عيد الأب
الرسالة: أف 1: 3-10
الإنجيل: مت 6: 25-34
تبارك الله أبو ربّنا يسوع
يا إخوتي، تبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح، باركنا في المسيح كلّ بركة روحيّة في السماوات، فاختارنا فيه قبل إنشاء العالم لنكون عنده قدّيسين بلا لوم في المحبّة، وقضى بسابق تدبيره أن يتبنّانا بيسوع المسيح على ما ارتضى وشاء، لحمد نعمته المجيدة التي أنعم بها علينا في ابنه الحبيب. فكان لنا فيه الفداء بدمه، أي غفران الخطايا، على مقدار غنى نعمته التي أفاضها علينا بكلّ ما فيها من حكمة وفهم. فكشف لنا سرّ مشيئته التي ارتضى في نفسه أن يحقّقها، أي التدبير الذي يتمّمه عندما تكتمل الأزمنة، فيجمع في المسيح كلّ شيء في السماوات وفي الأرض.
تنتقل الحياة من طرف إلى آخر. في العالم القديم، كان الأب كلّ شيء في البيت. وسيطر الرجل على الحياة الاجتماعيّة، بحيث كانوا يعدّون الرجال في المجتمع، ويقولون: “ما عدا النساء والأطفال”. هؤلاء لا يُحسبون، كأنّهم غير موجودين. الأب يتّخذ القرار المناسب. المرأة تنفّذ. ولا نقول شيئًا عن الولد ولو أراد والده أن يذبحه كما أراد إبراهيم أن يفعل، وكما فعل يفتاح.
واستعادت المرأة شخصيّتها، فكادت تسيطر بشكل خاصّ، في عدد من المحيطات الغربيّة. فأعطيتْ كلّ الحقوق فما بقي شيء للرجل، على مستوى البنين وعلى مستوى الأولاد. هي الشخص الضعيف، والكنيسة تدافع عن الضعفاء، مع الكتاب المقدّس الذي يراعي الأرملة واليتيم (خر 22: 21). والمرأة التي يتركها زوجها، تصبح وكأنّها أرملة، فتهتمّ بها الدولة في الحضارات المتطوّرة.
ولكن مع إنجيل لوقا، كان توازن بين الرجل والمرأة. هي لها دورها، وهو له دوره. هي تكون تقيّة وهو تقيّ، والاثنان يعيشان في وصايا الله ورسومه. هو يصلّي وهي تصلّي. هي مؤمنة تستطيع أن تقرّب زوجها من الله. وهو كذلك. حقوقها حقوقه، وواجباته واجباتها. هذا ما قاله أيضًا بولس الرسول في 1 كور 7: 1ي. لهذا، كانت عودة إلى عيد الأب بموازاة عيد الأمّ، لأنّ الله الرحيم، الذي “يلدنا” كما الأمّ تلد بنيها وبناتها، هو أيضًا أبٌ. وهو يجد صورته في اثنين يحاولان أن يقتديا بحبّه فيصيرا خالقين مع ذلك الذي، من لا شيء، خلق السماوات والأرض.
1- الله أب
صلاة واحدة علّمنا يسوع وهي تبدأ بأجمل نداء: أبانا، يا أبانا. أمّا يسوع فقال في بستان الزيتون: أبّا. هكذا ينادي الأطفال والدهم. تجاه ماما بالنسبة إلى الأمّهات. هذا الأب يهتمّ فينا قبل أن نهتمّ بنفوسنا. يعرف حاجاتنا قبل أن نسأله. يريدنا أن نطلب أوّلاً الملكوت، والباقي يُعطى لنا. وإذا قلنا: أعطنا خبزنا، يُعطى لنا الخبز زيادة عمّا يمكن أن نطلب. فحياة الجسد تحتاج إلى عناية الله، كما حياة الروح.
ولكن كيف نكتشف هذا الأب “الذي في السماوات”؟
نكتشفه من خلال أبينا على الأرض. هو يهتمّ بنا. يؤمّن لنا الطعام والشراب واللباس. يعتني بنا في وقت الصحّة والمرض، في وقت الدرس واللعب، في انطلاق على طرقات الحياة. ولكنّ أبانا على الأرض لا يمكن يومًا أن يحلّ محلّ أبينا السماويّ. عظمته أنّه يشارك الله في أبوّته. أبوّته امتداد لأبوّة الله وإلاّ عارضنا كلام المسيح الذي قال لنا: “لا تدعوا لكم على الأرض أبًا. أبوكم واحد هو الآب السماويّ” (مت 23: 9).
أبونا الأرضيّ يدلّ على الآب السماويّ. ونحن نعطي الاسم الواحد للاثنين. وحين ندعو الله “أبانا”، يجب أن تنفى عنه كلّ ما هو أرضيّ. أوّلاً، هو أب وأمّ. ثمّ هو أبٌ غير آبائنا الذين عندهم أخطاؤهم ومحدوديّتهم وأنانيّتهم حين يريدون أن يستعيدوا حبّهم لوالديهم، لأنّهم ربّوهم. لأنّهم ينسون أنّهم قاموا بواجبهم العاديّ كما يقول الإنجيل. “ما فعلوا إلاّ ما كان يجب عليهم أن يفعلوا” (لو 17: 10). إذا كان الزواج صورة عن عهد بين الله وشعبه، فالأب (والأمّ) يدلّنا على الآب السماويّ ويعطينا صورة ننطلق منها لنعرف أنّنا أبناء وبالتالي ورثة. فيا لفرحتنا.
2- اختارنا
الأب لا يختار أولاده، ولا الأمّ. يستطيع أن يختار امرأة، والمرأة أن تختار زوجًا. واللقاء بين الاثنين على مستوى الجمال والفهم والروح، يُعطي الولد الذي يتمنّاه الوالدان. ولكن، أيكون الولد بنتًا أم صبيًّا؟ لا أحد يقدر أن يقرّر. أيكون ذكيًّا أم لا؟ هذا ما لا يعرفه أحد.
متى يستطيع الأب (والأمّ) أن يختار، وفي إطار محدود؟ حين يتبنّى ولدًا. ويعمل على تربيته أفضل تربية. أذكر محاميًا فرنسيًّا ربّى ابنتين تؤأمين جاءتا من فياتنام. وأيّة تربية. وفكّرت: لو بقيتا في بلدهما مع الحرب الذي عرفتاه ربّما ماتتا. وفي أيّ حال، لما كانتا عليه من ثقافة وحياة، ولضاع جمالهما في حقول الرز وأعمال العبوديّة.
هذا ما يفهمنا بعض الشيء اختيار الله لنا. هو ما اختارنا، لأنّه وجدنا في موضع ما. بل خلقنا. وأعطانا أجمل المواهب. صنعنا على صورته ومثاله. لا على أيّة صورة أخرى. وهكذا نفهم إلى أيّ مستوى رفعنا. فأهدافه رفيعة بالنسبة إلينا. يريدنا كبارًا، ناضجين، فرحين، على مثال والدينا على الأرض. والذين يحسبون أنّ الله خلقنا للشقاء، يدلّون أنّهم لم يعرفوا حقيقة الآب السماويّ. ربّما بسبب أبيهم على الأرض، أو بسبب ما رأوا حولهم وسمعوا.
يُولد الولد في البيت، صبيًّا أو بنتًا، فيكون اختيار الوالدين القبول به والاهتمام به ليكون بحسب أحلامنا، أو بالأحرى بحسب قصد الله بالنسبة إليه وإلى كلّ واحد منّا.
3- تبنّانا
كان الذاهب إلى الحرب يأتي بسبيّة يجعلها جارية في بيته، وتبقى جارية. والسيّد يشتري عبدًا قيمته قيمةُ خدمته. المحارب هو المركز الذي يدور حوله من سباهم والسيّد يدور حوله عبيده. ولكن لا علاقة له بهم. ولا حياة حميمة. هم غرباء ويظلّون غرباء. يبقون في الخارج، ولا يأتون إلى الداخل.
أترى الله تبنّانا هكذا؟ كلاّ. أترى يريد منّا أوّل شيء السجود وإلصاق جبيننا بالأرض؟ كلاّ، عندئذ نكون عبيدًا. هو يريدنا حقًّا أبناءه، وورثة جميع خيراته. أرادنا أن نكون أبناء وبنات مع الابن الوحيد. ليس هناك درجة أولى ودرجة ثانية. لا وجود لمحاباة الوجوه، وتفضيل أحد على آخر. كلّنا اختار، كلّنا تبنّى.
روت لي سيّدة أنّها تبنّت ولدًا. وبعد ستّة أشهر حبلت وكان لها ولد ثانٍ. قالت: أحبّ الواحد كما أحبّ الآخر، هما ابناي.
هكذا بالنسبة إلى الربّ. بملء رضاه ومشيئته بتنّانا، أنعم علينا، منحنا العزاء وغفران الخطايا. قال: لست أدعوكم عبيدًا بعد. فالعبد لا يعرف أسرار سيّده. وهذا ما نستطيع أن نعيشه داخل الأسرة المسيحيّة. كلّ شيء مكشوف للجميع. والقرار يأخذه الجميع. وما من أحد يتفرّد بالقرار، ولو كان الأب. بل هو يسمع أكثر من الآخرين. بل الكلّ يسمعون، يفكّرون، يصلّون. وبعد ذلك، يتّخذ القرار. ولكنّ دور الأب لا يعوّض ولا يحلّ أحدٌ محلّه. وهنيئًا له إن عرف مسؤوليّته وما استقال خاضعًا لامرأته أو لأولاده.
نحن الأولاد وهو الأب. هو الصورة البعيدة عن الآب السماويّ. فيا ليته بكلامه وحياته وأعماله، يدلّ على الله. يكون كالزجاج الذي يجعل نور الله يمرّ فيه. ولا يكون حاجزًا يمنع النور ويشوّه صورة الله.
No Result
View All Result