون، شمال غرب الأردن. يعود تأسيسها الحديث إلى عام 1932، حيث اُقيمت على أنقاض كنيسة أثريّة قديمة تعود إلى القرن الرابع للميلاد. تُعد الكنيسة من المواقع الخمس المُعتمدة من الفاتيكان للحج المسيحي، حيث يشرف عليها منذ عام 2000 لتكون وجهةً للحجاج المسيحيين في الأردن.
تعود أهمية هذا المزار عند المسيحيين بأن المسيح ووالدته مريم العذراء قد أمضوا فترة وجيزة في أحد كهوف عنجرة، حيث كان المسيح وتلاميذه ينتقلون في بعض مدن بلاد الشام متجولين، إذ سلك الطريق الواصل بين الناصرة والقدس عن طريق وادي الأردن مارًا بأم قيس، طبقة فحل ثم عنجرة وجرش، ومنها إلى المغطس في نهر الأردن، حيث كان يوحنا المعمدان (النبي يحيى) يسلك هذه الطريق للابتعاد عن اليهود الذين كانوا يريدون قتله.
يُشار إلى أن الحج المسيحي إلى كنيسة سيدة الجبل يُنظم عادةً في شهر حزيران/ يونيو من كل عام.
تعود كنيسة سيدة الجبل إلى القرن الرابع الميلادي تمت إعادة بنائها وترميمها عام 1932 وأحضر تمثال قديم من الخشب للسيدة العذراء ونصب في الكنيسة في عام 1971 م بني كهف داخل الكنيسة ووضع التمثال الخشبي ويعد مزار سيدة الجبل من المواقع الخمسة المعتمدة من الفاتيكان للحج المسيحي، حيث يؤمها المسيحيون للحج يوم السادس من اكتوبر/تشرين الاول من كل عام.
داخل المزار هناك مغارة تحتوي على تمثال لمريم العذراء يحمل الطفل يسوع، محمية بباب من زجاج مُغلق بثلاثة أقفال. ومفاتيح الاقفال تُحفظ عادتا في بيت الكهنة.
تعود هذه التسمية “سيدة الجبل” إلى الطبيعة الجغرافية الواقع عليها هذا المزار، جبال جلعاد الشهيرة. ففي عام 1932، شاهد الأب أنجيلوا فوريستوا، كاهن الرعية (رعية عنجرة) في ذلك الزمان، هذا التمثال (القادم من ايطاليا) في البطريركية اللاتينية في القدس، وأراده لرعيته، حيث احضره ووضعه اولا في الكنيسة الصغيرة والتي كانت في ذلك الوقت في بيت الكهنة، ثم تمّ بناء مغارة صغيرة في ساحة الدير، وبقي على هذه الحالة حتى سنة 1970، حيث قام الأب يوسف النعمات (الذي اصبح كاهن للرعية بعد الاب انجيلوا) ببناء المغارة الحالية. تذكار لجميع الاحداث التي ذكرت في العهد القديم والعهد الجديد في هذة المنطقة، ومنذ ذلك الوقت بدأ المؤمنون يزورون هذه المغارة ويؤدون الإكرام لأمنا مريم العذراء.
لعب تزايد الحجاج المسيحيين إلى هذه البلدة، دورا هاما في بناء مزار قادر على استقبالهم. تم ذلك، عندما قام غبطة البطريرك يعقوب بلترتي البطريرك الأورشليمي بتدشين هذا البناء عام 1983، وكان في ذلك الزمان قدس الأب يوسف النعمات كاهنا للرعية الذي بناه بمناسبة يوبيل كهنوته الفضي. وفي عام 1989 تم توسيع المزار ليتسع اكبر عدد من الزائرين حيث كان عدد الحجاج في تزايد مُستمر. في عام 2000 اقر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني خمسة اماكن حج في الاردن وكان مزار سيدة الجبل من هذه الاماكن الخمسة.
تمثال “سيدة الجبل”
التمثال من خشب السنط القاسي جدا مُغطى بطبقة من الجبص يُتوقع عمره ما بين 150 الى 200 سنة ، نُحت في ايطاليا. ويُمثل هذا التمثال منظرا رائعا للقلب الطاهر منحوتا على صدر التمثال، والعذراء حاملة الطفل الإلهي بين ذراعيها، مُشيرا بيد إلى قلب العذراء الطاهر وباليد الأخرى إلى السماء، مُركزا بذلك على دور الأم وشفاعتها لأبنائها.
في عام 2009 وبناء على طلب آباء الكلمة المتجسد (الرهبان المسؤولين اليوم عن المزار والرعية) تم ترميم التمثال على يد الفنان الانجليزي Ian Knowles ، حيثُ كانت هناك اضرار وشقوق كبيرة في اماكن كثيرة في التمثال، ومع ذلك فالنحت الاصلي للتمثال انيق وجميل جدا. عند انتهاء الفنان من ترميم تمثال العذراء رسم اربعة ايقونات كبيرة تُمثل اسرار السبحة الوردية. فعند دخولنا الى المزار نستطيع مُلاحظة رواقين كبيرين في طبيعة البناء الخارجي للمزار، يغطي هذين الرواقين تلك الايقونات المصنوعة من الخشب المقوى حيثُ يبلغ حجم كل لوحة (3م X 2.70م). وقد استخدم هذا الفنان مواد طبيعية كانوا يستخدمونها بالرسم على زمن المسيح وخاصة في الفن الفلسطيني ورقائق الذهب كأساس للوحات وثياب العذراء، وبهذه الطريقة اراد الفنان أن يُبرز الرسم على الطراز الفلسطيني القديم.
هذه الايقونات تكشف للحجاج أسرار السبحة الوردية التي تدعو بدورها الزائر لمرافقة العذراء في هذه الصلاة الرائعة. يحمل الرواق الأيسر أسرار الفرح واسرار النور، ويحمل الرواق الأيمن أسرار الحزن وأسرار المجد.
الاحتفال السنوي
في عام 1990 إحتُفل لأول مرة في عيد مريم العذراء سيدة الجبل وقد اقر هذا الاحتفال غبطة البطريرك ميشيل الصباح الذي ترأس الاحتفال بحضور مئات الاشخاص من كافة مناطق الاردن. أما في الوقت الحاضر تُعتبر الجمعة الثالثة من شهر حزيران لكل عام، العيد الاحتفالي لمريم العذراء سيدة الجبل حيث يترأس الاحتفال غبطة البطريرك الأورشليمي اللاتيني واساقفة كاثوليك من طقوس مختلفة. ويبدأ الحجاج بزيارة سيدة الجبل اسبوع قبل الاحتفال واسبوع بعد الاحتفال. أما يوم الاحتفال فيحضر ما لا يقل عن 2500 مؤمن من كل مناطق الممكلة حيثُ يُعتبر مزار سيدة الجبل المزار الوطني لمسيحي الاردن.
نعَم مريم العذراء سيدة الجبل
وعلى مر السنين أخذت هذه الأم تفيض على مؤمنيها غزير النعم الخاصة التي يطلبونها قادمين إليها وطالبين شفاعتها. حيث تم تسجيل الكثير من النعم التي حصل عليها عدد من المؤمنين الطالبين شفاعة سيدة الجبل من شفاء من الامراض وتلبية رغبات واحتياجات كانت تبدو مستعصية على طالبيها. وقد تكللت تلك الاحداث ببكاء العذراء سيدة الجبل في السادس من ايّار لعام 2010 دماً. وقد اولت الكنيسة هذا الحدث جُلّ اهتمامها وقام غبطة البطريرك فؤاد الطوال وعدد من الاساقفة بزيارات خاصة للرعية خلال تلك الفترة. وقد قال البطريرك الطوال معلّقاً على هذا الحدث ” العذراء سيدة الجبل تبكي معنا وعلينا”. ان هذا المزار يحتل مكانة خاصة ومريم سيدة الجبل هي أمنا الحنون التي تفيض بالنعم على كل من يقصدها طالباً شفاعتها بكل ايمان وتواضع.